التفسير الأثري الجامع - ج ٥

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-06-7
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

والعفو من المال : ما فضل عن النفقة ولا عسر على صاحبه في الإعطاء : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ)(١).

والعفو : الوسط ، لا إسراف ولا تقتير : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٢).

والعفو : القصد والكفاف كما في الحديث الآتي (٣).

فهذه عشرة معان للعفو في الآية الكريمة ، ولا يبعد أن يكون الجميع مقصودا ، لجامع الاشتراك بينها في المآل.

قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)

فهذا بيان لاستجاشة التفكّر والتدبّر فيما جاء التكليف به أو الحثّ عليه في شأن من شؤون الدنيا والآخرة. وهما متلازمتان ، وكانت الدنيا السعيدة طريقا معبّدا للحصول على نعيم الآخرة حيث السعادة الخالدة. فالدنيا شطر الحياة الأدنى والأقصر ، لو لا أن كانت مدعاة إلى الشطر الآخر الأفسح الأعلى بلا نهاية.

ومسألة الإنفاق بالذات في حاجة إلى حساب الدنيا والآخرة معا. فما ينقص من مال المرء بالإنفاق في سبيل الخير ، يعود عليه بطهارة لقلبه وزكاة لمشاعره ، كما يعود على المجتمع بالصلاح والوئام والسّلام. هذا فضلا عمّا ينتظره من ثواب الآخرة وحسناتها الباقية.

فلا يرجع المنفق ماله في سبيل الله خاسرا صفقته تلك المربحة ، وقد ضوعفت له أضعافا كثيرة ؛ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٤).

[٢ / ٦٤٥٠] روى العيّاشيّ بالإسناد إلى يوسف عن أبي عبد الله أو أبي جعفر عليهما‌السلام في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : «الكفاف». وفي رواية أبي بصير : «القصد» (٥).

[٢ / ٦٤٥١] وعن عبد الرحمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٧.

(٢) الفرقان ٢٥ : ٦٧.

(٣) العيّاشيّ ١ : ١٢٥ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

(٤) البقرة ٢ : ٢٤٥.

(٥) العيّاشيّ ١ : ١٢٥ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ؛ البرهان ١ : ٤٦٨ / ١١.

٤٨١

الْعَفْوَ) قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(١) قال : هذه بعد هذه هي الوسط» (٢).

[٢ / ٦٤٥٢] وعن عليّ بن إبراهيم في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : «لا إقتار ولا إسراف» (٣).

[٢ / ٦٤٥٣] وروى أبو جعفر الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : «العفو الوسط» (٤).

[٢ / ٦٤٥٤] وقال الطبرسيّ ـ في قوله تعالى : (قُلِ الْعَفْوَ) ـ : فيه أقوال إلى قوله : «وثالثها : أنّ العفو ما فضل عن قوت السنة. عن الباقر عليه‌السلام قال : ونسخ ذلك بآية الزكاة» (٥).

قلت : معنى النسخ هنا ، أنّه من قبيل تبديل السنّة بالفرض.

[٢ / ٦٤٥٥] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحّاس في ناسخه عن ابن عبّاس في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : هو ما لا يتبيّن في أموالكم ، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة (٦).

__________________

(١) الفرقان ٢٥ : ٦٧.

(٢) العيّاشيّ ١ : ١٢٥ / ٣١٦ ؛ البرهان ١ : ٤٦٨ / ١٠ ؛ نور الثقلين ٤ : ٢٨ / ٩٩ ، سورة الفرقان وفيه : نزلت هذه بعد هذه.

(٣) القمّي ١ : ٧٢ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٤ ؛ الصافي ١ : ٣٨٧ ؛ نور الثقلين ١ : ٢١٠.

(٤) نور الثقلين ١ : ٢١٠ ؛ الكافي ٤ : ٥٢ / ٣ ، أبواب الصدقة ، باب فضل القصد ؛ العيّاشيّ ١ : ١٢٥ / ٣١٥ ، نقلا عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله : وَيَسْئَلُونَكَ ... ؛ التبيان ٢ : ٢١٤ ، بلفظ : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ العفو هاهنا : الوسط ؛ مجمع البيان ٢ : ٨٢ ، بلفظ : وثانيها : أنّ العفو الوسط من غير إسراف ولا إقتار ، عن الحسن وعطا ، وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٤ ؛ البرهان ١ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ / ٨ و ٩ و ١٢ ؛ الصافي ١ : ٣٨٧ ؛ الفقيه ٢ : ٦٤ / ١٧٢١ ، كتاب الخمس ، فضل القصد ، رواه مرسلا.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٨٢ ، وزاد : وبه قال السدّي ؛ التبيان ٢ : ٢١٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٤ ؛ البرهان ١ : ٤٦٩ / ١٣ ؛ نور الثقلين ١ : ٢١١.

(٦) الطبري ٢ : ٤٩٦ و ٥٠٠ / ٣٣٢١ و ٣٣٣٤ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٤ / ٢٠٧٣ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ الدرّ ١ : ٦٠٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٨.

٤٨٢

[٢ / ٦٤٥٦] وقال ابن كثير : قيل إنّها منسوخة بآية الزكاة كما رواه عليّ بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عبّاس وقاله عطاء الخراساني والسدّي (١).

[٢ / ٦٤٥٧] وقال : وقيل : منسوخة أي مبيّنة بآية الزكاة ، قاله مجاهد وغيره ـ وهو أوجه (٢).

[٢ / ٦٤٥٨] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (قُلِ الْعَفْوَ) قال : لم تفرض فيه فريضة معلومة ، ثمّ قال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(٣) ثمّ نزلت الفرائض بعد ذلك مسمّاة (٤).

[٢ / ٦٤٥٩] وقال مجاهد : هو فرض ثابت (٥). أي غير منسوخ.

