الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
والفتح : جانب البيت.
وذفان مخرجه ، أي حدثان خروجه ، وهو من توذف : إذا مر مرا سريعا البصرة : أثر من اللبن يبصر في الضرع. التفاج : تفاعل من الفجج وهو أشد من الفحج ، ومنه قوس فجاء(١).
وعن ابنة الخس في وصف ناقة : ضبعة عينها هاج * وصلاها راج(٢) * و تمشي وتفاج.
القرو : إناء صغير يردد في الحوائج ، من قروت الارض : إذا جلت فيها و ترددت ، الارباض : الارواء إلى أن يثقل الشارب فيربض.
انتصاب ثجا بفعل مضمر ، أي يثج ثجا ، أو يحلب ، لان فيه معنى ثج ، ويحتمل أن يكون بمعنى قولك : ثاجا نصبا على الحال ، المراد بالبهاء وبيض الرغوة ، والثمال جمع ثمالة ، وهي الرغوة ، أراضوا من أراض الحوض : إذا استنقع فيه الماء ، أي نقعوا بالري مرة بعد اخرى. تشاركن هزلا ، أي عمهن الهزال ، فكأنهن قد اشتركن فيه والتساوك : التمايل من الضعف. تساوق الغنم : تتابعها في المسير كأن بعضها يسوق بعضا ، والمعنى أنها لضعفها وفرط هزالها تتخاذل ويتخلف بعضها عن بعض ، والحلوب : التي تحلب ، وهذا مما يستغر به أهل اللغة زاعمين أنه فعول بمعنى مفعولة نظرا إلى الظاهر ، والحقيقة أنه بمعنى فاعله ، والاصل فيه أن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه والمطرق إلى إحداثه ومنه قوله : إذا رد عافي(٣) القدر من يستعيرها ، وقولهم : هزم الامير العدو ، و
____________________
(١) قوس فجاء : إذا بان وترها عن كبدها.
(٢) في القاموس : الخس. بالضم : ابن حابس ، رجل من أياد ، وهو أبوهند بنت الخس. وفى الصحاح : هججت عينه : غارت ، وعين هاجة : غائرة. وفى القاموس : الصلا : وسط الظهر منا ومن كل ذى اربع. وما انحدر من الوركين. أو الفرجة بين الخاصرة والذنب. أو ما عن يمين الذنب وشماله. وارجت الفرس : أقربت وارتج صلاها.
(٣) العافى : ما يرد في القدر من مرقته إذا استعيرت. والشعر لكميت ، تمامه : فلا تسألينى وأسالى ما خليقتى * إذا رد عافى القدر من يستعيرها.
بنى المدينة ، ثم قيل على هذا النهج : ناقة حلوب ، لانها تحمل على احتلابها بكونها ذات حلب ، فكأنها تحلب نفسها لحملها على الحلب ، ومن ذلك : الماء الشروب ، والطريق الركوب وأشباههما.
بلج الوجه : بياضه وإشراقه ، ومنه ، الحق أبلج.
الثجلة والثجل : عظم البطن ، والصقلة والصقل : طول الصقل وهو الخصر ، وقيل : ضمره وقلة لحمه ، وقد صقل ، وهو من باب قولهم(١) : صقلت الناقة : إذا أضمرتها بالسير ، والمعنى أنه لم يكن بمنتفخ الخصر ، ولا ضامره جدا.
والنحل : النحول ، والصعلة : صغر الرأس ، يقال : صعل(٢) وأصعل ، و امرأة صعلاء. القسام : الجمال ، ورجل مقسم الوجه ، وكأن المعنى أخذ كل موضع منه من الجمال قسما فهو جميل كله ليس فيه شئ يستقبح.
العطف : طول الاشفار وانعطافها ، أي تثنيها(٣) والغطف : انعطافها ، وانعطف وانغطف وانغضف أخوات والوطف : الطول ، الصحل : صوت فيه بحة لا تبلغ أن تكون جشة(٤) وهو يستحسن ، لخلوه عن الحدة الموذية للصماخ ، السطع : طول العنق ورجل أسطع وامرأة سطعاء ، وهو من سطوع النار ، سما قيل : ارتقع وعلا على جلسائه ، وقيل : علا برأسه أو بيده ، ويجوز أن يكون الفعل للبهاء أي سماه البهاء وعلاه على سبيل التأكيد للمبالغة في وصفه بالبهاء والرونق إذا أخذ في الكلام ، لانه كان صلىاللهعليهوآله أفصح العرب ، فصل مصدر موضوع موضع اسم الفاعل ، أي منطقه وسط بين النزر والهذر فاصل بينهما ، قالوا : رجل ربعة فأنثوا ، والموصوف مذكر على تأويل نفس ربعة ، ومثله غلام يفعة ، لا يأس من طول يروي أنه كان فريق الربعة(٥) ، فالمعنى أنه لم يكن في حد الربعة غير متجاوز له ، فجعل ذلك القدر
____________________
(١) في المصدر : وهو من قولهم
(٢) « « : في المصدر : يقال : رجل صعل.
(٣) « « : في المصدر : العطف : طول الاشفار وتثنيها.
(٤) الجشة بالفتح والضم : الصوت الخشن.
(٥) في المصدر : فويق الربعة ، وهو الصحيح.
من تجاوز حد الربعة عدم يأس من بعض الطول ، وفي تنكير الطول دليل على معنى البعضية ، وروي ربعة لا يائس من طول.
يقال في المنظر المستقبح : اقتحمته العين ، أي ازدرته كأنها وقعت من قبحه في قحمة وهي الشدة.
محفود : مخدوم ، وأصل الحفد : مداركة الخطو ، محشود : مجتمع عليه ، يعني أن أصحابه يزفون في خدمته ويجتمعون عليه.
خيمتي نصب على الظرف أجرى المحدود مجرى المبهم كبيت الكتاب كما عسل الطريق الثعلب.
اللام في لقصي للتعجب ، كالتي في قولهم : يا للدواهي ويا للماء ، والمعنى تعالوا يا قصي ليتعجب(١) منكم فيما أغفلتموه من حظكم ، وأضعتموه من عزكم بعصيانكم رسول الله ، وإلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم. وقوله : ما زوى الله عنكم تعجب أيضا معناه أي شئ زوى الله عنكم؟ الضرة أصل الضرع الذي لا يخلو من اللبن ، وقيل : هي الضرع كله ما خلا(٢) الاطباء(٣).
____________________
(١) في المصدر : لنعجب منكم.
(٢) الاطباء جمع الطبى وهى حلمة الضرع من ذوات خف وظلف وحافر والسباع.
(٣) الفائق : ٤٣ ـ ٤٥.
٧
باب
*(نزوله صلىاللهعليهوآله المدينة ، وبناؤه المسجد والبيوت)*
*(وجمل أحواله إلى شروعه في الجهاد)*
١ ـ عم : روي عن ابن شهاب الزهري قال : كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثة أشهر ، كانت بيعة الانصار رسول الله (ص) ليلة العقبة في ذي الحجة ، وقدوم رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة في شهر ربيع الاول لاثنتي عشرة ليلة خلت خلت منه يوم الاثنين ، وكانت الانصار خرجوا يتوكفون أخباره(١) ، فلما آيسوا رجعوا إلى منازلهم ، فلما رجعوا أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما وافى ذا الحليفة سأل عن طريق بني عمرو بن عوف فدلوه فرفعه الآل ، فنظر رجل من اليهود وهو على اطم إلى ركبان ثلاثة يمرون على طريق بني عمرو بن عوف ، فصاح : يا معشر المسلمة(٢) هذا صاحبكم قد وافى ، فوقعت الصيحة بالمدينة ، فخرج الرجال والنساء والصبيان مستبشرين لقدومه يتعادون(٣) فوافى رسول الله صلىاللهعليهوآله و قصد مسجد قباء ونزل ، واجتمع إليه بنو عمرو بن عوف وسروا به واستبشروا واجتمعوا حوله ، ونزل على كلثوم بن الهدم شيخ من بني عمر ، صالح مكفوف البصر ، واجتمعت إليه بطون الاوس ، وكانت بين الاوس والخزرج عداوة فلم يجسروا أن يأتوا رسول الله (ص) لما كان بينهم من الحروب ، فأقبل رسول الله (ص) يتصفح الوجوه فلا يرى أحدا من الخزرج ، وقد كان قدم على بني عمرو بن عوف قبل قدوم رسول الله صلىاللهعليهوآله ناس من المهاجرين فنزلوا فيهم.
وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله لما قدم المدينة جاء النساء والصبيان فقلن :
____________________
(١) أى ينتظرون حضوره ، ويستخبرون وروده.
(٢) في نسخة : يا معشر المسلمين. وفيه : فرفعت الصيحة.
(٣) تعادى القوم : تسابقوا في العدو والركض.
طلع البدر علينا من ثنيات(١) الوداع |
|
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع |
وكان سلمان الفارسي عبدا لبعض اليهود وقد كان خرج من بلاده من فارس يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه به ، فوقع إلى راهب من رهبان النصارى بالشأم ، فسأله عن ذلك وصحبه ، فقال : اطلبه بمكة فثم مخرجه واطلبه بيثرب فثم مهاجره ، فقصد يثرب فأخذه بعض الاعراب فسبوه ، واشتراه رجل من اليهود ، فكان يعمل في نخله ، (٢) وكان في ذلك اليوم على النخلة يصرمها(٣) فدخل على صاحبه رجل من اليهود فقال : يا با فلان أشعرت أن هؤلاء المسلمة قد قدم عليهم نبيهم؟ فقال سلمان : جعلت فداك ما الذي تقول؟ فقال له صاحبه : مالك وللسؤال عن هذا؟ اقبل على عملك ، قال : فنزل وأخذ طبقا فصير عليه من ذلك الرطب وحمله إلى رسول الله (ص) فقال له رسول الله (ص) : ما هذا؟ قال : هذه صدقة تمورنا ، بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقاتنا فقال رسول الله (ص) : سموا وكلوا ، فقال سلمان في نفسه وعقد بأصبعه : هذه واحدة يقولها بالفارسية ، ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما هذا؟ فقال له سلمان : رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أهديتها إليك ، فقال صلىاللهعليهوآله : سموا و كلوا ، وأكل عليهالسلام ، فعقد سلمان بيده اثنتين ، وقال : هذه آيتان ، (٤) يقولها بالفارسي
____________________
(١) قال ياقوت في معجم البلدان ٢ : ٨٥ : الثنية في الاصلا : كل عقبة في الجبل مسلوكه وثنية الوداع بفتح الواو : وهو اسم من التوديع عند الرحيل ، وهى ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة ، واختلف في تسميتها بذلك ، فقيل : لانها موضع وداع المسافرين من المدينة إلى مكة ، وقيل : لان النبى صلىاللهعليهوآله ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في آخر خرجاته ، وقيل : في بعض سراياه المبعوثة عنه ، وقيل : الوداع : اسم واد بالمدينة ، والصحيح انه اسم قديم جاهلى سمى لتوديع المسافرين انتهى. أقول : ويؤيد الاخير البيت ، ويظهر منه انها كانت معروفة عندهم بذلك.
(٢) في المصدر : فكان يعمل في نخلة.
(٣) صرم النخل والشجر : جزه.
(٤) في المصدر : هذه اثنان.
