وعلىٰ أيِّ حالٍ فقد تجاهل ابن أبي قحافة ذلك الحقَّ الذي كان حبلاً في رقابنا، وتجاهل حقَّ الأُمَّة المسلمة، وأصرّ علىٰ استخلاف عمر، فقيل له وهو علىٰ فراش الموت : ما كنت قائلاً لربِّك إذا ولَّيته مع غلظته؟!
وكان من قول طلحة بن عبيدالله : استخلفت علىٰ الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، وكيف به إذا خلا بهم ؟ وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك! (١)
وقد أغضبه كثرة تذمر الصحابة من استخلافه عمر، فقال : إنّي ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورِمَ أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تُقبِل، وهي مقبلة، حتىٰ تتّخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع علىٰ الصوف الأذريّ كما يألم أحدكم أن ينام علىٰ حَسَك السَعدان... وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً... (٢)
وقبل هذا وذاك استدعىٰ عُثمان ليكتب له كتاب الوصية حتىٰ لا يضلُّوا بعده!
روىٰ ابن الأثير : أنَّ أبا بكر أمر عُثمان بن عفَّان ليكتب عهد عمر، فقال له : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عَهِد به أبو بكر بن أبي قحافة إلىٰ المسلمين، أمَّا بعد.. ثُمَّ أُغمي عليه، فكتب عُثمان : فإنِّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطَّاب، ولم آلكم خيراً.
ثمَّ أفاق أبو بكر، فقال : أقرأ عليَّ. فقرأ عليه : فكبَّر أبو بكر، وقال :
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.
٢) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠.