قوله : (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ)(١) الجمهور على الرفع ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف (٢) ، أخبر بذلك.
والثاني : أنه معطوف على خبر «إنّ» (٣) وقرأ زيد بن عليّ ، وطلحة ، وعيسى ، والأعمش بالنصب فيهما (٤). والأعرج بنصب الأول ورفع الثاني (٥). فالنصب عطف على صلة «أن» (٦) فتكون الأفعال الثلاثة : «يكذّبون» (٧) و «يضيق» ، و (لا يَنْطَلِقُ) داخلة في حيّز الخوف.
قال الزمخشري : «والفرق بينهما (٨) ، أي : الرفع والنصب ، أنّ الرفع (٩) يفيد أن فيه ثلاث علل : خوف التكذيب ، وضيق الصدر ، وامتناع انطلاق اللسان ، والنصب على أنّ خوفه متعلق بهذه الثلاثة. فإن قلت : في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة ، وفي جملتها نفي انطلاق اللسان ، وحقيقه الخوف إنّما يلحق الإنسان لأمر سيقع ، وذلك كان واقعا ، فكيف جاز تعليق الخوف به؟ قلت : قد علّق الخوف بتكذيبهم ، وبما يحصل له من ضيق الصدر ، والحبسة في اللسان زائدة على ما كان به ، على أن تلك الحبسة التي كانت به زالت بدعوته. وقيل : بقيت منها بقيّة يسيرة. فإن قلت : اعتذارك هذا يردّه الرفع ، لأنّ المعنى : إنّي خائف ضيّق الصدر غير منطلق اللسان؟ قلت : يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي» (١٠).
قوله : «فأرسل» أي : فأرسل جبريل أو الملك ، فحذف المفعول به ، أي : ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة (١١). قيل : إن الله تعالى أرسل موسى (١٢).
قال السّدّيّ : إن موسى ـ عليهالسلام (١٣) ـ سار بأهله إلى مصر ، والتقى بهارون وهو لا يعرفه ، فقال : أنا موسى ، فتعارفا ، وأمره أن ينطلق معه إلى فرعون لأداء الرسالة (١٤). وقيل : أرسل جبريل إليه كما يرسل إلى الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ (١٥) فلما
__________________
(١) في ب : .... ولا ينطلق لساني.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٩٤.
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٧٨.
(٤) تفسير ابن عطية ١١ / ٩٤ ، البحر المحيط ٧ / ٧.
(٥) قال أبو حيان : (وحكى أبو عمرو الداني عن الأعرج أنه قرأ بنصب «ويضيق» ورفع «ولا ينطلق» البحر المحيط ٧ / ٧.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٩٤.
(٧) في ب : يكون. وهو تحريف.
(٨) في الكشاف : والفرق بينهما في المعنى.
(٩) في النسختين : أن الرفع فيه.
(١٠) الكشاف ٣ / ١٠٨ ـ ١٠٩.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٩.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٣ ، البحر المحيط ٧ / ٨.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٣ ، البحر المحيط ٧ / ٨.
(١٥) في ب : عليهما الصلاة والسلام.