الخبر مطلقا. وهذا من باب الاستعارة البليغة والتمثيل الرائع ، شبّه جولانهم في أفانين (١) القول ، وطرائق المدح والذم ، والتشبيب ، وأنواع الشعر بهيم الهائم في كل وجه وطريق (٢). وقيل : أراد ب «كلّ واد» أي : على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون (القوافي) (٣)(٤).
والهائم : الذي : يخبط في سيره ولا يقصد موضعا معينا ، يقال (٥) هام على وجهه ، أي : ذهب والهائم : العاشق من ذلك ، والهيمان : العطشان والهيام داء يأخذ الإبل من العطش ، وجمل أهيم وناقة هيماء والجمع فيهما هيم قال تعالى : (شُرْبَ الْهِيمِ)(٦) والهيام من الرمل : اليابس ، فإنهم يخيلون فيه معنى العطش (٧).
فصل
قال المفسرون : أراد شعراء الكفار ، وكانوا يهجون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذكر مقاتل أسماءهم فقال : منهم عبد الله بن الزّبعرى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف (٨) ، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب والباطل ، وقالوا : نحن نقول كما قال محمد ، وقالوا الشعر ، واجتمع إليهم غواة من قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه ، ويروون عنهم ذلك فذلك قوله : (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) وهم الرواة الذين يريدون هجاء المسلمين. وقال قتادة : هم الشياطين (٩).
ثم إنه تعالى لما وصف شعراء الكفار بهذه الأوصاف استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ، ويهجون الكفار ويكافحون عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه منهم حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(١٠).
روي عن كعب بن مالك أنه قال للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنّ الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل» وفي رواية قال له : «اهجهم فوالذي نفسي بيده هو أشد عليهم من النبل» (١١).
وكان يقول لحسان : «قل فإنّ روح القدس معك» (١٢).
__________________
(١) في ب : أذانين. وهو تحريف.
(٢) وطريق : سقط من ب.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٥٢.
(٤) ما بين القوسين في ب : قافية.
(٥) يقال : سقط من الأصل.
(٦) من قوله تعالى : «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ»[الواقعة : ٥٥].
(٧) انظر اللسان (هيم).
(٨) في ب : المناف.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٥٢.
(١١) أخرجه أحمد ٣ / ٤٥٦ ، ٤٦ ، ٦ / ٣٨٧.
(١٢) أخرجه أحمد ٤ / ٢٩٨ ، ٣٠١.