الباب حديث يعتمد على إسناده ، بل جميع أخباره ضعيفة. حتّى ولو فرض صحة إسناد بعضها ، لكنّها في محتواها مخالفة لأصول المذهب ، ولأحاديث الفطرة على التوحيد. إنّ من أصول مذهبنا العدل واللطف الشامل. فلا يجعل بعض الناس في فطرتهم أقرب إلى الطاعة وبعضهم أبعد. وكان التبعيض في خلق الإنسان مخالفا لمقتضى العدل. إنّه تعالى سوّى ـ في اللطف والتوفيق ـ بين مختلف الشعوب والطوائف ، ومكّن لهم جميعا القدرة على الامتثال واجتناب الآثام ، بحيث كان تمهيد السبيل للجميع على سواء.
فلو كان خلق بعض الناس من طينة خبيثة ، فإن كان لا يمكنه التخلّص منها ، فهذا جبر باطل. وإمّا يوجب تسهيلا له في ارتكاب القبائح ، فهذا بنفسه قبيح ، لأنّه تبعيض في مرحلة اللطف بعباده. الّذي هو تمهيد الأسباب نحو الخير والصلاح.
على أنّ ذلك مخالف لأحاديث الفطرة على التوحيد ، وأن ليس في أصل الخلقة تشويه أو عيب ، وإنّما العيب عارض. كما خلق الله الماء صافيا ، وإنّما تكدره الأوساخ العارضة. وهكذا الإنسان خلق سليما ـ على الحنيفيّة البيضاء النقيّة ـ لو لا أن يكدر صفوة الأدناس الّتي تعترض طريقه.
قال : فالأصل الّذي عليه اعتقادنا : أنّ جميع آحاد الناس متساوون في الفطرة وفي أصل الخلقة ، ومتصافّون على اجتياز مسالك الخير والصلاح ، واجتناب مباعث الشرّ والفساد ، ماداموا على الفطرة الأولى ولم يجرف بهم الطواري.
فما خالف هذا الأصل الأصيل فهو مرفوض إن لم يكن قابلا للتأويل (١).
***
وللمولى محمّد صالح المازندراني رحمهالله هنا توجيها حاول فيه تأويل تلكم الأخبار إلى ما يمكن قبولها بعض الشيء ، دون الرفض الباتّ!
قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا خلق الأرواح وعلم أنّ بعضها يهوي إلى الخير والصلاح ، وآخر يبغي الشرّ والفساد ، مهما كانوا ومن أيّ طينة خلقوا. فكان من سابق علمه أن جعل طينة أبدان هواة الخير من علّيّين. وطينة أبدان بغاة الشرّ من سجّين. وذلك رعاية للمناسبة والمجانسة بين كلّ
__________________
(١) راجع : شرح أصول الكافي للمولى صالح المازندراني ٨ : ٤ ، التعليقة رقم ١ ، بتوضيح.