ثم دار خلفه فألقى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن كتفه الازار ، فنظر سلمان إلى خاتم النبوة و الشامة(١) فأقبل يقبلها ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : من أنت؟ قال : أنا رجل من أهل فارس قد خرجت من بلادي منذ كذا وكذا ، وحدثه بحديثه.
وله حديث فيه طول(٢).
فأسلم وبشره رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له : أبشر واصبر فإن الله سيجعل لك فرجا من هذا اليهودي.
فلما أمسى رسول الله صلىاللهعليهوآله فارقه أبوبكر ، ودخل المدينة ، ونزل على بعض الانصار ، وبقي رسول الله صلىاللهعليهوآله بقباء نازلا على كلثوم بن الهدم(٣).
فلما صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله المغرب والعشاء الآخرة جاءه أسعد بن زرارة مقنعا فسلم على رسول الله وفرح بقدومه ثم قال : يا رسول الله ما ظننت أن أسمع بك في مكان فأقعد عنك ، إلا أن بيننا وبين إخواننا من الاوس ما تعلم ، فكرهت أن آتيهم ، فلما أن كان هذا الوقت لم أحتمل أن أقعد عنك ، فقال رسول الله (ص) للاوس : من يجيره منكم؟ فقالوا : يارسول الله جوارنا في جوارك فأجره ، قال : لا بل يجيره بعضكم فقال عويم بن ساعدة وسعد بن خيثمة : نحن نجيره يا رسول الله ، فأجاروه ، وكان يختلف إلى رسول الله (ص) فيتحدث عنده ويصلي خلفه ، فبقي رسول الله خمسة عشر يوما فجاءه أبوبكر فقال : يا رسول الله تدخل المدينة فإن القوم متشوقون إلى نزولك عليهم ، فقال صلىاللهعليهوآله : لا أريم من هذا المكان حتى يوافي أخي علي عليهالسلام ، وكان
رسول الله قد بعث إليه أن احمل العيال وأقدم ، فقال أبوبكر : ما أحسب عليا يوافي قال : بلى ما أسرعه إن شاء الله ، فبقي خمسة عشر يوما فوافى علي عليهالسلام بعياله(٤).
____________________
(١) الشامة : الخال. وهو بثرة سوداء في البدن.
(٢) يأتى انشاء الله في موضعه.
(٣) في المصدر : نازلا على بيت كلثوم.
(٤) في امتاع الاسماع : ٤٨ ، وقدم على رضياللهعنه من مكة للنصف من ربيع الاول ورسول الله صلىاللهعليهوآله بقباء لم يرم بعد ، وقدم معه صهيب ، وذلك بعد ما ادى على عن رسول الله
فلما وافى كان سعد بن الربيع وعبدالله بن رواحة يكسران أصنام الخزرج وكان كل رجل شريف في بيته صنم يمسحه ويطيبه ، ولكل بطن من الاوس والخزرج صنم في بيت لجماعة يكرمونه ويجعلون عليه منديلا ، ويذبحون له ، فلما قدم(١) الاثنا عشر من الانصار أخرجوها من بيوتهم وبيوت من أطاعهم ، فلما قدم السبعون كثر الاسلام وفشا ، وجعلوا يكسرون الاصنام.
قال : وبقي رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد قدوم علي عليهالسلام يوما أو يومين ثم ركب راحلة فاجتمعت إليه بنو عمرو بن عوف(٢) فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا فإنا أهل الجد والجلد والحلقة(٣) والمنعة ، فقال صلىاللهعليهوآله : خلوا عنها فانها مأمورة ، وبلغ الاوس والخزرج خروج رسول الله صلىاللهعليهوآله فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته
____________________
صلىاللهعليهوآله الودائع التى كانت عنده ، وبعد ما كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تقطرت قدماه ، فاعتنقه النبى صلىاللهعليهوآله وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه و امرهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل رضياللهعنه ، ونزل على كلثوم بن الهدم و قيل : على امرأة ، والراجح انه نزل مع النبى صلىاللهعليهوآله انتهى. أقول : لعل الصحيح أن عليا عليهالسلام قدم للنصف من الربيع على ما في كلام المقريزى ، ويؤيده ما في سيرة ابن هشام وتاريخ الطبرى من ان عليا عليهالسلام اقام بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى الودائع ثم لحق برسول الله صلىاللهعليهوآله فنزل معه على كلثوم بن هدم ويؤيده أيضا ما ذكره ابن هشام والطبرى أن النبى صلىاللهعليهوآله أقام في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده مع انهما صرحا بأن عليا عليهالسلام شاركه في بناء المسجد وكان يرتجز ويقول :
لا يستوى من يعمر المساجدا |
|
يدأب فيها قائما وقاعدا |
ومن يرى عن الغبار حائدا
وسيأتى في الاخبار التصريح به أيضا.
(١) إى إلى مكة قبل هجرة النبى صلىاللهعليهوآله.
(٢) قال اليعقوبى فنزل على كلثوم بن الهدم فلم يلبث الا أياما حتى مات كلثوم ، وانتقل فنزل على سعد بن خيثمة في بنى عمرو بن عوف فمكث أياما ، ثم كان سفهاء بنى عمرو ومنافقوهم يرجمونه في الليل ، فلما رأى ذلك قال : ما هذا الجوار؟ فارتحل عنهم.
(٣) في نسخة : الحلفة بالفاء.
