والثاني : أنه بدل من جملة الأمر قبله ، وهي «ادخلوا» ، وقد تعرض الزمخشري لذلك (١) ، فقال (٢) : فإن قلت : لا يحطمنكم ما هو؟ قلت يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر ، والذي جوّز أن يكون بدلا منه أنه (٣) في معنى : لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم (٤) ، على طريقة : لا أرينّك ههنا ، أرادت : لا يحطمنكم جنود سليمان ، فجاءت بما هو أبلغ ، ونحوه (٥) :
٣٩٣٧ ـ عجبت من نفسي ومن إشفاقها (٦)
قال أبو حيان : أما تخريجه على أنه جواب الأمر ، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الأعمش ، فإنه مجزوم مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نهي (٧) يعني أن الأعمش قرأ : «لا يحطمكم» بجزم الميم دون نون توكيد ، قال : وأما مع وجود نون التوكيد فلا يجوز ذلك إلا إن كان في شعر ، وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلا في الشعر ، وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في علم النحو. ومثال مجيء النون في جواب الشرط قول الشاعر :
٣٩٣٨ ـ نبتّم نبات (٨) الخيزرانة (٩) في الثّرى(١٠) |
|
حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا (١١) |
وقول الآخر :
٣٩٣٩ ـ فمهما تشأ منه فزارة تعطكم |
|
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (١٢) |
__________________
(١) في ب : كذلك وهو تحريف.
(٢) الكشاف ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨.
(٣) في النسختين : أن يكون نهيا بدلا من الأمر لأنه. والتصويب من الكشاف.
(٤) في ب : يحطمنكم.
(٥) ونحوه : مكرر في ب.
(٦) رجز لم أهتد إلى قائله ، وهو في الكشاف ٣ / ١٣٨ ، البحر المحيط ٧ / ٦٢ ، شرح شواهد الكشاف (١٣٧). وأتى به شاهدا على المبالغة في قوله : من نفسي ومن إشفاقها. وكان وجه الكلام أن يقول : من إشفاق نفسي.
(٧) في البحر المحيط : نفي. البحر المحيط ٧ / ٦٢.
(٨) في ب : بيان.
(٩) في ب : الخيزوانة.
(١٠) في ب : في البرى.
(١١) البيت من بحر الطويل قاله النجاشي ، وهو في الكتاب ٣ / ٥١٥ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٤٤ ، الهمع ٢ / ٧٨ ، الأشموني ٣ / ٢٢٠ ، الخزانة ١١ / ٣٩٥ ، الدرر ٢ / ٩٧. وروي : (الخيزراني) مكان (الخيزرانة).
الخيزراني : كل نبت ناعم. وأراد بالخير المال. والشاهد فيه قوله : (ينفعا) فإن أصله (ينفعن) بنون التوكيد الخفيفة ، ثم أبدل منها الألف في الوقف ، وهذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ، لأنّ جواب الشرط لا يؤكد بالنون ، لأنه خبر يجوز فيه الصدق والكذب ، ولكنه أكد تشبيها بالنهي حين كان مجزوما غير واجب.
(١٢) البيت من بحر الطويل ، نسبه سيبويه إلى ابن الخرع ، وهو عوف بن الخرع ، وينسب أيضا إلى الكميت بن ثعلبة ، وهو في الكتاب ٣ / ٥١٥ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، التصريح ٢ / ٣٠٦ ، الهمع ٢ / ٧٩ ، الأشموني ٢ / ٢٠٢ ، الخزانة ١١ / ٣٨٧ ، الدرر ٢ / ١٠٠ ، والشاهد فيه قوله : (تمنعا) ، والكلام فيه كالكلام في سابقه.