بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا بفاعل ، قال : إن أغلقت دوني إلا على جشيشة(١) تكره أن نأكل منها معك ، فأحفظ الرجل ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على سادتها وقادتها ، وبغطفان على سادتها وقادتها ، قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه ، فقال كعب : جئتني والله بذل الدهر بجهام قد اهراق ماؤه برعد وببرق(٢) وليس فيه شئ ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه ، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء ، فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة والغارب(٣) حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله (ص) ، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله (ص) بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الاشهل وهو يومئذ سيد الاوس ، وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبدالله بن رواحة وخوات بن جبير ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ، فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه ، ولا تفتوا أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم عنهم ، قالوا : لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد ، فشاتمهم سعد بن عبادة ، (٤) ، وشامتوه ، فقال سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أعظم من المشاتمة. ثم أقبلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و قالوا : عضل والقارة ، لغدر(٥) عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خبيب بن عدي وأصحابه أصحاب الرجيع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين ».

___________________

(١) الخشيشة خ ل. أقول : في سيرة ابن هشام : الجشيشة بالجيم.

(٢) في المصدر : بجهام قد هراق ماؤه يرعد ويبرق. أقول : هو الموجود ايضا في السيرة.

(٣) مثل يضرب للرجل لا يزال يخدغ صاحبه حتى يظفر به.

(٤) ذكر ابن هشام في السيرة الشاتم سعد بن معاذ.

(٥) في السيرة : اى كغدر عضل والقارة باصحاب الرجيع خبيب واصحابه.

٢٠١

وعظم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، حتى ظن المؤمنون كل ظن ، وظهر النفاق(١) من بعض المنافقين ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبل ألا أن فوارس من قريش منهم : وعمرو بن عبد ود(٢) أخو بني عامر ابن لؤي ، وعكرمه بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب(٣) وهبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبدالله قد تلبسوا للقتال ، وخرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا : تهيأوا للحرب يا بني كنانة ، فستعلمون اليوم من الفرسان ، ثم اقبلوا تعنق(٤) بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق ، فقالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ منهم الثغرة(٥) التي منها اقتحموا ، وأقبلت الفرسان نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قريش ، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارثت(٦) وأثبته الجراح فلم يشهد أحدا ، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده ، وكان يعد بألف فارس وكان يسمى فارس يليل ، لانه أقبل في ركب من قريش حتى إذا هو بيليل(٧) وهو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد ، فقال لاصحابه : امضوا ، فمضوا فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه ، فعرف بذلك ، وكان اسم

___________________

(١) في السيرة : ونجم النفاق من بعض المنافقين.

(٢) في السيرة : عمرو بن عبد ود بن ابى قيس اخو بنى عامر بن لؤى.

(٣) في السيرة : ضرار بن الخطاب الشاعر ابن مرداس اخو بنى محارب بن فهر.

(٤) اى تسرع.

(٥) في المصدر والسيرة : حتى اخذ عليهم الثغرة. أقول : الثغرة بالضم : الثلمة التى كانت في الخندق.

(٦) ارتث : حمل من المعركة.

(٧) في المصدر : حتى اذا كانوا بيليل.

٢٠٢

الموضع الذي حفر فيه الخندق المداد ، وكان أول من طفره عمرو وأصحابه ، فقيل في ذلك :

عمرو بن عبد ، كان أول فارس

جزع المداد وكان فارس يليل

وذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان ينادي : من يبارز؟ فقام علي عليه‌السلام وهو مقنع في الحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله ، فقال : إنه عمرو ، اجلس ، ونادى عمرو : ألا رجل ويؤنبهم ويسبهم ، ويقول : أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها ، فقام علي عليه‌السلام فقال : أنا له يارسول الله ، ثم نادى الثالثة فقال :

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف البطل المناجز

إن السماحة والشجا

عة في الفتى خير الغرائز

قفام علي عليه‌السلام فقال : يا رسول الله أنا فقال : إنه عمرو ، فقال : وإن كان عمروا ، فاستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له.

وفيما رواه لنا السيد أبومحمد الحسيني القائني عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بالاسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جده ، عن حذيفه قال : فألبسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعممه عمامة(١) السحاب على رأسه تسعة أكوار(٢) ، ثم قال له : تقدم ، فقال لما ولي : « اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ».

قال ابن إسحاق : فمشى إليه وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتا

ك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة

والصدق(٢) منجي كل فائز

___________________

(١) عمامته خ ل.

(٢) الكور بالفتح : الدور من العمامة.

(٣) منجا خ ل أقول : في مستدرك الحاكم. ذو نبهة وبصيرة * والصدق منجا كل فائز.

