والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يدين ويخبر الناس بأن هذا القرآن المتلوّ المعروف هو كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله ، وأنه حق لا باطل فيه ، وهذا معلوم بالاضطرار لمن عرف الأخبار ، وبحث عن الآثار. وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يدين إلا بالحق ، ولا يخبر إلا بالصدق ؛ لأنّ ظهور المعجز على يديه قد أمّننا من وقوع الخطإ فيما يدين به ، وظهور الكذب فيما يخبر به ، وقد قال الله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦].
ومعلوم بالاضطرار أنّ الذي أسمعه رسول الله صلّى عليه وآله المشركين هو هذا المتلو المعروف ، وقال الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف : ٢٩ ، ٣٠] ، وقال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) [الجن : ١ ـ ٢]. والمعلوم أنّ المسموع هو هذا القرآن المشار إليه دون غيره ، وقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) الآية [فصلت : ٤١ ـ ٤٢] ، فثبت بذلك ما قلنا.