فصل : في جواز نسخ الشرائع ، ووقوعه
والكلام فيه يقع في موضعين : أحدهما في حكاية المذهب وذكر الخلاف. والثلاني في الدلالة على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالف.
أما الموضع الأول : فذهب أهل الإسلام كافة إلى جواز نسخ الشرائع. والخلاف في ذلك مع اليهود. وذهب قوم ممن يعتزي إلى الإسلام إلى أن النسخ في شريعتنا لا يجوز (١). وقال بجوازه في الشرائع المتقدمة ووقوعه.
وأما الموضع الثاني : وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالف : فالذي يدل على ذلك وجهان : أحدهما أن النسخ في الشرائع قد وقع. والوقوع فرع علي الجواز. وإنما قلنا : بأن النسخ في الشرائع قد وقع ، لما نعلمه أنه كان في شريعة آدم عليهالسلام جواز تزويج الأخ لأخته التي لم تولد معه. وكان في شريعة يعقوب عليهالسلام جواز الجمع بين الأختين ، ثم صار ذلك محرما في شريعة موسى عليهالسلام.
وروي في التوراة أن الله تعالى قال لنوح عليهالسلام عند خروجه من الفلك : إني قد جعلت كل دابة حية مأكلا لك ولذريتك ، وأطلقت ذلك لكم ، كتبات العشب ، ما خلا الدم فلا تأكلوه. وقال الله تعالى في قصة عيسى عليهالسلام حكاية عن عيسى (٢) : (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) [آل عمران : ٥٠] ، فدل جميع ذلك على وقوع النسخ في الشرائع المتقدمة (٣). فأما في شريعتنا
__________________
(١) وهم غلاة الإمامية والتناسخية كما في معيار العقول ص ٤٢٩. المعتمد عند الإمامية أن نسخ القرآن بالقرآن جائز ونسخ القرآن بالسنة القطعية جائز. ينظر مجمع البيان ج ١ ص ٣٤٢. وأصول الفقه للشيخ محمد آل المظفر ص ٣٢٢.
(٢) في (ب) حكاية عن عيسى محذوفة.
(٣) قال في منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٤٢٩ : والإجماع منعقد على جواز النسخ الذي هو رفع الأحكام بعد ثبوتها ، إلا ما روي عن جماعة شذوا ، وأظن أكثرهم =