بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « فقاتل في سبيل الله » : قال الكلبي : إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم أحد وأعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله موسم بدر الصغرى وهي سوق يقوم في ذي القعدة ، فلما بلغ الميعاد(١) قال للناس : اخرجوا إلى الميعاد فتثاقلوا وكرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم ، فأنزل الله عزوجل

___________________

فاذا انت قدمت فاعمل عملا كيسا » قال : فلما جئنا صرارا امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم ، فلما امسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل ودخلنا قال : فحدثت المرأة الحديث وما قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : فدونك ، سمع وطاعة ، قال : فلما اصبحت اخذت برأس الجمل فاقبلت به حتى أنخته على باب ( مسجد ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ثم جلست في المسجد قريبا منه ، قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فرأى الجمل فقال : « ما هذا »؟ قالوا يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ، قال : « فاين جابر »؟ قال : فدعيت له قال : فقال : « يا بن اخى خذ برأس جملك فهو لك » ودعا بلالا فقال له : اذهب بجابر فاعطه اوقية : قال : فذهبت معه فاعطانى اوقية وزادنى شيئا يسيرا ، فوالله ما زال ينمى عندى ويرى مكانه من بيتنا حتى اصيب امس فيما اصيب لنا ، يعنى يوم الحرة انتهى.

أقول : صرار : موضع على ثلاثة اميال من المدينة على طريق العراق وقيل غير ذلك.

٢ ـ وذكر المقريزى في الامتاع في سياق ما وقع في تلك الغزوة : وجاء رجل بفرخ طائر فأقبل ابواه او احدهما حتى طرح نفسه في يدى الذى اخذ فرضه ، فعجب الناس من ذلك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتعجبون من هذا الطائر؟ اخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة بفرخه ، والله لربكم ارحم بكم من هذا الطائر بفرخه ».

٣ ـ ورأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا وعليه ثوب منخرق ، فقال : اما له غير هذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، ان له ثوبين جديدين في العيبة ، فقال له : « خذ ثوبيك » فأخذ ثوبيه فلبسهما ثم أدبر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أليس هذا احسن؟ ماله ضرب الله عنقه »؟ فسمع ذلك الرجل ، فقال : في سبيل الله يا رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « في سبيل » فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل الله.

٤ ـ وجاءه علبة بن زيد الحارثى بثلاث بيضات وجدها في مفحص نعام ، فأمر جابر بن عبدالله بعملها ، فوثب فعملها واتى بها في قصعة ، فأكل صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه منه بغير خبز والبيض في القصعة كما هو وقد أكل منه عامتهم.

٥ ـ قال البلاذرى : وفي سنة اربع من الهجرة حرمت الخمر.

(١) في المصدر : فلما بلغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الميعاد.

١٨١

هذه الآية ، فحرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمنين فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سبعين(١) راكبا حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله بأس العدو ، ولم يوافهم أبوسفيان ولم يكن قتال يومئذ وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمن معه سالمين ، « لا تكلف إلا نفسك » أي إلا فعل نفسك « وحرض المؤمنين » على القتال أي و حثهم عليه « عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا » أي يمنع شدة الكفار ، و عسى من الله موجب(٢) « والله أشد بأسا » أي أشد نكاية في الاعداء « وأشد تنكيلا » أي عقوبة ، وقيل : التنكيل : الشهرة بالامور الفاضحة(٣).

وفي قوله تعالى : « ولا تهنوا » قيل : نزلت في الذهاب إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان يوم أحد(٤).

١ ـ عم : ثم كانت بعد غزوة ذات الرقاع غزوة بدر الاخيرة في شعبان ، خرج رسول الله (ص) إلى بدر لميعاد أبي سفيان ، فأقام عليها ثمان ليال ، وخرج أبوسفيان في أهل تهامة ، فلما نزل الظهران بداله في الرجوع ، ووافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و أصحابه السوق فاشتروا وباعوا وأصابوا بها ربحا حسنا(٥).

٢ ـ أقول : قال في المنتقى في سياق حوادث السنة الرابعة : وفيها ولد الحسين عليه‌السلام لثلاث ليال خلون من شعبان ، وفيها كانت غزوة بدر الصغرى لهلال ذي القعدة ، وذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى : الموعد بيننا وبينكم بدر الصغرى رأس الحول نلتقي بها ونقتتل ، فقال رسول الله (ص) : قولوا : نعم إن شاء الله ، فافترق الناس على ذلك ، وتهيأت قريش للخروج ، فلما دنا الموعد كره

___________________

(١) في الامتاع : في ألف وخمسمائة فيهم عشرة افراس.

(٢) في المصدر ، واجب.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٨٣.

(٤) مجمع البيان : ٣ : ١٠٤. زاد فيه : وقيل : نزلت يوم احد في الذهاب خلف أبى سفيان وعسكره إلى حمراء الاسد عن عكرمة.

