والتيّارات بتعدّد الأفكار ورواشحها وأخذ الصراع أساليب وأدوات مختلفة ، وازدادت الإنسانيّة حيرةً وتيهاً وضياعاً ، وتدخّلت الرغبة تدخّلاً سافراً في خلق الأفكار وصياغة المناهج ، بل جالت في أروقة المطلق المقدّس وبقيت تسعى للنيل من جلالته وشموخه ، فصار التأويل البراغماتي سيّد الموقف مسبوقاً بدوغمائيّة بحتة تكادح كلّ محاولة تسعى للفهم الصحيح ، فنتج من ذلك : الارتماء على القشور والتمسّك بالمظاهر وجفاء الجوهر وخشية الولوج فيه.
لقد سئمنا الأفكار والأحكام الجاهزة التي ترفض القراءة المتكرّرة والمراجعة والاستقراء والمقابلة والحفر والتحليل والاستنتاج ، سئمناها كونها تسير بنا إلى جمود وسكون وتعبّديّة محضة وتعطيل لحركة العقل الذي اُريد له أن يكون موّاجاً دوماً وأبداً ، سئمنا لأ نّنا فُطرنا أحراراً ، ومن يخلق حرّاً تبقى الحنايا والأعماق والعقل تهتف به كي يبقى أو يعود إلى حيث فُطر حرّاً ، وإذا ما خُلّي الإنسان وفطرته بلا شوائب فإنّه يرجع إلى حيث ينبغي أن يرجع ، إلى الإيمان الراسخ بوجود المطلق الذي يتحكّم بالكون وبكلّ ما هو نسبي ، حينها ينتفض على فكرة هيمنة النسبي ودعوى أن لا وجود لغيره ، ويتمسّك بالمطلق ، مثلما تمسّك به مجدّداً حين أعلن فشل العقيدة الداروينيّة وعقيدة نهاية التاريخ والايديولوجيا ، وقبلها كان قد دمّر كلّ جهود كوبرينكوس وبيكون ونيوتن وجاليلو وهوك وهيوم وماركس وسارتر ... مثلما دحض الحتميّة الميكانيكيّة واستبدلها بنظريّة الاحتمال التي فتحت اُفقاً جديداً وفضاءً رحباً نحو