٢٠٣

إني لارجو أن أقيم(١)

عليك نائحة الجنائز

من ضربة(٢) نجلاء يبقى

ذكرها عند(٣) الهزاهز

قال له عمرو : من أنت؟ قال : أنا علي ، قال : ابن عبد مناف؟ فقال : أنا علي بن أبيطالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، فقال : غيرك(٤) يا بن أخي من أعمامك من هو أسن منك ، فإنى أكره أن أهريق دمك ، فقال(٥) : لكني والله ما أكره أن أهريق دمك ، فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها(٦) وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجه ، وضربه علي على حبل العاتق فسقط.

وفي رواية حذيفة : وتسيف على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه.

وثارث بينهما عجاجة ، فسمع علي يكبر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتله و الذي نفسي بيده ، فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب ، فإذا علي عليه‌السلام يسمح سيفه بدرع عمرو ، فكر عمر بن الخطاب وقال : يا رسول الله قتله ، فجز علي رأسه وأقبل نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجهه يتهلل ، فقال(٧) عمر بن الخطاب : هلا استلبته درعه ، فإنه ليس للعرب درع خيرا منها(٨)؟ فقال : ضربته فاتقاني(٩) بسوأته فاستحييت من ابن عمي أن أستلب(١٠).

___________________

(١) ان تقوم خ ل.

(٢) من طعنة خ ل.

(٣) بعد خ ل.

(٤) في المستدرك : عندك.

(٥) في المصدر والمستدرك : فقال على عليه‌السلام.

(٦) الدرقة : الترس من الحديد. قد الشيئ : قطعه. شقة.

(٧) فقال له خ ل.

(٨) منه خ ل.

(٩) فالتقانى خ ل.

(١٠) زاد الحاكم في المستدرك : وخرجت خيله منهزمة حتى اقحمت من الخندق.

٢٠٤

قال حذيفة : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم(١) ، وذلك أنه لم يبق من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو.

وعن الحاكم أبي القاسم أيضا بالاسناد عن سفيان الثوري ، عن زبيد الشامي(٢) ، عن مرة ، عن عبدالله بن مسعود قال : كان يقرأ « وكفى الله المؤمنين القتال بعلي » وخرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبدالعزى جوف الخندق ، وفجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم أقاتله ، فقتله الزبير بن العوام.

وذكر ابن إسحاق إن عليا طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق ، وبعث المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشترون جيفته بعشرة آلاف ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى.

وذكر علي عليه‌السلام أبياتا منها :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت رب محمد بصواب

___________________

(١) وروى الحاكم في المستدرك ٣ : ٣٢ باسناده عن لؤلؤ بن عبدالله المقتدرى عن ابى الطيب احمد بن ابراهيم بن عبدالوهاب المصرى ، عن احمد بن عيسى الخشاب ، عن عمرو بن ابى سلمة ، عن سفيان الثورى ، عن بهز بن حكيم ، عن ابيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمبارزة على بن ابى طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق افضل من اعمال امتى إلى يوم القيامة.

(٢) الثانى خ ل. أقول : في المصدر : الثابى بالباء ، وكلها مصحفة ، والصحيح اليامى قال ابن حجر في التقريب : ١٦٢ : زبيد ـ مصغرا ـ ابن الحارث بن عبدالكريم بن عمرو بن كعب اليامى بالتحتانية ابوعبدالرحمن الكوفى ثقة ثبت عابد من السادسة ، مات سنة اثنتين وعشرين او بعدها. أقول : اى بعد المائة. وقال السيوطى في اللباب ٣ : ٣٠٤ : اليامى بفتح الياء وبعد الالف ميم ، هذه النسبة إلى يام بن اصبى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان ، بطن من همدان : ينسب اليه كثير ، منهم ابوعبدالرحمن زبيد بن الحارث بن عبدالكريم اليامى الكوفى. رواه عنه الثورى.

٢٠٥

فضربته وتركته(١) متجدلا

كالجذع بين دكادك وروابي(٢)

وعففت(٣) عن أثوابه ولو أنني

كنت المقطر بزني أثوابي(٤)

وروى عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري قال : إن علينا عليه‌السلام لما قتل عمرو بن عبد ود حمل رأسه فألقاه بين يدي رسول الله (ص) ، فقام أبوبكر وعمر فقبلا رأس علي عليه‌السلام.

وروي عن أبي بكر بن عياش أنه قال : ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها. ـ يعني ضربة عمرو بن عبد ود ـ وضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أشام منها ـ يعني ضربة ابن ملجم عليه لعائن الله.