لا يمر بحي من أحياء الانصار إلا وثبوا في وجهه ، وأخذوا بزمام ناقته ، وتطلبوا إليه أن ينزل عليهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، حتى مر ببني سالم ، وكان خروج رسول الله (ص) من قباء يوم الجمعة فوافى بني سالم عند زوال الشمس فتعرضت له بنو سالم فقالوا : يا رسول الله هلم إلى الجد والجلد والحلقة(١) والمنعة فبركت ناقته عند مسجدهم وقد كانوا بنوا مسجدا قبل قدوم رسول الله (ص) ، فنزل في مسجدهم وصلى بهم الظهر(٢) وخطبهم ، وكان أول مسجد خطب فيه بالجمعة ، وصلى إلى بيت المقدس ، وكان الذين صلوا معه في ذلك الوقت مائة رجل ، ثم ركب رسول الله صلى اله عليه وآله ناقته وأرخى زمامها فانتهى إلى عبدالله بن ابي فوقف عليه ، وهو يقدر أنه يعرض عليه النزول عنده ، فقال له عبدالله بن أبي بعد أن ثارت الغيرة و أخذ كمه ووضعه على أنفه : يا هذا اذهب إلى الذين غروك وخدعوك وأتوا بك فانزل عليهم ، ولا تغشنا في ديارنا ، فسلط الله على دور بني الحبلى الذر فخرب دورهم فصاروا نزالا على غيرهم ، وكان جد عبدالله بن ابي يقال له : ابن الحبلى فقام سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شئ ، فإنا كنا اجتمعنا على أن نملكه علينا ، وهو يرى الآن أنك قد سلبته أمرا قد كان أشرف عليه ، فانزل علي يا رسول الله فانه ليس في الخزرج ولا في الاوس أكثر فم بئر مني ونحن أهل الجلد والعز ، فلا تجزنا يا رسول الله ، فأرخى زمام ناقته ومرت تخب به حتى انتهت إلى باب المسجد الذي هو اليوم ، ولم يكن مسجدا ، إنما كان مربدا ليتيمين من الخزرج يقال لهما : سهل وسهيل ، وكانا في حجر أسعد بن زرارة ، فبركت الناقة على باب أبي أيوب خالد بن زيد(٣) ، فنزل عنها رسول الله صلىاللهعليهوآله.
____________________
(١) في نسخة : الحلفة بالفاء.
(٢) في الامتاع وسيرة ابن هشام وتاريخ الطبرى وغيرها انه صلى بهم الجمعة ويأتى ذلك أيضا في الاخبار ، ولعل الطبرسى أضا أراد ذلك خصوصا مع قوله بعد ذلك : وكان أول مسجد خطب فيه بالجمعة.
(٣) في المصدر : خالد بن يزيد : وهو مصحف : والصحيح : خالد بن زيد كما في المتن.
فلما نزل اجتمع عليه الناس وسألوه أن ينزل عليهم ، فوثبت ام أبي أيوب إلى الرحل فحلته فأدخلته منزلها ، فلما أكثروا عليه قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أين الرحل ، فقالوا : ام أبي أيوب قد أدخلته بيتها ، فقال صلىاللهعليهوآله : المرء مع رحله ، و أخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحولها إلى منزله.
وكان أبوأيوب له منزل أسفل وفوق المنزل غرفة ، فكره أن يعلو رسول الله فقال : يا رسول الله بأبي أنت وامي العلو احب إليك أم السفل؟ فإني أكره أن أعلو فوقك ، فقال صلىاللهعليهوآله : السفل أرفق بنا لمن يأتينا ، قال أبوأيوب : فكنا في العلو أنا وامي ، فكنت إذا استقيت الدلو أخاف أن يقع منه قطرة على رسول الله صلىاللهعليهوآله وكنت أصعد وامي إلى العلو خفيا من حيث لا يعلم ولا يحس بنا ولا نتكلم إلا خفيا ، وكان إذا نام صلىاللهعليهوآله لا نتحرك ، وربما طبخنا في غرفتنا فنجيف(١) الباب على غرفتنا مخافة أن يصيب رسول الله صلىاللهعليهوآله دخان ، ولقد سقطت جرة لنا واهريق الماء فقام ام أبي أيوب إلى قطيفة لم يكن لنا والله غيرها فألقتها على ذلك الماء تستنشف به مخافة أن يسيل على رسول الله (ص) من ذلك شئ ، وكان يحضر رسول الله صلىاللهعليهوآله المسلمون من الاوس والخزرج والمهاجرين ، وكان أبوأمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه في كل يوم غداء وعشاء في قصعة ثريد عليها عراق ، فكان يأكل معه من جاء حتى يشبعون ، ثم ترد القصعة كما هي ، وكان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل ليلة عشاء ويتعشى معه من حضره ، وترد القصعة كما هي ، وكانوا يتناوبون في بعثه الغداء والعشاء إليه : أسعد بن زرارة ، وسعد بن خيثمة ، والمنذر بن عمرو ، وسعد بن الربيع واسيد بن حضير ، قال : فطبخ له اسيد يوما قدرا فلم يجد من يحملها فحملها بنفسه وكان رجلا شريفا من النقباء ، فوافاه رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد رجع من الصلاة ، فقال : حملتها بنفسك؟ قال : نعم يا رسول الله لم أجد أحدا يحملها ، فقال : بارك الله عليكم من أهل بيت.
وفي كتاب دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال : قدم رسول الله المدينة فلما
____________________
(١) أجاف الباب : رده.
دخلها جاءت الانصار برجالها ونسائها ، فقالوا : إلينا يا رسول اله ، فقال : دعوا الناقة فإنها مأمورة ، فبركت على باب أبي أيوب ، فخرجت جوار من بني النجار يضر بن بالدفوف وهن يقلن :
نحن جوار من بني النجار |
|
يا حبذا محمد من جار |
فخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : أتحبونني؟ فقالوا : بلى(١) والله يا رسول الله ، قال : أنا والله احبكم ثلاث مرات.
