قوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) «إن» نافية ، أي : ما حسابهم إلا على ربي ، ومعناه: لا نعتبر إلا الظاهر من أمرهم دون ما يخفى (١).
قوله : (لَوْ تَشْعُرُونَ) جوابها محذوف (٢) ، ومفعول «تشعرون» (٣) أيضا (٤) ، والمعنى (لَوْ تَشْعُرُونَ) تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم (٥).
قال الزجاج : الصناعات (٦) لا تضرّ في الدّيانات (٧). وقيل : معناه : إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ، ويوفقهم ويخذلكم (٨).
وقرأ الأعرج وأبو زرعة : «لو يشعرون» بياء الغيبة (٩) ، وهو التفات ، ولا يحسن عوده على المؤمنين (١٠).
قوله : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) وذلك كالدلالة على أن القوم سألوه إبعادهم فبيّن أن الدين يمنعه عن طردهم ، وقد آمنوا به ، وبيّن أن الغرض من تحمل الرسالة كونه نذيرا ، فقال : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : إني أخوّف من كذبني ولم يقبل مني ، فمن قبل فهو القريب ، ومن رد فهو البعيد ، فلما أجابهم بهذا الجواب لم يكن منهم إلا التهديد ، فقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)(١١).
قال مقاتل والكلبي : من المقتولين بالحجارة (١٢).
وقال الضحاك : من المشئومين (١٣). فعند ذلك حصل اليأس لنوح من فلاحهم ، وقال : (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ). وليس الغرض منه إخبار الله تعالى بالتكذيب لعلمه بأنه عالم الغيب والشهادة ، ولكنه أراد : لا أدعوك عليهم لما آذوني ، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوك في وحيك ورسالتك (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي : فاحكم بيني وبينهم (١٤). و «فتحا» يجوز أن يكون مفعولا به بمعنى المفتوح ، وأن يكون مصدرا مؤكدا (١٥). والفتاحة : الحكومة. والفتّاح : الحكم ، لأنه يفتح المستغلق (١٦). والمراد : إنزال العقوبة عليهم لقوله عقيبه : «ونجّني» ، ولو لا أن المراد إنزال العقوبة لما كان لذكر النجاة بعده معنى (١٧).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.
(٢) انظر القرطبي ١٣ / ١٢١.
(٣) في الأصل : تحشرون. وهو تحريف.
(٤) وقدره أبو حيان : بأن المعاد حق والحساب حق. البحر المحيط ٧ / ٣١.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.
(٦) في ب : الصانع. وهو تحريف.
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٩٥.
(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.
(٩) المختصر (١٠٧) ، البحر المحيط ٧ / ٣١.
(١٠) انظر القرطبي ١٣ / ١٢١.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.
(١٢) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.
(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٩٩.
(١٦) انظر الكشاف ٣ / ١٢١.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.