بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

به الله يسقى صوب الغمام

وهذا العيان لذاك الخبر

فمن يشكر الله يلقى المزيد

ومن يكفر الله يلقى الغير

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن يك شاعر أحسن فقد أحسنت(١).

بيان الجحش : سحج الجلد أي تقشره. قوله يوم الرضع ، بضم الراء و تشديد الضاد جمع راضع ، وهو اللئيم ، أي خذ الرمية ، واليوم يوم هلاك اللئام. قوله : فأسجح ، أي فسهل وأحسن العفو. قوله : قحل الناس ، قال الجزري : أي يبسوا من شدة القحط ، وقد قحل يقحل قحلا : إذا التزق جلده بعظمه من الهزال. وأسنت الناس ، أي دخلوا في السنة وهي القحط. والحيا مقصورا : المطر ، وقيل : الخصب وما يحيى به الناس. والجدا بالقصر أيضا : المطر العام. والطبق : الذي يطبق الارض ، أي يعم وجهها. والغدق : الكبير القطر.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مريعا ، أي عاما يغني عن الارتياد والنجعة ، فالناس يربعون حيث شاؤا ، أي يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلاء ، أو من أربع الغيث : إذا أنبت الربيع ، ويروى « مرتعا » بالتاء المثناة من فوق ، من رتعت الابل إذا رعت ، وأرتعها الله ، أي أنبت لها ما ترتع فيه ، والوابل : المطر شديد الكبير القطر. والمسبل من السبل وهو المطر أيضا. والمجلل(٢) : الذي يستر الارض بمائه أو بالنبات الذي ينبت بمائه كأنه يكسوها ذلك. قوله (ص) : دائما ، وفي بعض النسخ « ديما » وهي جمع ديمة ، وهي مطر يدوم في سكون. والدرر جمع الدرة. ودرة السحاب : صبه. والرائث : البطئ.

قوله : بلاغا ، أي ما يكفي أهل حضرنا وبدونا. وزينة الارض : حياتها بنباتها. والسكن : القوت الذي يسكن به في الدار ، كالنزل ، وهو الطعام الذي ينزل عليه ويكتفى به.

___________________

(١) المنتقى في مولد المصطفى : الباب السادس فيما كان سنة ست من الهجرة.

(٢) تقدم في متن الخبر : ( مجلجلا ) ولعله مصحف. والمجلجل : السحاب الراعد المنطبق بالمطر.

٣٠١

قوله : حوالينا ، في موضع نصب ، أي أمطر حوالينا ، ولا تمطر علينا ، والظراب جمع ظرب ككتف ، وهي الجبال الصغار. والقزع بالتحريك ، قطع من السحاب رقيقة ، الواحدة قزعة وهو ما يفرق بين جمعه وواحده بالتاء كما يقال : سحاب و سحابة. وقوله : عليها أي على المدينة ، وكلمة « في » كأنها زائدة ، أي حتى كانت المدينة أوالسماء مثل الترس وسط السحاب ، والسحاب عليها كالفسطاط ، وهي الخيمة. والثمال بالكسر : الملجأ والغياث ، أو المطعم في الشدة. عصمة للارامل أي يمنعهن من الضياع والحاجة. ويبزى ، أي يقهر ويغلب.

قوله : ممن شكر ، أي الذي يحمد الله ، إنما يشكره بما أولاه من نعمه ، أوالحمد بتوفيق الله الذي شكر من عباده العمل اليسير في جنب النعمة الكثيرة. قوله : إليه ، أي إلى إنزال الغيث ، قوله : كإلقا الرداء ، هذا من الممدود الذي قصر لاجل الشعر كما يمد المقصور للشعر. والدفاق : المطر الواسع الكثير المندفق والعزايل مقلوب من العزالي جمع العزلاء ، وهي فم المزادة ، شبه ما يمطر من السحاب بما يتدفق من فم المزادة. والبعاق بالضم : السحاب الذي يتبعق بالماء ، أي يتصبب وقيل : البعاق : المطر العظيم ، والجم الكثير. قوله : به الله يسقي ، فيه انكسار اللفظ والوزن ، ويرويه بعضهم : به الله أنزل. والصوب : نزول المطر. والغير : التغير ومن يكفر الله في نعمه تغير حاله.

