بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

(باب)

*(دخوله الشعب وما جرى بعده إلى الهجرة ، وعرض نفسه على)*

*(القبائل ، وبيعة الانصار ، وموت أبى طالب وخديجة رضى الله عنهما)*

١ ـ عم ، ص : اجتمعت قريش في دار الندوة وكتبوا صحيفة بينهم أن لا يؤاكلوا بني هاشم ولا يكلموهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يزوجوهم ، ولا يتزوجوا إليهم ، ولا يحضروا معهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلونه ، وإنهم يد واحدة على محمد يقتلونه غيلة أو صراحا ، فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ودخلوا الشعب وكانوا أربعين رجلا ، فحلف لهم أبوطالب بالكعبة والحرم والركن والمقام إن شاكت محمدا شوكة لاثبن(١) عليكم يا بني هاشم ، وحصن الشعب ، وكان يحرسه بالليل والنهار ، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ، ورسول الله (ص) مضطجع ، ثم يقيمه ويضجعه في موضع آخر فلا يزال الليل كله هكذا ، ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار فأصابهم الجهد ، وكان من دخل مكة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا ومن باع منهم شيئا انتهبوا ماله ، وكان أبوجهل والعاص بن وائل السهمي و النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي ، تدخل مكة ، فمن رأوه معه ميرة(٢) نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، ويحذرون إن باع شيئا منهم أن ينهبوا ماله ، وكانت خديجة رضي الله عنها لها مال كثير فأنفقته على

____________________

(١) لعل الاصح ، لاتين عليكم. يقال : أتى عليه الدهر أى أهلكه.

(٢) الميرة : الطعام.

١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب ، ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل ابن عبدالمطلب بن عبد مناف ، وقال : هذا ظلم ، وختموا الصحيفة بأربعين خاتما ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه ، وعلقوها في الكعبة ، وتابعهم على ذلك أبولهب ، وكان رسول الله (ص) يخرج في كل موسم فيدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربكم ، وثوابكم الجنة على الله ، و أبولهب في أثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فإنه ابن أخي وهو ـ كذاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم ، (١) وبقوا في الشعب أربع سنين ، لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبايعون(٢) إلا في الموسم ، وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة. موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجة ، فكان إذا اجتمعت المواسم تخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون ويبيعون ، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني ، وأصابهم الجهد وجاعوا ، وبعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمدا حتى نقتله ، ونملكك علينا ، فقال أبوطالب رضي‌الله‌عنه قصيدته اللامية يقول فيها :

ولما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العرى والوسائل

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الاباطل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للارامل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للارامل

يطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله يبزى محمد(٣)

ولما نطاعن دونه ونقاتل(٤)

____________________

(١) في نسخة : هذا حاله.

(٢) في نسخة : ولا يبيعون.

(٣) في النهاية : في قصيدة أبى طالب يعاتب قريشا في أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كذبتم وبيت الله يبزى

ولما نطاعن دونه ونناضل

يبزى : يقهر ويغلب ، أراد لا يبزى ، فحذف « لا » من جواب القسم وهى مرادة ، أى لايقهر

ولم نقاتل عنه وندافع.

(٤) في نسخة : ونناضل.

٢

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

وأحببته حب الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه وحميته

ودارأت (١) عنه بالذرى والكواهل(٢)

فلا زال في الدنيا جمالا لاهلها

وشيئا لمن عادى وزين المحافل

حليما رشيدا حازما غير طائش

يوالي إله الحق ليس بما حل(٣)

فأيده رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل

فلما سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه ، وكان أبوالعاص بن الربيع ـ وهو ختن رسول الله ـ يأتي بالعير بالليل عليها البر والتمر إلى باب الشعب ، ثم يصيح بها فتدخل الشعب فيأكله بنو هاشم ، وقد قال رسول الله (ص) : « لقد صاهرنا أبوالعاص فأحمدنا صهره ، لقد كان يعمد إلى العير ونحن في الحصار فيرسلها في الشعب ليلا » ولما أتى على رسول الله في الشعب أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الارض فلحست جميع ما فيها من قطيعة وظلم ، (٤) وتركت « باسمك اللهم(٥) » ونزل جبرئيل على رسول الله (ص) فأخبره بذلك ، فأخبر رسول الله أبا طالب ، فقام أبوطالب ولبس ثيابه ثم مشى حتى دخل المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه ، فلما أبصروه قالوا : قد ضجر أبوطالب ، وجاء الآن ليسلم ابن أخيه ، فدنا منهم وسلم عليهم فقاموا إليه وعظموه وقالوا : قد علمنا يا أبا طالب أنك أردت مواصلتنا ، والرجوع إلى جماعتنا ، وأن تسلم ابن أخيك إلينا ، قال : والله ما جئت لهذا ، ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن الله تعالى أخبره أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الارض فلحست

____________________

(١) أى دافعت عنه.

(٢) في نسخة : والكواكل. أقول : الذرى : أعلى الشئ ، أراد به الرؤوس ، والكواهل جمع الكاهل : أعلى الظهر مما يلى العنق. والكلاكل جمع الكلكل : الصدر أو ما بين الترقوتين.