قال الطبري : والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاس ـ على ما رواه عنه عطيّة ـ من أنّ قوله : (قُلِ الْعَفْوَ) ، ليس بإيجاب فرض فرض من الله حقّا في ماله ، ولكنّه إعلام منه ما يرضيه من النفقة ، ممّا يسخطه ، جوابا منه لمن سأل نبيّه محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا فيه له رضا ، فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدّبهم به في الصدقة غير المفروضات ، ثابت الحكم غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه ، ولا منسوخ بحكم حدث بعده ، فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوّع وهباته وعطايا النفل وصدقته ما أدّبهم به نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :

[٢ / ٦٤٦٠] «إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه ثمّ بأهله ثمّ بولده ، ثمّ يسلك حينئذ في الفضل مسالكه الّتي ترضي الله ويحبّها». وذلك هو القوام بين الإسراف والإقتار الّذي ذكره الله ـ عزوجل ـ في كتابه.

ويقال لمن زعم أنّ ذلك منسوخ : ما الدلالة على نسخه؟ وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أنّ للرجل أن ينفق من ماله صدقة وهبة ووصيّة الثلث ، فما الّذي دلّ على أنّ ذلك منسوخ؟ فإن زعم أنّه يعني بقوله : إنّه منسوخ أنّ إخراج العفو من المال غير لازم فرضا ، وأنّ فرض ذلك ساقط بوجود الزكاة في المال ، قيل له : وما الدليل على أنّ إخراج العفو كان فرضا ، فأسقطه فرض الزكاة؟ ولا دلالة في الآية على أنّ ذلك كان فرضا ، إذ لم يكن أمر من الله ـ عزّ ذكره ـ بل فيها الدلالة على أنّها

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٢٦٣.

(٢) المصدر.

(٣) الأعراف ٧ : ١٩٩.

(٤) الدرّ ١ : ٦٠٨ ؛ الطبري ٢ : ٥٠٠ / ٣٣٣٥ ؛ نواسخ القرآن لابن الجوزي : ٨٣.

(٥) التبيان ٢ : ٢١٣ ، قال الشيخ : وقال قوم : هو أدب من الله ثابت غير منسوخ ، وهو الأقوى لأنّه لا دليل على نسخها.

٤٨٣

جواب ما سأل عنه القوم على وجه التعرّف لما فيه لله الرضا من الصدقات ، ولا سبيل لمدّعي ذلك إلى دلالة توجب صحّة ما ادّعى (١).

[٢ / ٦٤٦١] وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحّاس في ناسخه والطبرانيّ والبيهقيّ في شعب الإيمان عن ابن عبّاس في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : ما يفضل عن أهلك. وفي لفظ قال : الفضل من العيال (٢).

[٢ / ٦٤٦٢] وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله : (قُلِ الْعَفْوَ) قال : ذلك أن لا تجهد مالك ، ثمّ تقعد تسأل الناس! (٣)

[٢ / ٦٤٦٣] وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء ، عن قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : العفو في النفقة أن لا تجهد مالك حتّى ينفذ ، فتسأل الناس (٤).

[٢ / ٦٤٦٤] وعنه أيضا قال : سألت عطاء ، عن قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال : العفو : ما لم يسرفوا ، ولم يقتروا في الحقّ. قال : وقال مجاهد : العفو صدقة عن ظهر غنى (٥).

[٢ / ٦٤٦٥] وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله : (قُلِ الْعَفْوَ) قال : الفضل (٦).

[٢ / ٦٤٦٦] وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن طاووس قال : العفو اليسر من كلّ شيء ، قال : وكان مجاهد يقول : (الْعَفْوَ) الصدقة المفروضة (٧).

__________________

(١) الطبري ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠١.

(٢) الدرّ ١ : ٦٠٧ ؛ سنن سعيد ٣ : ٨٣٨ / ٣٦٥ ؛ الطبري ٢ : ٤٩٥ / ٣٣١٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٣ / ٢٠٦٩ ، بلفظ : «ما يفضل عن أهلك» وزاد : «قال أبو محمّد : وروي عن عبد الله بن عمر ومجاهد وعطاء والحسن وعكرمة ومحمّد بن كعب وقتادة والقاسم وسالم وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني والربيع بن أنس نحو ذلك» ؛ الكبير ١١ : ٣٠٥ / ١٢٠٧٥ ، بلفظ : «الفضل على العيال» ؛ الشعب ٣ : ٢٣٤ / ٣٤١٥ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ التبيان ٢ : ٢١٣.

(٣) الدرّ ١ : ٦٠٧ ؛ الطبري ٢ : ٤٩٦ ، بعد رقم ٣٣٢٥ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٨.

(٤) الطبري ٢ : ٤٩٦ / ٣٣٢٤.

(٥) الطبري ٢ : ٤٩٦ / ٣٣٢٥ ؛ مجمع البيان ٢ : ٨٢.

(٦) الدرّ ١ : ٦٠٧ ؛ الطبري ٢ : ٤٥٩ / ٣٣١٧ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٨ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٣٨ / ٢٥٨ ؛ البخاري ٦ : ١٨٩ ، عن الحسن ، كتاب النفقات.

(٧) الدرّ ١ : ٦٠٨ ؛ الطبري ٢ : ٤٩٦ / ٣٣٢٢ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ، عن طاووس وعطاء الخراساني ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٣ / ٢٠٧٠ و ٢٠٧٢.

٤٨٤

[٢ / ٦٤٦٧] وعن الضحّاك قال : (الْعَفْوَ) الطاقة (١).

[٢ / ٦٤٦٨] روى ابن زنجويه ـ في كتاب الأموال ـ عن رجل من ثقيف قال : استعملني عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على عكبرا فقال لي : «لا تضربنّ رجلا منهم سوطا في طلب درهم ، ولا تقمه قائما ، ولا تأخذنّ منهم شاة ولا بقرة ، إنّما أمرنا أن نأخذ منهم العفو : أتدري ما العفو؟ الطاقة!» (٢).

[٢ / ٦٤٦٩] وروي عن قتادة : العفو : الفضل ، أفضل مالك (٣).

[٢ / ٦٤٧٠] وعن الربيع : الطيّب منه. أفضل مالك وأطيبه (٤).

[٢ / ٦٤٧١] وعن عمرو بن دينار : الوسط من غير إسراف ولا إقتار (٥).

