غير أنّ بعض العدلية قد ذهب إلى أن ذلك مخصوص بدليل العقل (١) ، قال : لأنّ دليل العقل قد دلّ على أنّ أفعال العباد منهم لا منه عزوجل ؛ لأن ذلك يؤدي إلى مقدور بين قادرين. وسيأتي بيانه مفصلا فيما بعد إن شاء الله تعالى. فكان دليل العقل في ذلك مخصّصا للآية ، إلى غير ذلك من الآيات (٢).
__________________
(١) وهو النّظّام فقد قال : إن الله لا يستطيع ولا يقدر على فعل القبيح ؛ لأنه لو كان قادرا عليه لصدر عنه. وأقول : والأولى أن يقال : إنّ الله من ناحية القدرة لا يعجزه شيء ، ومن ناحية الحكمة والعدل لا يفعل القبيح كالوالد الشفيق يقدر على ذبح ولده الصغير لكنه لا يفعل ذلك ، والله أعلم. وقال عبّاد بن سليمان الصّيمري والأشعري من الجبرية : لا يقدر على خلاف معلومه. وأقول : هو يقدر على خلاف معلومه لكن الحكمة تمنع ذلك. وقال البلخي : لا يقدر على مثل مقدور عبده ، وأقول : الأولى أنه يقدر على مقدور عبده ؛ إلّا أنّ الفعل لا يصدر عن فاعلين ؛ لأن الفعل إذا صدر عن العبد فهو مخصوص به ؛ لأنهم قرروا بعدم إمكان فعل بين فاعلين ، وحمل الخشبة من مجموعة من الناس ليس فعلا بين فاعلين ؛ لأن كل واحد يحمل حصته. والمستحيلات هي التي ركبها الله في العقول أنها مستحيلة كخلق جسم لا متحرك ولا ساكن أو لا مجتمع ولا مفترق. وقال أبو هاشم ووالده أبو علي : لا يقدر على عين مقدور العبد. ينظر شرح الأصول الخمسة ٣١٢ ، والمعالم الدينية في العقائد الإلهية ٦١ ، والمغني ٦ / ١٢٧ ، وشرح المواقف للجرجاني ٢ / ٩٢ ، والإلهيات ١ / ١٤٦
(٢) وكون أفعال العباد منهم لا يعني أنه سبحانه غير قادر عليها ؛ لأن قدرتهم على أفعالهم إنما هي بالقدرة التي خلقها الله فيهم ، وتركهم أحرارا في فعلهم ليترتب على ذلك الثواب والعقاب ، وهو قادر على خلق الأفعال فيهم إلا أنه متنزه عن ذلك ، إذ لو فعل لكان أولى باللوم على المعاصي من العباد ، فافهم ولا تنخدع بوسوسة المبطلين الذين يهولون بأن لا خالق إلا الله لأنا نقول : هذا صحيح فيما فيه تمجيد وتبجيل لله ، لكن الزنى والكفر خارج عن هذا ، وقوله سبحانه : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إنما أتى بعد تعداد الآيات الكونية ، فانظر أول سورة الرعد ، والأنعام ٩٤.