(٣) في النهاية : وما حل مصدق أى خصم يجادل ، وقيل : ساع ، من قولهم : محل بفلان : إذا سعى به إلى السلطان :

(٤) في المصدر : من قطيعة رحم وظلم وجور ، وتركت اسم الله.

(٥) في نسخة : باسم إله.

٣

جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور ، وترك اسم الله ، فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقا فأتقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم والجور وقطيعة الرحم وإن كان باطلا دفعته إليكم ، فإن شئتم قتلتموه ، وإن شئتم استحييتموه ، فبعثوا إلى الصحيفة وأنزلوها من الكعبة وعليها أربعون خاتما ، فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد إلا « باسمك اللهم » فقال لهم أبوطالب : يا قوم اتقوا الله ، وكفوا عما أنتم عليه ، فتفرق القوم ولم يتكلم أحد ، ورجع أبوطالب إلى الشعب.(١)

٢ ـ عم : وقال في ذلك قصيدته البائية التي أولها :

ألا من لهم آخر الليل منصب

وفيها :

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبر غائب القوم يعجب

محا الله منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحق معرب

وأصبح ما قالوا من الامر باطلا

ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

وأمسى ابن عبدالله فينا مصدقا

على سخط من قومنا غير معتب

ولا تحسبونا مسلمين محمدا

لذي عزة منا(٣) ولا متعزب

ستمنعه منا يد هاشمية

مركبها في الناس خير مركب(٤)

٣ ـ ص : وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لوي ـ وكان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد ـ وأبوالبختري بن هشام ، وزهير بن امية المخزومي في رجال من أشرافهم نحن برآء مما في هذه الصحيفة ، فقال أبوجهل : هذا أمر قضي بليل ، وخرج النبي

____________________

(١) اعلام الورى : ٣٢ ـ ٣٤ ، قصص الانبياء : مخطوط.

(٢) في المصدر : وشعب القضا من قومك المتشعب.

(٣) في المصدر : لذى عزة فينا.

(٤) اعلام الورى : ١٣.

٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله ورهطه من الشعب وخالطوا الناس ، ومات أبوطالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة رضي الله عنها بعد ذلك ، وورد على رسول الله (ص) أمران عظيمان ، وجزع جزعا شديدا ، ودخل على أبي طالب وهو يجود بنفسه وقال : يا عم ربيت صغيرا ، ونصرت كبيرا ، وكفلت يتيما ، فجزاك الله عني خير الجزاء أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربي.(١)

قال ابن عباس : فلما ثقل أبوطالب رئي يحرك شفتيه ، فأصغى إليه العباس(٢) يسمع قوله ، فرفع العباس [ عنه ] رأسه وقال : يا رسول الله والله قد قال الكلمة التي سألته إياها.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عارض جنازة أبي طالب فقال : وصلت رحما ، (٣) وجزيت خيرا يا عم.(٤)

٤ ـ عم : وذكر محمد بن إسحاق بن يسار أن خديجة بنت خويلد وأبا طالب رضي الله عنهما ماتا في عام واحد ، وتتابعت على رسول الله (ص) المصائب بهلاك خديجة و أبي طالب ، وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام ، وكان يسكن إليها.

وذكر أبوعبدالله بن منده في كتاب المعرفة أن وفاة خديجة كانت بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام ، وزعم الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وفي هذه السنة توفيت خديجة وأبوطالب وبينهما خمس وثلاثون ليلة.(٥)

٥ ـ عم : في كتاب دلائل النبوة عن الزهري قال : كان رسول الله يعرض نفسه

____________________

(١) لعله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك ، لان أبا طالب رضي‌الله‌عنه كان يتقى من قومه ويكتم إسلامه فأراد أن يعلم قومه ذلك ، هذا بعد فرض صحة الرواية ووقوع ذلك ، وإلا فالرواية كما ترى مرسلة.

(٢) فيه تأمل فان العباس كان حينذاك في حزب المشركين ولم يكن أسلم ، وبقى كذلك إلى أن أسلم في غزوة بدر الكبرى.

(٣) في النسخة : وصلتك رحم.

(٤) قصص الانبياء : مخطوط.

(٥) اعلام الورى : ٣٥.

٥

على قبائل العرب في كل موسم ، ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ، ويقول : لا أكره أحدا منكم على شئ ، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك ، ومن كره لم اكرهه ، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى ابلغ رسالات ربي ، وحتى يقضي الله عزوجل لي ولمن صحبني بما شاء الله ، فلم يقبله أحد منهم ، ولم يأت أحدا من تلك القبائل إلا قال : قوم الرجل أعلم به ، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فلما توفي أبوطالب اشتد البلاء على رسول الله (ص) أشد ما كان ، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر منهم هم ساداة ثقيف يومئذ وهم إخوة : عبد ياليل بن عمرو ، وحبيب ابن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه ، فقال أحدهم : أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك بشئ قط ، وقال الآخر : أعجز على الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر : والله لا اكلمك بعد مجلسك هذا أبدا ، والله لئن كنت رسول الله لانت أعظم شرفا من أن أكلمك ، ولئن كنت تكذب على الله لانت شر من أن أكلمك ، وتهزؤوا به ، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به ، فقعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين صفيهم كان لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة ، وقد كانوا أعدوها حتى أدموا رجليه ، فخلص منهم ورجلاه تسيلان الدماء ، فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبلة ، (١) وهو مكروب موجع ، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله ، ولما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب ، فلما جاءه عداس قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أي أرض أنت؟ قال : أنا من أهل نينوى ، فقال (ص) : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه ـ : أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى ، فلما أخبره بما أوحى الله إليه

____________________

(١) حبله : شجر العنب أو قضبانه. وفى المصدر ، في ظل شجرة منهم.

