بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قص هذه القصة ثم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من كذب علي متعمدا قليتبوء مقعده من النار». وكان الذي أصلحه أميرالمؤمنين عليه‌السلام من نعل النبي (ص) شسعها ، فإنه كان انقطع فخصف موضعه وأصلحه(١).

١٠ ـ عم : في سنة خمس كانت غزوة الحديبية في ذي القعدة ، وخرج في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة ، وساق معه سبعين بدنة ، وبلغ ذلك المشركين من قريش فبعثوا خيلا ليصدوه عن المسجد الحرام ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى أنهم لا يقاتلونهم(٢) لانه خرج في الشهر الحرام ، وكان من أمرسهيل بن عمرو ، وأبي جندل ابنه وما فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما شك به من زعم أنه ماشك إلا يومئذ في الدين(٣) ، وأتى بديل ابن ورقاء إلى قريش فقال لهم : يا معشر قريش خفضوا عليكم وإنه لم يأت يريد قتالكم ، وإنما يريد زيارة هذا البيت ، فقالوا : والله لا نسمع منك ، ولا تحدث العرب أنه دخلها عنوة ، ولا نقبل منه إلا أن يرجع عنا ، ثم بعثوا إليه بكرز بن حفص(٤) وخالد بن الوليد وصدوا الهدي ، وبعث صلى‌الله‌عليه‌وآله عثمان بن عفان إلى أهل مكة يستأذنهم في أن يدخل(٥) مكة معتمرا فأبوا أن يتركوه ، واحتبس عثمان فظن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم قتلوه ، فقال لاصحابه : « أتبايعوني على الموت؟ » فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا عنه أبدا ، ثم إنهم بعثوا سهيل بن عمرو فقال : يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزنا ، وقد تسامعت العرب بك أنك قد غزوتنا ، ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطف ، وإنا نذكرك الرحم ، فإن مكة بيضتك التي تفلقت عن رأسك(٦) قال : « فما تريد؟ » قال : أريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن أخليها

___________________

(١) ارشاد المفيد : ٦٠ ـ ٦٢ فيه : فانه كان قد انقطع فخصف موضعه وأصلحه. ثم ذكر رواية اخرى في ذلك راجعه.

(٢) لا يقاتلونه خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٣) تقدم تفصيله ويأتى.

(٤) في المصدر : بكر ، والظاهر انه وما في الصلب مصحفان عن مكرز كما تقدم.

(٥) في المصدر : يستأذنهم ان يدخل.

(٦) في المصدر : تفلقت من رأسك.

٣٦١

لك في قابل فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح إلا سلاح الراكب : السيف في القراب والقوس ، فدعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخذ أديما أحمر فوضعه على فخذه ، ثم كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمد فافتتحه بما نعرفه ، اكتب باسمك اللهم ، فقال : « اكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت » فقال : لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت ، فقال النبي (ص) : « اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو » فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لاقررت لك بالنبوة ، فامح هذا الاسم ، واكتب محمد بن عبدالله ، فقال له علي عليه‌السلام : إنه والله لرسول الله على رغم أنفك ، فقال النبي (ص) : « امحها يا علي » فقال له : يا رسول الله إن يدي لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة ، قال : فضع يدي عليها ، فمحاها رسول الله (ص) ، وقال لعلي عليه‌السلام : « ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض ». ثم كتب : باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ومن معه من المسلمين سهيل بن عمرو ومن معه من أهل مكة على أن الحرب مكفوفة ، فلا إغلال ولا إسلال ولا قتال ، وعلى أن لا يستكره أحد على دينه ، وعلى أن يعبد الله بمكة علانية ، وعلى أن محمدا ينحر الهدي مكانه ، وعلى أن يخليها(١) له في قابل ثلاثة أيام فيدخلها بسلاح الراكب ، ويخرج(٢) قريش كلها من مكة إلا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد وأصحابه ، ومن لحق محمدا وأصحابه من قريش فإن محمدا يرده إليهم ، ومن رجع من أصحاب محمد إلى قريش بمكة فإن قريشا لاترده إلى محمد ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا سمع كلامي ثم جاءكم فلا حاجة لي فيه » ـ وأن قريشا لا يعين(٣) على محمد وأصحابه أحدا بنفس ولا سلاح إلى آخره.

فجاء أبوجندل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى جلس إلى جنبه ، فقال أبوه سهيل : رده

___________________

(١) نخليها خ ل.

(٢) في المصدر : وتخرج.

(٣) في المصدر : لا تعين.

٣٦٢

علي ، فقال المسلمون : لا نرده ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيده فقال : « اللهم إن كنت تعلم أن أبا جندل لصادق فاجعل له فرجا ومخرجا » ثم أقبل على الناس وقال : « إنه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه وأمه ، وإني أريد أن أتم لقريش شرطها ٠» ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، وأنزل الله في الطريق سورة الفتح : « إنا فتحنا لك فتحا مبينا ».

قال الصادق عليه‌السلام : فما انقضت تلك المدة حتى كاد إلاسلام يستولي على أهل مكة ، ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة انفلت أبوبصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين ، وبعث الاخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما ، و أتى رسول الله (ص) مسلما مهاجرا ، فقال : « مسعر(١) حرب لو كان معه واحد » ثم قال : « شأنك بسلب(٢) صاحبك واذهب حيث شئت » فخرج أبوبصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر ، وانفلت أبوجندل بن عمرو في سبعين راكبا(٣) أسلموا فلحق بأبي بصير ، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها ، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله (ص) يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منا إليك فامسكه غير حرج أنت فيه ، فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القصة أن طاعة(٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير لهم فيما أحبوا وفيما

___________________

(١) أسعر النار : أشعلها ، أى مشعل نار الحرب وموقدها. وفى السيرة والامتاع : « ويل امه محش حرب لو كان معه رجال » أقول : محش حرب أى موقدها ومهيجها. (٢) السلب : ما يسلب من القتيل. أقول قدم أبوبصير سلبه ليخمسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يقبله وقال : انى اذا خمسته رأوا انى لم اوف لهم بالذى عاهدتهم عليه ، ولكن شأنك بسلب صاحبك.

(٣) في المصدر : في سبعين رجلا راكبا.

(٤) في المصدر : ان اطاعة.

٣٦٣

كرهوا ، وكان أبوبصير وأبوجندل وأصحابهما هم الذين مر بهم أبوالعاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم فأخذوا ما معهم(١) ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلوا سبيل أبي العاص ، فقدم المدينة على امرأته ، وكان أذن لها حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبوالعاص هو ابن أخت خديجة بنت خويلد(٢).

بيان : قال في النهاية : في حديث الافك : ورسول الله يخفضهم ، أي يسكنهم ويهون عليهم الامر ، من الخفض : الدعة والسكون ، ومنه حديث أبي بكر قال لعائشة في شأن الافك : خفضي عليك ، أي هوني الامر عليك ولا تحزني له. وقال : عنوة ، أي قهرا وغلبة. وقال : الخطف : استلاب الشئ وأخذه بسرعة.

١١ ـ عم : ربعي بن خراش ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : أقبل سهيل بن عمرو ورجلان أو ثلاثة معه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبية فقالوا له : إنه يأتيك قوم من سفلتنا وعبداننا فارددهم علينا ، فغضب حتى احمار وجهه. وكان إذا غضب صلى‌الله‌عليه‌وآله يحمار وجهه ، ثم قال : « لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين؟(٣) » فقال أبوبكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا «ولكنه ذلكم خاصف النعل في الحجرة» وأنا أخصف نعل رسول الله (ص) ، ثم قال : أما إنه قد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله(٤) : من كذب علي متعمدا فيلتبوأ مقعده من النار(٥).

بيان : في القاموس : العبد : الانسان حرا كان أو رقيقا. والمملوك ، والجمع عبدون وعبيد وأعبد وعباد وعبدان وعبدان عبدان بكسرتين مشددة الدال. وقال :

___________________

(١) في المصدر واخذوا اموالهم.

(٢) اعلام الورى باعلام الهدى : ٦٠ ـ ٦٢ ط ١ و ١٠٥ ـ ١٠٧ ط ٢.

(٣) في المصدر : فيضرب رقابكم وانتم خارجون عن الدين.

(٤) في المصدر : ثم قام وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله. أقول : فيه سقط وتصحيف.

(٥) إعلام الورى بأعلام الهدى : ١١٣ ط ١ و ١٩١ ط ٢.

٣٦٤

جفل الظليم جفولا : أسرع وذهب في الارض كأجفل.

١٢ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن علي الصيرفي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عمرة القضاء شرط عليهم أن يرفعوا الاصنام من الصفا والمروة ، فتشاغل رجل حتى ترك السعي حتى انقضت الايام وأعيدت الاصنام ، فجاؤا إليه فقالوا : يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الاصنام ، فأنزل الله عزوجل : « فلا جناح عليه أن يطوف بهما(١) » أي وعليهما الاصنام(٢).

١٣ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير وغيره ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة(٣) الحديبية خرج في ذي القعدة ، فلما انتهى إلى المكان الذى أحرم فيه أحرموا ، ولبسوا السلاح ، فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده قال : ابغوني(٤) رجلا يأخذني على غير هذا الطريق ، فأتى برجل من مزينة أو جهينة فسأله فلم يوافقه ، قال : « ابغوني(٥) رجلا غيره » فأتي برجل آخر إما من مزينة وإما من جهينة ، قال فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة ، فقال : من يصعدها حط الله عنه كما حط الله عن بني إسرائيل فقال لهم : « ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم؟ » قال : فابتدرها خيل الانصار : الاوس والخزرج ، قال : وكانوا ألفا وثمانمائة ، قال : فلما هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة ، معها ابنها على القليب فسعى ابنها هاربا ، فلما أثبتت أنه رسول الله صرخت به : هؤلاء الصائبون ، ليس عليك منهم بأس ، فأتاها

___________________

(١) صدر الحديث : بعض اصحابنا قال : سئل ابوعبدالله عليه‌السلام عن السعى بين الصفا و المروة فريضة أم سنة؟ فقال : فريضة ، قلت ، أو ليس قال الله عزوجل : « فلا جناح عليه أن يطوف بهما » قال : كان ذلك في عمرة القضاء ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. اه.

(٢) فروع الكافى ١ : ٢٨٥.

(٣) في وقعة خ ل.

(٤ و ٥) ابغوا لى خ ل.

٣٦٥

رسول الله (ص) فأمرها فاستقت دلوا من ماء ، فأخذه رسول الله (ص) فشرب وغسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة ، وخرج رسول الله (ص) فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد(١) في الخيل ، فكان بإزائه ، ثم أرسلوا الجيش(٢) فرأى البدن وهي تأكل بعضها أو بار بعض ، فرجع ولم يأت رسول الله (ص) ، وقال لابي سفيان : يا باسفيان أما والله ما على هذا حالفناكم ، على أن تردوا الهدي عن محله ، فقال : اسكت فإنما أنت أعرابي ، فقال : أما والله لتخلين عن محمد وما أراد أو لانفردن في الاحابيش(٣) ، فقال : اسكت حتى نأخذ من محمد ولثا.

فأرسلوا إليه عروة بن مسعود ، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة ، كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجارا فقتلهم ، وجاء بأموالهم إلى رسول الله (ص) ، فأبى رسول الله (ص) أن يقبلها ، وقال : « هذا غدر ولا حاجة لنا فيه » فأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا رسول الله هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظم البدن ، قال : « فأقيموها » فأقاموها ، فقال : يا محمد مجئ من جئت؟ قال : « جئت أطوف بالبيت ، وأسعى بين الصفا والمروة ، وأنحر هذه الابل ، وأخلي عنكم وعن لحمانها » قال : لا واللات والعزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له ، إن قومك يذكرونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وأن تحرئ عليهم عدوهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أنا بفاعل حتى أدخلها » قال : وكان عروة بن مسعود حين كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تناول لحيته ، والمغيرة قائم على رأسه ، فضرب بيده ، فقال : من هذا يا محمد؟ فقال : « هذا ابن أخيك المغيرة » فقال : يا غدر والله ما جئت إلا في غسل سلحتك(٤) ، قال : فرجع إليهم ، فقال لابي سفيان وأصحابه : لا والله ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له.

___________________

(١) ذكر اصحاب السير مكانه : « بديل بن ورقاء » ولعله ارسل مرة اخرى.

(٢) هكذا في نسخة المصنف وغيرها ، وفيه وهم والصحيح كما في المصدر وكتب السيرة : الحليس. وهو الحليس بن علقمة الحارثى ، او ابن زبان ، سيد الاحابيش.

(٣) في سيرة ابن هشام : اولا نفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد.

(٤) في السيرة : أى غدر! وهل غسلت سوأتك إلا بالامس؟

٣٦٦

فأرسلوا إليه سهيل بن عمر وحويطب بن عبدالعزى ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأثيرت في وجوههم البدن ، فقالا : مجئ من جئت؟ قال : « جئت لاطوف بالبيت ، وأسعى بين الصفا والمروة ، وأنحر البدن ، وأخلي بينكم وبين لحمانها » فقالا : إن قومك يناشدونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وتقطع أرحامهم ، وتجرئ عليهم عدوهم ، قال : فأبى عليهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن يدخلها ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يبعث عمر(١) فقال : يا رسول الله إن عشيرتي قليل وإني فيهم على ما تعلم ، ولكني أدلك على عثمان بن عفان ، فأرسل إليه رسول الله فقال : « انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة »(٢) فلما انطلق عثمان لقى أبان بن سعيد فتأخر عن السرج(٣) ، فحمل(٤) عثمان بين يديه ودخل عثمان فأعلمهم ، وكانت المناوشة ، فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله (ص) وجلس عثمان في عسكر المشركين ، وبايع رسول الله (ص) المسلمين وضرب بإحدى يديه على الاخرى لعثمان ، وقال المسلمون : طوبى لعثمان قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما كان ليفعل » فلما جاء عثمان قال له رسول الله (ص) : «أطفت بالبيت؟» فقال : ما كنت لاطوف بالبيت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يطف به ، ثم ذكر القضية(٥) وما كان فيها.

___________________

(١) ذكر ذلك ايضا أصحاب السير في كتبهم. فتراه في حاله هذا لا يجرء على أن يأتى قريش ، ويبلغهم رسالة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول صريحا كما في سيرة ابن هشام : « إنى أخاف قريشا على نفسى » ولكن حين يرى انه التأم أمر الصلح يثب ويرفع عقيرته ويقول للنبى الاعظم صلى الله عليه وآله : ألست برسول الله؟ ألسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ فعلام نعطى الدنية في ديننا؟! هذا دأب الخليفة الثانى ، يجبن في مواطن تحتاج إلى التجرؤ والشجاعة ، ويتشجع في موطن تصلح فيه المداراة والاناة.

(٢) في السيرة : بعثه إلى ابى سفيان اشراف قريش يخبرهم انه لم يأت لحرب ، وانه انما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما له.

(٣) في المصدر : عن السرح. اقول أى عن الماشية.

(٤) وحمل خ ل.

(٥) القصة خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

٣٦٧

فقال لعلي عليه‌السلام : « اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ».

فقال سهيل : ما أدري ما الرحمن الرحيم؟ إلا أني أظن هذا الذي باليمامة ولكن اكتب كما يكتب : (١) باسمك اللهم.

قال : « واكتب هذا ما قاضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سهيل بن عمرو ».

فقال سهيل : فعلى ما نقاتلك يا محمد؟

فقال : « أنا رسول الله وأنا محمد بن عبدالله ».

فقال الناس : أنت رسول الله ، قال : اكتب ، فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله ، فقال الناس : أنت رسول الله ، وكان في القضية : «إن كان(٢) منا اتى إليكم رددتموه إلينا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مستكره عن دينه ، ومن جاء إلينا منكم لم نرده إليكم» فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا حاجة لنا فيهم» وعلى أن يعبد الله(٣) فيكم علانية غير سر ، وإن كانوا ليتهادون السيور(٤) في المدينة إلى مكة ، وما كانت قضية أعظم بركة منها ، لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الاسلام.

فضر(٥) سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه فقال : أول ما قاضينا عليه ، فقال رسول الله (ص) : « وهل قاضيت على شئ؟ » فقال : يا محمد ما كنت بغدار ، قال : فذهب بأبي جندل فقال : يا رسول الله تدفعني إليه؟ قال : « ولم أشترط لك » قال : وقال : اللهم اجعل لابي جندل مخرجا(٦).

بيان : قال الجزري : يقال ابغني كذا بهمزة الوصل ، أي اطلب لي ، وأبغني بهمزة القطع ، أي أعني على الطلب. قوله : أو من جهينة ، الترديد من الراوي في الموضعين. ويقال : أثبته ، أي عرفه حق المعرفة ، ويقال : صبأ فلان : إذا خرج من

___________________

(١) في المصدر كما نكتب.

(٢) إن من كان خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٣) نعبد الله خ ل.

(٤) الستور خ ل.

(٥) فيه وفي مواضع من الحديث اختصار اما من الراوى ، او من الامام ، تقدم تفصيله فيما قبل.

(٦) روضة الكافى. ٣٢٢ ـ ٣٢٧.

٣٦٨

دين إلى غيره.(١) قوله عليه‌السلام : فلم تبرح ، أي لم يزل الماء من تلك البئر ، قوله عليه‌السلام : فكان بإزائه ، أي أتى حتى قام بحذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو المراد أنه كاند قائد عسكر المشركين ، كما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قائد عسكر المسلمين. قوله : وهي تأكل ، كناية عن كثرتها وازدحامها واجتماعها. قوله : حالفناكم ، لانهم كان وقع بينهم الحلف على معاداة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو على تعاونهم مطلقا.

قوله : أو لانفردن في الاحابيش ، أي أعتزل معهم عنكم وأمنعهم عن معاونتكم.

قال الجزري : في حديث الحديبية : إن قريشا جمعوا لك الاحابيش ، هي أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا ، والتحبش : التجمع. وقيل : حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبشيا فسموا بذلك.

وقال الفيروز آبادي : حبشي بالضم : جبل بأسفل مكة ، ومنه أحابيش قريش لانهم تحالفوا بالله إنهم ليد على غيرهم ما سجى ليل ، ووضح نهار ، وما رسى حبشي انتهى.

والولث. العهد بين القوم يقع من غير قصد ، أو يكون غير مؤكد.

قوله : وقد كان جاء ، كانت هذه القصة على ما ذكره الواقدي أنه ذهب المغيرة مع ثلاثة عشر رجلا من بني مالك إلى مقوقس سلطان الاسكندرية ، وفضل مقوقس بني مالك على المغيرة في العطاء ، فلما رجعوا وكانوا في الطريق شرب بنو مالك ذات ليلة خمرا وسكروا فقتلهم المغيرة حسدا ، وأخذ أموالهم ، وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلم فقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله إسلامه ، ولم يقبل من ماله شيئا ، ولم يأخذ منه الخمس لغدره ، فلما بلغ ذلك أبا سفيان أخبر عروة بذلك ، فأتى عروة رئيس بني مالك وهو مسعود بن عمرة فكلمه في أن يرضى بالدية ، فلم يرض بنو مالك بذلك ، وطلبوا القصاص من عشائرالمغيرة ، واشتعلت بينهم نائرة الحرب فأطفأها عروة بلطائف حيله ، وضمن دية

___________________

(١) وكانت العرب تسمى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الصابئ لانه خرج من دين قريش إلى دين الاسلام ، ويسمون المسلمين الصباة.

٣٦٩

الجماعة من ماله. فضمير الفاعل في قوله : « جاء » راجع إلى عروة. وقوله في القوم أي لان يتكلم ويشفع في الامر المقتولين ، والضمير في ( خرج ) راجع إلى المغيرة. قوله : فأرسلوا ، أي قريش عروة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، فقالوا أي الصحابة ، أو ضمير أرسلوا أيضا راجع إلى الصحابة ، أي الذين كانوا بإزاء ، العدو. قوله : ما رأيت مثلك ، هذا تعجب منه ، أي كيف يكون مثلك في الشرافة وعظم الشان مردودا عن مثل هذا المقصد الذى لا ينبعي أن يرد عنه أحد؟!.

قوله : إلا في غسل سلحتك ، قال في المغرب : السلح التغوط : أقول : الظاهر أن « جئت » بصيغة المتكلم أي جئت الآن أو قبل ذلك عند إطفاء نائرة الفتنه لاصلاح قبائح أعمالك ، ويمكن أن يقرأ بصيغة الخطاب ، أي لم يكن مجيئك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للاسلام ، بل للهرب مما صنعت من الخيانة ، وأتيت من الجناية(١).

قوله : وكانت المناوشة ، المناوشة : المناولة في القتال ، أي كان المشركون في تهيئة القتال. قوله : وضرب بإحدى يديه ، لعله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما فعل ذلك لتتأكد عليه الحجة والعهد والميثاق ، فيستوجب بنكثه أشد العذاب كما قال تعالى فيه وفي أخويه وأضرابهم : « فمن نكث فإنما ينكث على نفسه »(٢).

قوله : ثم ذكر ، لعله كلام الراوي ، أي ثم ذكر الصادق القضية وكتابة الكتاب وما جرى فيها ، وترك الراوي ذكرها اختصارا ، ويحتمل أن يكون كلامه ، أي ثم ذكر عثمان ما جرى بينه وبين قريش من حبسه ومنعه عن الرجوع ، أو من طلبهم الصلح ، أو إصرارهم في عدم دخوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك السنة.

قوله : هذا الذي باليمامة ، إنهم كانوا يقولون لمسيلمة : رحمن اليمامة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وإن كانوا ليتهادون الستور ، في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية وفي بعضها بالمثناة التحتانية ، فعلى الاول هو جمع الستر المعلق على الابواب وغيرها ، وعلى الثاني إما المراد السير المعروف المتخذ من الجلود ، أو نوع من الثياب ، قال

___________________

(١) ولعل ذلك اظهر.

(٢) الفتح : ١٠.

٣٧٠

الفيروز آبادي : السير بالفتح : الذي يقد من الجلود والجمع سيور. وقال الجوهري : السير من الثياب الذي فيه خطوط كالسيور ، وعلى التقادير هذا كلام الصادق عليه‌السلام لبيان ثمرة تلك المصالحة وكثرة فوائدها بأنها صارت موجبة لامن المسلمين بحيث كانوا يبعثون الهدايا من المدينة إلى مكة من غير منع ورعب ، ورغب أهل مكة في الاسلام وأسلم جم غفير منهم من غير حرب. قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل قاضيت على شئ. أي لم يتم الصلح ولم يكتب الكتاب بعد ، فليس هذا داخلا فيما نقاضى عليه ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أشترط لك » أي ليس هذا شرطا يخصك ، بل هذا ما قاضينا عليه لمصلحة عامة المسلمين ، ولابد من ذلك ، أو لم تكن داخلا فيه لمجيئك قبل تمام الكتاب ، لكن هؤلاء يجبروننا عليه ، أو ما كنت اشترطت لك عليهم أن تكون مستثنى من ذلك ، ولا يمكننا الغدر معهم ، ولعله أظهر ، ويحتمل على بعد أن يكون استفهاما إنكاريا ، أي ألم أشترط لك وأعدك بالنجاة منهم قريبا.

