يلاحظ على الاستدلال بالآية الأُولى بأُمور :
أوّلا : أنّ الاستدلال مبني على كون « ما » في قوله سبحانه وما تعملونمصدرية ، وأنّ معنى الآية : والله خلقكم وعملكم ، وليست بموصولة حتى يكون معنى الآية والله خلقكم وخلق الذي تعملونه من الأصنام ، كقوله سبحانه : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمواتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ). (١)
ولكن الظاهر من الآية هو الثاني لا الأوّل ، بقرينة قوله : « أَتعبُدون ماتَنحِتُون » وهي فيها موصولة بلا إشكال ، فتكون قرينة على المراد في الآية الثانية ، إذ ليس « ماتعملون »إلاّ ترجمة لقوله « ما تنحتون » ولا يصار إلى التفكيك إلاّ بدليل قاطع.
وإنّما ذهب من ذهب إلى أنّ « ما » مصدرية ، وأنّ المراد « عملكم » لأجل رأي مسبق ومحاولة يطلب الدليل عليها ، ولولاها لما قال به.
فعلى المختار يكون معنى الآية : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها والله خلقكم أيّها العبدة والأصنام التي تعملونها ، وبذلك يكون الربط بين الآيتين محفوظاً ، بخلافه على القول الآخر.
إذ عليه تفقد الآية الثانية صلتها بالأُولى ، ويكون مفاد الآيتين : أتعبدون الأصنام التي تنحتون ، والله خلقكم وأعمالكم وأفعالكم ، وإن لم يكن للعمل صلة بعبادة ما ينحتوته.
ثانياً : إنّ الخليل عليهالسلام عندما أدلى بمفاد الآيتين كان في مقام الاحتجاج على عبدة الأصنام ، ولا يصحّ الاحتجاج إلاّ باتّخاذ« ما » موصولة كناية عن الأصنام المنحوتة ، فكأنّه قال : « إنّ العابد والمعبود مخلوقان لله ، فكيف يعبد المخلوق مخلوقاً مثله؟ » على أنّ العابد هو الذي عمل صورته وشكله ، ولولاه لما قدر أن يصوّر نفسه ويشكلها. ولكن لو كان مفاد الآية : « والله خلقكم وخلق عملكم » لم يصحّ الاحتجاج به على العبدة ولم ينطبق على المقام.
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنبياء : ٥٦.