٦

من شأن يونس بن متى خر عداس ساجدا لله وجعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء ، فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهكا سكتا ، فلما أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت لمحمد ، وقبلت قدميه ولم نرك فعلته بأحد منا؟ قال : هذا رجل صالح أخبرني بشئ عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى ، فضحكا وقالا لا يفتننك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع ، فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكة.

قال علي بن إبراهيم بن هاشم : ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف و أشرف على مكة وهو معتمر كره أن يدخل مكة وليس له فيها مجير ، فنظر إلى رجل من قريش قد كان أسلم سرا فقال له : ائت الاخنس بن شريق فقل له : إن محمدا يسألك أن تجيره حتى يطوف ويسعى فإنه معتمر ، فأتاه وأدى إليه ما قال رسول الله ، فقال الاخنس : إني لست من قريش ، وإنما أنا حليف فيهم ، والحليف لا يجير على الصميم ، وأخاف أن يخفروا جواري فيكون ذلك مسبة(١) ، فرجع إلى رسول الله فأخبره ، وكان رسول الله في شعب حراء مختفيا مع زيد ، فقال له : ائت سهيل ابن عمرو فاسأله أن يجيرني حتى أطوف بالبيت وأسعى ، فأتاه وأدى إليه قوله ، فقال له : لا أفعل ، فقال له رسول الله : اذهب إلى مطعم بن عدي فاسأله أن يجيرني حتى أطوف وأسعى ، فجاء إليه وأخبره ، فقال : أين محمد؟ فكره أن يخبره بموضعه ، فقال : هو قريب ، فقال : ائته فقل له : إني قد أجرتك ، فتعال وطف واسع ما شئت ، فأقبل رسول الله (ص) وقال مطعم لولده وأختانه(٢) ، وأخيه طعيمة بن عدي : خذوا سلاحكم فإني قد أجرت محمدا ، وكونوا حول الكعبة حتى يطوف ويسعى ، وكانوا عشرة فأخذوا السلاح وأقبل رسول الله حتى دخل المسجد ، ورآه أبوجهل فقال : يا معشر قريش هذا محمد وحده ، وقد مات ناصره ، فشأنكم به ، فقال له : طعيمة بن عدي

____________________

(١) يقال : هو من صميم القوم أى من أصلهم وخالصهم. وخفر فلانا وأخفره : نقض عهده وغدر به. والمسبة : السب.

(٢) أختان جمع الختن : زوج الابنة. كل من كان من قبل المرأة مثل الاب والاخ.

٧

يا عم لا تتكلم فإن أبا وهب قد أجار محمدا ، فوقف أبوجهل على مطعم بن عدي فقال : أبا وهب أمجير أم صابئ(١)؟ قال : بل مجير ، قال : إذا لا نخفر جوارك ، فلما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم فقال : أبا وهب! قد أجرت وأحسنت ، فرد علي جواري ، قال : وما عليك أن تقيم في جواري؟ قال : أكره أن اقيم في جوار مشرك أكثر من يوم ، قال مطعم : يا معشر قريش إن محمدا قد خرج من جواري.

قال علي بن إبراهيم : قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج ، وكان بين الاوس والخزرج حرب قد بقوا فيها دهرا طويلا وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث ، وكانت للاوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الاوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة فنزل عليه فقال له : إنه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال له عتبة : بعدت دارنا من داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشئ ، قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟ قال له عتبة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله ، سفه أحلامنا وسب آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، فقال له أسعد : من هو منكم؟ قال ابن عبدالله بن عبدالمطلب من أوسطنا شرفا ، وأعظمنا بيتا ، وكان أسعد وذكوان و جميع الاوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم : النضير وقريظة وقينقاع أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به يا معشر العرب فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : فأين هو؟ قال : جالس في الحجر ، وإنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تكلمه فإنه ساحر يسحرك بكلامه ، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لابد لي أن أطوف بالبيت؟ قال : ضع في اذنيك القطن ، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول الله

____________________

(١) صبأ فلان ، إذا خرج من دين إلى دين آخر.

٨

جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم(١) ، فنظر إليه نظرة فجازه ، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل مني(٢)؟ أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أتعرفه حتى أرجع إلى قومي فاخبرهم ، ثم أخذ القطن من اذنيه ورمى به ، و قال لرسول الله : أنعم صباحا ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إليه وقال : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا ، تحية أهل الجنة : السلام عليكم ، فقال له أسعد : إن عهدك بهذا لقريب ، إلى ما تدعو يا محمد؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول ـ الله ، وأدعوكم إلى « أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها ، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون(٢)».