(٥) اعلام الورى : ٥٧ ط ١ و ٩٩ ط ٢.

١٨٢

أبوسفيان الخروج ، وقدم نعيم بن مسعود الاشجعي مكة ، فقال له أبوسفيان : إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر ، وقد جاء ذلك الوقت ، وهذا عام جدب ، وإنما يصلحنا عام خصب ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج ، فيجترئ علينا ، فنجعل لك فريضة(١) يضمنها لك سهيل بن عمر وعلي أن تقدم المدينة وتعوقهم عن الخروج ، فقدم المدينة وأخبرهم بجمع أبي سفيان وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسى بيده لاخرجن وإن لم يخرج معي أحد واستخلف على المدينة عبدالله بن رواحة ، وحمل لواءه علي عليه‌السلام وسار معه ألف و خمسمائة ، والخيل عشرة أفراس ، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات ، وكانت بدر الصغرى مجتمعا تجتمع فيه العرب وسوقا يقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلوا منه ، ثم تتفرق الناس إلى بلادهم ، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة ، وقامت السوق صبيحة الهلال ، فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا تجارتهم فربحوا للدرهم درهما و انصرفوا ، وقد سمع الناس بمسيرهم ، وخرج أبوسفيان من مكة في قريش وهم ألفان ، ومعه خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مر الظهران ، ثم قال : ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب يرعى فيه الشجر ، ويشرب فيه اللبن ، وهذا عام جذب ، فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق ، يقولون : خرجوا يشربون السويق ، فقال صفوان بن أمية لابي سفيان : قد نهيتك أن تعد القوم قد اجترؤا علينا ورأونا قد أخلفناهم ، ثم أخذوا في الكيد والتهيؤ لغزوة الخندق ، وفيها رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهودي واليهودية في ذي القعدة ، ونزل قوله تعالى : « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون » وفيها حرمت الخمر ، وجملة القول في تحريم الخمر أن الله تعالى أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة : « ومن ثمرات النخيل و الاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا(٢) » فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال يومئذ ، ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل : « يسألونك عن الخمر و

___________________

(١) في المصدر والامتاع : عشرين فريضة.

(٢) النحل : ٦٧.

١٨٣

الميسر(١) » الآية ، فتركها قوم لقوله : « إثم كبير » وشربها قوم لقوله : « و منافع للناس » إلى أن صنع عبدالرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا ، فحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون(٢) : « أعبد ما تعبدون » هكذا إلى آخر السورة بحذف ( لا ) فأنزل الله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى(٣) » الآية ، فحرم السكر في أوقات الصلوات ، فلما نزلت في هذه الآية تركها قوم ، وقالوا : لا خير في شئ يحول بيننا وبين الصلاة ، وتركها قوم في أوقات الصلاة ، وشربوها في غير حين الصلاة حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ، ويشرب بعد الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر ، ودعا عتبان بن مالك رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير ، فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا منها ، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار ، فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه ، فأخذ رجل من الانصار لحي(٤) البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة(٥) فانطلق سعد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشكا إليه الانصاري فقال عمر : اللهم بين لنا رأيك في الخمر بيانا شافيا ، فأنزل الله تعالى « إنما الخمر والميسر(٦) » الآية ، وفيها سرق ابن أبيرق(٧).

أقول : سيأتي شرح القصة في باب أحوال أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

___________________

(١) البقرة : ٢١٩.

(٢) السورة : ١٠٩.

(٣) النساء : ٤٣.

(٤) اللحى : عظم الحنك الذى عليه الاسنان.

(٥) أى شجة بان فيها العظم

(٦) المائدة : ٩٠.

(٧) هو طعمة بن ابيرق بن عمرو بن حارثه بن ظفر بن الخزرج بن عمرو.

١٨٤

ثم قال وفيها تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم سلمة في شوالها ، واسمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن محزوم ، وكانت قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند أبي سلمة عبدالله بن عبدالاسد ، فولدت له سلمة وعمر وزينب ، ثم توفي ، فخلف عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

روى أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال : لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(١). حديثا أحب إلي من كذا وكذا ، سمعته يقول : « لا يصاب أحد بمصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول : اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ، اللهم اخلفني فيها خيرا منها إلا أعطاه الله عزوجل » قالت أم سلمة : فلما أصبت بأبي سلمة قلت : « اللهم عندك أحتسب مصيبتي » ولم تطب نفسي أن أقول : اللهم اخلفني فيها خيرا منها ثم قلت : من خير من أبي سلمة؟ أليس أليس؟ ثم قلت : ذلك ، فلما انتقضت عدتها أرسل إليها أبوبكر يخطبها فأبت ، ثم أرسل إليها عمر يخطبها فأبت ، ثم أرسل إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : مرحبا برسول الله (ص) ، وقال الهيثم بن عدي : أول من هلك من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زينب(٢) هلكت في خلافة عمر ، وآخر من هلك منهن أم سلمة ، هلكت زمن يزيد بن معاوية سنة ثنتين وستين.

وفيها توفت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين ، وتوفي عبدالله بن عثمان من رقية بنت رسول الله (ص) ولد في الاسلام فاكتنى به عثمان ، فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينه فمرض ، فمات في جمادي الاولى ، وصلى عليه رسول الله (ص) ، وفيها توفي أبوسلمة عبدالله بن عبدالاسد بن هلال ، وفيها توفت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي عليه‌السلام ، وكانت صالحة(٣) ، وكان رسول الله (ص) يزورها ، ويقيل في بيتها ، ولما توفيت نزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قميصه فألبسها إياه(٤).

___________________

(١) في المصدر : من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) زينب بنت جحش.

(٣) أسلمت وكانت صالحة.

(٤) المنتقى في مولود المصطفى : ١٢٦ ـ ١٢٨ : الباب الرابع فيما كان في سنة اربع من

١٨٥

ـ ١٧ ـ

باب

*(غزوة الاحزاب وبنى قريظة)*

الآيات : البقرة « ٢ » : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصرالله ألا إن نصرالله قريب ٢١٤.

آل عمران « ٣ » قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير * تولج الليل

___________________

الهجرة وذكر في حوادث تلك السنة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امر زيد بن ثابت ان يتعلم كتاب اليهود وقال انى لا امنهم ان يبدلوا كتابى ، فتعلمه في خمس عشر ليلة. وذكر المقريزى في الامتاع : ١٨٥ في سياق غزوة بدر : وقام مجدى بن عمرو من بنى ضمرة ( ويقال مخشى بن عمرو ) والناس مجتمعون في سوقهم ، والمسلون اكثر ذلك الموسم ، فقال : يا محمد لقد اخبرنا انه لم يبق منكم احد ، فما اعلمكم الا اهل الموسم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما اخرجنا الا موعد ابى سفيان وقتال عدونا ، وان شئت مع ذلك نبذنا اليك وإلى قومك العهد ، ثم جالدناكم قبل ان نبرح منزلنا هذا » فقال الضمرى : بل نكف ايدينا عنكم ونتمسك بحلفك.

أقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وادعه على بنى ضمرة في غزوة ودان.

ثم قال : وانطلق معبد بن ابى معبد الخزاعى سريعا بعد انقضاء الموسم إلى مكة ، واخبر بكثرة المسلمين وانهم اهل ذلك الموسم وانهم الفان ، واخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله للضمرى ، فاخذوا في الكيد والنفقة لقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستجلبوا من حولهم من العرب ، وجمعوا الاموال ، وضربوا البعث على أهل مكة فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتى بمال ، ولم يقبل من أحد اقل من اوقية لغزو الخندق.

وعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فكانت غيبته عنها ست عشرة ليلة. ثم ذكر سرية عبدالله ابن عتيك إلى أبى رافع سلام بن أبى الحقيق.

١٨٦

في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ٢٧.

الانفال « ٨ » : الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون * فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون * وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ٥٦ ـ ٥٨.

الاحزاب « ٣٣ » : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعلمون بصيرا * إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاعت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا * وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة و ما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا * ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لاتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا * ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسئولا * قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا * قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا * قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يأتون البأس الا قليلا * أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا * يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وإن يأت الاحزاب يودوا لو أنهم بادون في الاعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا * لقد كان لكم في رسول الله أسوة حستة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا * ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما * من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى

١٨٧

نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما * ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا * وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شئ قدير ٩ ـ ٢٧.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « أم حسبتم » : قيل : نزلت يوم الخندق لما اشتدت المخافة وحوصر المسلمون في المدينة ، فدعاهم الله إلى الصبر ووعدهم بالنصر ، وقيل : نزلت في حرب أحد ، لما قال عبدالله بن أبي لاصحاب رسول الله (ص) إلى متى تقتلون أنفسكم؟ لو كان محمد (ص) نبيا لما سلط الله عليه الاسر والقتل ، وقيل نزلت في المهاجرين من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة إذ تركوا ديارهم وأموالهم ومستهم الضراء « ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم » أي ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحنوا به فتصبروا كما صبروا « مستهم البأساء والضراء » البأساء : نقيض النعماء ، والضراء : نقيض السراء(١) « وزلزلوا » أي حركوا بأنواع البلايا(٢) حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله » قيل : استعجال للموعود ، وإنما قاله الرسول استبطاء للنصر على جهة التمني وقيل : إن معناه الدعاء لله بالنصر « ألا إن نصر الله قريب » قيل : إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الاياس : متى نصر الله ، ثم تفكروا فعلموا أن الله منجز وعده فقالوا ذلك ، وقيل : إن الاول كلام المؤمنين ، والثاني كلام الرسول(٣).

وقال في قوله تعالى : « قل اللهم مالك الملك » : قيل : لما فتح رسول الله

___________________

(١) زاد في المصدر : وقيل : البأساء : القتل والضراء : الفقر ، وقيل : هو ما يتعلق بمضار الدين من حرب وخروج من الاهل واخراج.

(٢) زاد في المصدر : وقيل معناه هنا ازعجوا بالمخافة من العدو وذلك لفرط الحيرة.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٣٠٩.

١٨٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود : هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ ألم تكفه المدينة ومكة حتى طمع في الروم و فارس؟ فنزلت هذه الآية عن ابن عباس وأنس ، وقيل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خط الخندق عام الاحزاب ، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، فاحتج المهاجرون و الانصار في سلمان وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الانصار سلمان منا ، فقال النبي (ص) : « سلمان منا أهل البيت » قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الانصار في أربعين ذراعا ، فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي باب(١) أخرج الله من باطن(٢) الخندق صخرة مروة(٣) كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن نعدل عنها ، فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيه بأمره ، فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه ، قال : فرقى سلمان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك(٤) فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك فانا لا نحب أن نتجاوز خطك قال : فهبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع سلمان الخندق ، والتسعة على شفة الخندق ، فأخذ رسول الله (ص) المعول من يد سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء مابين لابيتها حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله (ص) تكبيرة فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله (ص) ثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابيتها حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله (ص) تكبيرة فتح وكبر المسلون ،

___________________

(١) في المصدر : ذى ناب.

(٢) في المصدر : من بطن الخندق.

(٣) المروة : حجارة صلبة تعرف بالصوان.

(٤) قال المصنف في الهامش : قال الجوهرى : حاك فيه السيف وأحاك بمعنى يقال : ضربه فما أحاك فيه السيف : إذا لم يعمل.

١٨٩

ثم ضرب بها رسول الله (ص) ثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابيتها حتى لكان مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيرة فتح وكبر المسلمون ، وأخذ بيد سلمان ورقى ، فقال سلمان : بأيي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت منك شيئا ما رأيته منك قط ، فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم وقال : رأيتم ما يقول سلمان؟ فقالوا : نعم ، قال : « ضربت ضربتي الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر(١) : من أرض الروم ، فكأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق لي ما رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا » فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون؟ يمنيكم ويعدكم الباطل ويعلمكم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق(٢) ولا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن : « إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ».

وأنزل الله تعالى في هذه القصة « قل اللهم مالك الملك » الآية رواه الثعلبي بإسناده عن عمرو بن عوف.

قوله : « مالك الملك » أي مالك كل ملك وملك ، وقيل : مالك العباد وما ملكوا ، وقيل : مالك أمرالدنيا والآخرة ، وقيل : مالك النبوة « تؤتي الملك » أي تؤتي الملك وأسباب الدنيا محمدا وأصحابه وأمته « وتنزعه » من صناديد قريش ومن الروم وفارس فلا تقوم الساعة حتى يفتحها أهل الاسلام ، وقيل : تؤتي النبوة و الامامة من تشاء من عبادك ، وتوليه التصرف في خلقك وبلادك ، وتنزع الملك على

___________________

(١) الحمير خ ل. وفى المصدر : حمر.

(٢) أى الخوف.

١٩٠

هذا الوجه من الجبارين « وتعز من تشاء » بالايمان والطاعة « وتذل من تشاء » بالكفر والمعاصي ، وقيل : تعز المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، وتذل الكافر بالجزية والسبي ، وقيل : تعز محمدا وأصحابه ، وتذل أبا جهل وأضرابه من المقتولين يوم بدر في القليب ، وقيل : تعز من تشاء من أوليائك بأنواع العزة في الدنيا والدين ، و تذل من تشاء من أعدائك في الدنيا والآخرة ، لانه سبحانه لا يذل أولياءه وإن أفقرهم وابتلاهم ، فإن ذلك ليس على سبيل الاذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة « بيدك الخير » أي الخير كله في الدنيا والآخرة(١).

وقال في قوله تعالى : « الذين عاهدت منهم » أي من جملتهم ، أو عاهدتهم ، قال مجاهد : أراد به يهود بني قريظة ، فأنهم كانوا قد عاهدوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أن لا يضروا به ولا يمالوا عليه عدوا ، ثم مالوا(٢) عليه الاحزاب يوم الخندق وأعانوهم عليه بالسلاح ، وعاهدوا مرة بعد أخرى فنقضوا ، فانتقم الله منهم « ثم ينقضون عهدهم في كل مرة » أي كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به « وهم لا يتقون » نقض العهد أو عذاب الله « فإما تثقفنهم » أي تصادفنهم في الحرب ، أي ظفرت بهم « فشرد بهم من خلفهم » أي فنكل بهم تنكيلا يشرد بهم من بعدهم ويمنعهم من نقض العهد ، والتشريد : التفريق « لعلهم يذكرون » أي لكي يتذكروا وينزجروا « وإما تخافن من قوم خيانة » أي إن خفت يا محمد من قوم بينك وبينهم عهد خيانة « فأنبذ إليهم على سواء » أي فألق ما بينك وبينهم من العهد ، وأعلمهم بأنك نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء ، وقيل : معنى « على سواء » على عدل ، قال الواقدي : هذه الآية نزلت في بني قينقاع ، وبهذه الآية سار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم(٣).

