ويرى أنّه بفضل الله عليه أن وفّقه لهذه الحسنة. فهذا وإن كان نوعا من الإعجاب بالنفس لكنّه إعجاب ناشئ من حسن ظنّه بالله تعالى ... فإنّ الأعجاب الموجب للهلكة هو الّذي ينشأ عن كبر ونخوة ، فيستعظم من عمل نفسه ويستصغر عمل الآخرين ، إعجابا بالنفس غرورا واستكبارا.
قال المحقّق الهمداني : العجب أن يرى الإنسان من عمل نفسه عظيما ويستحقر عمل الآخرين. واستشهد بكلام بعض العارفين ، حيث قال : العجب نبات ، حبّه الكفر وأرضه النفاق وماؤه البغي وأغصانه الجهل وورقه الضلالة وثمره اللعنة والخلود في النار.
قال المحقّق الهمداني : ويزيد في الطين بلّة ما لو أضاف إلى الإعجاب بالعمل المنّة على الله تعالى ، كما قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١). قال : ومع ذلك فليس مطلق العجب بالعمل حابطا إذا لم يكن عن كبر وغرور وعن استكبار على الله. بل كان عن ابتهاج غمره من حسن ظنّه بالله أن وفّقه لعمل صالح وسدّد خطاه في الإتيان به كملا كما أراده الله ، ويرجو مثوبته من فضله ورحمته بالمؤمنين (٢).
وذكر قبله حديث زرارة الآنف وقال : إنّ مجرّد المحبّة والسرور الموجب لازدياد الشوق ، من دون أن يكون لذلك تأثير في البعث على العمل والإخلاص في إتيانه ، فهذا لا يضرّ بصحّة العمل ، مادام كونه تبعيّا بلا تأثير (٣).
وقال بعض أهل المعرفة : إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ، ثمّ وردت واردة الرياء ، سواء في الأثناء أو بعد الفراغ ، فهذا لا يضرّ بصحّة العمل ومقبوليّته ، إذا لم يكن لهذه الواردة تأثير لا في العمل ولا في كيفيّة امتثاله. ولا سيّما الطارئ بعد العمل ، حيث لا يؤثّر المتأخّر وجودا فيما تمّ على الصحة والكمال.
[٢ / ٣٧٥] وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ رجلا سأله عمّن أسرّ بعمله ، وهو لا يحبّ أن يطّلع عليه أحد ، فيطّلع عليه ، فيسرّه.؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لك أجران : أجر السرّ وأجر العلانية» (٤).
وذكر المجلسي عن بعضهم : أنّه إن كان سروره باعتبار أنّه تعالى أظهر جميله أو باعتبار أنّه
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ١٧.
(٢) راجع مباحثه في باب الوضوء : الكلام عن النيّة وعن العجب في العمل. كتاب الطهارة : ١٢٠ ـ ١٢١.
(٣) المصدر : ١١٩.
(٤) راجع : مرآة العقول ، المجلسي ١٠ : ٩٦.