فلما سمع أسعد هذا قال له : أشهد أن لا إله إلا الله. وأنك رسول الله ، يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الاوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، ولا أجد أعز منك ، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الامر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك ، والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك ، ويبشروننا بمخرجك ، ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن يكون دارنا دار هجرتك عندنا(٤) ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقني إليك ، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل مما أتيت له ثم أقبل ذكوان فقال له أسعد : هذا رسول الله الذي كانت اليهود يبشرنا به ، وتخبرنا

____________________

(١) في نسخة : وعنده قوم من بنى هاشم.

(٢) في نسخة : ما أحد أجهل منى.

(٣) الانعام : ١٥١ و ١٥٢.

(٤) في المصدر ، عندنا مقامك.

٩

بصفته ، فهلم فأسلم ، فأسلم ذكوان ، ثم قالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلا يعلمنا القرآن ، ويدعو الناس إلى أمرك ، فقال رسول الله لمصعب بن عمير ، وكان فتى حدثا مترفا بين أبويه يكرمانه ويفضلانه على أولادهم ولم يخرج من مكة ، فلما أسلم جفاه أبواه ، وكان مع رسول الله في الشعب حتى تغير وأصابه الجهد ، وأمره رسول ـ الله بالخروج مع أسعد ، وقد كان تعلم من القرآن كثيرا ، فخرجا إلى المدينة و معهما مصعب بن عمير فقدموا على قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله وخبره ، فأجاب من كل بطن الرجل والرجلان ، وكان مصعب نازلا على أسعد بن زرارة ، وكان يخرج في كل يوم فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاسلام فيجيبه الاحداث(١) ، وكان عبدالله بن ابي شريفا في الخزرج ، وقد كان الاوس والخزرج اجتمعت على أن يملكوه عليهم لشرفه وسخائه ، وقد كانوا اتخذوا له إكليلا(٢) احتاجوا في تمامة إلى واسطة كانوا يطلبونها ، وذلك أنه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث ، ولم يعن على الاوس ، وقال : هذا ظلم منكم للاوس ، ولا اعين على الظلم ، فرضيت به الاوس والخزرج ، فلما قدم أسعد كره عبدالله ما جاء به أسعد و ذكوان وفتر أمره ، فقال أسعد لمصعب : إن خالي سعد بن معاذ من رؤساء الاوس وهو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف ، فإن دخل في هذا الامر تم لنا أمرنا فهلم نأتي محلتهم ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ فقعد على بئر من آبارهم ، واجتمع إليه قوم من أحداثهم ، وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد ابن معاذ ، فقال لاسيد بن حضير وكان من أشرافهم : بلغني آن أبا أمامة أسعد بن زرارة قد جاء إلى محلتنا مع هذا القرشي يفسد شباننا ، فائته وانهه عن ذلك فجاء أسيد(٣) بن حضير فنظر إليه أسعد فقال لمصعب : إن هذا رجل شريف فإن دخل في هذا الامر رجوت أن يتم أمرنا ، فاصدق الله فيه ، فلما قرب أسيد منهم قال :

____________________

(١) جمع الحدث : الشاب.

(٢) الاكليل : التاج.

(٣) اسيد كزبير ، ويقال لابيه : حضير الكتائب

١٠

يا أبا أمامة يقول لك خالك : لا تأتنا في نادينا(١) ، ولا تفسد شباننا ، واحذر الاوس على نفسك ، فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمرا ، فان أحببته دخلت فيه ، وإن كرهته نحينا عنك ما تكره ، فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن فقال : كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الامر؟ قال : نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ، ونشهد الشهادتين ، ونصلي ركعتين ، فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر ، ثم خرج وعصر ثوبه ثم قال : اعرض علي ، فعرض عليه شهادة « أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله » فقالها ثم صلى ركعتين ، ثم قال لاسعد : يا أبا أمامة أنا أبعث إليك الآن خالك ، و أحتال عليه في أن يجيئك(٢) ، فرجع أسيد إلى سعد بن معاذ فلما نظر إليه سعد قال : اقسم أن أسيدا قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا ، وآتاهم سعد بن معاذ فقرأ عليه مصعب « حم * تنزيل من الرحمن الرحيم(٣) » فلما سمعها قال مصعب : والله لقد رأينا الاسلام في وجهه قبل أن يتكلم ، فبعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين ، واغتسل وشهد الشهادتين ، وصلى ركعتين ، ثم قام وأخذ بيد مصعب و حوله إليه ، وقال : أظهر أمرك ، ولا تهابن أحدا ، ثم جاء فوقف في بني عمرو بن عوف وصاح : يا بني عمرو بن عوف لا يبقين رجل ولا امرأة ولا بكر ولا ذات بعل ولا شيخ ولا صبي إلا أن خرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب ، فلما اجتمعوا قال كيف حالي عندكم؟ قالوا : أنت سيدنا ، والمطاع فينا ، ولا نرد لك أمرا ، فمرنا بما شئت ، فقال : كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم علي حرام حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فالحمد لله الذي أكرمنا بذلك ، وهو الذي كانت اليهود تخبرنا به ، فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم إلا وفيها مسلم أو مسلمة ، وحول مصعب بن عمير إليه ، وقال له : أظهر أمرك ، وادع الناس علانية ، وشاع الاسلام بالمدينة ، وكثر ، ودخل فيه من البطنين جميعا أشرافهم ، و

____________________

(١) النادى : مجلس القوم ومجتمعهم.

(٢) في المصدر : وأحتال عليه في أن يجيبك.

(٣) فصلت : ١ و ٢.

١١

ذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود ، وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الاوس والخزرج قد دخلوا في الاسلام ، وكتب إليه مصعب بذلك ، وكان كل من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه وعذبوه ، فكأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة فكانوا يتسللون رجلا فرجلا(١) فيصيرون إلى المدينة ، فينزلهم الاوس والخزرج عليهم ويواسونهم.

قال : فلما قدمت الاوس والخزرج مكة جاءهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم : تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربكم ، وثوابكم على الله الجنة ، قالو نعم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما شئت ، فقال : موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق ، فلما حجوا رجعوا إلى منى وكان فيهم ممن قد أسلم بشر كثير ، وكان أكثرهم مشركين على دينهم ، وعبدالله بن أبي فيهم ، فقال لهم رسول الله في اليوم الثاني من أيام التشريق : فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ، ولا تنبهوا نائما وليتسلل واحد فواحد ، وكان رسول الله (ص) نازلا في دار عبدالمطلب وحمزة وعلي والعباس معه ، فجاءه سبعون رجلا من الاوس والخزرج فدخلوا الدار فلما اجتمعوا قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعون لي جانبي حتى أتلوا عليكم كتاب ربي ، وثوابكم على الله الجنة؟ فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبدالله بن حزام(٢) : نعم يا رسول الله ، فاشترط لنفسك ولربك. ففال رسول الله : تمنعونني مما تمنعون أنفسكم وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم؟ قالوا : فما لنا على ذلك؟ قال : الجنة ، تملكون بها العرب في الدنيا ، وتدين لكم العجم ، و تكونون ملوكا ، فقالوا : قد رضينا ، فقام العباس بن نضلة وكان من الاوس فقال : يا معشر الاوس والخزرج تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون على حرب الاحمر والابيض ، وعلى حرب ملوك الدنيا فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغروه : فإن رسول الله وإن كان قومه

____________________

(١) في المصدر : رجل فرجل.

(٢) الصحيح حرام ، وهو عبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر الانصارى.

١٢

خالفوه فهو في عز ومنعة. فقال له عبدالله بن حزام وأسعد بن زرارة وأبوالهيثم بن التيهان : مالك وللكلام؟ يا رسول الله! بل دمنا بدمك ، وأنفسنا بنفسك فاشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكفلون عليكم بذلك ، كما أخذ موسى عليه‌السلام من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا ، فقالوا : اختر من شئت ، فأشار جبرئيل إليهم ، فقال : هذا نقيب ، وهذا نقيب ، وهذا نقيب حتى اختار تسعة من الخزرج ، وهم أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبدالله بن حزام(١) أبوجابر بن عبدالله ، ورافع بن مالك ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو وعبدالله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، وعبادة بن الصامت ، وثلاثة من الاوس وهم أبوالهيثم بن التيهان ، وكان رجلا من اليمن ، حليفا في بني عمرو بن عوف ، وأسيد ابن حضير ، وسعد بن خيثمه ، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صاح بهم إبليس : يا معشر قريش والعرب هذا محمد والصباة(٢) من الاوس والخزرج على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى فهاجت قريش وأقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله النداء فقال للانصار : تفرقوا ، فقالوا : يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم أؤمر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم ، فقالوا : يا رسول الله فتخرج معنا ، قال : أنتظر أمر الله ، فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح ، وخرج حمزة ومعه السيف فوقف على العقبة هو وعلي بن أبي طالب ، فلما نظروا إلى حمزة قالوا : ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟ قال : ما اجتمعنا ، وما ههنا أحد ، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلا ضربته بسيفي ، فرجعوا وغدوا إلى عبدالله بن أبي وقالوا له : قد بلغنا أن قومك بايعوا محمدا على حربنا ، فحلف لهم عبدالله أنهم

____________________

(١) تقدم أن الصحيح : حرام.

(٢) قال الجزرى في النهاية : كانت العرب تسمى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الصابى لانه خرج من دين قريش إلى دين الاسلام ، ويسمون من يدخل في الاسلام مصبوا ، لانهم كانوا لا يهمزون. فأبدلوا من الهمزة واوا ، ويسمون المسلمين الصباة بغير همز كانه جمع الصابى غير مهموز ، كقاض وقضاة ، وغاز وغزاة.

١٣

لم يفعلوا ولا علم له بذلك ، وإنهم لم يطلعوه على أمرهم فصدقوه ، وتفرقت الانصار ورجع رسول الله إلى مكة(١).