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « إذ جاءتكم جنود » وهم الذين تحزبوا على

___________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٢) في المصدر : ولا يمالئوا عليه عدوا ثم مالئوا.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٥٥٢ و ٥٥٣ ،

١٩١

رسول الله (ص) أيام الخندق « فأرسلنا عليهم ريحا » وهي الصبا ، أرسلت عليهم حتى اكفأت قدورهم فنزعت فساطيطهم « وجنودا لم تروها » الملائكة وقيل : إن الملائكة لم يقاتلوا يومئذ ، ولكن كانوا يشجعون المؤمنين ، ويجبنون الكافرين « وكان الله بما تعملون بصيرا ».

« إذ جاؤكم » أي اذكروا حين جاءكم جنود المشركين « من فوقكم » أي من فوق الوادي قبل المشرق قريظة والنضير وغطفان « ومن أسفل منكم » أي من المغرب من ناحية مكة أبوسفيان في قريش ومن تبعه « وإذ زاغت الابصار » أي مالت عن كل شئ فلم تنظر إلا عدوها مقبلا من كل جانب ، أو عدلت الابصار عن مقرها من الدهش والحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر « وبلغت القلوب الحناجر » الحنجرة : جوف الحلقوم ، أي شخصت قلوب من مكانها ، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت ، عن قتادة ، وقال أبوسعيد الخدري : قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شي نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال : قولوا : « اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا » قال : فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح ، فهزموا ، قال الفراء : المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم ، وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن ينتفخ سحره ، والسحر الرية ، فإذا انتفخت الرية رفعت القلوب إلى الحنجرة « وتظنون بالله الظنونا » أي اختلفت الظنون فظن بعضهم النصر ، و بعضهم ايس وقنط(١) ، وقيل : ظن المنافقون أنه يستأصل محمد (ص) ، وظن المؤمنون أنه ينصر ، وقيل : ظن بعضهم أن الكفار تغلبهم ، وظن بعضهم أنهم يستولون على المدينة وظن بعضهم أن جاهلية تعود كما كانت ، وظن بعضهم أن ما وعد الله ورسوله من نصرة الدين وأهله غرور ، فأقسام الظنون كثيرة خصوصا ظن الجبناء(٢).

« هنالك ابتلي المؤمنون » أي اختبروا وامتحنوا « وزلزلوا زلزالا شديدا »

___________________

(١) في المصدر : فظن بعضكم بالله النصر ، وبعضكم ايس وقنط.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٣٩ و ٣٤٠.

١٩٢

أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا « وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض » أي شك : « ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا » قال ابن عباس : إن المنافقين قالوا : يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى وقيصر ونحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء ، هذا والله الغرور « وإذ قالت طائفة منهم » يعني عبدالله بن أبي وأصحابه ، وقيل : هم بنو سالم من المنافقين ، وقيل : القائل أوس بن قبطي ومن وافقه على رأيه « يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا » أي لا إقامة لكم ههنا ، أو لا مكان لكم تقومون فيه للقتال إذا فتح الميم ، فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة ، وأرادوا الهرب من عسكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ويستأذن فريق منهم النبي » في الرجوع إلى المدينة وهم بنو حارثة وبنو سلمة « يقولون إن بيوتنا عورة » ليست بحريزة ، مكشوفة ليست بحصينة ، أو خالية من الرجال نخشى عليها السراق ، وقيل : قالوا : بيوتنا مما يلى العدو لا نأمن على أهلينا « وما هي بعورة » بل هي رفيعة السمك حصينة عن الصادق عليه‌السلام : « إن يريدون » أي ما يريدون « إلا فرارا » وهربا من القتال ونصرة المؤمنين « ولو دخلت » البيوت أو المدينة « عليهم » أي لو دخل هؤلاء الذين يريدون القتال وهم الاحزاب على الذين يقولون : إن بيوتنا عورة وهم المنافقون « من أقطارها » من نواحي المدينة أو البيوت « ثم سئلوا الفتنة لاتوها » أي ثم دعوا هؤلاء إلى الشرك لاشركوا « وما تلبثوا بها إلا يسيرا » أي وما احتبسوا عن الاجابة إلى الكفر إلا قليلا ، أو لما أقاموا بعد إعطائهم الكفر إلا قليلا حتى يعاجلهم الله بالعذاب « ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل » أي من قبل الخندق « لا يولون الادبار » أي بايعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحلفوا له أنهم ينصرونه ويدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم ولا يرجعون عن مقاتلة العدو ولا ينهزمون ، قال مقاتل : يريد ليلة العقبة « وكان عهد الله مسئولا » يسئلون عنه في الآخرة « قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل » إن كان حضر آجالكم(١) فإنه لابد من واحد منهما ، وإن هربت فالهرب لا يزيد في آجالكم « وإذا لا تمتعون إلا قليلا » أي وإن لم يحضر آجالكم (٢) وسلمتم من الموت أو

__________________

(١) في المصدر : حضرت اجالكم.