[٢ / ٦٤٧٢] وأخرج أبو يعلى والحاكم وصحّحه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأيدي ثلاث. فيد الله العليا ، ويد المعطي الّتي تليها ، ويد السائل السفلى ، إلى يوم القيامة ، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت ، فإن أعطيت خيرا فلير عليك ، وابدأ بمن تعول ، وارضخ من الفضل ، ولا تلام على الكفاف» (٦).

[٢ / ٦٤٧٣] وأخرج الطيالسي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود ، قال : إذا آتاك الله مالا ، فلير عليك ، وارضخ من الفضل (٧) ، وابدأ بمن تعول ، لا تلام على كفاف.

ثمّ قال : الأيدي ثلاث : يد الله العليا ، ويد المعطي الّتي تليها ، ويد السائل السفلى ، إلى يوم القيامة (٨).

[٢ / ٦٤٧٤] وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنّه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن

__________________

(١) الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٨.

(٢) كنز العمّال ٥ : ٧٧٣ / ١٤٣٤٦.

(٣) الطبريّ ٢ : ٤٩٧ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢.

(٤) الطبريّ ٢ : ٤٩٧ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٣.

(٥) الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ؛ البغوي ١ : ٢٨٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٨.

(٦) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ أبو يعلى ٩ : ٦٠ ـ ٦١ / ٥١٢٥ ؛ الحاكم ١ : ٤٠٨ ؛ كنز العمّال ٦ : ٥١٠ / ١٦٧٦٧.

(٧) رضخ له من ماله رضخة : أعطاه منه شيئا ، كأنّه قطع من ماله طرفا وأعطاه.

(٨) مسند الطيالسي : ٤٠ ؛ الطبري ٢ : ٤٩٨ ، إلى قوله : ولا تلام على كفاف.

٤٨٥

يعول ، ثمّ إن وجد فضلا بعد ذلك فليتصدّق على غيرهم» (١).

[٢ / ٦٤٧٥] وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم بالإسناد إلى أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، واليد العليا خير من اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ...» (٢).

[٢ / ٦٤٧٦] وأخرجه الطبراني بالإسناد إلى عبد الله بن مسعود عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اليد العليا أفضل من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول : أمّك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك» (٣).

[٢ / ٦٤٧٧] وأخرج أبو داوود والنسائي وابن جرير وابن حبّان والحاكم وصحّحه عن أبي هريرة قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصدقة ، فقال رجل : يا رسول الله عندي دينار ، قال : تصدّق به على نفسك. قال : عندي آخر ، قال : تصدّق به على ولدك. قال : عندي آخر ، قال : تصدّق به على زوجتك. قال : عندي آخر ، قال : تصدّق به على خادمك. قال : عندي آخر ، قال : أنت أبصر!» (٤).

[٢ / ٦٤٧٨] وأخرج ابن سعد وأبو داوود والحاكم وصحّحه عن جابر بن عبد الله ، قال : «كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جآء رجل ، وفي لفظ ابن سعد : قدم أبو حصين السّلمي بمثل بيضة الحمامة من ذهب ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبت هذه من معدن فخذها ، فهي صدقة ما أملك غيرها ، فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثمّ أتاه من ركنه الأيسر ، فأعرض عنه ، ثمّ أتاه من خلفه ، فأخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحذفه بها (٥) ، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته! فقال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ، ثمّ يقعد يستكفّ الناس (٦) ، خير الصدقة

__________________

(١) الطبري ٢ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨ / ٣٣٣١ ؛ البيهقي ١٠ : ٣٠٩.

(٢) البخاري ٢ : ١١٧ و ١٩٠ ؛ مسلم ٣ : ٩٤ ؛ أبو داوود ١ : ٣٧٨ ؛ النسائي ٢ : ٣٣ ، و ٥ : ٣٨٤ ؛ صحيح ابن خزيمة ٤ : ٩٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٩٤ و ٣٩٦.

(٣) الكبير ١٠ : ١٨٦ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٢٠ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٨٦.

(٤) الدرّ ١ : ٦٠٨ ؛ أبو داوود ١ : ٣٨١ / ١٦٩١ ، باب ٤٦ ؛ النسائي ٢ : ٣٤ / ٢٣١٤ ، باب ٥٦ ؛ صحيح ابن حبّان ١٠ : ٤٧ ـ ٤٨ / ٤٢٣٥ ؛ الحاكم ١ : ٤١٥ ، كتاب الزكاة ؛ الطبري ٢ : ٤٩٧ / ٣٣٣٠ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٣ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٥) يقال : حذفه بالعصا أو الحجر أي ضربه أو رماه به.

(٦) استكفّ الناس : مدّكفّه إليهم يستعطيهم.

٤٨٦

ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» (١).

[٢ / ٦٤٧٩] وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، ومن يستعفّ يعفّه الله ، ومن يستغن يغنه الله» (٢).

[٢ / ٦٤٨٠] وأخرج مسلم والنسائي عن جابر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ، فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك» (٣).

[٢ / ٦٤٨١] وأخرج أبو داوود وابن حبّان والحاكم عن مالك بن نضلة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأيدي ثلاث ؛ فيد الله العليا ، ويد المعطي الّتي تليها ، ويد السائل السفلى ، فأعط الفضل ولا تعجز نفسك» (٤).

[٢ / ٦٤٨٢] وأخرج أبو داوود والنسائي والحاكم وصحّحه عن أبي سعيد الخدري ، قال : «دخل رجل المسجد ، فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن يطرحوا أثوابا ، فطرحوا ، فأمر له منها بثوبين ، ثمّ حثّ على الصدقة ، فجاء الرجل فطرح أحد الثوبين! فصاح به وقال : خذ ثوبك!» (٥).