قال ابن إسحاق : ورمى حيان بن قيس بن العرقة(٥) سعد بن معاذ بسهم

___________________

(١) في السيرة ومستدرك الحاكم : فصدرت حين تركته متجدلا.

(٢) متجدلا اى لاصقا واقعا على الجدالة اى الارض والجذع : جذع النخلة. والدكادك جمع دكداك : الرمل اللين والروابى جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الارض.

(٣) وغفلت خ ل.

(٤) المقطر اسم مفعول من قولهم : قطرت الفارس : اذا القيته على أحد قطريه اى جنبيه. بزنى اى سلبنى وغلبنى عليها ، اى قتلته ولم افكر في سلبه ، ولو كان هو الذى قتلنى لا خذ اثوابى وزاد ابن هشام في السيرة :

لا تحسبن الله خاذل دينه

ونبيه يا معشر الاحزاب

وزاد الحاكم في المستدرك في اول الابيات ،

أعلى يقتحم الفوارس هكذا

عنى وعنهم اخروا اصحابى

اليوم يمنعنى الفرار حفيظتى

ومصمم في الرأس ليس بنابى

الا ابن عبد حين شد اليه

وحلفت فاستمعوا من الكتاب

انى لا صدق من يهلل بالتقى

رجلان يضربان كل ضراب

وذكر البيت الاول في المتن في آخر الابيات هكذا :

عبد الحجارة من سفاهة عقله

وعبدت رب محمد بصواب

وسيأتى قريبا ما يتعلق بالابيات.

(٥) العرفة خ ل. أقول : في السيرة والامتاع : حبان ـ بالباء ـ بن قيس بن العرقة ـ بالقاف ـ احد بنى عامر بن لؤى.

٢٠٦

وقال : خذها وأنا ابن العرقة(١) ، فقطع أكحله ، فقال سعد : عرق(٢) الله وجهك في النار ، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.

قال : وجاء نعيم بن مسعود الاشجعي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي ، فمرني بأمرك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا ما استطعت ، فإنما الحرب خدعة » فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم : إني لكم صديق ، والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وانما قريش وغطفان بلادهم غيرها ، وإنما جاؤا حتى نزلوا معكم ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا ، فقالوا له : قد أشرت براي ، ثم ذهب فأتى أبا سفيان وأشراف قريش ، فقال : يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي إياكم و فراقي محمدا ودينه ، وإني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي ، فقالوا : نفعل ما أنت عندنا بمتهم ، فقال : تعلمون أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، فبعثوا إليه أنه لا يرضيك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ، ثم نكون معك عليهم حتى نخرجهم من بلادك فقال : بلى ، فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا ، واحذروا ، ثم جاء غطفان فقال : يا معشر غطفان إنى رجل منكم ، ثم

___________________

(١) العرفة خ ل. تقدم ان الصحيح : العرقة.

(٢) عرف خ ل. أقول : في الامتاع والسيرة : عرق الله. لكن في الامتاع : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عرق الله وجهه في النار.

٢٠٧

قال لهم ما قال لقريش ، فلما أصبح أبوسفيان وذلك يوم السبت في شوال سنة خمس من الهجرة ، بعث إليهم أبوسفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش إن أبا سفيان يقول لكم : يا معشر اليهود إن الكراع والخف قد هلكتا ، وإنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه(١) فبعثوا إليه إن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ، ولسنا مع ذلك بالذي(٢) نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمدا ، فقال أبوسفيان : قد حذرنا والله هذا نعيم فبعث إليهم أبوسفيان إنا لا نعطيكم رجلا واحدا ، فإن شئتم أن تخرجوا وتقاتلوا ، وإن شئتم فاقعدوا ، فقالت اليهود : هذا والله الذي قال لنا نعيم ، فبعثوا إليهم أنا والله لا نقاتل حتى تعطونا رهنا و (٣) خذل الله بينهم وبعث(٤) سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد حتى انصرفوا راجعين.

قال محمد بن كعب : قال حذيفة اليماني(٥) : والله لقد رأينا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلا الله ، وقام رسول الله (ص) فصلى(٦) ما شاء الله من الليل ، ثم قال « : ألا رجل يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنة »؟ قال حذيفة : فوالله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف والجهد والجوع ، فلما لم يقم أحد دعاني فلم أجد بدا من إجابته ، قلت : لبيك ، قال : « اذهب فجئني بخبر القوم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع » قال : وأتيت القوم فإذا ريح الله وجنوده يفعل بهم ما يفعل ما يستمسك لهم بناء ولا يثبت لهم نار ، ولا يطمئن لهم قدر ، فإني لكذلك إذ خرج أبوسفيان من رحله ، ثم قال : يا معشر(٧) قريش لينظر أحدكم

___________________

(١) حتى تناجزوه خ ل.