بيان : الحبلة بالضم : الكرم ، أو أصل من أصوله ، ويحرك ، والسبة بالضم العار ، والمسبة : الذي يسب الناس ، وقال الفيروز آبادي : بعاث بالعين وبالغين كغراب ويثلث : موضع بقرب المدينة ، ويومه معروف ، قوله : إن عهدك بهذا لقريب ، لعل المعنى أنك قريب العهد بالتحية التي حييتك بها ، فإنها كانت عادة قومك ، أو بهذه التحية ، أي ابتداءها ، (٢) فاصدق الله فيه ، أي ابذل جهدك في هدايته لتكون صادقا عند الله فيما تدعي من نصرة دينه ، وانسل وتسلل : خرج في استخفاء ، وقال الجزري : في الحديث جاءت هوازن على بكرة أبيها ، هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد ، وأنهم جاؤوا جميعا لم يتخلف منهم أحد ، وليس هناك بكرة في الحقيقة ، وهي التي يستقى عليها الماء ، فاستعيرت في هذا الموضع.

٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نصر ، عن إبراهيم بن محمد الاشعري ، عن عبيدة بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما توفي أبوطالب رضي‌الله‌عنه نزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد اخرج من مكة ، فليس لك بها ناصر ، وثارت قريش بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون فصار إليه(٣).

٧ ـ قب : توفي أبوطالب بعد نبوته بتسع سنين وثمانية أشهر ، وذلك بعد خروجه من الشعب بشهرين ، وزعم الواقدي أنهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وفي هذه السنة توفي أبوطالب ، وتوفيت خديجة بعده بستة أشهر وله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما ، ويقال : وهو

____________________

(١) اعلام الورى : ٣٥ ـ ٤٠.

(٢) لعله اعتذار من تحيته بتحية الجاهلية ، وتركه تحية الاسلام.

(٣) اصول الكافى : ٤٤٩.

١٤

ابن سبع وأربعين سنة وستة أشهر وأياما.

أبوعبدالله بن منده(١) في كتاب المعرفة : إن وفاة خديجة بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.

المعرفة(٢) : عن النسوي توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة من قبل أن تفرض الصلاة على الموتى ، وسمي ذلك العام عام الحزن ، ولبث صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدهما(٣) بمكة

ثلاثة أشهر ، فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ، فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم ، وذلك بعد خمس من نبوته ، وكان حصار الشعب وكتابة الصحيفة أربع وسنين ، و قيل : ثلاث سنين ، وقيل : سنتين ، فلما توفي أبوطالب خرج إلى الطائف وأقام فيه شهرا ، وكان معه زيد بن الحارث(٤) ، ثم انصرف إلى مكة ، ومكث فيها سنة و ستة أشهر(٥) في جوار مطعم بن عدي ، وكان يدعو القبائل في المواسم ، فكانت بيعة العقبة الاولى بمنى ، فبايعه خمسة نفر من الخزرج ، وواحد من الاوس في خفية من قومهم ، وهم جابر بن عبدالله ، وفطنة(٦) بن عامر بن حزام ، وعوف بن الحارث وحارثة بن ثعلبة ، ومرثد بن الاسد ، وأبوأمامة ثعلبة بن عمرو ، ويقال : هو أسعد بن زرارة ، فلما انصرفوا إلى المدينة وذكروا القصة وقرؤوا القرآن صدقوه ، وفي السنة القابلة وهي العقبة الثانية أنفذوا معهم ستة اخرى(٧) بالسلام والبيعة ، وهم أبوالهيثم بن التيهان ، وعبادة بن الصامت ، وذكوان بن عبدالله ونافع بن مالك بن العجلان ، وعباس بن عبادة بن نضلة ، ويزيد بن ثعلبة حليف له ، ويقال : مسعود بن الحارث ، وعويم بن ساعدة حليف لهم ، ثم أنفذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) أى قال أبوعبدالله.

(٢) أى في كتاب المعرفة

(٣) أى بعد وفاة أبى طالب وخديجة ، وفى المصدر : بعدها أى بعد ذلك العام

(٤) في نسخة : زيد بن حارثة.

(٥) تقدم في الخبر السابق ما ينافى ذلك فتأمل.

(٦) في المنتقى : قطبة بن عامر ، ويأتي بعد ذلك وهو الصحيح.

(٧) في المصدر : آخرين

١٥

معهم ابن عمه مصعب بن هاشم(١) ، فنزل دار أسعد بن زرارة فاجتمعوا عليه وأسلم أكثرهم إلا دار امية بن زيد وحطمة ووائل وواقف ، فإنهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق ، وفي السنة القابلة كانت بيعة الحرس كانوا من الاوس والخزرج سبعين رجلا وامرأتين ، واختار صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم اثني عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومه ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الاوس ، فمن الخزرج أسعد وجابر والبراء بن معرور وعبدالله بن حزام وسعد بن عبادة والمنذر بن قمر وعبدالله بن رواحة و سعد بن الربيع ، ومن القوافل عبادة بن الصامت ، ومن الاوس أبوالهيثم وأسيد ابن حضير ، وسعيد بن خيثمه(٢).

