وكذلك من نظر في خلق الطاوس وحده اكتفى ، وقد وصفها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في بعض خطبه (١) بما فيه كفاية ، ومن جملته قوله فيها : «فإذا تصفحت شعرة من شعره أرتك حمرة وردية ، وتارة خضرة زبرجدية ، وأحيانا تريك (٢) صفرة عسجدية».
وعلى الجملة فمن نظر في أقل قليل من خلق العالم علم أنّه محكم غاية الإحكام ، ومتقن نهاية الإتقان ، على حدّ يعجز عنه الخلق كلّهم. فثبت أنه قد صح منه الفعل المحكم. ولا شبهة في كونه ابتداء ؛ لأنه خالق الفاعلين ، وإله الأوّلين والآخرين.
وإنما قلنا : بأن الفعل المحكم لا يصح ابتداء إلا من عالم ؛ بدليل أنّ من صح منه ذلك لا بد أن يفارق من تعذّر عليه بمفارقة لو لا ها لما صح منه ما تعذر على الآخر ، على نحو ما تقدم. وتلك المفارقة هي التي عبّر عنها أهل اللغة بكونه عالما ، وقد بيّنا أنه تعالى أوجد العالم على نهاية الإحكام ؛ فوجب وصفه بأنه عالم ، لأنّ الدليل يطّرد شاهدا وغائبا.
فصل فيما يوافق ذلك ويؤكده من الشرع :
قال الله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن : ١١] ، وهذا يقتضي أنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، لأنّ الخطاب عامّ لا تخصيص فيه ، وقال تعالى في صفة نفسه : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [طه : ٧] ، وقال تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩] ، وقوله تعالى : (إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ
__________________
(١) رقم الخطبة : ١٦٣. ص ٣٩٨. من نهج البلاغة. وبعض النسخ رقم ١٦٥.
(٢) لا توجد (تريك) في لفظ النهج.