[٢ / ٦٤٨٣] وأخرج أحمد عنه قال : «دخل رجل المسجد يوم الجمعة ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فجعل يحثّ الناس على التصدّق ، ففعلوا ، فأعطاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثوبين ممّا تصدّقوا. ثمّ أدام في كلامه في الحثّ على التصدّق ، فجاء الرجل وألقى أحد الثوبين صدقة ، فانتهره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكره ما

__________________

(١) الدرّ ١ : ٦٠٨ ـ ٦٠٩ ؛ الطبقات ٤ : ٢٧٧ ؛ أبو داوود ١ : ٣٧٧ / ١٦٧٣ ، باب ٤٠ ؛ الحاكم ١ : ٤١٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ / ١٦٢٣٩ ؛ الطبري ٢ : ٤٩٨ / ٣٣٣٢ ؛ الثعلبيّ ٢ : ١٥٣ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢١٩.

(٢) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ البخاري ٢ : ١١٧ ؛ مسلم ٣ : ٩٤ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٩٥ / ١٦٢٢٤.

(٣) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ مسلم ٣ : ٧٩ ؛ النسائي ٢ : ٣٧ / ٢٣٢٦ ، باب ٦٢ ؛ ابن كثير ١ : ٢٦٣.

(٤) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ أبو داوود ١ : ٣٧٢ / ١٦٤٩ ، باب ٢٩ ؛ صحيح ابن حبّان ٨ : ١٤٨ / ٣٣٦٢ ؛ الحاكم ١ : ٤٠٨ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٥٨.

(٥) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ أبو داوود ١ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ / ١٦٧٥ ، باب ٤٠ ؛ النسائي ١ : ٥٣٢ / ١٧١٩ ، باب ٢٧ ؛ الحاكم ١ : ٤١٣ ـ ٤١٤ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٠٤ / ١٦٢٧٧.

٤٨٧

صنع ، ثمّ قال : ترون هذا؟ فإنّه دخل المسجد في هيأة بذّة (١) ، فدعوته ورجوت أن تعطوا له ؛ تصدّقوا عليه وتكسوه. والآن ألقى أحد ثوبيه. ثمّ قال للرجل : خذ ثوبك ، وانتهره» (٢).

[٢ / ٦٤٨٤] وأخرج أبو داوود والنسائي والحاكم وصحّحه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول» (٣).

[٢ / ٦٤٨٥] وأخرج أحمد ومسلم والترمذيّ عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا ابن آدم ، إنّك إن تبذل الفضل خير لك ، وإن تمسكه شرّ لك ، ولا تلام على كفاك ، وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى» (٤).

[٢ / ٦٤٨٦] وأخرج البيهقي في الشعب عن ركب المصري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طوبى لمن تواضع من غير منقصة ، وذلّ في نفسه من غير مسكنة ... وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله» (٥).

[٢ / ٦٤٨٧] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الصعق بن حزن التميمي قال : شهدت الحسن وقرأ هذه الآية (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) قال : هي والله لمن تفكّر فيها ، ليعلمنّ أنّ الدنيا دار بلاء ثمّ دار فناء ، وليعلمنّ أنّ الآخرة دار جزاء ثمّ دار بقاء! (٦)

[٢ / ٦٤٨٨] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : من تفكّر في الدنيا ، عرف فضل إحداهما على الأخرى ؛ عرف أنّ الدنيا دار بلاء ثمّ دار فناء ، وأنّ الآخرة دار بقاء ثمّ دار جزاء. فكونوا ممّن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة» (٧).

__________________

(١) بذّ : ساءت حالته. رثّت هيأته.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٥ ، بتصرّف وتوضيح.

(٣) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ أبو داوود ١ : ٣٨١ / ١٦٩٢ ، باب ٤٦ ؛ النسائي ٥ : ٣٧٤ / ٩١٧٧ ، باب ٧٩ ؛ الحاكم ١ : ٤١٥ ؛ مسند أحمد ٢ : ١٦٠.

(٤) الدرّ ١ : ٦٠٩ ؛ مسلم ٣ : ٩٤ ؛ مسند أحمد ٥ ؛ ٢٦٢ ؛ الترمذيّ ٤ : ٤ / ٢٤٤٦ ، باب ٢٢ ، قال الترمذيّ : هذا حديث حسن صحيح ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٥٧ / ١٦٠٤٤.

(٥) الدرّ ١ : ٦١٠ ؛ الشعب ٣ : ٢٢٥ / ٣٣٨٨.

(٦) الدرّ ١ : ٦١١ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٤ / ٢٠٧٦ ؛ ابن كثير ١ : ٢٦٤.

(٧) الدرّ ١ : ٦١١.

٤٨٨

قال تعالى :

(فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))

وإذ كان الإسلام شريعة الجهاد والكفاح المستمرّ ، حتّى يستقرّ أمر الدين ويكون الدين كلّه لله ، فإنّ لازم ذلك ـ والمجاهدون شباب طبعا ـ أن يتخلّف هناك بعد حين وآخر صغار وأيتام ، لا كافل لهم في الحياة ، الأمر الّذي كان يسبّب مشكلة في المجتمع الإسلاميّ المبتني على أساس العدل والإنصاف.

إذن فمن واجب المجتمع الإسلاميّ أن يتعاهد أمر هؤلاء الأيتام دون أن يضيعوا وتضيع أموالهم هدرا.

هذا ولا سيّما في العهد الأوّل من صدر الإسلام ، لم تكن هناك جهات تضمن درك أمثال هذه الفوائت ، سوى تكليف الآحاد حسب استطاعتهم.

فقد كان البعض يتحاشا اقتراب أموال اليتامى ، وآخر كان يطمع في أموالهم ، فكان الأمر بين تحرّج صالح ونهم طامع ، وفي النهاية إهمال جانبهم أحيانا.

والآية الكريمة تفرض التكليف الواجب بشأنهم ، وأن لا موضع للاحتياط والتحرّج ، بعد العمل وفق التكليف الشرعيّ اللّائح ، كما لا موضع لأهل الإطماع بعد الرقابة الشديدة من الله. ويكفيك زجرا عن الطمع في أموال اليتامى ، قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)(١)(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٢).

أمّا الاعتذار بالتحاشي عن مخالطة أموالهم ، فغير عاذر فيما لو أريد الإصلاح دون الإفساد. والله عالم بالسرائر والنيّات.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٥٢. والإسراء ١٧ : ٣٤.