٨ ـ يج : من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله أن قريشا كلهم اجتمعوا وأخرجوا بني هاشم إلى شعب أبي طالب ، ومكثوا فيه ثلاث سنين إلا شهرا ، ثم أنفق أبوطالب وخديجة جميع مالهما ، ولا يقدرون على الطعام إلا من موسم إلى موسم ، فلقوا من الجوع و العرى ما الله أعلم به وإن الله قد بعث على صحيفتهم الارضة فأكلت كل ما فيها إلا اسم الله ، فذكر ذلك رسول الله (ص) لابي طالب ، فما راع قريشا إلا وبني هاشم عنق(٣) واحد قد خرجوا من الشعب ، فقالوا : الجوع أخرجهم ، فجاؤوا حتى أتو الحجر وجلسوا فيه ، وكان لا يقعد فيه صبيان قريش(٤) ، فقالوا : يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك ، قال : قد جئتكم مخبرا(٥) ابعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح فيها ، فبعثوا إليها وهي عند ام أبي جهل ، و كانت قبل في الكعبة ، فخافوا عليها السراق فوضعت بين أيديهم وخواتيمهم عليها ، فقال أبوطالب : هل تنكرون منها شيئا؟ قالوا : لا ، قال : إن ابن أخي حدثني

____________________

(١) تقدم في الخبر السابق انه مصعب بن عمير ، وسيأتي أيضا ، وهو الصحيح ، والمصدر خال عن قوله : ابن عمه.

(٢) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٥٠ و ١٥١.

(٣) العنق : الجماعة.

(٤) في نسخة : لا يقعد فيه الا فتيان قريش.

(٥) في نسخة : جئتكم بخير.

١٦

ولم يكذبني قط أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الارضة فأكلت كل قطيعة وإثم ، و تركت كل اسم هو لله فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا ، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه ، فصاح الناس : أنصفتنا يا أبا طالب ، ففتحت ثم اخرجت فإذا هي مشربة كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله فكبر المسلمون وامتقعت(١) وجوه المشركين ، فقال أبوطالب : أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة؟ فأسلم يومئذ عالم من الناس ، ثم رجع أبوطالب إلى شعبه ، ثم عيرهم هشام بن عمرو العامري بما صنعوا ببني هاشم(٢).

٩ ـ قب : روى الزهري في قوله تعالى : « ولقد مكناهم » الآيات(٣) قال : لما توفي أبوطالب لم يجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ناصرا ، ونثروا على رأسه التراب ، قال : ما نال مني قريش شيئا حتى مات أبوطالب ، وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل ، وهو ذراع وشبر في ذراع إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران وقالوا : لو كان محمدنبيا لشغلته النبوة عن النساء ولامكنه جميع الآيات ، ولامكنه منع الموت عن أقاربه ، ولما مات أبوطالب وخديجة فنزل : « ولقد أرسلنا رسلا من قبلك(٤) » الآية.

الزهري في قوله تعالى : « فإن تولوا فقل حسبي الله(٥) » الآية. لما توفي أبوطالب واشتد عليه البلاء عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه سادتها ، فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالاحجار ، ودموا رجليه ، فخلص منهم واستظل في ظل حبلة منه(٦) وقال : اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وناصري وهواني على الناس يا أرحم الراحمين. ثم ذكر حديث عداس كما مر في رواية الطبرسي.

____________________

(١) وامتقع مجهولا : تغير لونه من حزن أو فزع أو ريبة.

(٢) لم نجده في الخرائج المطبوع ، وأسلفنا قبلا أن نسخة خرائج المصنف كانت مختلفة مع المطبوع.

(٣) الاحقاف : ٢٦ و ٢٧.

(٤) الرعد : ٣٨.

(٥) التوبة : ١٢٩.

(٦) أى من بستان كما تقدم.

١٧

ابن مسعود : لما دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير فقالا : هو يقوم قبلنا ، فلما قرب النبي منهما خر السرير ووقعا على الارض فقالا : عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف.(١)

١٠ ـ شى : عن محمد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اكتتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة سنين ليس يظهر وعلي معه وخديجة ، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر ، فظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب ، فإذا أتاهم قالوا : كذاب امض عنا.(٢)

١١ ـ اقول : قال الكازروني في المنتقى وغيره : في سنة ثمان من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله تعاهد قريش وتقاسمت على معاداة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنه لما أسلم حمزة وحمى النجاشي من عنده من المسلمين ، وحامى رسول الله (ص) عمه أبوطالب وقامت بنو هاشم وبنو عبدالمطلب دونه وأبوا أن يسلموه فشا الاسلام في القبائل ، واجتهد المشركون في إخفاء ذلك النور ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، فعرفت قريش أنه لا سبيل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم وبني عبدالمطلب أن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، فكتبوا صحيفة في ذلك وكتب فيها جماعة(٣) وعلقوها بالكعبة ، ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلاء عليهم ، وعظمت الفتنة فيهم ، وزلزلوا زلزالا شديدا ، وأبدت قريش لبني عبدالمطلب الجفاء وثار بينهم شر وقالوا : لا صلح بيننا وبينكم ، ولا رحم إلا على قتل هذا الصابئ ، فعمد أبوطالب فأدخل الشعب ابن أخيه وبني أبيه ومن اتبعهم ، فدخلوا شعب أبي طالب وآذوا النبي والمؤمنين أذيا شديدا ، وضربوهم في كل طريق ، وحصروهم في شعبهم وقطعوا عنهم المارة من الاسواق ، (٤) ونادى مناد الوليد بن المغيرة في قريش : أيما رجل

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٦١ و ٦٢.

(٢) تفسير العياشى : ج ٢ : ٢٥٣.

(٣) في المصدر : جماعة من قريش.

