الذين تابوا وماتوا على التوبة ، ولمن استوت حسناته وسيئآته فيبقى غير مستحقّ للثواب ولا للعقاب ؛ فيشفع له ؛ ليرقى درجة أعلا من درجات الصبيان والمجانين ، ويرفع إلى منزلة عالية لم يكن لينالها إلا بالشفاعة. فأما العصاة المصرّون على معاصيهم حتى يأتيهم الموت على غير توبة فلا شفاعة لهم ، وتصديق ذلك قول الله سبحانه : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨].
ومعلوم أنّ من مات مصرّا على الكبائر فإنه غير مرتضى عند الله تعالى ، وقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] ، والمصرّ على الكبيرة حتى مات عليها ظالم لنفسه ، قال تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١] ، وقوله عزوجل : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [البقرة : ٢٧٠] ، وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كذّب بالشفاعة لم ينلها يوم القيامة» (١).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رجال من أمتي لا تنالهم شفاعتي : ذو سلطان ظلوم غشوم ، ومارق من الدين خارج منه» (٢) ، فأما ما يحتجّ به المخالفون من قولهم ، في رواياتهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (٣) ، فهو
__________________
(١) شمس الأخبار ٢ / ٣٨٨.
(٢) شمس الأخبار ٢ / ٣٨٧. والشافي ٣ / ٢٦٣.
(٣) والحديث الذي روي «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» مكذوب. وقد جزم بذلك الذهبي في ميزانه [١ / ٤٦٦] حيث قال في ترجمة صديق بن سعيد الصّوناخي التركي عن محمد بن بصير المروزي عن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» هذا لم يروه هؤلاء قط ، لكن رواه عن صديق من يجهل حاله : أحمد بن عبد الله السرسي فما أدري من وضعه. رقم الترجمة ٣٨٢٨. ومع حكم الذهبي بوضعه ، ودلالة الحديث بمتنه وسنده على عدم صحته ؛ فقد ورد في كتب الحديث المشهورة كالترمذي ٤ / ٥٣٩. وأحمد بن حنبل ٤ / ١٣٢٢١. وسنن أبي داود ٥ / ١٠٦ رقم ٤٧٣٩. والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٨٢ ، وقال : هذا حديث صحيح وعلى شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد خرجه غيره بنفس اللفظ ، وألفاظ أخرى متعددة.