هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)(١) أنّ ذلك كما يقولون وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٢) يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحد وجوه الكفر.
وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة فهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده ، وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(٣) وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(٤) فهذا تفسير وجهي الجحود.
والوجه الثالث من الكفر كفر النعم ، وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان عليهالسلام : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(٥) وقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ)(٦) وقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)(٧).
والوجه الرابع من الكفر ، ترك ما أمر الله ـ عزوجل ـ به وهو قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ)(٨) فكفّرهم بترك ما أمر الله ـ عزوجل ـ به ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٩).
__________________
(١) الجاثية ٤٥ : ٢٣.
(٢) البقرة ٢ : ٦.
(٣) النمل ٢٧ : ١٤.
(٤) البقرة ٢ : ٨٩.
(٥) النمل ٢٧ : ٤٠.
(٦) إبراهيم ١٤ : ٧.
(٧) البقرة ٢ : ١٥٢.
(٨) البقرة ٢ : ٨٤ ـ ٨٥. وقوله : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) أي بالميثاق. وقوله : (تَظاهَرُونَ) أي تعاونون.
(٩) البقرة ٢ : ٨٥.