قال علي بن إبراهيم بن هاشم(٢) : وجاءته اليهود قريظة والنضير وقينقاع فقالوا : يا محمد إلى ما تدعو؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وأني الذي تجدونني مكتوبا في التوراة ، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة ، و مهاجري في هذه الحرة ، (٣) ، وأخبركم عالم(٤) منكم جاءكم من الشام فقال : تركت الخمر والخمير ، وجئت إلى البؤس(٥) والتمور ، لنبي يبعث في هذه الحرة مخرجه بمكة ، ومهاجره ههنا(٦) ، وهو آخر الانبياء وأفضلهم ، يركب الحمار ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالكسرة ، في عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، و يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى ، وهو الضحوك القتال ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ، فقالوا له : قد سمعنا ما تقول ، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة على أن لا نكون لك ولا عليك ، ولا نعين عليك أحدا ، ولا نتعرض لاحد من أصحابك ولا تتعرض لنا ولا لاحد من أصحابنا حتى ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر قومك
____________________
(١) في المصدر : فقالوا إى
(٢) رواه الصدوق في اكمال الدين : ١١٤ و ١١٥. باسناده عن على بن إبراهيم. وأخرجه المصنف في باب البشائر.
(٣) في المصدر : ومهاجرى بهذه الحرة.
(٤) تقدم في باب البشائر بمولده ان اسمه ابن حواش الحبر راجع ج ١٥ : ٢٠٦.
(٥) البؤس : الشدة والفقر.
(٦) في اكمال الدين : لنبى يبعث ، هذا أوان خروجه ، يكون مخرجه بمكة وهذه دار هجرته.
فأجابهم رسول الله (ص) إلى ذلك ، وكتب بينهم كتابا ألا يعينوا على رسول الله (ص) ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع(١) في السر والعلانية لا بليل ولا بنهار ، الله بذلك عليهم شهيد ، (٢) فإن فعلوا فرسول الله في حل من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، وأخذ أموالهم ، وكتب لكل قبيلة منهم كتابا على حدة ، وكان الذي تولى أمر بني النضير حي(٣) ابن أخطب ، فلما رجع إلى منزله قال له إخوته : جدي(٤) بن أخطب وأبوياسر بن أخطب : ما عندك؟ قال : هو الذي نجده في التوراة ، والذي بشرنا به علماؤنا ، ولا أزال له عدوا ، لان النبوة خرجت من ولد إسحاق وصارت في ولد إسماعيل ، ولا نكون تبعا لولد إسماعيل أبدا.
وكان الذي ولى امر قريظة كعب بن أسد ، والذي ولى أمر بني قينقاع مخيريق وكان أكثرهم مالا وحدائق ، فقال لقومه : تعلمون(٥) أنه النبي المبعوث؟ فهلموا نؤمن به ونكون قد أدركنا الكتابين ، فلم يجبه قينقاع إلى ذلك.
قال وكان رسول اله صلىاللهعليهوآله يصلي في المربد بأصحابه.
فقال لاسعد بن زرارة : اشتر هذا المربد من أصحابه ، فساوم اليتيمين عليه فقالا : هو لرسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا إلا بثمن ، فاشتراه بعشرة دنانير ، و كان فيه ماء مستنقع ، فأمر به رسول الله فسيل(٦) ، وأمر باللبن فضرب ، فبناه رسول الله صلىاللهعليهوآله فحفره في الارض ، ثم أمر بالحجارة فنقلت من الحرة ، (٧) فكان
____________________
(١) الكراع يطلق على الخيل والبغال والحمير.
(٢) في نسخة : الله بذلك عليم شهيد.
(٣) هكذا في النسخ ، والصحيح : حيى كسمى.
(٤) جدى بالضم كسمى.
(٥) في المصدر : ان كنتم تعلمون.
(٦) استنقع الماء في الغدير أى اجتمع وثبت ، وسال الماء سيلا وسيلانا ، جرى ، مجهوله سيل.
(٧) الحرة بالفتح : الارض ذات حجارة نخرة سود كانها احرقت بالنار.
المسلمون ينقلونها ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله يحمل حجرا على بطنه ، فاستقبله اسيد بن حضير فقال : يا رسول الله أعطني أحمله عنك ، قال : لا اذهب فاحمل غيره ، فنقلوا الحجارة ورفعوها من الحفرة حتى بلغ وجه الارض ، ثم بناه أولا بالسعيدة : لبنة لبنه ، ثم بناه بالسميط وهو لبنة ونصف ، ثم بناه بالانثى والذكر : لبنتين مخالفتين ، ورفع حائطه قامة ، وكان مؤخره(١) مائة ذراع ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله لو أظللت عليه ظلا ، فرفع صلىاللهعليهوآله أساطينه في مقدم المسجد إلى ما يلي الصحن بالخشب. ثم ظلله وألقى عليه سعف النخل فعاشوا فيه ، فقالوا : يا رسول الله لو سقفت سقفا ، قال : لا عريش كعريش موسى الامر أعجل من ذلك ، وابنتى رسول الله صلىاللهعليهوآله منازله ومنازل أصحابه حول المسجد ، وخط لاصحابه خططا ، فبنوا فيه منازلهم ، وكل شرع(٢) منه بابا إلى المسجد وخط لحمزة وشرع بابه إلى المسجد ، وخط لعلي بن أبي طالب عليهالسلام مثل ما خط لهم ، وكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد ، فنزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تأمر كل من كان له باب إلى المسجد أن يسده ، ولا يكون لاحد باب إلى المسجد إلا لك ولعلي عليهالسلام ، ويحل لعلي فيه ما يحل لك ، فغضب أصحابه وغضب حمزة وقال : أنا عمه يأمر بسد بابي ، ويترك باب ابن أخي وهو أصغر مني ، فجاءه فقال : يا عم لا تغضبن من سد بابك وترك باب علي فوالله ما أنا أمرت بذلك(٣) ولكن الله أمر بسد أبوابكم وترك باب علي ، فقال : يا رسول الله رضيت وسلمت لله ولرسوله.