(٢) النساء ٤ : ١٠.

٤٨٩

أمّا لو أريد التخلّي عن التكليف ، بظاهر عذر فارغ ، فهذا فرار من الواجب الدينيّ ، وربما يتعقّبه ما لا يحمد ، ويكون ما تحاشاه واقعا به ، فيترك ذرّيّة ضعافا ، لا يجدون كافلا : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(١).

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ). أي ألزمكم إلزام قهر عليكم ، بفرض الضرائب في هكذا مجالات ، شئتم أو لم تشاؤوا. أمّا الآن فهو فرض من قبيل الواجب الكفائي ، مع الترغيب الملحّ في الإقدام دون الإحجام. أمّا إذا أمسكتم جميعا فهناك يأتي دور القهر رغم الأنوف.

والعنت : الصعوبة والشدّة البالغة. ممّا لا يطاق حمله في أكثر الأحيان. الأمر الّذي لا يريده الإسلام ، ما داموا مستسلمين لقيادة العقل الرشيد.

[٢ / ٦٤٨٩] أخرج ابن جرير عن السدّي ، قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) : لشدّد عليكم (٢).

[٢ / ٦٤٩٠] وقال ابن زيد : لشقّ عليكم في الأمر. ذلك العنت! (٣)

[٢ / ٦٤٩١] وقال أبو عليّ الطبرسيّ عند قوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)(٤) : روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى ، فشقّ ذلك عليهم ، فشكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله ـ سبحانه ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) عن الحسن قال : وهو المرويّ عن السيّدين الباقر والصادق عليهما‌السلام (٥).

[٢ / ٦٤٩٢] وروى الكليني بالإسناد إلى عثمان عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ)؟ قال : «يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره ، فليخرج من ماله على قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم ، فيخالطهم ويأكلون جميعا ، ولا يرزأنّ من أموالهم شيئا (٦) إنّما هي النار» (٧).

__________________

(١) النساء ٤ : ٩.

(٢) الطبري ٢ : ٥١٠ / ٣٣٦٤.

(٣) المصدر / ٣٣٦٥.

(٤) النساء ٤ : ٢.

(٥) نور الثقلين ١ : ٢١١ ، و ٤٣٧ / ٣١ ، مجمع البيان ٣ : ١٠ ؛ التبيان ٣ : ١٠٢ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٥.

(٦) رزأ من ماله : أصاب منه شيئا.

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ ـ ١٣٠ / ٢ ؛ التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٩ ـ ٧٠ ؛ العيّاشيّ ١ : ١٢٦ و ١٤٨ ؛ البحار ٧٢ : ٧ و ١٠ ؛ نور الثقلين ١ : ٢١١.

٤٩٠

[٢ / ٦٤٩٣] وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعهم خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ فقال : إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا. وقال عليه‌السلام : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)(١) فأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»)(٢).

[٢ / ٦٤٩٤] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ أخي هلك وترك أيتاما ولهم ماشية ، فما يحلّ لي منها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن كنت تليط حوضها وتردّ ناديتها وتقوم على رعيتها ، فاشرب من ألبانها غير منهك للحلب ولا ضارّ بالولد ، (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(٣)» (٤).

[٢ / ٦٤٩٥] وعن محمّد بن مسلّم قال : «سألته (أي أبا جعفر عليه‌السلام) عن الرجل بيده الماشية لابن أخ له يتيم في حجره ، أيخلط أمرها بأمر ماشيته؟ قال : فإن كان يليط حوضها ويقوم على هنأتها (٥) ويردّ ناديتها فليشرب عن ألبانها غير مجتهد للحلاب ولا مضرّ بالولد ، ثمّ قال : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)» (٦)(٧).

__________________

(١) القيامة ٧٥ : ١٤.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢١٢ ؛ الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ؛ التهذيب ٦ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ / ٩٤٧ ـ ٦٨ ؛ البحار ٧٦ : ٢٧٢ / ١٨ ، باب ١٠٣ ؛ العيّاشيّ ١ : ١٢٦ / ٣٢١.

(٣) لاط الحوض : مدّره وسدّ خلله لئلّا ينشف الماء. والنادية : النوق إذا تفرّقت. وأنهك في الحلب : بالغ حتّى هزل وأشرف على الهلاك.

(٤) العيّاشيّ ١ : ١٢٦ ـ ١٢٧ / ٣٢٢ ؛ البحار ٧٢ : ١١ / ٣٨ ، باب ٣١ ؛ نور الثقلين ١ : ٢١٢ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٦ ؛ البرهان ١ : ٤٧١ / ١٠.

(٥) الهناء : القطران يطلى به المواشي صيانة لها عن الآفات.

(٦) النساء ٤ : ٦.

(٧) العيّاشيّ ١ : ١٢٧ / ٣٢٣ ؛ البرهان ١ : ٤٧١ ـ ٤٧٢ / ١١ ، وفيه «هنائها» بدل «هنأتها» ؛ البحار ٧٢ : ١١ / ٣ ، باب ٣١ ؛ الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ؛ التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١ ـ ٧٢.

٤٩١

[٢ / ٦٤٩٦] وعن عليّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن قول الله في اليتامى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) قال : يكون لهم التمر واللبن ، ويكون لك مثله ، على قدر ما يكفيك ويكفيهم ، ولا يخفى على الله المفسد من المصلح» (١).

[٢ / ٦٤٩٧] وعن عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «قلت له : يكون لليتيم عندي الشيء وهو في حجري أنفق عليه منه وربما أصبت ممّا يكون له من الطعام وما يكون منّي إليه أكثر؟ فقال : لا بأس بذلك ، إنّ الله يعلم المفسد من المصلح» (٢).

***

[٢ / ٦٤٩٨] وأخرج أبو داوود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصحّحه والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس قال : لمّا أنزل الله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(٣) و (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ...)(٤) انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد فيرمى به ، فاشتدّ ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم (٥).