قال : وفي هذه السنة كانت سرية عبدالله بن عتيك لقتل أبي رافع عبدالله بن أبي الحقيق ، وقيل : سلام بن أبي الحقيق ، باسنادي في سماع البخاري إليه بإسناده عن البراء قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي رافع اليهودي جماعة من الانصار ، و أمر عليهم عبدالله ، وكان أبورافع يؤذي رسول الله (ص) ويعين عليه ، وكان في حصن له بأرض الحجاز ، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبدالله لاصحابه : اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أدخل ، فأقبل حتى دنا من الباب ، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجته ، وقد دخل الناس فهتف به البواب

٣٠٢

يا عبدالله إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب ، فدخلت فكمنت فلما دخل الناس أغلق الباب ، ثم علق الاغاليق على ود(١) قال : فقمت على الاقاليد(٢) فأخذتها ففتحت الباب ، وكان أبورافع يسمر عنده وكان في علالي(٣) ، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلق(٤) علي من داخل فقلت : إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلى حتى أقتله ، فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت ، قلت : أبا رافع(٥)! قال : من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنيت شيئا ، وصاح فخرجت من البيت ، فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت : ما هذا الصوت يا بارافع؟ فقال : لامك الويل إن معي رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف ، قال : فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله ، ثم وضعت ظبة(٦) السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره ، فعرفت أني قتلته ، فجعلت أفتح الابواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له ، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الارض ، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي ، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت : لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته ، فلما صاح الديك قام الناعي على السور ، فقال : أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فانطلقت إلى أصحابي فقلت : النجاء ، فقد قتل الله أبا رافع ، فانتهيت إلى البني صلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثته ، فقال : ابسط رجلك فبسطت رجلي فمسحها

___________________

(١) في البخارى : على وتد ( ودخ ).

(٢) في المصدر والبخارى : فقمت إلى الاقاليد.

(٣) في البخارى : ( على علالى له ).

(٤) في المصدر وصحيح البخارى : اغلقت.

(٥) في البخارى : يا ابا رافع.

(٦) ظبة السيف : حده. في المصدر : ضيب السيف. هو مصحف ، والصحيح اما ظبة كما في الصلب ، أو ضبيب ، بالضاد المعجمة ، أوصبيب بالصاد المهملة. كما في هامش البخارى. وهما بمعنى طرف السيف وحده.

٣٠٣

وكأنما(١) لم أشتكها قط(٢).

السرح(٣) : الابل والمواشي تسرح للرعي بالغداة ، والاغاليق : المفاتيح والاقاليد جمع إقليد وهو المفتاح في لغة اليمن ، والود بفتح الواو : الوتد ، وهي لغة تميم. والعلالي جمع علية وهي الغزفة. قوله : نذروا ، بكسر الذال. أي علموا.

وفي هذه السنة كان قصة العرنيين(٤) في شوالها. قالوا : قدم نفر من عرنية ثماينة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلموا واجتووا(٥) المدينة ، فأمر بهم رسول الله (ص) إلى لقاحه ، وقال : « لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها » فقتلوا الراعي وقطعوا يده ورجله ، وغرسوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات ، وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا ، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركهم فأحاطوا بهم(٦) وأسروهم وربطوهم حتى قدموا بهم المدينة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغابة فخرجوا بهم نحوه فأمرهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم(٧) ، وصلبوا هناك ، وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فرودها إلا واحدة نحروها(٨).

___________________

(١) في المصدر وفى هامش البخارى : ( فكانما ) وفى صلب البخارى : فكانها.

(٢) المنتقى في مولد المصطفى : الباب السادس فيما كان في سنة ست من الهجرة. ورواه البخارى في صحيحه ٥ : ١١٧ و ١١٨.

(٣) في النسختين المطبوعتين من المصدر ذكر هنا ( بيان ) ونسخة المصنف خالية عنه ، ولا يحتاج إليه ، لان التفاسير من صاحب المنتقى لا من المصنف.

(٤) هكذا في نسخة المصنف ، وفيها بعد ذلك : ( عرنية ) وفى المصدر : ( العرينيين ) وبعده : ( عرنية ) والصحيح فيهما : عرينة بتقديم الياء على النون. في السيرة : قدم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبؤا وطحلوا.

