قوله : (قالُوا تَقاسَمُوا) يجوز في «تقاسموا» أن يكون أمرا ، قال بعضهم لبعض : احلفوا على كذا ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وحينئذ يجوز أن يكون مفسرا ل «قالوا» كأنه قيل : ما قالوا؟ فقيل : تقاسموا (١). ويجوز أن يكون حالا على إضمار «قد» ، أي : قالوا ذلك متقاسمين ، وإليه ذهب الزمخشري ، فإنه قال : يحتمل أن يكون أمرا وخبرا في محل الحال بإضمار «قد» (٢). قال أبو حيان : أما قوله : وخبرا. فلا يصح ؛ لأن الخبر أحد قسمي الكلام لأنه ينقسم إلى الخبر والإنشاء ، وجميع معانيه إذا حققت راجعة إلى هذين القسمين (٣) قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة مماذا؟ لأنه جعل الماضي خبرا ، لاحتماله الصدق والكذب ، مقابلا للأمر الذي لا يحتملهما ، أما كون الكلام لا ينقسم إلا إلى خبر وإنشاء وأن (٤) معانيه إذا حققت ترجع إليهما ، فأي مدخل لهذا في الرد على الزمخشري (٥).
ثم قال أبو حيان : والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد ، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد ، فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالا لجاز أن تستعمل خبرا ، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة صلة : هي خبرية ، فهو مجاز والمعنى : أنها لو لم تكن صلة لجاز أن تستعمل خبرا ، وهذا فيه عوض (٦).
قال شهاب الدين : مسلم أن الجملة ما دامت حالا أو صلة لا يقال لها خبرية ، بمعنى أنها تستقلّ(٧) بإفادة الإسناد ، لأنها سيقت مساق القيد في الحال ومساق حد كلمة في الصلة (٨) ، وكان ينبغي أن يذكر أيضا الجملة الواقعة صفة ، فإن الحكم فيها كذلك (٩) ، ثم قال (١٠) : وأما إضمار «قد» فلا يحتاج إليه ، لكثرة وقوع الماضي حالا دون «قد» ، كثرة ينبغي القياس عليها (١١).
قال شهاب الدين : الزمخشري مشى مع الجمهور فإنّ مذهبهم أنه لا بدّ من «قد» ظاهرة أو مضمرة لتقرّبه من الحال (١٢). وقرأ ابن أبي ليلى : «تقسّموا» ـ دون ألف مع
__________________
(١) انظر البيان ٢ / ٢٢٤ ، التبيان ٢ / ١٠١٠.
(٢) الكشاف ٣ / ١٤٦. وقال الفراء : (فمن قال «تقاسموا» فجعل «تقاسموا» خبرا فكأنه قال : متقاسمين) معاني القرآن ٢ / ٢٩٦.
(٣) البحر المحيط ٧ / ٨٣.
(٤) في ب : فإن.
(٥) الدر المصون ٥ / ١٩٩.
(٦) البحر المحيط ٧ / ٨٣ ـ ٨٤.
(٧) في ب : تنتقل.
(٨) يريد أن جملة الصلة بالنسبة إلى الموصول كالتعريف بالنسبة إلى المعرّف.
(٩) الدر المصون ٥ / ١٥٥.
(١٠) وهو أبو حيان.
(١١) البحر المحيط ٧ / ٨٤. ومن الواضح أن أبا حيان يوافق الكوفيين على ما ذهبوا إليه من جواز وقوع الفعل الماضي حالا دون إضمار «قد» انظر الهمع ١ / ٢٤٧.
(١٢) الدر المصون ٥ / ١٩٩.