ثم (قرر) (١) بكونه بشرا (٢). ثم قالوا : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ومعناه ظاهر. ثم إنّ شعيبا ـ عليهالسلام (٣) ـ كان يتوعدهم بالعذاب (٤) إن لم يؤمنوا فقالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ)(٥) وقد تقدم الكلام في «كسفا» واشتقاقه في الإسراء (٦). وإنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فقال شعيب : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : من نقصان الكيل والوزن ، وهو مجازيكم بأعمالكم ، وليس العذاب إليّ ، وما عليّ إلا الدعوة ، فلم يدع عليهم ، بل فوض الأمر فيه إلى الله تعالى.
قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ). وذلك أنّه أخذهم حرّ شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرّا ، فخرجوا ، فأظلتهم (٧) سحابة ، وهي الظّلّة ، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا (٨). فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنّ العذاب النازل بعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ما كان بسب كفرهم ، بل بسبب تأثيرات الكواكب واتصالاتها على ما اتفق عليه المنجمون؟ وإذا قام هذا الاحتمال لم يحصل (٩) الاعتبار بهذه (١٠) القصص ، لأنّ الاعتبار إنما يحصل إذا علمنا أنّ نزول العذاب كان بسبب كفرهم ، وأيضا فيحتمل أن ينزل العذاب محنة للمكلّفين (١١) كما قال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١] وقد ابتلي المؤمنون بالبلاء العظيم في مواضع كثيرة ، وإذا كان كذلك لم يدلّ نزول البلاء بهم على كونهم مبطلين؟ فالجواب (١٢) : هذا سؤال باطل ، لأنه يقال : ما الاتصالات التي أوجبت نجاة بني إسرائيل من البحر وأغرقت فرعون وقومه في ساعة واحدة ، وما (١٣) الاتصالات التي أوجبت الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم على القبط دون بني إسرائيل وهم معهم في بلد واحد ، وما (١٤) الاتصالات التي نجّت لوطا ومن معه وأهلكت قومه وهم قريب منهم ، وما الاتصالات التي أوجبت حمل الطير الأبابيل حجارة من سجيل ورمت بها أصحاب الفيل دون غيرهم ، وما الاتصالات التي فرقت البحر اثني عشر فرقا بعدد (١٥) أسباط بني إسرائيل ، وقلبت العصا حية تسعى ، وتلقفت (١٦) ما صنعته السحرة ، ونتقت الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلّة ، وأخرجت الناقة من الحجر ، وأطفأت نار إبراهيم ، وكل ذلك ثابت بالتواتر لا يمكن إنكاره.
__________________
(١) كذا في الكشاف ، وفي النسختين : قدره.
(٢) الكشاف ٣ / ١٢٥.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) بالعذاب : سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٤.
(٦) عند قوله تعالى :«أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً» من الآية ٩٢.
(٧) في ب : فأظلهم.
(٨) انظر البغوي ٦ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.
(٩) لم يحصل : سقط من ب.
(١٠) في ب : بهذا.
(١١) في ب : للكافرين. وهو تحريف.
(١٢) في ب : والجواب.
(١٣) في ب : وهما. وهو تحريف.
(١٤) في ب : وأما.
(١٥) في ب : بعد. وهو تحريف.
(١٦) في ب : وتلقف.