الوجه الثاني أن الشرائع مصالح. والمصالح (١) يجوز اختلافها في الأزمنة والأمكنة وأعيان المكلفين ، وإذا جاز اختلافها جاز ورود النسخ عليها.
وإنما قلنا : بأنها مصالح ، لأنها لو لم تكن مصالح لما حسنت ولا وجبت ، ولا حسن من الله تكليفنا إباها.
وإنما قلنا : بأن المصالحك يجوز اختلافها في الأزمنة والأمكنة وأعيان المكلفين لما نعلمه في الشاهد أن الطبيب العارف بالطب قد يأمر المريض بأن يستعمل في وقت ومكان ما ينهاه عن استعمال مثله في وقت آخر ، ومكان آخر ، ويأمره في وقت ومكان بأن يستعمل من الأدوية ما ينهى غيره من المرضى والأععلاء عن استعماله في ذلك الوقت ، وفي ذلك المكان. والأمر في ذلك ظاهر.
وإنما قلنا بأنه إذا جاز اختلافها جاز ورود النسخ عليها ، لأنا لا نعني بجواز ورود النسخ عليها إلا ذلك ، لأن التعبد بالشرائع فرع على ثبوت المصلحة فمتى اختلفت المصلحة جاز اختلاف التعبد وهذا واضح. وقد أكد الشرع ذلك فيما رويناه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال عن الله تعالى : إنه سبحانه يقول : «إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ، ولو أصححته لأفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك. إني أدبر أمر عبادي لعلمي بقلوبهم. إني عليم خبير» (٢). فثبت أن ذلك تابع للمصلحة.
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : بحذف «والمصالح».
(٢) أخرجه في تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٢٤٨ ، كما ذكره في موسوعة أطراف الأحاديث النبوية ص ٤٣٨. والأولياء لابن أبي الدينا ص ٢٨ ، ومجمع الزوائد ٢ / ٢٤٨ ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير.