الجديد من قديمنا فقط ، بل نرومه لنحصل عليه ونطمئنّ على بقائه واستمراره ، وباستمراره يستمرّ الحفر ، وهكذا.
وإذا ما استمرّ الحفر ، حفر العقل ، فإنّنا أصحاب الخيار والقرار ، نعلم هل نأخذ أم لا نأخذ ، وإذا قرّرنا الأخذ فإنّنا نعلم معايير واُطر وظروف الأخذ ، كي لا نسقط في مهاوي التقليديّة المفجعة ونظائرها.
إنّ العقل علّمنا من الدين بأ نّه ذو محاور ثلاثة : المرسِل ـ بكسر السين ـ والمرسَل ـ فتح السين ـ والمرسَل إليه ، علّمنا بأنّ الدين ناتج الثلاثة ولا يمكن حذف أيّ أحد منها. كما علّمنا أنّ الميتافيزيقيا واللاهوت يمكن تحليلها علمياً بحيث نستطيع التعامل معهما عقلانيّاً ، أعني : إذا ما تمكّن العقل من استخدام الأدوات المتاحة بالشكل والمحتوى السليم فإنّ الغيبيّة تتحوّل شيئاً فشيئاً فيكون الله حاضراً فينا حضور اليقين ، وتصير المعادلة عقلانيّة خاضعة للمعايير الطبيعية ، أي حينما يتحوّل الغيب إلى مادّة بحث عقلانيّة فهذا يعني بلوغ الإيمان مراحله الشاهقة الرفيعة ، ونغدو عبدة من نراه ، وهل من رؤية أدقّ وأثبت وأجمل من رؤية العقل ، فالعقل إذا ما رأى فإنّ رؤية الحسّ لا قيمة لها بإزائه إن رام تخلّفاً أو اعتراضاً ، والمقصود «بالحسّ هذا» حسّ الآخر ، وإلاّ يستحيل للعقل أن يستيقن ويعلم ثم يخالفه الحسّ في ذات الدائرة ، أي في الذات الإنسانيّة الواحدة; إذ العقل حاكم على الحواس ، وحكمه مقدّم وراجح عليها وليس العكس.