(٢) في المصدر : وان لم تحضر آجالكم.

١٩٣

القتل في هذه الوقعة(١) لم تمتعوا في الدنيا إلا أياما قلائل « قل من ذا الذي يعصمكم من الله » أي يدفع عنكم قضاء الله « إن أراد بكم سوءا » أي عذابا وعقوبة « أو أراد بكم رحمة » أي نصرا وعزا ، فإن أحدا لا يقدر على ذلك « ولا يجدون لهم من دون الله وليا » يلي أمورهم « ولا نصيرا » ينصرهم ويدفع عنهم « قد يعلم الله المعوقين منكم » وهم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله (ص) ويثبطونهم ويشغلونهم لينصرفوا عنه ، وذلك بأنهم قالوا لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم(٢) أبوسفيان وهؤلاء الاحزاب « والقائلين لاخوانهم » يعني اليهود ، قالوا لاخوانهم المنافقين : « هلم إلينا » أي تعالوا ، وأقبلوا إلينا ودعوا محمدا وقيل : القائلون هم المنافقون ، قالوا لاخوانهم من ضعفة المسلمين : لا تحاربوا و خلوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك « ولا يأتون البأس » أي ولا يحضرون القتال في سبيل الله « إلا قليلا » يخرجون رياء وسمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم ، وقيل لا يحضرون القتال إلا كارهين يكون(٣) قلوبهم مع المشركين « أشحة عليكم » أي يأتون البأس بخلا بالقتال معكم وقيل بخلا بالنفقة في سبيل الله والنصرة « كالذي يغشى عليه من الموت » وهو الذي قرب من حال الموت ، وغشيته أسبابه فيذهل و يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف ، فكذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم من شدة خوفهم « فإذا ذهب الخوف » وجاء الامن والغنيمة « سلقوكم بألسنة حداد » أي آذوكم بالكلام ، وخاصموكم سليطة ذربة ، وقيل : معناه بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون : أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة ، قال : فأما عند البأس فأجبن قوم واخذله للحق(٤) وأما عند الغنيمة فأشح قوم ، وهو قوله : « أشحه على الخير » أي بخلا بالغنيمة يشاحون

___________________

(١) الواقعة خ ل.

(٢) قال الفيروز آبادي : لهمه كسمعه لهما ويحرك وتلهمه والتهمه : ابتلعه بمرة منه قدس‌سره.

(٣) في المصدر : تكون.

(٤) في المصدر : واخذلهم للحق.

١٩٤

المؤمنين عند القسمة ، وقيل : بخلا بأن يتكلموا بكلام فيه خير « أولئك لم يؤمنوا » وإلا لما فعلوا ذلك « فأحبط الله أعمالهم » لانها لم تقع على الوجوه التى يستحق عليها الثواب « وكان ذلك » أي الاحباط أو نفاقهم « على الله يسيرا » أي هينا « يحسبون الاحزاب لم يذهبوا » أي يظنون أن الجماعات من قريش وغطفان و أسد واليهود الذين تحزبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينصرفوا وقد انصرفوا. وإنما ظنوا ذلك لجبنهم وفرط حبهم قهر المسلمين « وإن يأت الاحزاب » أي وإن يرجع الاحزاب إليهم ثانية للقتال « يودوا لو أنهم بادون في الاعراب يسألون عن أنبائكم » أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الاعراب يسألون الناس عن أخباركم ولا يكونوا معكم حذرا من القتل وتربصا للدوائر « ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا » أي ولو كانوا معكم لم يقاتلوا إلا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم « لقد كان لكم » معاشر المكلفين « في رسول الله أسوة حسنة » أي قدوة صالحة ، أي كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته ، والصبر معه في مواطن القتال « لمن كان يرجو الله » بدل من قوله : « لكم » يعني أن الاسوة برسول الله إنما يكون لمن يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم « واليوم الاخر وذكر الله كثيرا » أي ذكرا كثيرا « ولما رأى المؤمنون الاحزاب » مع كثرتهم « قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله و صدق الله ورسوله » قيل : إن النبي (ص) كان أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الاحزاب ووعدهم الظفر بهم ، فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله ، وكان ذلك معجزا له ، و قيل : إن الله وعدهم في سورة البقرة بقوله : « أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا » إلى قوله : « إن نصر الله قريب »(١) ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم ، فلما رأوا الاحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الانبياء والمؤمنين قبلهم « وما زادهم مشاهدة عدوهم إلا إيمانا » أي تصديقا بالله ورسوله « وتسليما » لامره « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو « فمنهم من قضى

___________________

(١) البقرة : ٢١٤.