[٢ / ٦٤٩٩] وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : لمّا نزل في اليتامى ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم ، فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) الآية. فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك (٦).

__________________

(١) العيّاشيّ ١ : ١٢٧ / ٣٢٥ ؛ البحار ٧٢ : ١١ / ٤١ ، باب ٣١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ؛ البرهان ١ : ٤٧٢ / ١٣ ؛ نور الثقلين ١ : ٢١٢.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢١٢ ؛ العيّاشيّ ١ : ١٢٨ / ٣٢٦ ؛ البحار ٧٢ : ١١ ـ ١٢.

(٣) الأنعام ٦ : ١٥٢ ، الإسراء ١٧ : ٣٤.

(٤) النساء ٤ : ١٠.

(٥) الدرّ ١ : ٦١١ ـ ٦١٢ ؛ أبو داوود ١ : ٦٥٦ / ٢٨٧١ ، باب ٧ ؛ النسائي ٤ : ١١٣ / ٦٤٩٦ ، باب ١٠ ؛ الطبري ٢ : ٥٠٣ / ٣٣٤٣ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣٩٥ / ٢٠٨١ ؛ الحاكم ٢ : ١٠٣ ؛ البيهقي ٦ : ٢٨٤ ؛ الثعلبي ٢ : ١٥٣ ؛ البغوي ١ : ٢٨٣ ؛ القرطبي ٢ : ٦٢ ؛ ابن كثير ١ : ٢٦٤.

(٦) الدرّ ١ : ٦١٢ ؛ ابن كثير ١ : ٢٦٤ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٣٨ / ٢٦٠.

٤٩٢

[٢ / ٦٥٠٠] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) وذلك أنّ الله ـ عزوجل ـ أنزل في أموال اليتامى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(١) فلمّا نزلت هذه الآية أشفق المسلمون من خلطة اليتامى ، فعزلوا بيت اليتيم وطعامه وخدّامه على حدة ، مخافة العذر ، فشقّ ذلك على المسلمين وعلى اليتامى اعتزالهم. فقال ثابت بن رفاعة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد سمعنا ما أنزل الله في اليتامى فعزلناهم والّذي لهم ، وعزّلنا الّذي لنا ، فشقّ ذلك علينا وعليهم ، وليس كلّنا يجد سعة في عزل اليتيم وطعامه وخادمه ، فهل يصلح لنا خلطتهم فيكون البيت والطعام واحدا والخدمة وركوب الدابّة ولا نرزأهم شيئا ، إلّا أن نعود عليهم بأفضل منه؟ فأنزل الله في قول ثابت بن رفاعة الأنصاري : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) يقول : ما كان لليتيم فيه صلاح ، فهو خير أن تفعلوه. ثمّ قال ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) في المسكن والطعام والخدمة وركوب الدابّة (فَإِخْوانُكُمْ) فهم إخوانكم (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ) لمال اليتيم (مِنَ الْمُصْلِحِ) لماله (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) يقول : لآثمكم في دينكم. نظيرها في براءة قوله ـ سبحانه ـ : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ)(٢) يقول : ما أثمتم ، فحرّم عليكم خلطتهم في الّذي لهم ، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. فلم تنتفعوا بشيء منه (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) في ملكه (حَكِيمٌ) يعني ما حكم في أموال اليتامى (٣).

__________________

(١) النساء ٤ : ١٠.

(٢) التوبة ٩ : ١٢٨.

(٣) تفسير مقاتل ١ : ١٨٨ ـ ١٩٠.

٤٩٣

قال تعالى :

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١))

للإسلام في نظام الأسرة نظرة جامعة ، ونافذة إلى أعماق الفطرة ، بل ومنبعثة من معينها الإنساني العريق ، وأن ليست لمجرّد إفراغ شحنات أو إخماد أوارها ، بعد أن كانت الأسرة هي الأساس لبناء المجتمع المتوازن العادل وفي انسجام متعاضد كافل ، ومن ثمّ فكان السعي وراء طهارتها في الجذور ، ولتبدو يافعة طريّة في الأثمار والفروع.

وهذه النظرة تبتني على أساس الطهارة : (الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) بعيدة عن الأدناس والأرجاس (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ)(١). وبما أنّ الشرك رجس (٢) ، فلا تكافل ولا تعاضد بين رجس وطهر ، حيث عدم الوئام.

نعم إنّ النكاح ـ وهو الزواج ـ أعمق وأقوى وأدوم رابطة تصل بين اثنين من بني الإنسان ، وتشمل أوسع الاستجابات الّتي يتبادلها فردان ، فلا بدّ إذن من توحّد القلوب ، والتقائها في عقدة ثابتة لا تحلّ ، ولكي تتوحّد القلوب يجب أن يتوحّد ما تنعقد عليه وما تتّجه إليه ، والعقيدة الدينيّة هي أعمق وأشمل ما يعمر النفوس ويؤثّر فيها ويكيّف مشاعرها ويحدّد تأثّراتها واستجاباتها ، ويعيّن طريقها في الحياة كلّها.

وعليه فالتوافق في العقيدة خير آصرة توجب على التواؤم والتعاضد في الحياة المشتركة ، وآمن على الثقة المتبادلة ، في تحكيم عصم الأسرة والتشديد من أواصرها المترابطة. (لا هُنَّ حِلٌ

__________________

(١) النور ٢٤ : ٢٦.

(٢) إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ التوبة ٩ : ٢٨.

٤٩٤

لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) ... (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ...)(١) حيث لا عصمة بين متنافرين.

فلا عصمة بين مشرك ومؤمن ، ولو كانوا أحرارا ، إنّما العصمة بين المؤمنين ولو كانوا عبيدا. لأنّ ذاك يدعو إلى النار ومعاكسة الفطرة ، وهذا يدعو إلى الجنّة والمغفرة والرضوان ، والسير على منهج العقل الحكيم.

إنّ الطريقين مختلفان لا يلتقيان في وحدة تقوم عليها الحياة الاجتماعية في وئام وسلام.

