من سنتين أو ثلاث (١)، حتَّىٰ أنفق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ماله وأنفق أبو طالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلىٰ حدِّ الضرِّ والفاقة، واشتدت بهم الضائقة، حتىٰ اضطرتهم إلىٰ أكل الأعشاب وورق الأشجار، ومع ذلك فلم يضع أبو طالب وولده علي عليهالسلام وأخوه الحمزة شيئاً في حسابهم غير النبيّ محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ورعايته، حتَّىٰ لا يتسلَّل أحد من المكِّيين ليلاً لاغتياله، وكانت هذه الخاطرة لا تفارق أبا طالب في الليل والنهار.
جاء في تاريخ ابن كثير (٢) : أنَّ أبا طالب قد بلغ من حرصه علىٰ حياة محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنَّه كان اذا أخذ الناس مضاجعهم في جوف الليل، يأمر النبي أن يضطجع علىٰ فراشه مع النيّام، فإذا غلبهم النوم أمر أحد بنيه أو اخوته فأضجعهم علىٰ فراش الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمر الرسول أن يضطجع علىٰ فراشهم حرصاً منه عليه، حتَّىٰ لو قدِّر لأحد أن يتسلَّل إلىٰ الشعب ليلاً لاغتياله يكون ولده فداءً لابن أخيه.
وفي رواية ابن أبي الحديد أنَّه قرأ في أمالي أبي جعفر محمَّد بن حبيب : أنَّ أبا طالب كان إذا رأىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحياناً يبكي، ويقول : إذا رأيته ذكرت أخي عبدالله، وكان عبدالله أخاه لأمِّه وأبيه.
وأضاف إلىٰ ذلك أنَّه كثيراً ما كان يخاف عليه البيات ليلاً، فكان يقيمه ليلاً من فراشه ويضجع ابنه علياً مكانه، ومضىٰ علىٰ ذلك أيام الحصار وغيرها، وأحسَّ عليٌّ عليهالسلام بالخطر علىٰ حياته، ولكنَّه كان طيِّب النفس
_______________________
١) الكامل في التأريخ ١ : ٦٠٤.
٢) البداية والنهاية ٣ : ٨٤، بتصرف.