١٩٥

نحبه » أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى ، فذلك قضاء النحب ، وقيل قضى نحبه معناه فرغ من عمله ورجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد « ومنهم من ينتظر » وعد الله من نصرة ، أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه « وما بدلوا تبديلا » أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غيرالمنافقون « ليجزي الله الصادقين بصدقهم » في عهودهم « ويعذب المناففين » بنقض العهد « إن شاء أو يتوب عليهم » إن تابوا « ورد الله الذين كفروا » يعني الاحزاب أبا سفيان وجنوده وغطفان ومن معهم من قبائل العرب « بغيظهم » أي بغمهم الذي جاؤا به وحنقهم لم يشفوا بنيل ما أرادوا « لم ينالوا خيرا » أملوه. وأرادوه من الظفر بالنبي والمؤمنين وإنما سماه خيرا لان ذلك كان خيرا عندهم وقيل : أراد بالخير المال « وكفى الله المؤمنين القتال » أي مباشرة القتال بما أنزل على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتهم عن أماكنهم ، وبما أرسل من الملائكة وبما قذف في قلوبهم من الرعب ، وقيل : بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وقتله عمرو بن عبد ود ، وكان ذلك سبب هزيمة القوم ، عن عبدالله بن مسعود وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام. « وكان الله قويا » أي قادرا على ما يشاء « عزيزا » لا يمتنع عليه شئ من الاشياء(١).

ثم ذكر سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة فقال : « وأنزل الذين ظاهروهم » أي عاونوا المشركين من الاحزاب ونقضوا العهد بينهم وبين رسول الله (ص) أن لا ينصروا عليه عدوا « من أهل الكتاب » يعني من اليهود ، واتفق المفسرون على أنهم بنو قريظة إلا الحسن ، فأنه قال : هم بنو النضير ، والاول أصح(٢) « من صياصيهم » أي من حصونهم « وقذف في قلوبهم الرعب » أي الخوف من النبي (ص) وأصحابه « فريقا تقتلون » يعني الرجال « وتأسرون فريقا » يعني الذراري والنساء « وأورثكم » أي أعطاكم « أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها » أي وأورثكم أرضا لم

___________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٣٤٧ ـ ٣٥٠.

(٢) في المصدر : لان بنى النضير لم يكن لهم في قتال اهل الاحزاب شيئ وكانوا قد انجلوا قبل ذلك.

١٩٦

تطئوها بأقدامكم بعد وسيفتحها الله عليكم وهي خبير(١) وقيل : هي الروم وفارس وقيل : هي كل أرض يفتح(٢) إلى يوم القيامة ، وقيل : هي ما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب(٣).

أقول : قال الطبرسي رحمه‌الله في سياق غزوة الخندق : ذكر محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير قالوا : كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله (ص) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم ، فقال لهم قريش : يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الاول فديننا خير أم دين محمد؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منهم ، فهم الذين أنزل الله فيهم : « ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاعوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا » إلى قوله : « وكفى بجنهم سعيرا » فسر قريشا ما قالوا ، ونشطوا لما دعوهم إليه ، فأجمعوا لذلك واتعدوا له ، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم ، فخرجت قريش وقائدهم أبوسفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين في فزارة والحارث بن عوف في بني مرة ، ومسعر بن جبلة الاشجعي فيمن تابعه من أشجع ، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد ، فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني أسد وهما حليفان أسد وغطفان ، وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبوالاعور السلمي فيمن اتبعه من بني سليم مددا لقريش ، فلما علم بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب الخندق على المدينة ، وكان الذي أشار عليه بذلك سلمان الفارسي ، وكان

___________________

(١) زاد في المصدر : وقيل : هى مكة.

(٢) في المصدر : تفتح.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٣٥١.

١٩٧

أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله (ص) وهو يومئذ حر ، قال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ، فعمل فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون حتى أحكموه.

فمما ظهر من دلائل النبوة في حفر الخندق ما رواه أبوعبدالله(١) الحافظ بإسناده عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف المزني قال : حدثني أبي ، عن أبيه قال : خط رسول الله (ص) الخندق عام الاحزاب أربعين ذراعا بين عشرة ، فاختلف المهاجرون والانصار في سلمان ، وكان رجلا قويا ، فقالت الانصار : سلمان منا ، وقالت المهاجرون ، سلمان منا ، فقال رسول الله (ص) : « سلمان منا أهل البيت ».

أقول : وساق الحديث في كسر الصخرة وظهور البرق ما مر برواية الثعلبي.