(٥) في المصدر : ( واستوبؤا ) وفى هامشه : ( واستوخموها كما في رواية اخرى ). اقول : استوبؤا المدينة أي وجدوها وبئة. واستوخموها أى استثقلوها ولم يوافق هواؤها ابدانهم.

(٦) في المصدر : فأدركوهم.

(٧) تقدم تفسيرها.

(٨) المنتقى في مولود المصطفى : الباب السادس فيما كان سنة ست من الهجرة.

٣٠٤

٥ ـ أقول : وقال ابن الاثير في الكامل في حوادث السنة السادسة : كانت غزوة بني لحيان في جمادي الاولى منها ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة ، وأغذ السير(١) حتى نزل على عرار(٢) منازل بني لحيان فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال ، فلما أخطأه ما أراد منهم خرج في مائتي راكب حتى نزل عسفان تخويفا لاهل مكة ، وأرسل فارسين من الصحابة(٣) حتى بلغا كراع الغميم ثم عادوا(٤).

ثم ذكر بعد ذلك غزوة ذي قرد كما ذكرناها سابقا ، وقال : والرواية الصحيحة عن سلمة أنها كانت بعد مقدمه المدينة منصرفا من الحديبية.

٦ ـ فس : « ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء » إلى قوله : « ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا » فإنها نزلت في أشجع وبني ضمرة ، وكان خبره(٥) أنه لما خرج رسول الله (ص) إلى بدر(٦) لموعد مر قريبا من بلادهم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صادر(٧) بني ضمرة ووادعهم(٨) قبل ذلك ، فقال أصحاب رسول الله (ص) : يا رسول الله هذه بنو ضمرة قريبا منا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة ، أو يعينوا علينا قريشا ، فلو بدأنا بهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلا إنهم أبر العرب بالوالدين

___________________

(١) أى اسرع.

(٢) في المصدر والسيرة : حتى نزل على غران منازل بنى لحيان ، وهى بين أحج وعسفان. وغران بضم الغين المعجمة وفتح الراء.

(٣) في المصدر والسيرة : من اصحابه.

(٤) في المصدر : ثم عاد قافلا. وفى السيرة : ثم كرا ، وراح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قافلا. راجع الكامل ٢ : ١٢٨ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٣٢١.

(٥) من خبرهم خ ل. في المصدر : وكان خبرهم.

(٦) إلى غزاة بدر خ ل.

(٧) هادن خ ل.

(٨) وواعدهم خ ل.

٣٠٥

وأوصلهم للرحم ، وأوفاهم بالعهد » وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة ، وهم بطن من كنانة ، وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة(١) والامان ، فأجدبت بلاد أشجع ، وأخصبت بلاد بني ضمرة ، فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة ، فلما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمسير(٢) إلى أشجع فيغزوهم(٣) للموادعة(٤) التي كانت بينه وبين بني ضمرة ، فأنزل الله : « ودوا لو تكفرون كما كفروا » الآية ، ثم استثنى بأشجع فقال : « إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق أو جاؤكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم » إلى قوله : « فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ».

وكانت أشجع محالها البيضاء والحل(٥) والمستباح ، وقد كانوا قربوامن رسول الله (ص) ، فهابوا لقربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث إليهم من يغزوهم ، و كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه(٦) شيئا ، فهم بالمسير إليهم ، فبينا هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة(٧) وهم سبعمائة ، فنزلوا(٨) شعب سلع ، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسيد بن حصين(٩) فقال له : « اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع » فخرج أسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال : ما أقدمكم؟ فقام إليه مسعود بن رجيلة(١٠) وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه ، وقالوا :

___________________

(١) في المراعاة خ ل.

(٢) للمصير خ ل. أقول : هو الموجود في المصدرالمطبوع.

(٣) ليغزوهم خ ل.

(٤) للمواعدة خ ل.

(٥) في المصدر المطبوع ونسخة مخطوطة : والجبل.

(٦) في المصدرالمطبوع : من افراطه.

(٧ و ١٠) ذكرنا سابقا انه مسعود بن رخيلة ، بالخاء ، وعن ابن اسحاق انه مسعر بن رخيلة.