مسألة نكاح الكتابيّات

قد يقال : إنّ الأمر هنا يختلف عن المشركات ، حيث المسلم والكتابيّة يلتقيان في أصل العقيدة بالله ، وإن تفاوتت التفاصيل التشريعيّة ، فإنّ الكتابية لم تناقض الفطرة ولم تعاكس هدى العقل الرشيد في التوحيد والإيمان بالله العظيم ، وإنّما خالفت في السلوك العملي وفق شريعة الله.

ومن ثمّ جاء الترخيص بشأنهنّ في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ...)(٢).

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : المحصّلون من أصحابنا يقولون : لا يحلّ نكاح من خالف الإسلام ، لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم. وقال قوم من أصحاب الحديث (٣) من أصحابنا : يجوز ذلك.

وأمّا سائر الفقهاء فقد أجازوا التزوّج بالكتابيّات استنادا إلى ما روي عن الصحابة من أنّهم تزوّجوا من الكتابيّات (٤).

وحمل الشيخ الآية على إرادة الاستمتاع منهنّ لا الدوام (٥).

قال ابن بابويه الصدوق : ولا بأس بتزويج اليهوديّة والنصرانيّة. فإن تزوّجتها فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. واعلم أنّ عليك في دينك في تزويجك إيّاها غضاضة. وتزوّج

__________________

(١) الممتحنة ٦٠ : ١٠.

(٢) المائدة ٥ : ٥.

(٣) منهم ابن بابويه الصدوق في المقنع : ٣٠٨. ووالده عليّ بن بابويه. المختلف ٧ : ٩٠.

(٤) أحكام القرآن للجصّاص ٢ : ٣٢٤.

(٥) الخلاف ٤ : ٣١١ ـ ٣١٢.

٤٩٥

المجوسيّة محرّم. ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها (١).

هذا ، ولكنّ الشريف المرتضى حكم حكمه الباتّ بالتحريم مطلقا ؛ قال : ممّا انفردت به الإماميّة : حظر نكاح الكتابيّات (٢).

وذكر السيّد رشيد رضا ردّا على القول بوحدة العلّة في تحريم مناكحة المشركات ومناكحة الكتابيّات : لو اتّحدت العلّة لما صرّح الكتاب بجواز الزواج بالكتابيّة المحصنة ، ولما اتّفق السلف والخلف على الجواز ، ما عدا هذه الشرذمة من الشيعة (٣)!!

لكنّه في طبعة أخرى أبان طرفا من عواقب سوء ترتّبت على القول بالجواز!!

قال : هذا ما كتبته عند طبع التفسير للمرّة الأولى ، وقد حدث بعد ذلك أن فتن كثير من الشبّان المصريّين بنساء الإفرنج فتزوّجوا بهنّ فأفسدن عليهم أمورهم الدينيّة والوطنيّة ، واضطرّ بعضهم إلى الطلاق وغرم كثير من المال. ومنهم رجل غنيّ قتلته امرأته الفرنسيّة وجاءت تطالب بميراثها منه. وقليل من اهتدت به زوجه وأسلمت. وقد سرت العدوى إلى المسلمات ، فمن الغنيّات منهنّ من تزوّجن بمن عشقن من رجال الإفرنج بدون مبالاة بالدين الّذي لا تعرف منه غير اللقب الوارثيّ. وقد عظمت الفتنة ، وقى الله البلاد شرّها ، ولن يكون إلّا بتجديد التربية الإسلاميّة وإصلاح الحكومة (٤).

الأمر الّذي دعى أصحاب النظر ممّن عاصرناهم ، رفض التقليد والأخذ بالتحقيق الحرّ ، وليقولوا بما قاله الأكابر من فقهاء الشيعة.

قال سيّد قطب : ونحن نرى اليوم أنّ هذه الزيجات شرّ على البيت المسلم. فالّذي لا يمكن إنكاره واقعيا : أنّ الزوجة اليهوديّة أو المسيحيّة أو اللّادينيّة تصبغ بيتها وأطفالها بصبغتها ، وتخرج جيلا أبعد ما يكون عن الإسلام. وبخاصّة في هذا المجتمع الجاهلي الّذي نعيش فيه ، والّذي لا يطلق عليه الإسلام إلّا تجوّزا في حقيقة الأمر. والّذي لا يمسك من الإسلام إلّا بخيوط واهية

__________________

(١) المقنع : ٣٠٨.

(٢) الانتصار : ١١٧.

(٣) المنار ٢ : ٣٥٥.

(٤) المصدر ٢ : ٣٥٧.

٤٩٦

شكليّة تقضي عليها القضاء الأخير زوجة تجيء من هناك! (١)

***

وهكذا ورد النهي عن مناكحة الكتابيّة ـ من غير ضرورة ـ تنزيها وصونا على سلامة العقيدة في الأولاد :

[٢ / ٦٥٠١] ١ ـ روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج اليهوديّة ولا النصرانيّة ، مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر» (٢).

[٢ / ٦٥٠٢] ٢ ـ وفي حديث زرارة عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب!» (٣).

[٢ / ٦٥٠٣] ٣ ـ وروى عليّ بن جعفر بالإسناد إلى أبي البختري عن الإمام أبي عبد الله عن أبيه أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام : «أنّه كره مناكحة أهل الحرب» (٤).

[٢ / ٦٥٠٤] ٤ ـ وعليه يحمل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان عليّ عليه‌السلام ينهى عن ذبائح أهل الكتاب وعن صيدهم وعن مناكحتهم» (٥).

[٢ / ٦٥٠٥] ٥ ـ وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهوديّة ولا نصرانيّة ، وهو يجد مسلمة!» (٦).

[٢ / ٦٥٠٦] ٦ ـ وروى يونس عنهم عليهم‌السلام : «لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوّج الأمة إلّا أن لا يجد حرّة. وكذلك لا ينبغي له أن يتزوّج امرأة من أهل الكتاب إلّا في ضرورة ، حيث لا يجد مسلمة حرّة أو أمة» (٧).

[٢ / ٦٥٠٧] ٧ ـ وروى ابن محبوب عن معاوية بن وهب وغيره جميعا عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) في ظلال القرآن ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥١ / ١٥ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ / ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٧ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ / ٤.