أقول : إنما أوردت آيات عمرة القضاء وأخبارها في هذا الباب لاشتراك بعض الآيات والاخبار وشدة الارتباط بينهما ، وسيأتي لها ذكر في موضعه إن شاء الله تعالى(١).

١٤ ـ وروى في جامع الاصول من صحاحهم عن البراء بن عازب قال : اعتمر رسول الله (ص) في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يدخل ، يعني من العام المقبل ، يقيم فيها ثلاثة ، فلما كتبوا الكتاب كتبوا : « هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قالوا : ما نقر بها ، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك ، ولكن أنت محمد بن عبدالله ، فقال : « أنا رسول الله وأنا محمد بن عبدالله » ثم قال لعلي بن إبي طالب : « امح رسول الله » فقال : لا والله لا أمحوك أبدا ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس يحسن يكتب ،

___________________

(١) وقد فصل المقريزى في الامتاع قضية الحديبية ، وفيه فوائد جمة ، لا يمكننا الايعاز إليها لعجلة الطابع ، راجعه. وفيه : شدة نكير عمر بن الخطاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرارا وقضية شكه وخشيته من ان يفتضح عند الناس بنزول آية في حقه.

٣٧١

فكتب : (١) « هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه(٢) وأن يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها » فلما دخلها ومضى الاجل أتوا عليا(٣) فقالوا : قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الاجل ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتبعته(٤) ابنة حمزة تنادى : يا عم ، ياعم فتناولها علي وقال لفاطمة : دونك بنت عمك ، فحملتها فاختصم فيها(٥) علي وزيد وجعفر ، قال علي : أنا أخذتها.

___________________

(١) هذا يخالف ما تقدم من الروايات وأقوال اهل السير من ان الكاتب كان على بن ابى طالب عليه‌السلام ، والصحيح : فاخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمحاه فكتب أى على ابى طالب.

(٢) هذا الحديث منفرد بذلك الشرط وما بعده ، ولم نعرف في غيره.

(٣) قال ابن اسحاق : فاقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة ثلاثا فاتاه حويطب بن عبدالعزى بن ابى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل في نفر من قريش في اليوم الثالث ، وكانت قريش قد وكلته باخراج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة ، فقالوا له : انه قد انقضى اجلك فاخرج عنا ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وما عليكم لو تركتمونى فاعرست بين اظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه » قالوا : لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا. راجع سيرة ابن هشام ٣ : ٤٢٦ ، و سنشير إلى تزويجه صلى‌الله‌عليه‌وآله ميمونة.

(٤) في الامتاع : وكلم على بن ابى طالب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عمارة بنت حمزة وكانت مع امها سلمى بنت عميس بمكة ، فقال : علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهرانى المشركين؟ فخرج بها حتى اذا دنوا من المدينة ، اراد زيد بن حارثة ـ وكان وصى حمزة واخاه اخوة المهاجرين أن يأخذها من على ، وقال : أنا احق بها ، ابنة اخى ، فقال جعفر بن ابى طالب : الخالة والدة ، وانا احق بها لمكان خالتها عندى ، اسماء بنت عميس ، فقال على رضوان الله عليهم : الا أراكم في ابنة عمى ، وانا أخرجتها من بين اظهر المشركين ، وليس لكم اليها نسب دونى ، وانا احق بها منكم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أحكم بينكم ، اما انت يا زيد فمولى الله ورسوله ، واما انت يا على فاخى وصاحبى ، واما انت يا جعفر فتشبه خلقى وخلقى : وانت يا جعفر اولى بها ، تحتك خالتها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمتها » فقضى بها لجعفر ، فقام جعفر فحجل حول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ما هذا يا جعفر؟ » قال : يا رسول الله كان النجاشى اذا ارضى احد اقام فحجل حوله ، فقال على رضي‌الله‌عنه : تزوجها يارسول الله قال : « هى ابنة اخى من الرضاعة ».

(٥) في كفالتها وتربيتها.

٣٧٢

قال الحميدي : أنا أحق(١) بها وهي بنت عمي وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : بنت أخي ، فقضى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لخالتها ، وقال : « الخالة بمنزلة الام » وقال لعلي : « أنت مني وأنا منك » وقال لجعفر : « أشبهت خلفي وخلقي » وقال لزيد : « أنت أخونا ومولانا »(٢).

١٥ ـ أقول : ذكر ابن الاثير في الكامل في حوادث السنة السادسة : فيها نزلت سورة الفتح ، وهاجر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نسوة مؤمنات فيهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط ، فجاء أخواها عمارة والوليد يطلبانها ، فأنزل الله : « فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار »(٣) فلم يرسل امرأة مؤمنة إلى مكة ، وأنزل الله : « ولا تمسكوا بعصم الكوافر »(٤) فطلق عمر بن الخطاب امراتين له.

وفيها كانت سرية عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمر فنذر القوم(٥) بهم فهربوا فسعت الطلائع فوجدوا مائتي بعير فأخذوها إلى المدينة ، وكانت في ربيع الآخر.

وفيها كانت سرية محمد بن مسلمة أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عشرة فوارس في ربيع الاول إلى بني ثعلبة بن سعد ، فكمن القوم له حتى نام هو وأصحابه فظهروا عليهم فقتل أصحابه ونجا هو وحده جريحا.

___________________

(١) اى قال على عليه‌السلام.

(٢) لم يكن عندى جامع الاصول حتى نرجع اليه. أقول : وكانت من حوادث تلك السنة تزويجه صلى‌الله‌عليه‌وآله ميمونة ، بنت الحارث زوجها صلى‌الله‌عليه‌وآله حين الاحرام ، أو بعده على قولين ، وكان الذى زوجه اياها العباس بن عبدالمطلب ، وكانت جعلت امرها إلى اختها ام الفضل ، وكانت ام الفضل تحت العباس ، فجعلت ام الفضل امرها إلى العباس ، فزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة ، واصدقها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اربعمائة درهم ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ابى المشركون ان يقيم ويعرس ) وخلف ابا رافع مولاه على ميمونة حتى اتاه بها بسرف ، فبنى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هنالك. قاله ابن هشام في السيرة ٣ : ٤٢٦.

(٣ و ٤) الممتحنة : ١٠.

(٥) نذر كعلم لفظا ومعنى. منه قدس‌سره.

٣٧٣

وفيها كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلي ذي القصة في ربيع الاخر في أربعين رجلا ، فهرب أهله منهم وأصابوا نعما ورجلا فأسلم ، فتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم فأصاب امرأة من مزينة اسمها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم ، فأصابوا نعما وشاء وأسرى فيهم زوجها ، فأطلقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوجها معها.

وفيها سرية زيد أيضا إلى العيص في جمادي الاولى.

وفيها أخذت الاموال التي كانت مع أبي العاص ابن الربيع ، واستجار بزينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجارته كما تقدم.

وفيها سرية زيد أيضا إلى الطرف في جمادى الآخرة في بني تغلبة(١) في خمسة عشر رجلا فهربوا منه ، وأصاب من تميم(٢) عشرين بعيرا.

وفيها سرية زيد بن حارثة إلى خمس(٣) في جمادى الآخرة ، وسببها أن رفاعة بن زيد الجدلي(٤) ثم الضبي قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هدنة الحديبية ، وأهدى لرسول الله(ص) غلاما وأسلم فحسن إسلامه ، فحسن إسلامه ،وكتب له رسول الله(ص) كتابا إلى قومه يدعوهم إلى الاسلام فأسلموا : ثم ساروا إلى الحرة ، (٥) ثم إن دحية بن خليفة أقبل من الشام من عند قيصر(٦) حتى إذا كان بأرض حذام أغار إليه الهنيد و ابنه العوص الصليعيان(٧) وهو بطن من حذام ، فأخذا كل شئ معه ، فبلغ ذلك

___________________

(١) في المصدر : بنى ثعلبة وهو الصحيح.

(٢) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصدر : فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا.

(٣) هكذا في النسخ ، والصحيح : حسمى بالكسر ثم السكون ، وهى ارض ببادية الشام بينها وبين وادى القرى ليلتان ، واهل تبوك يرون جبل حسمى في غربيهم وفى شرقيهم شرورى ، و بين وادى القرى والمدينة ست ليال قاله ياقوت في معجم البلدان.

(٤) في المصدر : الجذامى.

(٥) في المصدر : إلى حرة الرجلاء.

(٦) زاد في المصدر : وقد اجازه بمال وكساه.

(٧) في المصدر : الهنيد بن عوض وابنه عوض بن الهنيد الضليعيان. وفى سيرة ابن هشام ٤ : ٢٨٥ : الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضلعيان وفي الامتاع واليعقوبي : الهنيد بن عارض وابنه عارض ابن الهنيد.

٣٧٤

نفرا من بني الضب : (١) قوم رفاعة ممن كان أسلم ، فنفروا إلى الهنيد وابنه فلقوهم ، فاقتتلوا فظفر بنو الضب(٢) واستنقذوا كل شئ كان أخذ من دحية ، وردوه عليه فخرج دحية حتى لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطلب منه دم الهنيد وابنه العوص ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم(٣) زيد بن حارثة في جيش فأغاروا(٤) وجمعوا ما وجدوا من مال ، وقتلوا الهنيد وابنه ، فلما سمع ذلك بنو الضب(٥) رهط رفاعة سار بعضهم إلى زيد بن حارثة ، فقالوا : إنا قوم مسلمون فقال زيد نادوا(٦) في الجيش ان الله حرم علينا ما أخذ من طريق القوم الذين جاؤا منها(٧) وأراد أن يسلم إليهم سباياهم ، فأخبره بعض أصحابه عنهم بما أوجب أن يحتاط ، فتوقف في تسليم السبايا ، وقال : هم في حكم الله تعالى ، ونهى الجيش أن يهبطوا واديهم ، وعاد أولئك الركب إلى رفاعة بن زيد لم يشعر(٨) بشئ من أمرهم ، فقال له بعضهم : إنك لجالس تحلب المعزى ونساء حذام(٩) أسارى ، فسار رفاعة والقوم معه إلى المدينة ، وعرض كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه فقال : كيف أصنع بالقتيل؟ فقالوا : لنا من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت أقدامنا(١٠) فأجابهم إلى ذلك ، وأرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة فرد على القوم مالهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة من تحت الرجل(١١).

___________________

(١ و ٢) في المصدر والسيرة والامتاع : بنى الضبيب.

(٣) في المصدر : فخرج دحية حتى قدم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره خبره فارسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهم.

(٤) في المصدر : فاغاروا بالفضافض.

(٥) تقدم ان الصحيح : بنو الضبيب.

(٦) في المصدر : فقال زيد : فاقرؤا ام الكتاب فقرأها حسان بن ملة فقال زيد : نادوا.

(٧) في السيرة : ان الله قد حرم علينا ثغرة القوم التى جاؤا منها الا من ختر.

(٨) في المصدر : وعاد اولئك الركب الجذاميون إلى رفاعة بن زيد وهو بكراع ربة.

(٩) في المصدر : ونساء جذام اسارى قد غرهن كتابك الذى جئت به. فسار.

(١٠) زاد في المصدر : يعنون تركوا الطلب به.

(١١) الكامل ٢ : ١٤١ و ١٤٢ وفى آخره : وأطلق الاسارى. أقول : ذكر ابن هشام تلك السرية مفصلا في السيرة ٣ : ٢٨٥ ـ ٢٩٠. والمقريزى في الامتاع : ٢٦٦ و ٢٦٧. راجعهما ففيهما مزيد فائدة.

٣٧٥

وفيها سرية زيد أيضا إلى وادي القرى في رجب(١).

وفيها سرية عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان ، فأسلموا فتزوج عبدالرحمن تمامة بنت الاصبع(٢) رئيسهم وهي أم أبي سلمة.

وفيها سرية علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلى فدك في شعبان في مائة رجل ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلغه أن حيا من بني سعد قد تجمعوا له يريدون أن يمدوا أهل خيبر ، فسار إليهم علي عليه‌السلام فأصاب عينا لهم فأخبره أنهم ساروا إلى أهل خيبر يعرضون عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر(٣).

١٦ ـ أقول : ذكر في روضة الاحباب أنه عليه‌السلام سار بالليل وكمن بالنهار حتى أتى الهمج فأصاب عينا لهم ، فذهب بعسكر المسلمين إليهم ، فأغاروا عليهم(٤) فانهزم بنو سعد ، وغنم المسلمون منهم مائة بعير وألفي شاة ، فاصطفى علي عليه‌السلام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة من الابل ، وقسم سائر المال على أهل السرية ورجع. قال : وفيها أجدب الناس جدبا شديدا ، فاستسقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس في شهر رمضان(٥).

وفيها سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى ، وذلك أن زيدا كان يذهب إلى الشام في تجارة ، ومعه بضائع من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قربوا من وادي القرى

___________________

(١) نص ابن هشام والمقريزى بما وقع في تلك السرية تفصيلا في السيرة ٣ : ٢٩٠ والامتاع :

٢٦٩ : راجعهما.

(٢) في المصدر والامتاع : تماضر بنت الاصبغ : أقول : اى الاصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم الكلبى ، وكان نصرانيا. ( ٣ ) الكامل ٢ : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) في الامتاع : فسار على حتى اغار على نعمهم وضمها ، وفرت رعاتها فأنذرت القوم ، وقد كانوا تجمعوا مائتى رجل وعليهم وبر بن عليم ، فتفرقوا ، وانتهى على بمن معه فلم ير منهم احدا ، وساق النعم وهى خمسمائة بعير ، والفا شاة ، فعزل الخمس ، وصفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوحا تدعى الحفدة ، ثم قسم ما بقى ، وقدم المدينة.

(٥) ذكره ايضا ابن الاثير في الكامل.

٣٧٦

أغار عليهم قوم من فزارة ، فقتلوا المسلمين ، وهرب زيد إلى المدينة ، وفي رواية : ارتث(١) زيد من بين القتلى ، فنذر أن لا يمس طيبا ولا ماء من جنابة حتى يغزو فزارة فبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بنى فزارة فلقيهم بوادي القرى فأصاب منهم وقتل وأسر أم فروة وهي فاطمة بنت ربيعة فقتلها(٢).

ـ ٢١ ـ

باب

مراسلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ملوك العجم والروم وغيرهم ، وما جرى

بينه وبينهم ، وبعض ما جرى إلى غزوة خيبر

١ ـ يج : روي أن كسرى كتب إلى فيروز الديلمي(٣) وهو من بقية أصحاب سيف بن ذي يزن : أن احمل إلي هذا العبد الذي يبدأ باسمه قبل اسمي ، فاجترأ علي ودعاني إلى غير ديني ، فأتاه فيروز وقال له : إن ربي أمرني أن آتيه بك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن ربي خبرني أن ربك قتل البارحة » فجاء الخبر أن ابنه شيرويه وثب عليه فقتله في تلك الليلة. فأسلم فيروز ومن معه ، فلما خرج الكذاب العبسي أنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليقتله فتسلق سطحا فلوى عنقه فقتله(٤).

بيان : فتسلق أي صعد.

___________________

(١) ارتث بالبناء للمجهول : رفع من بين القتلى وبه رمق.

(٢) روضة الاحباب : مخطوط ، وليست نسخته عندى وهو موجود في المكتبة الرضوية ، وفى مكتبة مدرسة البروجردى في النجف وغيرهما. وذكر تلك السرية ابن الاثير في الكامل وابن هشام في السيرة والمقريزى في الامتاع. راجعها.

(٣) هكذا في المصدر : وفى غير واحد من السير والتواريخ انه كتب إلى باذان وان باذان بعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيروز أو غيره.

(٤) الخرائج والجرائح : ١٨٤. وفيه : فتسلقا سطحا.

٣٧٧

٢ ـ يج : روي أن هرقل بعث رجلا من غسان وأمره أن يأتيه بخبر محمد ، وقال له : احفظ لي من أمره ثلاثا : انظر على أي شئ تجده جالسا ، ومن على يمينه ، وإن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوة فافعل ، فخرج الغساني حتى أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجده جالسا على الارض ، ووجد علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن يمينه ، وجعل رجليه في ماء يفور ، فقال : من هذا على يمينه؟ قيل : ابن عمه ، فكتب ذلك ونسي الغساني الثالثة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تعال فانظر إلى ما أمرك به صاحبك ، فنظر إلى خاتم النبوة ، فانصرف الرجل(١) إلى هرقل ، قال : (٢) ما صنعت؟ قال : وجدته جالسا على الارض ، والماء يفور تحت قدميه ، ووجدت عليا ابن عمه عن يمينه ، وأنسيت ما قلت لي في الخاتم ، فدعاني فقال : « هلم إلى ما أمرك به صاحبك » فنظرت إلى خاتم النبوة ، فقال هرقل : هذا الذي بشر به عيسى بن مريم ، إنه يركب البعير فاتبعوه وصدقوه ، ثم قال للرسول : اخرج إلى أخي فأعرض عليه فإنه شريكى في الملك ، فقلت له فما طاب نفسه عن ذهاب ملكه.

