ونصب لرفع مناره من العلماء من إذا تكلم في الأحكام أزال اللبس والإشكال ، وكان مسددا في الأقوال والأفعال. ثم كتب له توقيع ثان في السنة الثانية متوج بما نصه : الحمد لله الذي أعلى منار الشرع وزانه بجماله ، وجلا دجاه بمن تحسده البدور في الأفق ليالي التمام على كماله ، وشيد ركنه بمن يقصر باع السيف في جلاده عند جداله ، وحفظ قواعده بمن إذا أمسك قلم فتاويه تفيأت الأحكام تحت ظلاله.
ثم لما نزل الملك الأشرف قايتباي إلى المملكة الشامية سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة أنعم عليه باستقراره في كتابة السر ونظر الجيش ونظر القلعة مضافة إلى منصب القضاء كما أفاد ذلك القاضي مجير الدين في تاريخه. ثم قرر الرضي بن السيد منصور الحنبلي (المترجم قبل هذا) في الوظايف الثلاث في أواسط سنة تسعين وثمانماية ، وبرز أمره برفع جدي إلى القلعة الحلبية ، وطلب خمسة آلاف دينار منه لأن أيامه كانت أيام مصادرات ، فرفع إلى مقام الخليل عليهالسلام فبقي بها ستة أشهر يختم في كل يومين منها ختمة ، وبعث إلى صديقه (قانصوه خمسماية) يستنهضه في رفع هذه المحنة ، فسأل المقام الشريف في ذلك فسمح بإطلاقه من القلعة ولم يسامح عن الخمسة آلاف دينار بخمسمائة ، بل طلبه إلى القاهرة وطالبه بها في صورة أنها باقية عليه من متحصل الوظايف وقال له : أين مالي؟ فقال له : في خزائن مولانا ، فلما رآه قد أغلظ عليه بالقول عزله عن قضاء الحنابلة أيضا وسجنه ، فبقي بالسجن نحو ثلاث سنين يتعاطى فيها التلاوة والأوراد والتسبيح والتأليف ، وكتب له وهو بالسجن وصية خالية عن حرف الألف تعرضنا لذكر بعضها في كتابنا المسمى «بحدائق أحداق الأزهار ومصابيح أنوار الأنوار» وقصيدة أغلظ فيها القول أيضا موميا فيها إلى الرضي بن السيد منصور الحنبلي. (قائلا في مطلعها (١) :
قل للذي عم الخلائق بأسه |
|
يا أيها الملك العظيم الأشرف |
انظر لخلق الله نظرة رحمة |
|
في آخر العمر الذي لا يخلف |
واستر عوار الملك يا من عزمه |
|
هدّ الجبال وعقله لا يوصف |
في مثل هذا الوقت تنصب صبية |
|
لم يعرفوا والله أن يتصرفوا |
وتعود أحوال البلاد قطيعة |
|
والناس فوضى ما لهم من ينصف |
__________________
(١) أثبتنا ما بين قوسين عن «در الحبب».