المحل الواحد من الجنس الواحد على الوجه الواحد بأزيد من مقدور واحد ، إذ لو تعدّت ولا حاصر لتعدّت إلى ما لا نهاية له ، ومعلوم خلاف ذلك ؛ لأنّ القول بتعدّيها يزيل التفاضل بين القادرين ، وقد علمنا خلاف ذلك ؛ وقد ثبت أنه تعالى قادر لا بقدرة ، فيجب أن لا ينحصر مقدوره في الجنس ولا في العدد.
وإذ قد ذكرنا (١) أن بعض العدلية قد ذهب إلى أنه تعالى غير قادر على أعيان مقدورات العباد ؛ فلأنّ عين المقدور الواحد يستحيل أن يكون مقدورا لقادرين ، والله تعالى إنّما يوصف بكونه قادرا على ما يصح دون ما يستحيل.
وإنّما قلنا : بأنّه يستحيل مقدور بين قادرين ؛ لأنّه لو كان صحيحا ثم دعى أحدهما داع مكين إلى إيجاد ذلك المقدور ، والآخر صرفه صارف مكين عن إيجاده لم يخل إمّا أن يحصل مراداهما (٢) ، أدى ذلك إلى أن يكون موجودا بحسب داعي أحدهما ، وإلى أن يكون معدوما بحسب صارف الآخر ، فيكون موجودا معدوما وذلك محال. أو لا يحصل مراداهما جميعا وذلك محال ، لأنّه يخرج عن كونه مقدورا لواحد منهما. أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر فذلك محال ؛ لأنّ من حق القادر أن يحصل فعله عند دعاء الداعي المكين ، وأن لا يحصل عند حصول الصارف المكين. وقد أدى إلى هذه المحالات القول بمقدور بين قادرين ، فيجب أن يكون محالا ، وفيه نظر (٣).
__________________
(١) لعله يريد قوله في أول الفصل : أجناس المقدورات ، تعليق على قول بعض العدلية يقال بالنظر إلى قدسيته لا يعجزه شيء ، وبالنظر إلى حكمته لا يفعل مقدورات عباده لئلا يبطل الثواب والعقاب ، ثم إن عين مقدور العبد يستحيل أن يكون فعلا لغيره وهو ما قصده بعض العدلية.
(٢) في بقية النسخ (مرادهما).
(٣) المقدور بين قادرين متفقين لا مختلفين يمكن حصوله وفاقا لأبي الحسين البصري من المعتزلة ، وخالف بعض متأخري الزيدية كالمهدي عليهالسلام وغيره من الشيعة وجمهور المعتزلة ، فقالوا : إنه محال فلا تتعلق قدرة قادر بعين ما تعلقت به قدرة قادر آخر ،