الذنوب المفضية إلى العذاب الدائم ، فمنفعة التوبة حسم تلك المضرة بالكلية ، منفعة أخرى ، وهي (١) حصول الثواب الدائم على فعل التوبة ، فقد دفعت أعظم الضرر وجلبت أعظم النفع ، فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عنها طرفة عين.
وفي حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (٢) ، وفي حديثه عليهالسلام : «إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ما علموا من مساويه ، وأمر الجوارح أن يكتموا ما علموا من مساويه» (٣).
المبحث الثالث (٤) : في شروطها وصفتها ولها شرطان : أحدهما أن يتوب عن القبيح لقبحه فقط ، لا لمخالفة الناس ، ولا لخوف الفضيحة ، ولا لطلب نفع من أحد ، ولا لغير ذلك من الأغراض ، فإنّ من أساء إلى الغير واعتذر إليه لأجل قبح ما فعله معه ـ قبح منه ترك قبول عذره ، ويسقط اللوم عن المعتذر ، ومتى كان ذلك لغرض ـ لم يحصل ما ذكرناه من سقوط اللوم عنه ، ولزوم القبول. والشرط الثاني أن لا يتوب عن قبيح مع استمراره على قبيح آخر ؛ لأنه إنما تاب لقبحه ، فمتى كان مقيما على قبيح مثله ـ انتقض الغرض بالتوبة ، وجرى مجرى من يتجنّب العسل لحلاوته ، فإنه متى استعمل السّكّر ـ انتقض عليه غرضه باجتناب العسل ؛ لاشتراكهما في الحلاوة. وقد دل على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه» (٥).
__________________
(١) في (ب) : وهو.
(٢) أخرجه المرشد بالله ١ / ١٩٨. وابن ماجه في سننه ٢ / ١١٤ رقم ٤٢٥٠. والبيهقي في السنن ٥ / ٣٨٨ رقم ٧٠٤٠ ، والهيثمي في مجمع ١٠ / ٥٠.
(٣) أخرجه المرشد بالله في أماليه ١ / ١٩٨ ، المنذري في الترغيب ٤ / ٩٤ ، وعزاه الأصبهاني. والمتقي الهندي في الكنز ٤ / ٢٠٩ رقم ١٠١٧٩ ، وعزاه إلى ابن عساكر.
(٤) في (ج) : المبحث الرابع.
(٥) أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٩٧.