(٤) زاد في المصدر : فلم يدعوا أحدا من الناس يدخل عليهم طعاما ولا شيئا مما يرفق به ، وكانوا يخرجون من الشعب إلى الموسم ، فكانت قريش تباكرهم إلى الاسواق فيشترونها و يغلونها عليهم.

١٨

منهم وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه ، فبقوا على ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد حتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون ـ أي يصيحون من الجوع من وراء الشعب ـ وكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء حتى كره عامة قريش ما أصاب بني هاشم ، وأظهروا كراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة حتى أراد رجال أن يبرؤوا منها ، وكان أبوطالب يخاف أن يغتالوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلا أو سرا وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أخذ مضجعه أو رقد جعله أبوطالب بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه ، ويصبح قريش وقد سمعوا أصوات صبيان بني هاشم من الليل يتضاغون من الجوع ، فيجلسون عند الكعبة فيسأل بعضهم بعضا فيقول الرجل لاصحابه : كيف بات أهلك البارحة؟ فيقولون : بخير ، فيقول : لكن إخوانكم هؤلاء الذين في الشعب باتت صبيانهم يتضاغون من الجوع ، فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد ورهطه ، ومنهم من يكره ذلك ، فأتى(١) من قريش على ذلك من أمرهم في بني هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهد القوم جهدا شديدا لا يصل إليهم شئ إلا سرا ومستخفى به ممن أراد صلتهم من قريش ، حتى روي أن حكيم بن حزام خرج يوما ومعه إنسان يحمل طعاما إلى عمته خديجة بنت خويلد وهي تحت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب ، إذ لقيه أبوجهل فقال : تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحك عند قريش ، فقال له أبوالبختري بن هشام بن الحارث : تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟ فأبى أبوجهل أن يدعه ، فقام إليه أبوالبختري بساق بعير فشجه ووطئه وطئا شديدا ، وحمزة بن عبدالمطلب قريب يرى ذلك ، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله وأصحابه فيشمتوا بهم ، وحتى روي أن هشام بن عمرو بن ربيعة أدخل على بني هاشم في ليلة ثلاثة أحمال طعام ، فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه فكلموه في ذلك ، فقال : إني غير عائد لشئ يخالفكم ، ثم عاد الثانية فأدخل حملا أو حملين ليلا ، وصادفته قريش وهموا به ، فقال أبوسفيان : دعوه رجل وصل رحمه

____________________

(١) في المصدر : فأقامت قريش.

١٩

أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أجمل بنا ، ووفق الله هشاما للاسلام يوم الفتح.(١)

قال : وفي سنة عشر من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله توفي أبوطالب ، قال ابن عباس : عارض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة أبي طالب ، فقال : وصلتك رحم ، وجزاك الله خيرا يا عم. وفي هذه السنة توفيت خديجة بعد أبي طالب بأيام ، ولما مرضت مرضها الذي توفيت فيه دخل عليها رسول الله فقال لها : بالكره مني ما أرى منك يا خديجة ، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا ، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ، قالت : وقد فعل الله ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم ، قالت : بالرفاء والبنين ، وتوفيت خديجة وهي بنت خمس

____________________

(١) ذكر في المصدر : هنا قصة الصحيفة مفصلا ، ولعل نسخة المصنف كانت ناقصة ، نذكرها مزيدا للفائدة ، قال : ثم ان الله عزوجل برحمته أرسل على صحيفة قريش التى كتبوها ـ وفيها تظاهرهم على بنى هاشم ـ الارضة ، فلم تدع فيها اسما هو لله عزوجل الا اكلته ، وبقى فيها الظلم والقطيعة والبهتان ، فأخبر الله عزوجل بذلك رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبر أبا طالب ، فقال أبوطالب : يا ابن أخى من حدثك هذا وليس يدخل إلينا أحد ، ولا تخرج أنت إلى أحد؟ ولست في نفسى من أهل الكذب ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرنى ربى هذا ، فقال له عمه : إن ربك لحق ، وأنا أشهد انك صادق ، فجمع أبوطالب أهله ولم يخبرهم بما أخبره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهية أن يفشوا ذلك الخبر ، فيبلغ المشركين فيحتالوا للصحيفة البحث والمكر ، فانطلق أبوطالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة ، فلما ابصروا تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقتلوه ، فلما انتهى إليهم أبوطالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا : قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم وفى حياته فرقتكم وفسادكم ، فقال أبوطالب : قد جئتكم في امر لعله يكون فيه صلاح و جماعة ، فاقبلوا ذلك منا ، هلموا صحيفتكم التى فيها تظاهركم علينا ، فجاؤا بها ولا يشكون الا انهم سيدفعون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم إذا نشروها ، فلما جاؤا بصحيفتهم قال أبوطالب : صحيفتكم بينى وبينكم ، فان ابن أخى قد اخبرنى ولم يكذبنى ان الله عزوجل قد بعث على صحيفتكم الارضة ، فلم تدع لله فيها اسما الا أكلته ، وبقى فيها الظلم والقطيعة والبهتان ، فان كان كاذبا فلكم على ان ادفعه إليكم تقتلونه ، وإن كان صادقا فهل ذلك

٢٠