ثم قال : ومما ظهر أيضا من آيات النبوة ما رواه أبوعبدالله الحافظ بالاسناد عن عبدالواحد بن أيمن المخزومي قال : حدثني أيمن المخزومي قال : سمعت جابر بن عبدالله قال : كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية(٢) وهي الجبل ، فقلنا : يا رسول الله إن كدية(٣) عرضت فيه ، فقال رسول الله (ص) : رشوا عليها ماء ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع ، فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل(٤) فقلت له : أئذن لي يا رسول الله إلى المنزل ، ففعل فقلت للمرأة : هل عندك من شئ؟ فقال : عندي صاع من شعير وعناق ، فطحنت الشعير وعجنته وذبحت(٥) العناق وسلختها وخليت بين المرأة وبين ذلك ثم أتيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلست عنده ساعة ، ثم قلت : ائذن لي يا

___________________

(١) هو ابوعبدالله محمد بن عبدالله النيسابورى المعروف بالحاكم المتوفى سنة ٤٠٥ ، رواه في المستدرك ٣ : ٥٩٨. راجعه.

(٢ و ٣) كذانة خ ل كداية خ ل. أقول : الكدية : الارض الصلبة الغليظة. الصفاة العظيمة الشديدة.

(٤) مهيلا خ ل.

(٥) فذبحت خ ل.

١٩٨

رسول الله ففعل ، فأتيت المرأة فإذا العجين واللحم قد أمكنا ، فرجعت إلى رسول الله (ص) فقلت : إن عندنا طعيما لنا فقم يا رسول الله أنت ورجلان من أصحابك فقال : وكم هو؟ قلت : صاع من شعير وعناق ، فقال للمسلمين جميعا : قوموا إلى جابر ، فقاموا فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله ، فقلت : جاء بالخلق على صاع شعير وعناق ، فدخلت على المرأة وقلت : قد افتضحت ، جاءك رسول الله (ص) بالخلق(١) ، فقالت : هل كان سألك كم طعامك؟ قلت : نعم ، فقالت : الله ورسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا ، فكشفت عني غما شديدا ، فدخل رسول الله (ص) فقال : خذي ودعيني من اللحم ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يثرد ويفرق اللحم ، ثم يحم هذا ، ويحم هذا(٢) فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين ، ويعود التنور والقدر أملا ما كانا ، ثم قال رسول الله (ص) : كلي واهدي ، فلم نزل نأكل ونهدي قومنا أجمع. أورده البخاري في الصحيح(٣).

وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينقل معنا التراب يوم الاحزاب وقد وارى التراب بياض بطنه ، وهو يقول :

لا هم(٤) لولا أنت لما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الاقدام إن لاقينا

إن الاولى(٥) قد بغوا علينا

إذا(٦) أرادوا فتنه أبينا

___________________

(١) زاد في المصدر : اجمعين.

(٢) في صحيح البخارى : ويخمر البرمة والتنور اذا اخذ منه.

(٣) صحيح البخارى ٥ : ١٣٩ وفيه اختلافات لفظية واختصار راجعه.

(٤) اللهم خ ل. أقول في المصدر : لاهم لولا انت ما اهتدينا.

وفى رواية في صحيح البخارى : اللهم لولا انت ما اهتدينا.

وفى اخرى : والله لولا الله ما اهدينا.

(٥) ان الاولاء خ ل.

(٦) في البخارى في رواية : وإن ارادوا فتنة ابينا.

١٩٩

يرفع بها صوته ، رواه البخاري أيضا في الصحيح عن أبي الوليد(١) ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء.

قالوا : ولما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف والغابة(٢) في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد وخرج رسول الله (ص) والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع(٣) في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هناك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الاطام ، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة. وكان قد وادع رسول الله (ص) على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع كعب صوت ابن اخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له ، فناداه يا كعب افتح لي فقال : ويحك يا حيي إنك رجل مشؤم إني قد عاهدت محمدا ولست بناقض ما بينه وبيني ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، وقال : ويحك

___________________

(١) الموجود في صحيح البخارى : حدثنا مسلم بن ابراهيم ، حدثنا شعبة. راجع الصحيح ٥ ١٣٩ : و ١٤٠. وزاد في آخره : ورفع بها صوته : أبينا أبينا. وفيه باسناده عن انس قال جعل المهاجرون والانصار يحفرون الخندق حول المدينة ، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون :

نحن الذين بايعوا محمدا

على الاسلام ما بقينا ابدا

قال : يقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يجيبهم : « اللهم لا خير الا خير الاخرة فبارك في الانصار والمهاجرة » وذكر في حديث آخر المصرع الاخير هكذا : على الجهاد ما بقينا ابدا.

(٢) الجرف : ما تجرفته السيول فاكلته من الارض ، ويقال لمواضع منها : موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام ، قال كعب بن الاشرف اليهودى :

ولنا بئر رواء جمة

من يردها باناء يغترف

كل حاجاتى بها قضيتها

غير حاجاتى على بطن الجرف

والغابة : الوطأة من الارض التى دونها شرفة وهو الوهدة. وهو موضع قرب المدينة من ناحية الشام فيه اموال لاهل المدينة.

(٣) السلع : جبل بالمدينة.

٢٠٠