(٢) في المصدر : بالذين.

(٣) وقيل : خذل الله خ ل.

(٤) وبعث الله خ ل.

(٥) في المصدر والسيرة : حذيفة بن اليمان وهو الصحيح كما قدمناه.

(٦) يصلى خ ل.

(٧) يا معاشر خ ل.

٢٠٨

من جليسه ، قال حذيفة : فبدأت بالذي عن يميني فقلت : من أنت؟ قال : أنا فلان ، قال : ثم(١) عاد أبوسفيان براحلته فقال : يا معشر(٢) قريش والله ما أنتم بدار مقام ، هلك الخف والحافر ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شئ. ثم عجل فركب راحلته ، وإنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها ، قال : قلت في نفسي : لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا فوترت قوسي ، ثم وضعت السهم في كبد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتله فذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تحدثن شيئا حتى ترجع» قال : فحططت(٣) القوس ثم رجعت إلى رسول الله (ص) وهو يصلي ، فلما سمع حسي فرج بين رجليه فدخلت تحته و أرسل علي طائفة من مرطه(٤) ، فركع وسجد ، ثم قال : ما الخبر؟ فأخبرته.

وروى الحافظ بالاسناد عن عبدالله ابن أبي أو في قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الاحزاب فقال : « اللهم أنت منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الاحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم ».

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : لا إله إلا الله وحده(٥) ، أعز جنده ، ونصر عبده ، وغل(٦) الاحزاب وحده ، فلا شئ بعده.

وعن سلمان بن صرد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أجلي عنه الاحزاب : « الآن نغزوهم ولا يغزونا »(٧) فكان كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يغزهم قريش بعد ذلك وكان هو يغزوهم حتى فتح الله عليهم مكة(٨).

___________________

(١) فدعا خ ل.

(٢) يا معاشر خ ل.

(٣) فحفظت خ ل.

(٤) المرط : الكساء.

(٥) في المصدر : وحده وحده. وفى صحيح البخارى مثل المتن.

(٦) وهزم خ ل.

(٧) روى البخارى الاحاديث الثلاثة في صحيحه ٥ : ١٤١ و ١٤٢.

(٨) مجمع البيان ٨ : ٣٤٠ ـ ٣٤٥.

٢٠٩

ثم قال في غزوة بني قريظة : روى الزهري ، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : لما انصرف النبي (ص) مع المسلمين عن الخندق و وضع عنه اللامة واغتسل واستحم تبدى(١) له جبرئيل فقال : عذيرك من محارب(٢) ، ألا أراك قد وضعت عنك اللامة ، وما ضعناها بعد ، فوثب رسول الله (ص) فزعا ، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا قريظة. فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس واختصم الناس ، فقال بعضهم : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة ، وإنما نحن في عزمة رسول الله (ص) فليس علينا إثم ، وصلى طائفة من الناس احتسابا ، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس ، فصلوها حين جاؤا من بني قريظة احتسابا فلم يعنف رسول الله (ص) واحدا من الفريقين.

وذكر عروة أنه بعث على بن أبي طالب عليه‌السلام على المفدم ، ودفع إليه اللواء ، وأمره أن ينطلق حتى يقف بهم على حصن بني قريظة ، ففعل ، وخرج رسول الله (ص) على آثارهم فمر على مجلس من أنصار في بني غنم ينتظرون رسول ـ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فزعموا أنه فقال : مر بكم الفارس آنفا؟ فقالوا : مر بنا دحيه الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال رسول الله (ص) : ليس ذلك بديحة ، ولكنه جبرئيل عليه‌السلام أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ، ويقذف في قلوبهم الرعب ، قالوا : وسار علي عليه‌السلام حتى إذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبيحة لرسول الله (ص) ، فرجع حتى لقى رسول الله (ص) بالطريق : فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث ، قال : أظنك سمعت لي منهم أذى ، فقال : نعم يا رسول الله ، فقال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا ، فلما دنا رسول الله (ص) من حصنهم قال : « يا إخوة القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته »؟ فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، وحاصرهم رسول الله (ص) خمسا وعشرين ليلة حتى

___________________

(١) اى ظهر.

(٢) أى من يعذرك منه اى يلومه ولا يلومك.

٢١٠

أجهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان ، فلما أيقنوا أن رسول الله (ص) غير منصرف عنهم حتى يناجز(١) ، قال كعب بن أسد : يا معشر اليهود قد نزل بكم من الامر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخيروا(٢) أيها شئتم ، قالوا : ما هن؟ قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل ، و أنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم ، فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ، قال : فإذا أبيتم علي هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك لم نترك وراءنا نسلا يهمنا(٣) ، و إن نظهر لنجدن النساء والابناء ، فقالوا : نقتل هؤلاء المساكين؟ فلا خير في العيش بعدهم ، قال : فإذا أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت ، وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها(٤) ، فانزلوا فلعلنا نصيب منهم غرة ، فقالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيها ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ ، فقال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما.

