قبيحة على ما يأتي بيانه ، وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما تقدم ، وكذلك الهدى بمعنى الحكم والتّسمية لا يجوز أن يحكم بالهدى إلّا للمؤمنين الذين قد اهتدوا بالهداية الأصلية ، ولا يسمّي بذلك إلا المهتدين وهم المؤمنون دون غيرهم.
وأما كيفية حمل ما في القرآن من ذلك ، فإذا ثبت ذلك قلنا : إنّ كتاب الله تعالى لا يدخله التناقض والاختلاف ؛ لقوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] ، ولقوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ؛ فيجب أن ينزّه عن التعارض والتناقض والفساد ، وذلك لا يتمّ إلا بحمل الألفاظ المتشابهة على أدلة العقول ، ومحكم القرآن ، فمتى أضاف الله تعالى في القرآن الهدى إلى جميع المكلفين ؛ فالمراد به البيان والدّلالة ، وخلق العلوم الضرورية كما قال : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [الإسراء : ٩٤] ومتى أضافه إلى بعض المكلفين بطريقة الإثبات ، وهم المؤمنون ، فالمراد به ما يجوز أن يفعله لهم من الألطاف والثواب كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] ، وقال تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [محمد : ٥] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) [يونس : ٩] ، وقال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] ، وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٥٢] أي يوفّقه بالخواطر التي معها ينشرح صدره للإسلام ، أي لأجل الإسلام.
وما كان مضافا إلى بعض المكلفين على جهة الإثبات وهو المجرمون ، فالمراد به هدى الدلالة ، والبيان ، وخلق العلوم الضرورية.