فلم استغفر عنه؟ والاستغفار من الفعل المباح غير جائز لأنه يوهم في المباح كونه حراما.
وثالثها : أنّ الوكز لا يحصل عنه القتل ظاهرا. فكان ذلك قتل خطأ ، فلم استغفر منه؟
والجواب عن الأول : لم لا يجوز أن يقال إنه لكفره مباح الدم؟ وأما قوله (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ففيه وجوه :
الأول : أنّ الله تعالى وإن أباح قتل (١) الكفار ، إلّا أنه كان الأولى تأخير قتلهم (٢) إلى زمان آخر ، فلما قتل ترك ذلك المندوب ؛ وهو قوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ).
الثاني : أنّ قوله : (هذا) إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه.
(الثالث : أنّ قوله : «هذا» إشارة إلى المقتول) (٣). (يعني أنه من حزب الشيطان) (٤) وجنده ، يقال : فلان من عمل الشيطان أي من أحزابه (٥). وأما قوله (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (فعلى نهج (٦) قول آدم عليهالسلام) (٧)(رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] والمراد أحد وجهين : إما على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب.
وأما قوله (فَاغْفِرْ لِي) أي : فاغفر لي ترك هذا المندوب. وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) حيث قتلت هذا الملعون ، فإنّ فرعون لو عرف ذلك لقتلني به ، (فَاغْفِرْ لِي) ، فاستره عليّ ولا توصل خبره إلى فرعون ، (فَغَفَرَ لَهُ) أي : ستره عن الوصول إلى فرعون ، ويدل على هذا قوله (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) فلو (٨) كانت إعانة المؤمن هنا سببا للمعصية لما قال ذلك ، وأما قوله (٩) : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] فلم يقل إني صرت بذلك ضالا ، بل اعترف أنه كان ضالا أي : متحيرا لا يدري ما يجب عليه.
وأما قوله : إن كان كافرا حربيا فلم استغفر من قتله؟ قلنا : كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع ، فلعلّ قتلهم كان حراما في ذلك الوقت ، أو (١٠) كان مباحا لكن الأولى تركه على ما قررناه.
وأما قوله : كان قتل خطأ ، قلنا : لا نسلم ، فلعل الرجل إن كان ضعيفا ، وموسى عليهالسلام (١١) كان في نهاية الشدة فوكزه (١٢) كان قاتلا قطعا ، ثم إن سلمنا
__________________
(١) في ب : عن قتل.
(٢) في ب : قتله.
(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٤.
(٦) نهج : تكملة من الفخر الرازي.
(٧) ما بين القوسين في ب : فقيل قول موسى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
(٨) في ب : فلما.
(٩) فعلتها : سقط من ب.
(١٠) في ب : و.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في ب : فوكزه موسى.