قال الزهري : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا : اختاروا من شئتم من أصحابي ، فاختاروا سعد بن معاذ ، فرضي بذلك رسول الله (ص) ونزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسلاحهم : فجعل في قبة(٥) وامر بهم فكتفوا وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة ، وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سعد

___________________

(١) في المصدر : حتى يناجزهم.

(٢) فخذوا خ ل فخبروا خ ل أقول : في المصدر : فخذوا.

(٣) في المصدر : فان نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا يهمنا. أقول : ذكره كذلك ابن هشام في السيرة الا أنه قال : نخشى عليه. مكان يهمنا.

(٤) في السيرة : قد امنونا فيها.

(٥) في المصدر : في قبته.

٢١١

ابن معاذ فجئ به ، فحكم فيهم بأن يقتل مقاتليهم ، ويسبي ذراريهم ونسائهم ويغنم أموالهم ، وإن عقارهم للمهاجرين دون الانصار ، وقال للانصار : إنكم ذووا عقار وليس للمهاجرين عقار ، فكبر رسول الله (ص) وقال لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله عزوجل.

وفي بعض الروايات : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. وأرقعة جمع رقيع : اسم سماء الدنيا.

فقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقاتليهم ، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل ، وقيل : قتل منهم أربعة مائة وخمسين رجلا ، وسبى سبعمائة وخمسين.

وروي أنهم قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إرسالا يا كعب ما ترى يصنع بنا؟ فقال كعب : أفي كل موطن تقولون(١) ألا ترون أن الداعي لا ينزع ، ومن يذهب منكم لا يرجع ، هو والله القتل.

وأتي بحيي بن أخطب عدو الله عليه حلة فاختيتة(٢) قد سفقها عليه(٣) من كل ناحية كموضع الانملة لئلا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، فلما بصر برسول الله (ص) فقال : أما والله ما لمت نفسي على عدواتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ، ثم قال : أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب الله وقدره [ و ] ملحمة كتبت على بني إسرائيل(٤) ، ثم جلس فضرب عنقه ، ثم قسم رسول الله (ص) نساءهم وأبناهم على المسلمين ، وبعث سبايا منهم إلى نجد مع سعد بن زيد الانصاري فابتاع بهم خيلا وسلاحا.

قال : فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ ، فرجعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد.

___________________

(١) في السيرة : افى كل موطن لا تعقلون؟

(٢) في السيرة : فقاحية. بضم الفاء وتشديد القاف ، أى تضرب إلى الحمرة ، نسبة إلى الفقاح ، وهو الزهر اذا انشقت اكمته وتفتقت براعيمه.

(٣) في المصدر والسيرة : قد شقها عليه.

(٤) في السيرة : كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بنى اسرائيل.

٢١٢

وروي عن جابر قال : جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك(١) له العرش؟ فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا سعد بن معاذ قد قبض(٢).

بيان : الكدية بالضم : قطعة غليظة صلبة لا تعمل فيها الفأس(٣). ذكره الجزري ، وفي بعض النسخ كذانة بفتح الكاف والذال المعجمة والنون ، قال الجزري : الكذان : حجارة رخوة إلى البياض ، وقال : في حديث المغيرة فإذا أنا معصوب الصدر كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة ، وربما جعل تحته حجرا ، وقال : فعادت كثيبا أهيل أي رملا سائلا.

وفي القاموس : ثرد الخبز : فته ، وقال : حم له ذلك : قدر ، وحم حمه : قصد قصده ، وارتحال البعير : عجله ، والله له كذا : قضاه له ، كأحمه ، واحتم : دنا وحضر ، والامر فلانا : أهمه كحمه.

وفي المصباح : حم الشئ كضرب. قرب ودنا ، وأحمه غيره انتهى.

وأقول : الاظهر عندي أنه كان يخمر في الموضعين فصحف ، أي كان يستر القدر والتنور بثوب لئلا يطلع الناس على ما فيهما ، وكيف يبارك الله عليهما ، و كان هذا دأبه صلى‌الله‌عليه‌وآله في سائر ما ظهرت فيه هذه المعجزة ، ويؤيده أن في روايات العامة(٤) فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة(٥) والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه.

والآطام جمع أطم بالضم : وهو البناء المرتفع الاعلى. جشيشه في أكثر النسخ

___________________

(١) واهتز خ ل.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٥١ و ٣٥٢.

