النافع والضارّ والصلاح والفساد ، في بداهة عقله الرشيد المفطور عليها. قال
تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ
عَيْنَيْنِ. وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ). هداية في فطرته وجبلّته التي خلقه الله عليها. ومن ثمّ
جاء في أحاديث أهل البيت عليهمالسلام : أنّ العقل رسول باطني ، وأنّ الرسل والأنبياء جاؤوا ليثيروا دفائن العقول .
[٢ / ٢٩٦] جاء
في حديث الإمام الكاظم عليهالسلام : «إنّ لله على الناس حجّتين ، حجّة ظاهرة وحجّة باطنة
، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهمالسلام وأمّا الباطنة فالعقول» .
المرتبة
الثالثة : نصب الدلائل وبعث الرسل ، وإنزال الكتب والشرائع ، هداية تشريعيّة لائحة
جاءت لتؤيّد وتثير تلك الهداية الكامنة في مطاوي العقول.
وهذه الأنحاء
الثلاثة من الهداية (الفطرة. العقل. الشريعة) جاءت عامّة وشاملة كلّ طوائف الناس
وجميع الأمم من ولد آدم على الإطلاق .. وبهذا المعنى (الهدايات الثلاث العامّة)
جاء قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً) بالإجابة والعمل (وَإِمَّا كَفُوراً) بالإعراض والتولّي .
أي أوفينا له
سبل الاهتداء إلى الصواب ، شكر أم كفر ، إذ لا جبر في التكليف ، إنّما هو إرائة
طريق ، سلكه أم لم يسلكه ، كلّ ذلك باختياره في الرفض والقبول .. (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ
يَهْدِي السَّبِيلَ) ، أي يجعلهم على وضح الحقّ لا غبار عليه ، فإن استسلموا
فعن وعي صادق ، وإن نفروا فعن غبن فاحش ، (لا إِكْراهَ فِي
الدِّينِ ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ).
قال تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ
وَكِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
المرتبة
الرابعة : توفيق رحماني وتسديد للخطى نحو الصواب ، عناية ربانيّة خاصّة بأولئك الّذين
ثبتوا على الحقّ والتزموا النهج المستقيم ، ولم يحيدوا عن هدي الفطرة ونور العقل
وإرشادات الشرع الحنيف. (إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ
أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
__________________