قال : وكان رسول الله (ص) حيث بني منازله كانت فاطمة عليهاالسلام عنده ، فخطبها أبوبكر فقال رسول الله : أنتظر أمر الله ، ثم خطبها عمر فقال : مثل ذلك ، فقيل
____________________
(١) في نسخة : وكان مؤخره في مائة ذراع. وفى المصدر : وكان مؤخر [ ذراع ] في مائة ذراع.
(٢) شرع الباب إلى الطريق أى أنفذه إليه.
(٣) في المصدر : ما أمرت أنا بذلك.
لعلي عليهالسلام : لم لا تخطب فاطمة؟ فقال : والله ما عندي شئ ، فقيل له : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يسألك شيئا ، فجاء إلى رسول الله (ص) فاستحيى أن يسأله ، فرجع ثم جاءه في اليوم الثاني فاستحيى فرجع ، ثم جاءه في اليوم الثالث فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله يا علي ألك حاجة؟ قال : بلى يا رسول الله ، فقال : لعلك جئت خاطبا؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال له رسول الله : هل عندك شئ يا علي؟ قال : ما عندي يا رسول الله شئ إلا درعي ، فزوجه رسول الله على اثنتي عشرة أوقية و نش(١) ودفع إليه درعه فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : هيئ منزلا حتى تحول فاطمة إليه ، فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله ما ههنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان وكان لفاطمة عليهاالسلام يوم بنى بها أمير المؤمنين عليهالسلام تسع سنين ، فقال رسول الله (ص) : والله لقد استحيينا من حارثة بن النعمان قد أخذنا عامة منازله ، فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله أنا ومالي لله ولرسوله ، والله ما شئ أحب إلي مما تأخذه والذي تأخذه أحب إلي مما تتركه ، فجزاه رسول الله صلىاللهعليهوآله خيرا ، فحولت فاطمة إلى علي عليهالسلام في منزل حارثة ، وكان فراشهما إهاب(٢) كبش جعلا صوفه تحت جنوبهما.
قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة ، وفي هجرته حتى أتى له سبعة أشر ، (٣) فلما أتى له سبعة أشهر عيرته اليهود وقالوا له : أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا ، ونحن أقدم منك في الصلاة ، فاغتم رسول الله (ص)
____________________
(١) النش بالفتح : النصف.
(٢) الاهاب : الجلد. أو ما لم يدبغ منه.
(٣) اختلف في تاريخ تحويل القبلة إلى الكعبة ، روى على بن إبراهيم ، سبعة أشهر بعد مهاجرة النبى صلىاللهعليهوآله ، وقال ابن اسحاق : صرف في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة ، وهو المروى عن ابن عباس ، واختاره اليعقوبى في تاريخه ، ثم قال : وقيل : بسنة ونصف. وروى عن انس بن مالك تسعة أشهر أو عشرة اشهر ، وعن معاذ بن جبل ثلاثة عشر شهرا. راجع مجمع البيان ١ : ٢٢٣ وسيرة ابن هشام ٢ : ١٧٦ وتاريخ اليعقوبى ٢ : ٣١
من ذلك ، وأحب أن يحول الله قبلته إلى الكعبة ، فخرج في جوف الليل ونظر إلى آفاق السماء ينتظر أمر الله ، وخرج في ذلك اليوم إلى مسجد بني سالم الذي جمع فيه أول جمعة كانت بالمدينة ، وصلى بهم الظهر هناك بركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، ونزل عليه : « قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها(١) » الآيات.
ثم نزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله آية القتال وأذن له في محاربة قريش وهي قوله : « اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله(٢) ».
توضيح(٣) : التوكف : التوقع والانتظار ، وقال الجوهري : الآل : الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب انتهى.
وفي بعض رواياتهم « رأى رجلا مبيضا يزول به السراب » قال في النهاية : أي يرفعه ويظهره ، يقال : زال به السراب : إذا ظهر شخصه فيه خيالا.
وقال : الاطم مثل الاجم يخفف ويثقل ، والجمع آطام ، وهي حصون لاهل المدينة. وقال : تشوفت إلى الشئ أى تطلعت يقال : النساء يتشوفن إلى السطوح أي ينظرن ويتطاولن. قوله : لا أريم أي لا أبرح ولا أزول ، قوله : والحلقة في بعض النسخ بالحاء المهملة والقاف ، وهي بالفتح وسكون اللام : السلاح ، وفي بعضها بالفاء وهي بالكسر المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد.
قوله : أكثر فم بئر ، لعله جعل كثرة الناس في فم البئر ، أو كثرة البئر كناية عن كثرة الاتباع والاضياف. والخبب : ضرب من العدو.
وقال الجزري : فيه أن مسجده كان مربدا ليتيمين ، المربد : الموضع الذي يحبس فيه الابل والغنم ، وبه سمي مربد المدينة والبصرة ، بكسر الميم وفتح
____________________
(١) البقرة : ١٤٤.
(٢) اعلام الورى : ٤٢ ـ ٤٧ ط ١ و ٧٤ ـ ٨٢ ط ٢ : والايتان في سورة الحج : ٣٩ و ٤٠.
(٣) في نسخة : ايضاح.
الباء من ربد بالمكان : إذا أقام فيه ، وربده : إذا حسبه ، والمربد أيضا : الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف.
٢ ـ كا : في الروضة : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن المسيب قال : سألت علي ابن الحسين عليهماالسلام ابن كم كان علي بن أبي طالب عليهالسلام يوم أسلم فقال : أو كان كافرا قط؟ إنما كان لعلي عليهالسلام حيث بعث الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوآله عشر سنين ، ولم يكن يومئذ كافرا ، ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله عليهالسلام وسبق الناس كلهم إلى الايمان بالله وبرسوله وإلى الصلاة بثلاث سنين ، وكانت أول صلاة صلاها مع رسول الله صلىاللهعليهوآله الظهر ركعتين ، وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتن ركعتين ، وكان رسول الله (ص) يصليها بمكة ركعتين ويصليها علي عليهالسلام معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين حتى هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة ، وخلف عليا عليهالسلام في امور لم يكن يقوم بها أحد غيره ، وكان خروج رسول الله (ص) من مكة في أول يوم من ربيع الاول وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث ، وقدم المدينة لاثني عشر ليلة خلت من شهر ربيع الاول مع زوال الشمس ، فنزل بقباء فصلى الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا عليهالسلام يصلي الخمس صلوات ركعتين ركعتين ، وكان نازلا على عمرو بن عوف ، فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له : أتقيم عندنا فنتخذ لك مسجدا(١)؟ فيقول : لا ، إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يحلقني ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي ، وما أسرعه إن شاء الله ، فقدم علي عليهالسلام والنبي (ص) في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ، ثم إن رسول ـ الله صلىاللهعليهوآله لما قدم علي(٢) تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي عليهالسلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخط لهم مسجدا ، ونصب قبلته وصلى بهم فيه الجمعة ركعتين ، وخطب خطبتين ، ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم
____________________
(١) في المصدر : فنتخذ لك منزلا ومسجدا؟.
(٢) في المصدر : لما قدم عليه على عليهالسلام.
عليها وعلي عليهالسلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه ، وليس يمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ببطن من بطون الانصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم ، فيقول لهم : خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة فانطلقت به ورسول الله صلىاللهعليهوآله واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى ـ وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي يصلي عنده بالجنائز ـ فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها على الارض ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله وأقبل أبوأيوب مبادرا حتى احتمل رحله ، فأدخله منزله ، ونزل رسول الله (ص) وعلي عليهالسلام معه حتى بنى له مسجده ، وبنيت له مساكنه ومنزل علي عليهالسلام فتحولا إلى منازلهما.
فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين عليهماالسلام : جعلت فداك كان أبوبكر مع رسول الله صلىاللهعليهوآله حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه؟ فقال : إن أبا بكر لما قدم رسول الله (ص) إلى قباء فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليهالسلام ، فقال له أبوبكر : انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك ، وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هيهنا تنتظر عليا ، فما أظنه يقدم إليك إلى شهر ، فقال له رسول الله (ص) كلا ما أسرعه. ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عزوجل ، وأحب أهل بيتي إلي ، فقد وقاني بنفسه من المشركين قال : فغضب عند ذلك أبوبكر و أشمأز وداخله من ذلك حسد لعلي عليهالسلام وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله صلىاللهعليهوآله في علي عليهالسلام ، وأول خلاف على رسول الله (ص) ، فانطلق حتى دخل المدينة ، وتخلف رسول الله صلىاللهعليهوآله بقباء حتى ينتظر عليا.
قال : فقلت لعلي بن الحسين عليهماالسلام : فمتى زوج رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة عليهاالسلام من علي عليهالسلام؟ فقال : بالمدينة بهد الهجرة(١) بسنة ، وكان لها يومئذ تسع سنين.
____________________
(١) الظاهر مما تقدم من الطبرسى في الرواية السابقة أن تزويجها كان بعد الهجرة بقليل ، وهو يوافق ما في تاريخ اليعقوبى من وقوع التزويج بعد شهرين ، ولكن المقريزى صرح بأنه وقعت في صفر. ويأتى ان شاء الله الكلام حول ذلك في محله.
قال علي بن الحسين عليهماالسلام : ولم يولد لرسول الله (ص) من خديجة عليهاالسلام على فطرة الاسلام إلا فاطمة عليهالسلام ، وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبوطالب رضياللهعنه بعد موت خديجة رضي الله عنها بسنة(١) ، فلما فقدهما رسول ـ الله صلىاللهعليهوآله سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد ، وأشفق على نفسه من كفار قريش فشكى إلى جبرئيل عليهالسلام ذلك فأوحى الله عزوجل إليه : اخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر ، وانصب للمشركين حربا فعند ذلك توجه رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينه.
فقلت : فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال : بالمدينة حين ظهرت الدعوة ، وقوي الاسلام ، وكتب الله عزوجل على المسلمين الجهاد زاد رسول الله صلىاللهعليهوآله في الصلاة سبع ركعات : في الظهر ركعتين ، وفي العصر ركعتين ، و في المغرب ركعة ، وفي العشاء الآخرة ركعتين ، وأقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ، ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ، وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله صلىاللهعليهوآله صلاة الفجر ، فلذلك قال الله عزوجل : « وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا(٢) » يشهده المسلمون وتشهده ملائكة النهار وملائكة الليل(٣).
بيان : البضع : ما بين الثلاث إلى العشرة ، وجران البعير بالكسر : مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره. قوله : وهم يستريثون : أي يستبطؤن. قوله : على فطرة الاسلام : أي بعد بعثته صلىاللهعليهوآله.
قوله عليهالسلام : لتعجيل نزول ملائكة الليل.
أقول : تعليل قصر الصلاة بتعجيل عروج ملائكة الليل ظاهر ، وأما تعليله بتعجيل ملائكة النهار فيمكن أن يوجه بوجوه :
____________________
(١) تقدم سابقا الخلاف في المدة التى كانت فيما بين فوتهما راجعه.