(٨) ونزلوا خ ل.

(٩) خضير خ ل. أقول : لعله الصحيح ، اذ لم نجد اسيد بن حصين في الصحابه.

٣٠٦

جئنا لنوادع(١) محمدا ، فرجع أسيد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم» ثم بعث إليهم بعشرة أحمال تمر(٢) فقدمها أمامه ، ثم قال : نعم الشئ الهدية أمام الحاجة ، ثم أتاهم فقال : يا معشر أشجع ما أقدمكم؟ قالوا : قربت دارنا منك ، وليس في قومنا أقل عددا منا ، فضقنا بحربك لقرب دارنا منك وضقنا لحرب قومنا(٣) لقلتنا فيهم ، فجئنا لنوادعك ، فقبل النبي (ص) ذلك منهم ووادعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم ، وفيهم نزلت هذه الآية : « إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق » الآية(٤).

٧ ـ قب : ثم بعد غزاة بني قريظة(٥) بعث رسول الله عليه وآله عبدالله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق.

بنو المصطلق من خزاعة وهو المريسيع ، غزاهم علي عليه‌السلام في شعبان ، و رأسهم الحارث بن أبي ضرار ، وأصيب يومئذ ناس من بني عبدالمطلب ، فقتل علي عليه‌السلام مالكا وابنه ، فأصاب النبي (ص) سبيا كثيرا ، وكان سبى علي عليه‌السلام جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، فاصطفاها النبي (ص) ، فجاء أبوها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بفدآء ابنته ، فسأله النبيي (ص) عن جملين خباهما في شعب كذا ، فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله(٦) ، والله ما عرفهما أحد سواي ، ثم قال : يا رسول الله إن ابتني لا تسبى ، إنها امرأة كريمة ، قال : « فاذهب فخيرها » قال : قد أحسنت وأجملت ، وجاء إليها أبوها فقال لها : يا بنية لا تفضحي قومك ، فقالت :

___________________

(١) في المصدر المطبوع : لنواعد.

(٢) في المصدر : بعشرة أجمال تمر.

(٣) في المصدر : المطبوع : « لقرب دارنا ، وضقنا بحرب قومنا » وفى نسختى المخطوطة : وليس في قومنا اقل عددا منا قمينا لحربك ، لقرب دارنا ، وضقنا لحرب قومك.

(٤) تفسير القمى : ١٣٣ ـ ١٣٥ والاية في سورة النساء : ٨٩ و ٩٠.

(٥) في المصدر : « ثم بعث » فقوله : ( بعد غزاة بنى قريظة ) من المصنف أورده تبينا.

(٦) في المصدر : وانك لرسول الله.

٣٠٧

قد اخترت الله ورسوله ، فدعا عليها أبوها ، فأعتقها رسول الله (ص) وجعلها في جملة أزواجه.

وفي هذه الغزاة نزلت « إن الذين جاؤا بالافك(١) ».

وفيها : قال عبدالله بن أبي : « لئن رجعنا إلى المدينة(٢) ».

٨ ـ قب : سنة ست في شهر ربيع الاول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمرة فهربوا وأصاب مائتي بعير.

وفيها بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى القصة في أربعين رجلا فأغار عليهم. وفيها سرية زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم فأصابوا ، ووصلوا إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فهربوا ، وأصاب منهم عشرين بعيرا.

وغزوة زيد إلى العيص في جمادي الاولى.

وغزوة بني قرد ، وذلك أن أناسا من الاعراب قدموا وساقوا الابل ، فخرج إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقدم أبا قتادة الانصاري مع جماعة فاسترد منهم(٣).

وبعث محمد بن مسلمة إلى قوم من هوازن فكمن القوم لهم وأفلت محمد وقتل أصحابه.

ذات السلاسل(٤) وهو حصن ، وذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إن لي نصيحة ، قال : « وما نصحيتك »؟ قال : اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرة على أن يبيتوك بها القصة.

وفيها غزوة علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلى بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر.

___________________

(١) يأتى بيانه في الباب الاتى.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ١٧٣. أقول : تقدم تفصيل ما اجمل.

(٣) في المصدر : فاستردوها منهم.