بيان : قوله : فقلت له ، لعله من كلام الراوي ، قال للامام(٣) عليه‌السلام : إنما قال هرقل : شريكي ، لانه لم يطب نفسه أن يذهب ملكه ، ويحتمل أن يكون في الاصل فقال ، أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاظهر أن المراد أن هرقل قال لرسوله : اخرج إلى أخي فأعرض عليه الاسلام ، فإن أسلم أسلمت ، وكان أخوه شريكه في السلطنة وقوله : فقلت ، كلام الرسول على الالتفات ، وضمير ( له ) للاخ وكذا ضمير نفسه ).

٣ ـ يج : روي أن دحية الكلبي قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكتاب إلى قيصر فأرسل إلى الاسقف فأخبره بمحمد وكتابه ، فقال : هذا النبي الذي كنا ننتظره

___________________

(١) الرسول خ ل.

(٢) ثم قال خ ل.

(٣) لم يظهر ان الحديث مروى عن الامام ، ولعل المروى عنه غير الائمة المعصومين عليهم السلام.

٣٧٨

بشرنا به عيسى بن مريم ، وقال الاسقف : أما أنا فمصدقه ومتبعه ، فقال قيصر : أما أنا إن فعلت ذهب ملكي ، ثم قال قيصر : التمسوا لي من قومه ههنا أحدا أسأله عنه ، وكان أبوسفيان وجماعة من قريش دخلوا الشام تجارا فأحضرهم ، وقال : ليدن مني أقربكم نسبا به ، فأتاه أبوسفيان فقال : أنا سائل عن هذا الرجل الذي يقول : إنه نبي ، ثم قال لاصحابه : إن كذب فكذبوه ، قال أبوسفيان : لولا حيائي(١) أن يأثر أصحابي عني الكذب لاخبرته بخلاف ما هو عليه ، فقال : كيف نسبه فيكم؟ قلت : ذو نسب ، قال : هل قال : هذا القول منكم(٢) أحد؟ قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل؟ قلت : لا ، قال : فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت ضعفاؤهم ، قال : فهل يزيدون أو ينقصون؟ قلت يزيدون ، قال : يرتد أحد منهم سخطا لدينه ، قلت : لا ، قال : فهل يغدر؟ قلت : لا ، قال : فهل قاتلتموه؟ قلت : نعم ، قال : فكيف حربكم وحربه؟ قلت : ذو سجال : مرة له ، ومرة عليه قال : هذا(٣) آية النبوة ، قال : فما يأمركم؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ، ولا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الامانة والوفاء بالعهد ، قال : هذه صفة نبي وقد كنت أعلم أنه يخرج ولم أظن أنه منكم ، فإنه يوشك أن يملك ما تحت قدهي هاتين ، ولو أرجو أن أخلص اليه لتجشمت لقياه ، (٤) ولو كنت عنده لغسلت قدميه(٥) ، وإن النصارى اجتمعوا على الاسقف ليقتلوه ، فقال : اذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه‌السلام(٦) و أخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن النصارى أنكروا ذلك

___________________

(١) لولا الحياء خ ل.

(٢) فيكم خ ل.

(٣) هذه خ ل.

(٤) لقاءه خ ل.

(٥) لقبلت قدميه خ ل.

(٦) سلامى خ.

٣٧٩

علي ، ثم خرج إليهم فقتلوه(١).

بيان : قال الجوهري تقول : أثرت الحديث آثره : إذا ذكرته عن غيرك ، وقال الجزري : السجل : الدلو الملاى ماء ، ويجمع على سجال ، ومنه حديث أبي سفيان وهرقل : والحرب بيننا سجال ، أي مرة لنا ، ومرة علينا ، وأصله أن المستقين بالسجل يكون لكل واحد منهم سجل. وقال : تجشمت الامر تكلفته.

٤ ـ يج : روي أنه لما بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة بعث كسرى رسولا إلى باذان عامله في أرض المغرب : بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي فلتقل له : فليكفف عن ذلك ، أو لابعثن إليه من يقتله ويقتل قومه ، فبعث باذان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذ فقال : « لو كان شئ قلته من قبلي لكففت عنه ، ولكن الله بعثني » وترك رسل باذان وهم خمسة عشر نفرا لا يكلمهم خمسة عشر يوما ثم دعاهم ، فقال : اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له : إن ربي قتل ربه الليلة ، إن ربي قتل كسرى الليلة ، ولا كسرى بعد اليوم ، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم ، فكتبوا قوله فإذا هما قد ماتا في الوقت الذي حدثه(٢) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥ ـ يج : روي عن جرير بن عبدالله البجلي قال : بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكتابه إلى ذي الكلاع وقومه فدخلت عليه فعظم كتابه ، وتجهز وخرج في جيش عظيم ، وخرجت معه نسير إذ رفع لنا دير راهب ، فقال : أريد هذا الراهب ، فلما دخلنا عليه سأله أين تريد؟ قال : هذا النبي الذي خرج في قريش وهذا رسوله ، قال الراهب : لقد مات هذا الرسول ، فقلت : من أين علمت بوفاته؟ قال : إنكم قبل أن تصلوا إلي كنت أنظر في كتاب دانيال ، مررت بصفة محمد ونعته وأيامه وأجله فوجدت أنه توفي(٣) في هذه الساعة ، فقال ذو الكلاع : أنا أنصرف ، قال جرير : فرجعت فإذا رسول

__________________

(١) لم نجد الحديث ولا ما قبله في الخرائج المطبوع ، وذكرنا سابقا ان الخرائج المطبوع مختصر من الاصل.

(٢) قاله خ ل.

(٣) في هذه الساعة يتوفى خ ل.

٣٨٠