(٣) الفاس : الذى يشق به الحطب وغيره.

(٤) ذكرناه في ذيل الخبر.

(٥) البرمة : القدر من الحجارة.

٢١٣

بالجيم المفتوحة والشين المكسورة ، وهي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل في القدور ، ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ ذكره الجزري.

وفي بعضها بالخاء المعجمة وهو كزبير : الغزال الصغير وأحفظه : حمله على الحفيظة وهي الحمية والغضب. وطمى الماء : ارتفع. والجهام بالفتح : السحاب لا ماء فيه.

قوله : يفتل منه ، قال الجزري(١) جعل فتل وبرذروه البعير وغاربه مثلالا زالته عن رأيه ، كما يفعل بالجمل النفور إذا أريد تأنيسه وإزالة نفاره ، والغارب : مقدم السنام ، والذروة : أعلاه.

وفي القاموس : لحن له : قال قولا يفهمه عنه ، ويخفى على غيره. وقال : الفت الدق والكسر بالاصابع ، وفت في ساعدة : أضعفه. وقال : الرجيع : ماء لهذيل على سبعة أميال من الهدة(٢) وبه غدر بمرثد بن أبي مرثد وسريته لما بعثها صلى‌الله‌عليه‌وآله مع رهط عضل والقارة فغدروا بهم انتهى.

ويليل بفتح اليائين وسكون اللام : وادي بينبع. والطفرة : الوثبة في ارتفاع.

وفي القاموس : جزع الارض والوادي كمنع : قطعه ، وقال : مراق البطن مارق منه ولان.

وفي النهاية : فيه : الحرب خدعة ، يروى بفتح الخاء وضمها وسكون الدال وبضمها مع فتح الدال ، فالاول معناه أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع ، أي أن المقاتل إذ خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة ، وهو أفصح الروايات وأصحها ، ومعنى الثاني هو الاسم من الخداع ، ومعنى الثالث أن الحرب تخدع

___________________

(١) في النهاية ٢ : ٤٧ : وحديث زبير : سأل عائشة الخروج إلى البصرة فابت عليه ، فما زال يفتل في الذروة والغارب حتى اجابته. جعل فتل وبراه.

(٢) الهدة : عين بين الطائف ومكة.

٢١٤

الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم ، كما يقال : فلان رجل لعبة وضحكة ، للذي يكثر اللعب والضحك انتهى.

والكراع كغراب : اسم لجمع الخيل.

١ ـ كنز الكراجكي : عن أسد بن إبراهيم السلمي ، عن عمر بن علي العتكي عن محمد بن صفوة ، عن الحسن بن علي العلوي ، عن أحمد بن العلا ، عن صباح بن يحيى ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي جعفر الباقر ، عن آبائه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاحزاب : اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر ، وحمزة ابن عبدالمطلب يوم أحد ، وهذا أخي علي بن أبي طالب ، رب لا تذرني فردا وأنت خيرالوارثين(١).

٢ ـ أقول : وروى الكراجكي رحمة الله قصة قتل عمرو نحوا مما مر ، و ذكر أنه قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات : « أيكم يبرز إلى عمرو وأضمن له على الله الجنة »؟ وفي كل مرة كان يقوم علي عليه‌السلام ، والقوم ناكسوا رؤسهم ، فاستدناه وعممه بيده ، فلما برز قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « برز الايمان كله إلى الشرك كله » وكان عمرو يقول :

ولقد بححت من النداء

بجمعهم(٢) هل من مبارز(٣)

إلى قوله :

إن الشجاعة في الفتى والجود

من كرم الغرائز

إلى قوله : فما كان أسرع أن صرعه(٤) أميرالمؤمنين عليه‌السلام وجلس على صدره ، فلما هم أن يذبحه وهو يكبر الله ويمجده قال له عمرو : يا علي قد جلست

___________________

(١) كنز الفوائد : ١٣٦ و ١٣٧.

(٢) في المصدر : بجمعكم وهو الصحيح كما تقدم.

(٣) في المصدر :

ووقفت اذ جبن الشجاع (المشجع خ ل)

موقف الخصم المناجز

انى كذلك لم أزل

متسرعا نحو الهزاهز

(٤) في المصدر : ثم جادله فما كان باسرع من ان صرعه.

