بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وستين ، ودفنت بالحجون ، ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبرها ولم يكن يومئذ سنة الجنازة والصلاة عليها ، وروي عن عبدالله بن ثعلبة بن صغير قال : لما توفي أبوطالب وخديجة وكان بينهما شهر وخمسة أيام اجتمعت على رسول الله (ص) مصيبتان فلزم بيته ، وأقل الخروج ، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع ، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال : يا محمد امض لما أردت ، وما كنت صانعا إذ كان أبوطالب حيا فاصنعه ، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت ، وسب ابن غيطلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليه أبولهب فنال منه ، فولى يصيح : يا معشر قريش : صبأ أبوعتبة ، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب فقال : ما فارقت دين عبدالمطلب ، ولكني أمنع ابن أخي أن يصام(١) حتى يمضي لما يريد ، قالوا : أحسنت وأجملت ووصلت الرحم ، فمكث

____________________

ناهيكم عن تظاهركم علينا ، فأخذ عليهم المواثيق واخذوا عليه ، فلما نشروها فاذا هى كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا هم بالغدر أولى منهم ، واستبشر أبوطالب وأصحابه ، وقالوا : أينا أولى بالقطيعة والبهتان؟ فقال المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، وهشام ابن عمرو أخو عامر بن لوى بن حارثة ، نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة ، ولن نمالى أحدا في فساد أنفسنا ، وتتابع على ذلك ناس من اشراف قريش فخرج قوم من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد ، فقال أبوطالب في ذلك أشعارا منها :

وقد جربوا فيما مضى غب أمرهم

وما عالم امرا كمن لا يجرب

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبر غائب القوم يعجب

محا الله منهم كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من باطل الحق مغرب

فاصبح ما قالوا من الامر باطلا

ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

فامسى ابن عبدالله فينا مصدقا

على سخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا مسلمين محمدا

لدى عزمة منا ولا متعزب

ستمنعه منا يد هاشمية

مركبها في الناس خير مركب

وكان الذى كتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن هاشم فشلت يده فيما يزعمون ، وفى رواية ان الله تعالى اطلع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر صحيفتهم ، وأن الارضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم ، وبقى ما كان من ذكر الله عزوجل في موضعى القصة. انتهى. أقول : الرواية الثانيه أصح لما تقدم في الاخبار وفى شعر أبى طالب.

(١) أى يظلم ويقهر.

٢١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك أياما يذهب ويأتي لا يتعرض له أحد من قريش ، وهابوا أبا لهب إذا جاء عقبة بن أبي معيط وأبوجهل إلى أبي لهب فاحتالا حتى صرفاه عن نصرته صلى‌الله‌عليه‌وآله.(١)

وفي هذه السنة خرج إلى الطائف وإلى ثقيف ، عن محمد بن جبير قال : لما توفي أبوطالب تناولت قريش من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، فأقام بها عشرة أيام ، وقيل شهرا ، فآذوه ورموه بالحجارة ، فانصرف إلى مكة ، فلما نزل نخلة صرف الله إليه النفر من الجن ، وروي أنه لما انصرف من الطائف عمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وقال : « اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ، (٢) أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لكن لك العتبى(٣) حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ».

____________________

(١) هكذا في النسخ ، والموجود في المصدر يغايره وهو هكذا ، إذ جاء عقبة ابن أبى معيط وأبوجهل إلى ابى لهب فقالا له : أخبرك ابن أخيك اين مدخل أبيك؟ فقال له أبولهب : يا محمد اين مدخل عبدالمطلب؟ قال : مع قومه ، فخرج أبولهب إليهم فقال : قد سألته فقال : مع قومه ، فقالا : يزعم انه في النار. فقال : يا محمد أيدخل عبدالمطلب النار؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، ومن مات على مثل ما مات عليه عبدالمطلب دخل النار ، فقال أبولهب والله ما برحت لك عدوا أبدا وانت تزعم أن عبدالمطلب في النار ، فاشتد عليه وسائر قريش انتهى. أقول لعل المصنف اختصره لغرابته وانه خلاف المذهب ، وقصة أبى لهب من أولها إلى آخرها الرواية منفردة بها ، ولم نظفر باولها في رواية اخرى. وآخرها ينافى مذهب الامامية في ايمان آباء النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والامر فيها هين لانها مروية من طرق العامة ، لا يعتمد عليها.

(٢) تجهمه : استقبله بوجه عبوس كريه.

(٣) العتبى : الرضى.

٢٢

قال : ولما دخل مكة كان يقف بالموسم على القبائل فيقول : يا بني فلان إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وكان خلفه أبولهب فيقول : لا تطيعوه ، وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كندة في منازلهم فدعاهم إلى الله عزوجل فأبوا ، وأتى كلبا في منازلهم فلم يقبلوا منه ، وأتى بني حنيفة في منازلهم فردوا عليه أقبح رد.

وفي هذه السنة تزوج رسول الله بعائشة وسوده ، وكانت عائشة بنت ست سنين حينئذ ، وروي لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت : يا رسول الله ألا تتزوج؟ قال : من؟ قالت : إن شئت بكرا ، وإن شئت ثيبا قال : فمن البكر؟ قالت : بنت أبي بكر ، قال : ومن الثيب؟ قالت : سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول ، قال : فاذهبي فاذكريهما علي ، فذهبت إلى أبويهما وخطبتهما فقبلا وتزوجهما.

وفي سنة إحدى عشرة من نبوته كان بدء إسلام الانصار ، وذلك ما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في الموسم يعرض نفسه على القبائل فبينا هو على العقبة إذ لقي رهطا من الخزرج ، فقال : من أنتم : فقالوا : من الخزرج ، قال : أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى ، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل ، وعرض عليهم الاسلام ، وتلا عليهم القرآن ، وكان اولئك يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبي يبعث ، فلما كلمهم قال بعضهم لبعض : والله إنه للنبي الذي يعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه ، وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا ، وكانوا ستة أنفس : أسعد بن زرارة ، وعون بن الحارث وهو ابن عفراء ، ورافع بن مالك بن عجلان ، و قطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر ، وجابر بن عبدالله ، فلما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم دينهم فلم يبق دار من دور الانصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي سنة اثنتي عشرة من نبوته كان المعراج ، وفي هذه السنة كانت بيعة العقبة الاولى ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج عامئذ إلى الموسم ، وقد قدم من الانصار

٢٣

اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة وهي العقبة الاولى فبايعهم رسول الله (ص). قال عبادة ابن الصامت : بايعنا رسول الله ليلة العقبة الاولى ، ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن. وفي سنة ثلاث عشرة كانت بيعة العقبة الثانية ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى الموسم فلقيه جماعة من الانصار ، فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق ، قال كعب بن مالك : اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان من نسائهم : نسيبة بنت كعب أم عمار ، وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي أم منيع فبايعنا وجعل علينا اثنا عشر نقيبا منا : تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الاوس ، ثم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالخروج إلى المدينة ، فخرجوا أرسالا ، وأقام هو بمكة ينتظر أن يؤذن له.(١)

بيان : الارسال بالفتح جمع الرسل بالتحريك وهو القطيع من كل شئ ، أي زمرا زمرا ، ويحتمل الارسال بالكسر وهو الرفق والتوءدة.

١٢ ـ يه : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على خديجة وهي لما بها ، فقال لها : بالرغم منا ما نرى بك يا خديجة ، فإذا قدمت على ضرائرك فأقرئيهن السلام فقالت : من هن يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مريم بنت عمران ، وكلثم اخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ، قالت : بالرفاء يا رسول الله.

بيان : قوله : هي لما بها ، اللام ظرفية ، أو بمعنى إلى ، والمعنى أنها كانت في الاحتضار ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بالرغم منا ما نرى بك ، قوله : «ما نرى» مبتدأ ، وبالرغم خبر ، أي ما نرى بك متلبس بالرغم والكراهة منا ، والرفاء بالكسر : الاتفاق والالتيام والبركة والنماء.

١٣ ـ مصبا : في السادس والعشرين من شهر رجب كانت وفاة أبي طالب رحمة الله

____________________

(١) المنتقى في مولود المصطفى : ٦٥ ـ ٧٧ ، الباب الخامس فيما كان سنة ثمان من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الباب التاسع فيما كان سنة ثلاث عشر من نبوته. واختصر المصنف القضايا المنقولة فيه ، ونقل بعضها معنى.

٢٤

عليه على قول ابن عياش.(١)

١٤ ـ ص : إن أبا طالب رضي‌الله‌عنه توفي في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم توفيت خديجة رضي الله عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام ، فسمى رسول الله ذلك العام عام الحزن ، فقال : ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات أبوطالب.(٢)

١٥ ـ قب : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطا من الخزرج فقال : ألا تجلسون أحدثكم؟ قالوا : بلى ، فجلسوا إليه فدعاهم إلى الله ، وتلا عليهم القرآن ، فقال بعضهم لبعض : ياقوم تعلمون؟ والله إنه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنكم إليه أحد ، فأجابوه ، وقالوا له : إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم ، وعسى أن يجمع الله بينهم بك ، فستقدم(٣) عليهم وتدعوهم إلى أمرك ، وكانوا ستة نفر ، قال : فلما قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر فما دار حول إلا وفيها حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الانصار اثنا عشر رجلا ، فلقوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعوه على بيعة النساء(٤) ألا يشركوا بالله شيئا ، ولا يسرقوا ، إلى آخرها ، ثم انصرفوا ، وبعث معهم مصعب بن عمير يصلي بهم ، وكان بينهم بالمدينة يسمى المقرئ فلم يبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار امية وحطيمة ووائل وهم من الاوس ، ثم عاد مصعب إلى مكة ، وخرج من خرج من الانصار إلى الموسم مع حجاج قومهم ، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلا ، وامرأتان في أيام التشريق بالليل ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابايعكم على الاسلام ، فقال له بعضهم :

____________________

(١) المصباح : ٥٦٦.

(٢) قصص الانبياء : مخطوط.

(٣) في المصدر : فتقدم.

(٤) المراد ببيعة النساء ما ورد في سورة الممتحنة من قوله تعالى : « يا ايها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن » إلى آخر الآية : ١٢.

٢٥

نريد أن تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا ، وما لك علينا ، وما لنا على الله ، فقال : أما ما لله عليكم فأن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأما ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم وأبنائكم ، وأن تصبروا على عض السيف وإن يقتل خياركم ، قالوا : فإذا فعلنا ذلك ما لنا على الله؟ قال : أما في الدنيا فالظهور على من عاداكم ، وفي الآخرة رضوانه والجنة ، فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : والذي بعثك بالحق لنمنعك(١) بما نمنع به ازرنا ، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب ، و أهل الحلفة ، ورثناها كبارا عن كبار ، فقال أبو الهيثم : إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، احارب من حاربتم واسالم من سالمتم ، ثم قال : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ، فاختاروا ، ثم قال : ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم ، وعلى أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على ذلك ، فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه؟ قد اجتمعوا على حربكم ، ثم نفر الناس من منى ، وفشا الخبر فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأما المنذر فأعجز القوم ، وأما سعد فأخذوه وربطوه بنسع(٢) رحله ، وأدخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم والحارث ابن حرب بن امية فأتياه وخلصاه ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الاذى ، والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين ، فلما كثر عتوهم امر بالهجرة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله قد جعل لكم دارا وإخوانا تأمنون بها فخرجوا أرسالا حتى لم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا علي وأبوبكر ، فحذرت قريش خروجه ، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم ، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن

____________________

(١) في نسخة : لنمنعنك.

(٢) النسع : سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال.

٢٦

كلاب يتشاورون في أمره(١) وساق الحديث إلى آخر ما سيأتي في الباب الآتي برواية الشيخ عن ابن أبي هالة.

بيان : يسمي المقرئ لانه كان يقرئهم القرآن. وقال الجزري : في حديث بيعة العقبة : لنمنعك مما نمنع منه ازرنا ، أي نساءنا ، وأهلنا ، كني عنهن بالازر وقيل : أراد أنفسنا ، وقد يكنى عن النفس بالازر ، وقال في قوله : والهدم الهدم : يروى بسكون الدال وفتحها ، فالهدم بالتحريك ، القبر ، يعني أني اقبر حيث تقبرون ، وقيل : هو المنزل ، أي منزلكم منزلي ، وفي الحديث الآخر : المحيى محياكم ، والممات مماتكم ، أي لا افارقكم ، والهدم بالسكون والفتح أيضا هو إهدار دم القتيل ، يقال : دماؤهم بينهم هدم ، أي مهدرة ، والمعنى إن طلب دمكم فقد طلب دمي ، وإن أهدر دمكم فقد اهدر دمي لاستحكام الالفة بيننا ، وهو قول معروف للعرب يقولون : دمي دمك وهدمي هدمك ، وذلك عند المعاهدة والنصرة ، وقال : في حديث بيعة الانصار : نادى الشيطان ، يا أصحاب الجباجب ، هي ، جمع جبجب بالضم ، وهو المستوي من الارض ليس بحزن ، وهي ههنا أسماء منازل سميت به ، قيل : لان كروش الاضاحي تلقى فيها أيام الحج ، والجبجبة الكرش ، يجعل فيها اللحم يتزود في الاسفار.

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٥٦ ـ ١٥٨.

٢٧

٦

باب

*(الهجرة ومباديها ، ومبيت على عليه‌السلام على فراش النبى)*

*(صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما جرى بعد ذلك إلى دخول المدينة)*

الايات : النساء « ٤ » : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا* ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما. ٩٧ ـ ١٠٠.

الانفال « ٨ » : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠.

وقال تعالى : وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ٣٤.

وقال تعالى : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير * والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير * والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله و الذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم واولوا الارحام بعضهم أولى

٢٨

ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم ٧٢ ـ ٧٥.

التوبة « ٩ » : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ٣٩.

النحل « ١٦ » : والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ٤١ و ٤٢.

وقال تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ـ إلى قوله تعالى : ـ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ١٠٦ ـ ١١٠.

الحج « ٣٢ » : والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ٥٨ و ٥٩.

العنبكوت « ٢٩ » : يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ـ إلى قوله تعالى : ـ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ٥٦ ـ ٦٠.

محمد « ٤٧ » : وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ١٣.

المزمل « ٧٣ » : واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ١٠.

تفسير : قوله تعالى « إن الذين توفاهم الملائكة » قال الطبرسي رحمه‌الله : قال أبوحمزة الثمالي : بلغنا أن المشركين يوم بدر لم يخلفوا إذ خرجوا أحدا إلا صبيا أو شيخا كبيرا أو مريضا ، فخرج معهم ناس ممن تكلم بالاسلام ، فلما التقى المشركون و

٢٩

رسول الله (ص) نظر الذين كانوا قد تكلموا بالاسلام إلى قلة المسلمين فارتابوا فاصيبوا فيمن اصيب من المشركين ، فنزلت فيهم الآية ، وهو المروي عن ابن عباس والسدي وقتادة ، وقيل : إنهم قيس بن الفاكهة بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الاسود وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبوالعاص بن المنبه بن الحجاج ، وعلي بن امية ابن خلف ، عن عكرمة ، ورواه أبوالجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال ابن عباس : كنت أنا من المستضعفين ، وكنت غلاما صغيرا ، وذكر عنه أيضا أنه قال : كان أبي من المستضعفين من الرجال ، وكانت امي من المستضعفات من النساء ، وكنت أنا من المستضعفين من الولدان. « توفاهم الملائكة » أي تقبض أرواحهم « فيم كنتم » أي في أي شئ كنتم من دينكم على وجه التقريرأو التوبيخ « مستضعفين في الارض » أي يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا يمنعوننا من الايمان « قالوا » أي الملائكة « فتهاجروا فيها » أى فتخرجوا من أرضكم ، وتفارقوا من يمنعكم من الايمان « إلا المستضعفين » أي الذين استضعفهم المشركون(١) ويعجزون عن الهجرة لاعسارهم وقلة حيلتهم « ولا يهتدون سبيلا » في الخلاص من مكة « مراغما كثيرا وسعة » أي متحولا من الارض وسعة في الرزق ، وقيل : مزحزحا عما يكره وسعة من الضلالة إلى الهدى ، وقيل : مهاجرا فسيحا ومتسعا مما كان فيه من الضيق «ومن يخرج من بيته » قيل : لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين وهو جندع ، أو جندب بن ضمرة ، وكان بمكة فقال : والله ما أنا ممن استثنى الله ، إني لاجد قوة ، وإني لعالم بالطريق ، وكان مريضا شديد المرض ، فقال لبنيه : والله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها ، فإني أخاف أن أموت فيها ، فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات ، فنزلت الآية ، عن أبي حمزة الثمالي وعن قتادة وعن سعيد بن جبير ، وقال عكرمة : وخرج جماعة من مكة مهاجرين فلحقهم المشركون وفتنوهم عن دينهم فافتتنوا ، فأنزل الله فيهم : « ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله » فكتب بها المسلمون إليهم ، ثم نزلت فيهم :

____________________

(١) في المصدر : « من الرجال والنساء والولدان » وهم الذين يعجزون.

٣٠

« ثم ان ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم » مهاجرا من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله ورسوله « ثم يدركه الموت » قبل بلوغه دار الهجرة « فقد وقع أجره على الله » أي ثواب عمله وجزاء هجرته على الله ، وروى الحسن ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الارض استوجب الجنة ، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وآلهما.(١)

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « وإذ يمكر بك » قال المفسرون : إنها نزلت في قصة دار الندوة ، وذلك أن نفر من قريش اجتمعوا فيها وهي دار قصي بن كلاب وتآمروا في أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عروة بن هشام : نتربص به ريب المنون ، وقال أبوالبختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه ، وقال أبوجهل : ما هذا برأي ، ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد ، فنرضى حينئذ بنو هاشم بالدية ، فصوب إبليس هذا الرأي وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد ، وخطأ الاولين فاتفقوا على هذا الرأي وأعدوا الرجال والسلاح ، وجاء جبرئيل فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج إلى الغار وأمر عليا عليه‌السلام فبات على فراشه ، فلما أصبحوا وفتشوا عن الفراش وجدوا عليا وقد رد الله مكرهم ، فقالوا : أين محمد ; قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الجبل ومروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو كان ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثة أيام ثم قدم المدينة « الذين كفروا » وهم مشركو العرب ، ومنهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والنضر بن حارث ، وأبوجهل بن هشام ، وأبوالبختري بن هشام ، وزمعة بن الاسود ، وحكيم بن حزام ، وامية بن خلف وغيرهم « ليثبتوك » أي ليقيدوك فيثبتوك في الوثاق أو في الحبس ويسجنوك في بيت ، وقيل : ليثخنوك بالجراحة والضرب عن أبان بن

____________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٩٨ ـ ١٠٠.

٣١

تغلب وغيره « أو يخرجوك » أي من مكة إلى طرف من أطراف الارض ، وقيل : أو يخرجوك على بعير ويطردونه حتى يذهب في وجهه(١).

قال : ولما هموا بقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجوه من مكة أنزل الله سبحانه : « وما لهم ألا يعذبهم الله » الآية ، فعذبهم الله بالسيف يوم بدر « وما كانوا أولياءه » أي ما كان المشركون أولياء المسجد الحرام وإن سعوا في عمارته ، وما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون عن الحسن ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وقيل ما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون(٢). وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « إن الذين آمنوا وهاجروا » قيل : نزلت في الميراث ، وكانوا يتوارثون بالهجرة ، وجعل الله الميراث للمهاجرين والانصار دون ذوي الارحام ، وكان الذي آمن ولم يهاجر لم يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر وكانوا يعملون بذلك حتى نزل : « واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » فنسخت هذا ، وصار الميراث لذوي الارحام المؤمنين(٣) ، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والسدي « والذين آووا » أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمهاجرين بالمدينة وهم الانصار « اولئك بعضهم أولياء بعض » في النصرة أو التوارث ، وقيل : في نفوذ أمان بعضهم على بعض(٤) ، وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الاولى « وإن استنصروكم في الدين » أي إن طلب المؤمنون الذين لم يهاجروا منكم النصرة لهم على الكفار وإعانتهم في الدين « فعليكم النصر(٥) » ة والمعونة لهم في

____________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥٣٧.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٥٣٩ و ٥٤٠.

(٣) زاد في المصدر : ولا يتوارث أهل الملتين.

(٤) زاد في المصدر : فان واحدا من المسلمين لو أمن إنسانا نفذ أمانه على سائر المسلمين « والذين آمنوا ولم يهاجروا » إلى المدينة « ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » أى ما لكم من ميراثهم من شئ حتى يهاجروا ، فحينئذ يحصل بينكم التوارث ، فان الميراث كان منقطعا في ذلك الوقت بين المهاجرين وغير المهاجرين ، وروى عن أبي جعفر عليه‌السلام اه.

(٥) في المصدر : فعليكم النصر ، والمعونة ، وليس عليكم نصرتهم في غير الدين.

٣٢

الدين « إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق » أي إلا أن يطلبوا منكم النصرة على قوم من المشركين بينكم وبينهم أمان وعهد يجب الوفاء به فلا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد « والذين كفروا بعضهم أولياء بعض » أي أنصار بعض أو أولى ببعض في الميراث « إلا تفعلوه » أي ما امرتم به في الآية الاولى والثانية « تكن فتنة في الارض وفساد كبير » على المؤمنين الذين لم يهاجروا ، والفتنة : المحنة بالميل إلى الضلال ، والفساد الكبير : ضعف الايمان(١).

وقال في قوله تعالى : « إلا تنصروه فقد نصره الله » : أي إن لم تنصروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على قتال العدو فقد فعل الله به النصر « إذ أخرجه الذين كفروا » من مكة فخرج يريد المدينة « ثاني اثنين إذ هما في الغار » يعني أنه كان هو وأبوبكر في الغار ليس معهما ثالث(٢) ، وأراد به هنا غار ثور ، وهو جبل بمكة « إذ يقول لصاحبه » أي إذ يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لابي بكر : « لا تحزن » أي لا تخف « إن الله معنا » يريد أنه مطلع علينا ، عالم بحالنا ، فهو يحفظنا وينصرنا ، قال الزهري : لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوبكر الغار أرسل الله زوجا من الحمام حتى باضا في أسفل الثقب(٣) ، والعنكبوت حتى نسج بيتا ، فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال : لو دخله أحد لانكسر البيض وتفسخ(٤) بيت العنكبوت فانصرف ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم أعم أبصارهم» فعميت أبصارهم

عن دخوله ، وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار. وقال أبوبكر : لو نظروا(٥) إلى أقدامهم لرأونا ، ونزل رجل من قريش فبال على باب الغار ، فقال أبوبكر : قد أبصرونا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم

____________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥٦١ و ٥٦٢.

(٢) زاد في المصدر : أى وهو احد اثنين ، ومعناه فقد نصره الله منفردا من كل شئ إلا من ابى بكر.

(٣) في نسخة : في اسفل النقب.

(٤) في نسخة : وتفتح بيت العنكبوت.

(٥) في نسخة ، لو نزلوا.

٣٣

« فأنزل الله سكينته عليه » يعني على محمد (ص) ، أي ألقى في قلبه ما سكن به « وأيده بجنود لم تروها » أي بملائكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه ، وقيل : قواه بالملائكة(١) يدعون الله تعالى له ، وقيل : أعانه بالملائكة يوم بدر ، وقال بعضهم : يجوز أن يكون الهاء في « عليه » راجعة إلى أبي بكر ، وهذا بعيد ، لان الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا خلاف(٢) ، فكيف يتخللها ضمير عائد إلى غيره هذا وقد قال سبحانه في هذه السورة « ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين(٣) » وقال في سورة الفتح كذلك(٤) ، فتخصيص النبي في هذه الآية بالسكينة يدل على عدم إيمان من معه(٥) « وجعل كلمة الذين كفروا السفلى » المراد بكلمتهم وعيدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتخويفهم له ، أو كلمة الشرك ، وكلمة الله وعده بالنصر ، أو كلمة التوحيد(٦).

وقال في قوله تعالى : « والذين هاجروا في الله » : نزلت في المعذبين بمكة مثل صهيب وبلال وعمار وخباب(٧) وغيرهم ، مكنهم الله في المدينة ، وذكر أن

____________________

(١) في المصدر : بملائكة.

(٢) في المصدر : وذلك في قوله : « إلا تنصروه فقد نصره الله » وفى قوله : « إذ اخرجه » وقوله : « لصاحبه » وقوله فيما بعده : « وأيده ».

(٣) الاية : ٢٨.

(٤) في المصدر : وقال في سورة الفتح : « فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين » أقول : هذا هو الصحيح راجع سورة الفتح ٤٨ : ٢٦.

(٥) لم نجد قوله : « فتخصيص النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله » إلى هما في المصدر ، بل الموجود مكانه هكذا : وقد ذكرت الشيعة في تخصيص النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الاية بالسكينة كلا ما رأينا الاضراب عن ذكره أحرى لئلا ينسبنا ناسب إلى شئ انتهى.

(٦) مجمع البيان ٥ : ٣١ و ٣٢.

(٧) خباب بتشديد الباء الاول كشداد هو خباب بن الارت التميمى أبوعبدالله من السابقين إلى الاسلام ، وكان يعذب في الله ، شهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها سنة ٣٧ « وقيل : ٣٩ » وترحم عليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وقال : رحم الله خبابا ، أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلى في جسمه احوالا ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.

٣٤

صهيبا قال لاهل مكة : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضرركم ، فخذوا مالي ودعوني ، فأعطاهم ماله ، وهاجر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له أبوبكر : ربح البيع يا صهيب(١) « لنبوئنهم في الدنيا حسنة » أي بلدة حسنة وهي المدينة ، أو حالة حسنة وهي النصر على الاعداء(٢).

وقال في قوله تعالى : « إلا من اكره » : نزل في جماعة اكرهوا ، وهم عمار وياسر أبوه وامه سمية ، وصهيب وبلال وخباب عذبوا ، وقتل أبوعمار وأمه فأعطاهم عمار بلسانه مما أرادوا منه ، ثم اخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال قوم : كفر عمار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الايمان بلحمه ودمه ، وجاء عمار إلى رسول الله (ص) وهو يبكي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما وراك ، قال : شر يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح عينيه ويقول : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فنزلت الآية ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا وخرجوا يريدون المدينة فأدركهم قريش وفتنوهم فتكلموا بكلمة الكفر كارهين عن مجاهد وقيل : إن ياسر وسمية أبوا(٣) عمار أول شهيدين في الاسلام ، وقوله : « من كفر بالله * ومن شرح بالكفر صدرا » هو عبدالله بن سعيد(٤) بن أبي سرح من بني عامر بن لوي ، وأما قوله : « ثم إن ربك للذين هاجروا » الآية ، قيل : إنها نزلت في عباس(٥) بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الرضاعة ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو

____________________

(١) في سيرة ابن هشام ٢ : ٨٩ : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ربح صهيب ، ربح صهيب.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٣٦١.

(٣) في المصدر : أبوى عمار.

(٤) في المصدر : عبدالله بن سعد.

(٥) في المصدر : عياش ، وهو الصحيح ، والرجل هو عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى ، واسم ابيه عمرو ويلقب ذا الرمحين ، أسلم قديما وهاجر الهجرتين. استشهد باليمامة وقيل : باليرموك ، وقيل : مات سنة ١٥.

٣٥

والوليد بن المغيرة ، وغيرهم من أهل مكة ، فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا فنزلت الآية فيهم « وقلبه مطمئن » أي ساكن « بالايمان » ثابت عليه ، فلا حرج عليه في ذلك « ولكن من شرح بالكفر صدرا » أي من اتسع قلبه للكفر وطابت نفسه به « من بعد ما فتنوا » أي عذبوا في الله و ارتدوا على الكفر فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم « ثم جاهدوا» مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « وصبروا » على الدين والجهاد « إن ربك من بعدها » أي من بعد تلك الفتنة أو الفعلة التي فعلوها من التفوه بكلمة الكفر(١).

وقال في قوله تعالى : « يا عبادي الذين آمنوا » : قيل : إنها نزلت في المستضعفين من المؤمنين بمكة ، أمروا بالهجرة عنها ، ونزل قوله : « وكأين من دابة » في جماعة كانوا بمكة يؤذيهم المشركون ، فأمروا بالهجرة إلى المدينة ، فقالوا : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا عقار؟ من يطعمنا ومن يسقينا؟ « إن أرضي واسعة » فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الايمان والاخلاص في عبادتي.

وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها « وكأين من دابة » أي وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا ، وقيل : معناه لا يطيق حمل رزقها لضعفها ، وتأكل بأفواهها(٢).

وفي قوله تعالى : « من قريتك » : يعني مكة « التي أخرجتك » أي أخرجك أهلها ، والمعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة « أهلكناهم فلا ناصر لهم » يدفع عنهم إهلاكنا إياهم ، فما الذي يؤمن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك(٣).

قوله تعالى : «واهجرهم هجرا جميلا » ذهب المفسرون إلى أن المراد مجانبتهم ومداراتهم وعدم مكافاتهم ، ولا يبعد أن يكون المراد الهجرة من مكة إلى المدينة.

____________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٢٩٠ و ٢٩١.

(٣) مجمع البيان ٩ : ١٠٠.

٣٦

١ ـ فس : « وما كانوا ألياءه » يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة « إن أولياؤه إلا المتقون » أنت وأصحابك يامحمد ، فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا(١).

٢ ـ فس : « إن الذين آمنوا وهاجروا » إلى قوله : « أولياء بعض » فإن الحكم كان في أول النبوة أن المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة ، فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة آخى بين المهاجرين والمهاجرين ، وبين الانصار والانصار وآخى بين المهاجرين والانصار ، فكان إذا مات الرجل(٢) يرثه أخوه في الدين ويأخذ المال ، وكان ما ترك له دون ورثته ، فلما كان بعد بدر أنزل الله : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا(٣) » فنسخت آية الاخوة « بعضهم أولى ببعض ». قوله : « والذين آمنوا ولم يهاجروا » الآية فإنها نزلت في الاعراب ، وذلك أن رسول الله (ص) صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة ، وعلى أنه إن أرادهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غزا بهم ولم يكن لهم في الغنيمة شئ ، وأوجبوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه إن أرادهم الاعراب من غيرهم أو دهاهم دهم من عدوهم أن ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد و ميثاق إلى مدة « والذين كفروا بعضهم أولياء بعض » يعني يوالي بعضهم بعضا ، ثم قال : « إلا تفعلوه » يعني إن لم تفعلوه ، فوضع حرف مكان حرف « تكن فتنة » أي كفر في الارض « وفساد كبير » ثم قال : « والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » قال : نسخت قوله : « والذين عاهدت »(٤) أيمانكم فآتوهم نصيبهم(٥).

____________________

(١) تفسير القمى : ص ٢٥٣ و ٢٥٤.

(٢) في المصدر : فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة آخى بين المهاجرين وبين الانصار ، فكان إذا مات الرجل إه.

(٣) الاحزاب : ٦.

(٤) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : « والذين عقدت » وهو الصحيح راجع سورة النساء : ٣٣.

(٥) تفسير القمى : ص ٢٥٦ و ٢٥٧.

٣٧

٣ ـ فس : « والذين هاجروا في الله » أي هاجروا وتركوا الكفار في الله « لنبوئنهم » أي لنثبتنهم.(١)

٤ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة » يقول : لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك ، فإن خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم فإن أرضي واسعة(٢).

٥ ـ فس : « وكأين من قرية » الآية قال : إن الذين أهلكناهم من الامم السالفة كانوا أشد قوة من قريتك ، يعني أهل مكة الذين أخرجوك منها ، فلم يكن لهم ناصر(٣).

٦ ـ أقول : قال في المنتقى كانت الهجرة سنة أربع عشرة من المبعث ، وهي سنة أربع وثلاثين من ملك كسرى برويز ، سنة تسع لهرقل(٤) ، وأول هذه السنة المحرم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقيما بمكة لم يخرج منها ، وقد كان جماعة خرجوا في ذي الحجة ، وقال محمد بن كعب القرظي : (٥) اجتمع قريش على بابه وقالوا : إن محمدا يزعم أنكم إن بايعتموه كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم جنان كجنان الارض وإن لم تفعلوا كان لكم من الذبح ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون بها ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ حفنة(٦) من تراب ثم قال : نعم أنا أقول ذلك ، فنثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ « يس »(٧) إلى قوله :

____________________

(١) تفسير القمى : ٣٦٠.

(٢) تفسير القمى : ٤٩٧.

(٣) تفسير القمى : ٦٢٦.

(٤) هرقل بكسر الها وفتح الراء وسكون القاف أو كزبرج : ملك الروم ، اول من ضرب الدنانير ، واول من أحدث البيعة.

(٥) بضم القاف وفتح الراء منسوب إلى قريظة ، والرجل هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبوحمزة القرظى المدنى ، كان من فضلاء المدينة ، نزل الكوفة مدة ، ولد سنة اربعين وتوفى بالمدينة سنة ١٢٠ وقيل : قبل ذلك ، يروى عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما.

(٦) الحفنة : ملء الكفين.

(٧) السورة : ٣٦.

٣٨

« وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون(١) » فلم يبق منهم رجل وضع على رأسه التراب إلا قتل يوم بدر ، ثم انصرف إلى حيث أراد فأتاهم آت لم يكن معهم فقال : ما تنتظرون ههنا؟ قالوا : محمدا ، قال : قد والله خرج محمد عليكم ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه التراب وانطلق لحاجته فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه التراب ، ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متشحا(٢) ببرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقولون : إن هذا لمحمد نائم عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا ، فقام علي من الفراش فقالوا : والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا به.

وروى الواقدي عن أشياخه أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة من المشركين أبوجهل ، والحكم بن أبي العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر ابن الحارث ، وامية بن خلف ، وابن الغيطلة ، وزمعة بن الاسود ، وطعمة بن عدي وأبولهب ، وأبي بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، فلما أصبحوا قام علي عليه‌السلام من الفراش فسألوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا علم لي به. وروي أنهم ضربوا عليا وحبسوه ساعة ثم تركوه.

وأورد الغزالي في كتاب إحياء العلوم أن ليلة بات علي بن أبي طالب عليه‌السلام على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته؟ فاختار كل منهما الحياة وأحباها ، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، آخيت بينه وبين محمد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الارض فاحفظاه من عدوه ، فكان جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل عليه‌السلام ينادي : بخ بخ ، من مثلك يابن أبي طالب؟ يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله عزوجل : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله

____________________

(١) الاية : ٩.

(٢) توشح بثوبه : لبسه أو أدخله تحت ابطه فالقاه على منكبه.

٣٩

والله رؤوف بالعباد(١) ».

أقول : وساق حديث الغار إلى أن قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أتى الغار دعا بشجرة فأتته فأمرها أن تكون على باب الغار ، وبعث الله حمامتين فكانتا على فم الغار ، و نسج العنكبوت على فم الغار ، ثم أقبل فتيان قريش ، وكان أبوجهل قد أمر مناديا ينادي بأعلى مكة وأسفلها : من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير ، أو جاء بابن أبي قحافة أو دل عليه فله مائة بعير ، فلما رأوا الحمامتين ونسج العنكبوت على فم الغار انصرفوا فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للحمام ، وفرض جزاءهن ، وانحدرن في الحرم ، ونهى عن قتل العنكبوت ، وقال : هي جند من جنود الله.

وروي عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يتطير ، وكان يتفأل ، وكانت قريش جعلت مائة من الابل فيمن يأخذ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة ، فركب بريدة(٢) في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم ، فتلقى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال نبي الله (ص) : من أنت؟ قال : أنا بريدة ، فالتفت إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ، ثم قال : وممن أنت؟ قال : من أسلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلمنا ، قال : ممن؟ قال : من بني سهم ، قال : خرج سهمك ، فقال بريدة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أنت؟ فقال : أنا محمد بن عبدالله رسول الله ، فقال بريدة : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء ، فحل عمامته ثم شدها في رمح ، ثم مشى بين يديه فقال : يا نبي الله تنزل علي؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ناقتي هذه مأمورة ، قال بريدة : الحمد لله أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين (٣).

____________________

(١) البقرة : ٢٠٧.

(٢) من المدينة متوجها إلى مكة. والرجل هو بريدة بن الحصيب ابوسهل الاسلمى.

(٣) المنتقى في مولد المصطفى : الفصل الثانى في خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله وخروج ابى بكر إلى الغار.

٤٠