ثالثاً : لو كانت مصدرية لتمّت الحجة صالح الخليل ولانقلبت عليه. إذا عندئذ ينفتح لهم باب العذر ، بحجّة أنّه لو كان هو الخالق لأعمالنا فلا جهة للتوبيخ والتنديد.
كلّ هذه الوجوه توضح أنّ المراد : أنّ الله خلق الإنسان وخلق الأصنام التي يعملها الإنسان ، أي يصوّرها ويشكلها. وعندئذ لا صلة له بما يدّعيه الأشعري.
أمّا الآية الثانية فلا شكّ أنّها صريحة في حصر الخالقية بالله سبحانه وكم لها من نظير في القرآن. قال سبحانه : (قُلِ الله خالِقُ كُلُّ شَيء وَهُوَ الواحِدُ القَهّار ) (١)وقال عزّ من قائل : (اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيء وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء وَكيل ) (٢) وقال تعالى : (ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيء لا إِلهَ إِلاّ هُوَ ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في قصر الخالقية على الله. (٤)
غير أنّ الذي يهم القارئ الكريم هو الوقوف على ما تهدف إليه الآيات ، فإنّ لهذا القسم من الآيات احتمالين لا يتعيّن أي منهما إلاّ باعتضاده بالآيات الأُخرى ، ودونك الاحتمالين :
الأوّل : حصر الخلق والإيجاد على الإطلاق بالله سبحانه ، وأنّه ليس في صفحة الوجود مؤثر وموجد وخالق إلاّ الله سبحانه ، وأمّا غيره فليس بمؤثر ولا خالق ، لا على وجه الاستقلال ولا على وجه التبعية ، وعلى ذلك فما ترى من الآثار للظواهر الطبيعية فكلّها مفاضة منه سبحانه مباشرة ، من دون أن يكون هناك رابطة بين الظاهرة المادية وآثارها ، فالنار بمعنى أنّه جرت سنّة الله سبحانه على أن يوجد الحرارة عند وجود النار مباشرة ، من دون أن يكون هناك رابطة سببية ومسببية بينها وبين أثرها ، وكذلك الشمس مضيئة والقمر منير ، بمعنى أنّه جرت عادة الله سبحانه على إيجاد الضوء والنور مباشرة ، عقيب وجود الشمس
ــــــــــــــــــ
ـ الرعد : ١٦.
٢ ـ الزمر : ٦٢.
٣ ـ غافر : ٦٢.
٤ ـ لاحظ : الأنعام١٠١ ـ ١٠٢ ؛ الحشر : ٢٤ ؛ الأعراف : ٥٤.