٢١٥

مني مجلسا عظيما ، فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي ، فقال عليه‌السلام : هي أهون علي من ذلك ، وذبحه وأتى برأسه وهو يخطر(١) في مشيته ، فقال عمر : ألا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يمشي(٢)؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنها لمشية لا يمقتها الله في هذا المقام » فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه ، وقال : « لو وزن اليوم عملك بعمل جميع أمة محمد لرجح عملك على عملهم ، وذاك أنه لم يبق بيت من المشركين إلا وقد دخله ذل بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو (٣) » ولما قتل علي عليه‌السلام عمروا سمع مناديا ينادي ولا يرى شخصه :

قتل علي عمروا

قصم علي ظهرا

أبرم علي أمرا

ووقعت الجفلة(٤) بالمشركين فانهزموا أجمعين ، وتفرقت الاحزاب خائفين مرعوبين(٥).

٣ ـ فس : « يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم » الآية.

فإنها نزلت في قصة الاحزاب من قريش ، والعرب الذين تحزبوا على رسول الله (ص) ، قال : وذلك أن قريشا قد تجمعت في سنة خمس من الهجرة ، و

___________________

(١) في المصدر : وهو يتبختر.

(٢)كيف يتبختر ( يتيه خ ل ) في مشيته؟

(٣) زاد في المصدر هنا ، فأنشأ أميرالمؤمنين عليه‌السلام :

نصر (عبد خ ل) الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت رب محمد بصواب

وضربته وتركته متجدلا

كالنسر فوق دكادك وروابى

وعففت عن أثوابه ولو أننى

كنت المقطر بزنى اثوابى.

لا تحسبن الله خاذل دينه

ونبيه يا معشر الاحزاب

(٤) الجفلة : الهرب والهزيمة.

(٥) كنزالفوائد : ١٣٧ و ١٣٨.

٢١٦

ساروا في العرب وجلبوا واستنفروهم(١) لحرب رسول الله (ص) فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة ، وكان رسول الله (ص) حين أجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة ، وكان رئيسهم حيي بن أخطب ، وهم يهود من بني هارون عليه‌السلام ، فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر وخرج حيي بن أخطب(٢) إلى قريش بمكة(٣) وقال لهم : إن محمدا قد وتركم ووترنا وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا ، وأجلا بني عمنا بني قينقاع ، فسيروا في الارض ، وأجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل وهم بنو قريظة ، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق ، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد ، ويكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق ، وهم من أسفل ، وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين ، وهو الموضع الذي يسمى ببئر بني المطلب ، فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والاقرع بن حابس في قومه وعباس بن مرداس في بني سليم(٤) ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

___________________

(١) واستنفزوهم خ ل.

(٢) وهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٣) ذكر في السيرة وغيره انه خرج مع سلام بن ابى الحقيق النضرى وكنانة بن ابى الحقيق وهوذة بن قيس الوائلى وابى عمار الوائلى في نفر من بنى النضير ونفر من بنى وائل.

(٤) في الامتاع : في الامتاع. وخرجت يهود إلى غطفان ، وجعلت لهم ثمر خيبر سنة ان هم نصروهم ، وتجهزت قريش : وأتت يهود بنى سليم فوعدوهم السير معهم ، ولم يكن احد اسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن الفزارى ، وخرجت قريش ومن تبعها من احابيشها في أربعة الاف ، وعقدوا اللواء في دار الندوة ، حمله عثمان بن طلحة بن ابي طلحة : وقادوا معهم ثلاثمائة فرس وكان معهم الف بعير وخمسمائة بعير ، ولاقتهم سليم بمر الظهران في سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس ابوالاعور السلمى الذى كان مع معاوية بن ابى سفيان بصفين ، وكان أبوسفيان بن حرب قائد قريش ، وخرجت بنو أسد وقائدها طليحة بن خويلد الاسدى ، وخرجت بنو فزارة في الف يقودهم عيينة بن حصن ، وخرجت أشجع في أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة : وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف بن ابى حارثة ، وقيل : لم يحضر بنو مرة ، وكانوا جميعا عشرة آلاف ، [ واقبلت

٢١٧

واستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل(١) فقال سلمان : يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة ، قال : فما نصنع؟ قال : نحفر خندقا يكون بيننا(٢) و بينهم حجابا ، فيمكنك منعهم(٣) في المطاولة ، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه ، فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم(٤) من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة ، فنزل جبرئيل على رسول الله (ص) فقال : أشار بصواب ، فأمر رسول الله (ص) بمسحه(٥) من ناحية أحد إلى راتج ، وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم(٦) من المهاجرين والانصار يحفرونه فأمر فحملت المساحي والمعاول ، وبدأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وأميرالمؤمنين عليه‌السلام ينقل التراب من الحفرة ، حتى عرق رسول الله (ص) وعي(٧) وقال : « لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم اغفر للانصار والمهاجرين » فلما نظر الناس إلى رسول الله (ص) يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب ، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر. وقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الفتح ، فبينا المهاجرون

___________________

قريش في احابيشها ومن تبعها من بنى كنانة ] حتى نزلت وادى العقيق ، ونزلت غطفان بجانب احد ومعها ثلاثمائة فرس ، فسرحت قريش ركابها في عضاه وادى العقيق ، ولم تجد لخيلها هناك شيئا الا ما حملت من علفها ، وهو الذرة ، وسرحت غطفان ابلها إلى الغابة في اثلها وطرفائها وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر ، وادخلوا حصادهم واتبانهم ، وكادت خيل غطفان وابلها تهلك من الهزال ، وكانت المدينة اذ ذاك جديبة.