(٤) سيأتى ما وقع في تلك الغزوة مفصلا في بابه.

٣٠٨

وفيها سرية عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان. وسرية العرنيين(١) الذين قتلوا راعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستاقوا الابل ، وكانوا عشرين فارسا.

وفيها أخذت أموال أبي العاص بن الربيع.

وفيها غزوة الغابة(٢).

ـ ١٩ ـ

باب

*(آخر في قصة الافك)*

الآيات : النور : « ٢٤ » : إن الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين * ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤف رحيم * يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن

___________________

(١) هكذا في الكتاب ومصدره ، وتقدم أن الصحيح ، العرينين بتقديم الياء على النون.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ١٧٣ و ١٧٤ ، وقد تقدم تفصيل ما اجمل.

٣٠٩

الله يزكي من يشاء والله سميع عليم * ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم * إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين * الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم. ١١ ـ ٢٦

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « إن الذين جاؤا بالافك » روى الزهري ، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وغيرهما عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله (ص) إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي ، وذلك بعد ما أنزل الحجاب ، فخرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى فرغ من غزوه وقفل.

وروي أنها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة.

قالت : ودنونا من المدينة فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا بعقد(١) من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه.

وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فحملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، وكانت النساء إذا ذاك خفافا [ و ] لم يهبلهن(٢) اللحم وإنما يأكلن العلفة من الطعام ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي وجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فدنوت من منزلي(٣) الذي كنت فيه ، وظننت

___________________

(١) فاذا عقد خ ل. أقول : هذا يوافق المصدر.

(٢) لم يقشمن خ لم يغشهن خ ل أقول : في المصدر : لم يهبلهن اللحم ( لم يغشهن اللحم خ ل ).

(٣) في المصدر : فسموت من منزلى.

٣١٠

أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة إذ غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرس(١) من ورآء الجيش ، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما كلمني بكلمة حتى أناخ راحلته فركبتها ، فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في حر الظهيرة ، فهلك من هلك في ، وكان الذي تولى كبره منهم عبدالله بن أبي سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الافك ولا أشعر بشئ من ذلك وهو يربيني(٢) في وجعي غير أني لا أعرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل ويسلم و يقول : « كيف تيكم؟ » فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد مانقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المصانع(٣) وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن يتخذ الكنف ، وأمرنا أمر العرب الاول في التنزه ، وكنا نتأذي بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلق أنا وأم مسطح وأمها بنت صخر بن عام(٤) خالة أبي ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس(٥) مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت : وماذا؟ قال : فأخبرتني بقول أهل الافك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى منزلي دخل علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال « كيف تيكم؟ » قلت(٦) تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت : وأنا أريد أتيقن الخبر من قبله ، فأذن لي رسول الله ، فجئت أبوي وقلت لامي : يا أمه ماذا يتحدث الناس؟ فقالت : أي بنية هوني عليك ،

___________________

(١) عرس القوم : نزلوا من السفر للاستراحة ثم يرتحلون.

(٢) يريبنى خ ل. أقول : في المصدر : يرثينى.

(٣) المناصع خ ل.

(٤) في المصدر : صخر بن عامر. وفى السيرة صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم.

(٥) المرط بالكسر ، اكسية من صوف او خز يؤتزر بها. والتعس : الهلاك.

(٦) قلت له خ ل.

٣١١

فوالله لعل(١) ما كانت امرأة قط وصبية(٢) عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قلت : سبحان الله أو قد تحدث الناس(٣) بهذا؟ قالت : نعم فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي(٤) دمع ، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله (ص) أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام حين استلبث(٥) الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالذي علم من براءة أهله بالذي يعلم في نفسه من الود(٦) ، فقال رسول الله (ص) هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير(٧) ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله (ص) بريرة فقال : « يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك من عاشئة؟ » قالت بريرة : والذي بعثك بالحق ان رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها(٨) ، قالت : وأنا والله أن يرى رسول الله (ص) رؤيا يبرئني الله بها ، فأنزل الله على نبيه وأخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى أنه لينحدر عنه مثل الجمان من العرق وهو في اليوم الشاتي من القول الذي انزل عليه ، فلما سري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أبشري يا عائشة ، أما والله فقد برأك الله ، فقالت أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله وهو الذي برأني ، فأنزل الله تعالى : « إن الذين جاؤا بالافك »(٩).

