لأن كل أحد يعلم ذلك ، وإنما متعلّقه مقدر من جنس ما يدل عليه السياق أي لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم.
قوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ) ، قرأ أبو عمرو وعاصم «يدعون» (١) بياء الغيبة ، والباقون بالخطاب. و «ما» يجوز أن تكون موصولة منصوبة (٢) ب «يعلم» أي يعلم الذين يدعونهم(٣) ويعلم أحوالهم ، و (مِنْ شَيْءٍ) مصدر ، وأن تكون استفهامية (٤) ، وحينئذ يجوز فيها وجهان أن تكون هي وما عملت فيها معترضا بين قوله : «يعلم» وبين قوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) كأنه قيل: أيّ شيء تدعون من دون الله (٥) :
والثاني : أن تكون متعلقة «ليعلم» فتكون في موضع نصب بها ، وإليه ذهب الفارسي (٦) وأن تكون نافية و «من» في «من شيء» مزيدة في المفعول به كأنه قيل : ما تدعون من (٧) دون الله ما يستحق أن يطلق عليه شيء.
قال الزمخشري : هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه (٨) من شيء يعني ما يدعون ليس بشيء ، وهو عزيز حكيم ، فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا وهذا يفهم منه أنه (٩) جعل «ما» نافية ، والوجه فيها حينئذ أن تكون الجملة معترضة كالأول من وجهي الاستفهامية ، وأن تكون مصدرية ، قال أبو البقاء (١٠) : و «شيء» مصدر ، وفي هذا نظر ، إذ يصير التقدير يعلم دعاءكم في شيء من الدعاء.
قوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) يجوز أن يكون (١١) «نضربها» خبر «تلك الأمثال» و «الأمثال» نعت أو بدل ، أو عطف بيان ، وأن يكون «الأمثال» خبرا ، و «نضربها» حال ، وأن يكون خبرا ثانيا (١٢).
__________________
(١) الإتحاف ٣٤٦ والسبعة ٥٠١ وهو المفضل قال في الكشاف : لأن في الكلام معنى التهديد والوعيد والتوبيخ لهم ، فإذا جرى الكلام على لفظ الخطاب كان أبلغ في الوعظ والزجر لهم ، وهو الاختيار لأن الأكثر عليه ، انظر : الكشاف ٢ / ١٧٩.
(٢) نقله في البيان ٢ / ٢٤٥.
(٣) في (ب) يدعونه وهو خطأ.
(٤) البيان ٢ / ٢٤٥ والدر ٤ / ٣٠٦.
(٥) المرجعان السابقان.
(٦) الفارسي : الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي أخذ عن أبي بكر بن السراج وأبي إسحاق الزجاج كان من أكابر أئمة النحويين ، مات سنة ٣٧٧ ه ، انظر : نزهة الألباء ٢٠٩ و ٢١٠.
(٧) البحر المحيط ٧ / ١٥٢ ، وقد قال الفارسي «ما استفهام موضعه نصب بتدعون ، ولا يجوز أن تكون نصبا «بيعلم» ولكن صار الجملة التي هي فيها في موضع نصب بيعلم والتقدير : أن الله يعلم أوثانا تدعون من دونه» الحجة ٦ / ١٠٨ بلدية.
(٨) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٦.
(٩) في «ب» يجعل.
(١٠) أبو البقاء سبق التعريف به.
(١١) انظر : التبيان ١٠٣٣ والبيان ٢ / ٢٤٥.
(١٢) التبيان ١٠٣٣ والدر المصون ٤ / ٣٠٧.