(١) في الامتاع : وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف ، وزعم بن اسحاق انه انما كان في سبعمائة ، وهذا غلط ، وقال ابن حزم : وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعنى في الخندق في ثلاثة الاف ، وقد قيل : في تسعمائة فقط ، وهو الصحيح الذى لا شك فيه ، والاول وهم.

(٢) بينك خ ل.

(٣) في المصدر : معهم.

(٤) دهماء خ ل.

(٥) بحفرة خ ل.

(٦) قوما خ ل.

(٧) عيى خ ل.

٢١٨

والانصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه ، فبعثوا جابر بن عبدالله الانصاري إلى رسول الله (ص) يعلمه ذلك ، قال جابر : فجئت إلى المسجد ورسول الله (ص) مستلقى على فقاه ، ورداؤه تحت رأسه ، وقد شد على بطنه حجرا ، فقلت : يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل(١) المعاول فيه ، فقام مسرعا حتى جاؤه ، ثم دعا بمآء في إناء وغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ، ثم شرب و مج ذلك الماء في فيه ثم صبه على ذلك الحجر ، ثم أخذ معولا فضرب ضربة ، فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام ، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور المدائن ، ثم ضرب أخرى قبرقت برقة(٢) فنظرنا فيها إلى قصور اليمن ، فقال رسول الله (ص) : أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق(٣) ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.

فقال جابر : فعلمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقوى أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر ، فقلت : يا رسول الله هل لك في الغداء(٤)؟ قال : ما عندك يا جابر؟ فقلت : عناق وصاع من شعير ، فقال : تقدم وأصلح ما عندك ، قال جابر : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها ، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله (ص) فقلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت ، فقام(٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى شفير الخندق ثم قال : يا معشر(٦) المهاجرين والانصار اجيبوا جابرا ، وكان في الخندق سبعمائة رجل ، فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والانصار إلا قال : اجيبوا جابرا ،

___________________

(١) لم تعمل خ ل.

(٢) برقة اخرى.

(٣) في المصدر : البرقة.

(٤) من الغداء.

(٥) رسول الله خ ل.

(٦) يا معاشر خ ل.

٢١٩

قال جابر : فتقدمت وقلت لاهلي : قد والله أتاك(١) رسول الله (ص) بما لا قبل لك به ، فقالت : أعلمته أنت ما عندنا(٢)؟ قال : نعم. قالت : هو أعلم بما أتى ، قال جابر : فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر في القدر ثم قال : اغرفي وأبقي ، ثم نظر في التنور ، ثم قال : أخرجي وأبقي ، ثم دعا بصحفة فثرد فيها وغرف ، فقال : يا جابر أدخل علي عشرة ، فأدخلت عشرة ، فأكلوا حتى نهلوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذارع ، فأتيته بالذراع فأكلوه ، ثم قال : أدخل علي عشرة فدخلوا فأكلوا حتى نهلوا(٣) وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع فأتيته فأكلوا وخرجوا ، ثم قال : أدخل علي عشرة ، فأدخلهم فأكلوا حتى نهلوا وما يرى(٤) في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع ، فقلت : يا رسول الله كم للشاة من ذراع(٥)؟ قال : ذراعان ، فقلت : والذى بعثك بالحق نبيا لقد أتيتك بثلاثة ، فقال : أما لو سكت يا جابر لاكلوا(٦) كلهم من الذراع ، قال جابر : فأقبلت أدخل(٧) عشرة عشرة ، فيأكلون حتى أكلوا كلهم : وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما.

قال : وحفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخندق وجعل له ثمانية أبواب ، وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الانصار مع جماعة يحفظونه ، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ، ففرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حفر

___________________

(١) محمد خ ل.

(٢) بما عندنا خ ل.

(٣) فادخلتهم حتى أكلوا ونهلوا خ ل.

(٤) ولم ير خ ل.

(٥) من الذراع خ ل.

(٦) لاكل الناس خ ل.

(٧) في المصدر : أدخلت.

٢٢٠