___________________

(١) في المصدر : لقلما.

(٢) في المصدر : وضيئة.

(٣) في المصدر : او قد يحدث الناس بهذا؟

(٤) أى لا يجف ولا ينقطع.

(٥) اى تأخر.

(٦) في المصدر : وبالذى يعلم في نفسه لهم من الود.

(٧) في المصدر وفى غير نسخة المصنف من النسخ : كثيرة.

(٨) فتأتى الداجن فتأكله خ.

(٩) مجمع البيان ٧ : ١٣٠.

٣١٢

بيان : الجزع بالفتح : الحرز اليماني. وظفار : بلد بالمين.

وقال الجزري : في حديث الافك : والنساء يومئذ لم يهبلوه اللحم(١) ، أي لم يكثر عليهن ، يقال : هبله اللحم : إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا.

والعلقة بالضم : البلغة من الطعام.

وقال : موغرين في نحر الظهيرة ، أي في وقت الهاجرة وقت توسط الشمس السماء يقال : وغرت الهاجرة وغرا ، وأوغر الرجل : دخل في ذلك الوقت. وقال : نحر الظهيرة ، هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى الصدر.

وقال الجوهرى : ( تا ) اسم يشار به إلى المؤنث مثل ذا للمذكر ، فإن خاطبت جئت بالكاف فقلت : تيك وتلك وتاك.

وقال الجزري : في حديث الافك : وكان متبرز النساء بالمدينة قبل أن تبنى الكنف في الدور المناصع ، هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة ، واحدها منصع لانه يبرز إليها ويظهر ، قال الازهري : أراها مواضع مخصوصة خارج المدينة. وقال تنزه تنزها : بعد. وقال : ياهنتاه أي يا هذه ، وتفتح النون وتسكن وتضم الهاء الاخيرة وتسكن. وقال : الداجن هو الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم ، وقد يقع على غيرالشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها. وفي حديث الافك : يدخل الداجن فيأكل عجينها.

والغمص : العيب. والطعن على الناس. والجمان كغراب : اللؤلؤ أو هنوات أشكال اللؤلؤ من فضة.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : ( بالافك ) أي بأبلغ ما يكون من الكذب « عصبة منكم » جماعة منكم ، وهي من العشرة إلى الاربعين ، يريد عبدالله بن أبي وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وهي خبر « إن » وقوله : « لا تحسبوه شرا لكم » مستأنف ، والخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي

___________________

(١) في النهاية : « لم يهبلهن » وفى النسختين المطبوعتين من المصدر : لم يهبلن.

٣١٣

بكر وعائشة وصفوان ، والهاء للافك « بل هو خير لكم » لاكتسابكم به الثواب « لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم » لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصا به « والذي تولى كبره » معظمه « منهم » من الخائضين وهو ابن أبي ، فإنه بدأ به وأذاعه عداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو هو وحسان ومسطح فإنهما شايعاه في التصريح به ، و « الذي » بمعنى الذين « له عذاب عظيم » في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا. وصار ابن أبي مطرودا مشهورا بالنفاق ، وحسان أعمى أشل اليدين ، ومسطح مكفوف البصر « لولا » هلا « إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا » بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات « وقالوا هذا إفك مبين » كما يقول المستقين المطلع على الحال « لولا جاؤا » إلى قوله : « الكاذبون » من جملة المقول تقريرا لكونه كذبا ، فإن ما لا حجة عليه فكذب عند الله ، أي في حكمة ، ولذلك رتب عليه الحد « ولولا فضل الله عليكم » في الدنيا بأنواع النعمة التي من جملتها الامهال للتوبة « ورحمة في الآخرة » بالعفو والمغفرة المقدران لكم « لمسكم » عاجلا « فيما أفضتم » خضتم « فيه عذاب عظيم » يستحقر دونه اللوم والجلد.

