قائل : ( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وَهُمْ عَنِ الآخِرَة هُمْ غافِلُونَ )(١) ، ومع ذلك نعلم أنّه تعالى لا يفعل إلاّ الخير ، ولا يعجز عن الإيجاد على الوجه الأصلح ، ومن الخطأ أن يطلب الإنسان تحليل ما في الكون من دقائق الأُمور وجلائلها ، بعقله الصغير ودركه البسيط ، ويحكم بأنّه كانت المصلحة في إبقاء هذا وإفناء ذاك ، وكأنّ هذا هو المزلقة الكبرى للمعتزلة ، حيث أرادوا إخضاع كلّ ما في الكون من الحوادث والأفعال لعقولهم.
المناظرة الثانية
دخل رجل على الجبائي فقال : هل تجوز تسمية الله عاقلاً؟
فقال الجبائي : لا ، لأنّ العقل مشتق من العقال ، وهو المانع ، والمنع في حقّه سبحانه محال ، فامتنع الإطلاق.
فقال له الشيخ أبو الحسن : على قياسك لا تجوز تسميته حكيماً ، لأنّ هذاالاسم مشتق من « حكمة اللجام » وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت :
فنحكم بالقوافي من هجانا |
|
ونضرب حين تختلط الدماء |
وقول الآخر :
أبَني حنيفة حكِّموا سفهاءكم |
|
إنّي أخاف عليكم أن أغضبا |
أي نمنع بالقوافي من هجانا ، وامنعوا سفهاءكم ؛ فإذا كان اللفظ مشتقاًمن المنع ، والمنع على الله محال ، لزمك أن تمنع إطلاق « حكيم » عليه سبحانه.
فقال الجبائي : فلم منعت هذاوأجزت ذاك؟
فقال الأشعري : إنّ طريقي في مأخذ أسماء الله ، الإذن الشرعي دون القياس اللغوي ، فأطلقت « حكيماً » لأنّ الشرع أطلقه ومنعت « عاقلاً » لأنّ الشرع منعه ، ولو أطلقه الشرع لأطلقته. (٢)
ويلاحظ على هذه الرواية :
ــــــــــــــــــ
١ ـ الروم : ٧.
٢ ـ طبقات الشافعية : ٢/٢٥١ ـ ٢٥٢ بتلخيص منّا.