وحاصله أنّ صدور الفعل من الإنسان في ظل قوة محدثة هو الكسب.
يلاحظ عليه : أنّ ظاهر العبارة هو صدور الفعل بسبب قوة محدثة من الله في العبد ، وعليه يكون الفعل مقدوراً للعبد ومخلوقاً له ، ومعه : كيف يمكن أن يكون في عرضه مقدوراً لله ومخلوقاً له؟!
وبعبارة ثانية : إمّا أن يكون للقوة المحدثة في العبد تأثير في تحقّق الفعل أو لا؟فعلى الأوّل يكون الفعل مخلوقاً للعبد ، لا لله سبحانه ، وهو ينافي الأصل المسلّم عند الأشعري ومن قبله من الحنابلة ، من أنّ الخلق بتمام معنى الكلمة راجع إليه سبحانه ، ولا تصحّ نسبته إلى غيره ، وعلى الثاني : يكون الفعل مقدوراً مخلوقاً لله سبحانه ، من دون أن يكون لقدرة العبد دور في الفعل والإيجاد. وعندئذ يعود الإشكال وهو : إذا كان الفعل مخلوقاً لله كيف يكون المسؤول هو العبد؟!
وباختصار : إنّ العبارة المذكورة عبارة مجملة ، وهي على فرض القول بتأثير قوة العبد في عرض قدرة الله سبحانه أو طولها ، يستلزم إمّا اجتماع القدرتين على مقدور واحد ـ إذا كانت القدرتان في عرض واحد ـ أو كون الفعل مقدوراً للقدرة الثانية ، أعني : قدرة العبد ـ إذا كانت القدرتان طوليتين ـ وعلى فرض عدم تأثير قدرة العبد ، وكون الفعل متحقّقاً بقدرته سبحانه عند حدوث القدرة في العبد ، يعود الإشكال بعينه ، ولا تكون للكسب واقعية أبداً.
والظاهر من المحقّق التفتازاني ترجيح الشق الأوّل في تفسير كلام الأشعري ، حيث قال في شرح العقائد النسفية : فإن قيل : لا معنى لكون العبد فاعلاً بالاختيار إلاّكونه موجداً لأفعاله بالقصد الإرادة ، وقد سبق أنّ الله تعالى مستقل بخلق الأفعال وإيجادها ، ومعلوم أنّ المقدور الواحد لا يدخل تحت قدرتين مستقلتين ، قلنا : لا كلام في قوّة هذا الكلام ومتانته ، إلاّ أنّه لما ثبت بالبرهان أنّ الخالق هو الله تعالى ( هذا من جانب ) و ( من جانب آخر ) ثبت بالضرورة أنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلاً في بعض الأفعال ، كحركة اليد ، دون البعض كحركة الارتعاش ، احتجنا في التقصي عن هذا المضيق إلى