قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧] «جامدة» قائمة واقعة ، و (تَحْسَبُها جامِدَةً) هذه الجملة حالية من فاعل «ترى» أو من مفعوله (١) ، لأن الرؤية بصرية.
قوله : (وَهِيَ تَمُرُّ) الجملة حالية (٢) أيضا ، وهكذا الأجرام العظيمة تراها واقفة وهي مارة (٣) قال النابغة الجعدي (٤) يصف جيشا كثيفا :
٣٩٧٣ ـ بأرعن مثل الطّود تحسب أنّهم |
|
وقوف لحاج والرّكاب تهملج (٥) |
و (مَرَّ السَّحابِ) : مصدر تشبيهي (٦) ، قوله : (صُنْعَ اللهِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة عامله مضمر ، أي : صنع الله ذلك صنعا ، ثم أضيف بعد حذف عامله (٧) ، وجعله الزمخشري مؤكدا للعامل في (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقدره : ويوم ينفخ وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المسيئين في كلام طويل جريا على مذهبه (٨). وقيل منصوب على الإغراء ، أي : انظروا صنع الله وعليكم به (٩). والإتقان : الإتيان بالشيء على أكمل حالاته ، وهو من قولهم : تقن أرضه إذا ساق إليها الماء الخاثر بالطين (١٠) لتصلح للزراعة ، وأرض تقنة ، والتقن فعل ذلك بها ، والتقن أيضا : ما رمي به في الغدير من ذلك أو الأرض (١١) ، ومعنى (أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي : أحكمه. (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) قرأ
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ١٠١٤.
(٢) قال أبو البقاء :(«وهي تمرّ» حال من الضمير المنصوب في «تحسبها» ، ولا يكون حالا من الضمير في «جامدة» ، إذ لا يستقيم أن تكون جامدة مارة مرّ السحاب والتقدير : مرّا مثل مر السحاب) التبيان ٢ / ١٠١٥.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٥٤.
(٤) هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي العامري ، أبو ليلى ، شاعر من المعمرين ، اشتهر في الجاهلية ، وسمي النابغة ، لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله ، وكان ممن هجر الأوثان ، ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام ، ووفد على النبي صلىاللهعليهوسلم. الخزانة ٣ / ١٦٧ ـ ١٧٣.
(٥) البيت من بحر الطويل ، قاله النابغة الجعدي ، وهو في الكشاف ٣ / ١٥٤ ، والسبع الطوال لابن الأنباري (٤٦١) ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٤٢ ، القرطبي ١٣ / ٢٤٢ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٠ ، شرح شواهد الكشاف (٢١). الأرعن : الجبل العالي. الطود : الجبل العظيم ، فاستعار الأرعن للجيش ثم شبهه بالطود ليفيد المبالغة في الكثرة. «لحاج» اسم جمع واحدته حاجة ، والرّكاب : المطي لا واحد له من لفظه. والهملجة : السير الرهو السهل ، والهملاج السريع. يقول : حاربنا العدو بجيش عظيم تظنهم واقفين لحاجة لكثرتهم ، والحال أن ركابهم تسرع السير. وهو موطن الشاهد.
(٦) يعني أن المعنى : تمر مرا كمر السحاب. فحذف المشبه به وأداة التشبيه ، وهذا معنى كلام الزمخشري. انظر الكشاف ٣ / ١٥٤.
(٧) انظر التبيان ٢ / ١٠١٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٠.
(٨) قال الزمخشري :(«صُنْعَ اللهِ» من المصادر المؤكدة كقوله «وَعَدَ اللهُ» * و «صِبْغَةَ اللهِ» إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ل «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» ، وكان كيت وكيت ، أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ، ثم قال : صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة) الكشاف ٣ / ١٥٤.
(٩) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٥٢.
(١٠) المقصود : بالطمي.
(١١) انظر اللسان (تقن).