« اذ » ظرف لمسكم أو أفضتم « تلقونه بألسنتكم » يأخذ(١) بعضكم من بعض بالسؤال عنه « وتقولون بأفواهكم » بلا مساعدة من القلوب « ما ليس لكم به علم » لانه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبكم « وتحسبونه هينا » سهلا لا تبعة له « وهو عند الله عظيم » في الوزر « ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا » ما ينبغي وما يصح لنا « أن نتكلم بهذا » إشارة إلى القول المخصوص أو إلى نوعه « سبحانك هذا بهتان عظيم » تعجب من ذلك(٢) ، وأصله أن يذكر عند كل متعجب تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ، ثم كثر فاستعمل لكل متعجب ، أو تنزيه لله من أو يكون حرم نبيه فاجرة ، فإن فجورها تنفير عنه بخلاف كفرها « يعظكم الله أن تعودوا لمثله » كراهة أن تعودوا ، أو في أن تعودوا « أبدا » ما دمتم أحياء مكلفين « إن كنتم مؤمنين »

___________________

(١) في المصدر : والمعنى يأخذه بعضكم.

(٢) في المصدر : تعجب ممن يقول ذلك.

٣١٤

فإن الايمان يمنع منه « ويبين الله لكم الآيات » الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا « والله عليم » بالاحوال كلها « حكيم » في تدابيره « إن الذين يحبون » يريدون « أن تشيع » أن تنتشر « الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة » الحد والسعير(١) إلى غير ذلك « والله يعلم » ما في الضمائر « وأنتم لا تعلمون » فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر ، والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الاشاعة « ولو فضل الله عليكم ورحمة » تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة ولذا عطف(٢) « و إن الله رؤف رحيم » على حصول فضله ورحمته عليهم ، وحذف الجواب وهو مستغنى عنه لذكره مرة « يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان » بإشاعة الفاحشة « ومن يتبع » إلى قوله : « بالفحشاء والمنكر » الفحشاء : ما افرط قبحه [ قبيحه ] والمنكر ما أنكره الشرع « ولولا فضل الله عليكم ورحمته » بتوفيق التوبة الماحية للذنوب و شرع الحدود المكفرة لها « ما زكى » ما طهر من دنسها « منكم من أحد أبدا » آخر الدهر « ولكن الله يزكي من يشاء » بحمله على التوبة وقبولها « والله سميع » لمقالهم « عليم » بنياتهم.

« ولا يأتل » ولا يحلف أو ولا يقصر ، روي أنه نزل في أبي بكر وقد حلف أن لا ينفق على مسطح بعد ، وكان ابن خالته ، وكان من فقراء المهاجرين « أولو الفضل منكم والسعة » في المال « أن يؤتوا » على أن لا يؤتوا ، أو في أن يؤتوا « أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله » صفات لموصوف واحد أي ناسا جامعين لها لان الكلام فيمن كان كذلك ، أو لموصوفات أقيمت مقامها ، فيكون أبلغ في تعليل المقصود « وليعفوا » ما فرط منهم « وليصفحوا » بالاغماض عنهم « ألا تحبون أن يغفر الله لكم » على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم « والله غفور رحيم » مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه « إن الذين يرمون

___________________

(١) في المصدر : بالحد والسعير.

(٢) ولذا عطف قوله : وان الله.

٣١٥

المحصنات » العفائف « الغافلات » مما قذفن به « المؤمنات » بالله ورسوله استباحة لعرضهن وطعنا في الرسول كابن أبي « لعنوا في الدنيا والآخرة » لما طعنوا(١) فيهن « ولهم عذاب عظيم » لعظم ذنوبهم.

قوله « دينهم الحق » أي جزاؤهم المستحق ، قوله : « الخبيثات للخبيثين » أي الخبيثات يتزوجن الخبائث وبالعكس ، وكذا أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله « أولئك » أي أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الرسول أو عائشة وصفوان « مبرؤن مما يقولون » إذ لو صدق لم تكن زوجته ولم تقرر عليه « لهم مغفرة ورزق كريم » يعني الجنة(٢).

١ ـ فس : قوله : « إن الذين جاؤا بالافك » إن العامة روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة ، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية ، وما رمتها به عائشة(٣).

أقول : سيأتي ذكر القصة في باب أحوال إبراهيم ومارية.