(٢) الاسراء : ٧٨.
(٣) الروضة : ٣٣٨ ـ ٣٤١.
الاول : أن يقال : إن صلاة الفجر إذا كانت قصيرة يعجلون في النزول ليدركوه ، بخلاف ما إذا كانت طويلة لامكان تأخيرهم النزول إلى الثالثة أو الرابعة وفيه أن هذا إنما يستقيم إذا لم يكن شهودهم من أول الصلاة لازما وهو خلاف ظاهر الخبر.
الثاني : أن يقال : لعل الحكمة اقتضت عدم اجتماع ملائكة الليل والنهار كثيرا في الارض ، فيكون تعجيل عروج ملائكة الليل أمرا مطلوبا في نفسه و معللا أيضا بتعجيل نزول ملائكة النهار.
الثالث : أن يكون شهود ملائكة النهار لصلاة الفجر في الهواء ، ويكون المراد بنزولهم نزولهم إلى الارض ، فلا ينزلون إلا مع عروج ملائكة الليل.
الرابع : ما قيل : إن معناه أنه لما كانت ملائكة النهار تنزل بالتعجيل لاجل فعل ما هي مأمورة به في الارض من كتابة الاعمال وغيرها. فكان مما يتعلق بها أول النهار ناسب ذلك تخفيف الصلاة ليشتغلوا بما امروا به ، كما أن ملائكة الليل تتعجل العروج ، إما لمثل ما ذكر من كونها تتعلق بها امور بحيث تكون من أول الليل كعبادة ونحوها ، بل لو لم يكن إلا أمرها بالعروج إذا انقضت مدة عملها لكفى ، فتعجيل النزول للفرض المذكور علة للتخفيف ، كما أن تعجيل العروج علة مع تحصيلهم جميعا الصلاة معه ، ولا يضر كون التعجيل في الاول علة العلة.
ثم اعلم أنه ورد في الفقيه والعلل هكذا : « وأقر الفجر على ما فرضت بمكة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ، ولتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الارض فكانت ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون(١) ».
فعلى هذا يزيد احتمال خامس وهو أن يكون قصر الصلاة معللا بتعجيل العروج فقط ، وأما تعجيل النزول فيكون علة لما بعده ، أعني شهود ملائكة الليل والنهار جميعا.
____________________
(١) الفقيه : ١٢١ ، علل الشرائع ١٤.
٣ ـ كا : علي بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته عليهالسلام يقول : إن رسول الله (ص) بنى مسجده بالسميط ثم إن المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة ، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل ، فقال : نعم فأمر به فاقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والاذخر(١) ، فعاشوا فيه حتى أصابتهم الامطار ، (٢) فجعل المسجد يكف عليهم(٣) فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا ، عريش كعريش موسى عليهالسلام ، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله (ص) ، وكان جداره قبل أن يظلل قامة ، فكان إذا كان الفئ ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر ، فإذا كان(٤) ضعف ذلك صلى العصر.
وقال عليهالسلام : السميط : لبنة لبنة ، والسعيدة : لبنة ونصف ، والذكر والانثى : لبنتان مخالفتان(٥).
٤ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن الحسن بن علي ، (٦) عن عبيس بن
____________________
(١) السوارى جمع السارية الاسطوانة. والعوارض : خشب سقف البيت المعرضة. والخصف جمع الخصفة : الجلة التى يكنز فيه التمر. أى المنسوج من الخوص. والاذخر : الحشيش الاخضر.
(٢) في المصدر : حتى اصابهم المطر.
(٣) وكف البيت : قطر سقفه.
(٤) في المصدر : وإذا كان.
(٥) فروع الكافى ١ : ٨١.
(٦) في نسخة محمد بن الحسين بن على.
هشام ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لما دخل النبي صلىاللهعليهوآله المدينة خط دورها برجله ، ثم قال : اللهم من باع رباعه فلا تبارك له.(١)
بيان : خط دورها بالفتح ، أي حولها ، أو بالضم جمع الدار ، فالمراد بها الدور التي بناها له ولاهل بيته وأصحابه صلىاللهعليهوآله ، والرباع بالكسر جمع الربع بالفتح وهي الدار.
٥ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبدالله بن هلال ، عن عقبة بن خالد قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام إنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدا؟ فقال : ابدأ بقباء فصل فيه وأكثر ، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه العرصة ، ثم ائت مشربة ام إبراهيم(٢) فصل فيها ، وهي مسكن رسول الله صلى اله عليه وآله ومصلاه ، ثم تأتي مسجد الفضيح(٣) فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك صلىاللهعليهوآله.
٦ ـ كا : علي ، عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن حماد عن الحلبي ، عن
____________________
(١) فروع الكافى ١ : ٣٥٣
(٢) قال الطريحى في مجمع البحرين : المشربة بفتح الميم ، وفتح الراء وضمها : الغرفة ومنه مشربة ام إبراهيم ، وإنما سميت بذلك لان إبراهيم ابن النبى صلىاللهعليهوآله ولدته امه فيها ، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشبة تلك المشربة وقد ذرعت من القبلة إلى الشمال أحد عشر ذرعا.
(٣) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : الفضيخ بالخاء المعجمة ، وهو مسجد من مساجد المدينة ، روى الكلينى باسناده عن عمار بن موسى أن فيه ردت الشمس لامير المؤمنين على عليهالسلام ، وروى باسناده عن ليث المرادى أنه سأل أبا عبدالله عليهالسلام عن مسجد الفضيخ لم سمى مسجدا الفضيخ فقال : لنخل يسمى الفضيخ ، فلذلك سمى مسجد الفضيخ راجع فروع الكافى ١ : ٣١٩.
(٤) فروع الكافى ١ : ٣١٨.