وأمّا أنه تعالى غنيّ عن فعلها فلما بينّا أنه تعالى غني ، وأن الحاجة لا تجوز عليه في حال من الأحوال ، وقلنا : إنّه تعالى عالم باستغنائه عنه ، لما بينا أنه تعالى عالم بجميع أجناس (١) المعلومات. وأجلّ المعلومات (٢) ذاته تعالى ، فيجب أن يعلمها على ما هي عليه من صفات الكمال. ومن جملة صفات الكمال كونه غنيا عن القبائح ، فيجب أن يعلم ذاته كذلك. وإنما قلنا : بأن كلّ من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يفعل القبيح ؛ لأنّ علمه بقبحه يصرفه عن فعله من جهة الحكمة ، وعلمه باستغنائه عنه يقتضي أنه لا داعي له إليه من جهة الحاجة. وكلّ من خلص صارفه عن الفعل ، وفقد داعيه إليه فإنه لا يفعله ؛ فثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح.
وأما أنه تعالى لا يخلّ بما يجب عليه من (٣) الحكمة ، فينبغي أن نبين أولا ذلك الواجب ، ثم نتكلم في أنه تعالى لا يخل به. أمّا الذي يجب عليه تعالى فستّة أمور : وهي التمكين للمكلفين ، والبيان للمخاطبين ، واللطف للمتعبّدين ، وقبول توبة التائبين ، والثواب للمطيعين ، والعوض للمؤلمين.
والذي يدل على وجوبها على الله تعالى يدخل في اثناء المسائل فلا نطوّل بذكره هاهنا. والذي يدل على أنه تعالى لا يخل بشيء من هذه الأمور أنه تعالى عالم بقبح الإخلال ، وعالم باستغنائه عن الإخلال بها ، على نحو ما تقدم ، وكلّ من كانت هذه حاله فإنه لا يخل بشيء منها على ما تقدّم تحقيقه ، حيث بيّنا أنه تعالى لا يفعل القبيح.
وأمّا أن أفعاله كلّها حسنة فلأنه تعالى عالم بما يفعله من الأفعال ، فلا
__________________
(١) في (ب) و (ج) و (د) : بحذف أجناس.
(٢) في (ب) و (ج) : وأحد المعلومان.
(٣) في (ب) و (ج) : في.