٢ ـ وفي تفسير النعماني عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ومنه الحديث في أمر عائشة وما رماها به عبدالله بن أبي سلول(٤) وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة ، فأنزل الله تعالى « إن الذين جاؤا بالافك » الآية فكلما كان من هذا وشبهه في كتاب الله فهو مما تأويله قبل تنزيله(٥).

___________________

(١) كما طعنوا خ ل.

(٢) انوار التنزيل ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٧.

(٣) تفسير القمى : ٤٥٣.

(٤) الصحيح عبدالله بن ابى بن سلول.

(٥) المحكم والمتشابه : ٩٦.

٣١٦

ـ ٢٠ ـ

باب

*(غزوة الحديبة وبيعة الرضوان وعمرة القضاء وسائر الوقايع)*

الآيات : البقرة « ٢ » : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ١١٤.

وقال سبحانه : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين * الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.

إلى قوله تعالى :

وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محلة ١٩٠ ـ ١٩٦.

المائدة « ٥ » يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ٩٤.

الانفال « ٨ » : وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعملون ٣٤.

الحج « ٢٢ » : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم ندقه من عذاب أليم ٢٥.

٣١٧

الفتح « ٤٨ » : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما* سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا * بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا * ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا * ولله ملك السماوات والارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما * سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا * قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما * ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما * لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما * وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما.

إلى قوله تعالى :

ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا * سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا * وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا * هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل

٣١٨

الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما * إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما * لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ١٠ ـ ٢٧.

الممتحنة « ٦٠ » : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ١٠ و ١١.

تفسير : قال الطبرسي رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : « ومن أظلم ممن منع مساجد الله » : اختلفوا في المعني بهذه الآية ، فقال ابن عباس ومجاهد أنهم الروم غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابة حتى كان أيام عمر فأظهر الله المسلمين عليهم ، وصاروا لا يدخلونها إلا خائفين.

وقال الحسن وقتادة : هو بخت نصر خرب بيت المقدس وأعانه عليه النصارى وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنهم قريش حين منعوا رسول الله (ص) دخول مكة و المسجد الحرام ، وبه قال البلخي والرماني والجبائي(١).

وقال في قوله تعالى : « وقاتلوا في سبيل الله » : عن ابن عباس نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خرج هو وأصحابه في العام الذي

___________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٨٩.

٣١٩

أرادوا فيه العمرة وكانوا ألفا وأربعمائة فساروا حتى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ، ثم صالحم المشركون على أن يرجع في عامه(١) ويعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء ، فيرجع إلى المدينة من فوره ، فلما كان العام المقبل تجهز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله و أصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك ، وأن يصدوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم ، فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم ، فأنزل الله هذه الآية ، وعن الربيع بن أنس وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم هذه أولى آية(٢) نزلت في القتال ، فلما نزلت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقاتل من قاتله و يكف عمن كف عنه حتى نزلت : « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » فنسخت هذه الآية « ولا تعتدوا » أي لا تجاوزوا(٣) من قتال من هو أهل القتال إلى قتال من لم تؤمروا بقتاله ، وقيل : معناه لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال « إن الله لا يحب المعتدين » واختلف في الآية فقال بعضهم : منسوخة كما ذكرنا ، وروي عن ابن عباس ومجاهد أنها غير منسوخة بل هي خاصة في النساء والذراري ، وقيل : أمر بقتال أهل مكة ، وروي عن أئمتنا عليهما‌السلام أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : « كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة »(٤) وكذلك قوله : « واقتلوهم حيث ثقفتموهم » ناسخ لقوله : « ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم »(٥).

« واقتلوهم » أي الكفار « حيث ثقفتموهم » أي وجدتموهم « وأخرجوهم من خرجوكم » يعني أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها « والفتنة أشد من القتل » أي شركهم بالله وبرسوله أعظم من القتل في الشهر الحرام ، وذلك أن رجلا(٦)

___________________

(١) في المصدر : من عامه.

(٢) في المصدر : هذه أول آية.

(٣) في المصدر : اى ولا تجاوزوا.

(٤) النساء : ٧٧.

(٥) الاحزاب : ٤٨.

(٦) تقدم شرح ذلك في باب نوادر الغزوات.

٣٢٠