(٤) قرب الإسناد : ١٣٨ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ / ٦.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٩ / ٤ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٣ / ٢.

(٦) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ١٠ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٦ / ٢.

(٧) الكافي ٥ : ٣٦٠ / ٨ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٧ / ٣.

٤٩٧

في الرجل المؤمن يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة؟ فقال : «إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة والنصرانيّة؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى! قال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ـ ثمّ قال ـ : واعلم أنّ عليه في دينه غضاضة!» (١).

[٢ / ٦٥٠٨] ٨ ـ وعن زرارة بن أعين ، سأل الإمام أبا جعفر عليه‌السلام عن نكاح الكتابيّات ، فقال : «لا يصلح ، إنّما يحلّ منهنّ نكاح البله» (٢).

[٢ / ٦٥٠٩] ٩ ـ وعنه قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : «إنّي أخشى أن لا يحلّ لي أن أتزوّج ممّن لم يكن على أمري؟ فقال : وما يمنعك من البله؟ قلت : وما البله؟ قال : هنّ المستضعفات من اللّاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه» (٣).

[٢ / ٦٥١٠] ١٠ ـ وعن حمران بن أعين ، كان أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة مسلمة موافقة ، قال : فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : «أين أنت من البله الّذين لا يعرفون شيئا» (٤).

[٢ / ٦٥١١] ١١ ـ وروى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى الأوزاعيّ عن الزهريّ عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام قال : «لا يحلّ للأسير أن يتزوّج ما دام في أيدي المشركين ، مخافة أن يولد له فيبقى ولده كافرا في أيديهم» (٥).

[٢ / ٦٥١٢] ١٢ ـ وروى الشيخ بالإسناد إلى حفص بن غياث ، قال : كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل ، فسألته عن الأسير ، هل يتزوّج في دار الحرب؟ فقال : «أكره ذلك ، فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام ، هو نكاح. وأمّا في الترك والديلم والخزر فلا يحلّ له ذلك!» (٦).

[٢ / ٦٥١٣] ١٣ ـ وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة؟ فقال : لا بأس به ، أما علمت أنّه كانت تحت طلحة بن عبيد الله يهوديّة على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم(٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٦ / ١ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٦ / ١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٦ / ٢ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ / ١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٧ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٩ / ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٩ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٩ / ٣.

(٥) علل الشرائع : ٥٠٣ ـ ٥٠٤ / ١ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٧ / ٥.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٩٩ / ١٢٥١ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٧ / ٤.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٩٨ / ١٢٤٧ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٤١ / ٤.

٤٩٨

وأخرجه عبد الرزّاق في المصنّف والبيهقي في السنن (١).

إلى غيرها من روايات مستفيضة نصّت على المنع من نكاح الكتابيّة ، منع تنزيه ومن غير ضرورة تدعو إلى التزوّج بها.

وبعد فلا بدّ من التنبّه لأمور :

١ ـ كانت لهجة التعبير في الروايات مرتخية غير باتّة ، ممّا أوحت برجحان الترك لا التحريم القاطع في مثل «ما أحبّ ..» والتعليل بمخافة أن يتهوّد الولد أو يتنصّر (٢). وقوله : «إنّه كره ..» (٣) ، و «لا ينبغي أن يتزوّجها وهو يجد مسلمة» (٤). أو «لا ينبغي إلّا في ضرورة» (٥). أو «إن كان له فيها الهوى جاز» (٦). أو «إذا كانت من البله ممّن لا يعرف ما أنتم عليه» (٧). أو «في دينه غضاضة» (٨). ونحو ذلك فإنّ هذه التعابير والتعاليل ممّا يشي بعدم الجدّ في الأمر. وأنّه لأمر اعتباريّ كانت رعايته أفضل.

٢ ـ ظاهر بعض التعابير هو عموم الحكم (رجحان الترك لا الإلزام به) لغير الكتابيّة من مشركة أو ملحدة. (٩) وحتّى المجوسيّة كما في الحديث التالي :

[٢ / ٦٥١٤] روى ابن بابويه الصدوق بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسيّة؟ فقال : لا ، ولكن إذا كانت له أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها» (١٠) فيما لو قلنا بأنّ الأحكام الأخيرة غير إلزاميّة ، كما هو الظاهر.

٣ ـ ظاهر الأصحاب جواز التمتّع بالكتابيّة :

[٢ / ٦٥١٥] لما رواه الشيخ بالإسناد إلى الحسن بن عليّ بن فضّال عن بعض أصحابنا ، عن أبي

__________________

(١) المصنّف ٧ : ١٧٧ ـ ١٧٨ / ١٢٦٧٢ ؛ البيهقي ٧ : ١٧٢.

(٢) في الحديث رقم ١.

(٣) في الحديث رقم ٣.

(٤) في الحديث رقم ٥.

(٥) في الحديث رقم ٦.

(٦) في الحديث رقم ٧.

(٧) في الحديث رقم ٨ و ٩ و ١٠.

(٨) في الحديث رقم ٧.

(٩) كما في الحديث رقم ١١ و ١٢.

(١٠) الفقيه ٣ : ٤٠٧ / ٤٤٢٣ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٤٣ / ١.

٤٩٩

عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يتمتّع الرجل باليهوديّة والنصرانيّة وعنده حرّة» (١).

[٢ / ٦٥١٦] وعن زرارة ، قال : سمعته يقول : «لا بأس أن يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة متعة وعنده امرأة» (٢).

قلت : لا شكّ أنّ الحرمة لو كانت ذاتيّة ، لما جاز هذا الترخيص. وقد رافقه المنع تنزيها أيضا كما في الدوام :

[٢ / ٦٥١٧] وقد روى ابن بابويه عن الإمام الرضا عليه‌السلام سئل : يتمتّع الرجل اليهوديّة والنصرانيّة؟ فقال عليه‌السلام : «يتمتّع من الحرّة المؤمنة ، وهي أعظم حرمة منها» (٣).

٤ ـ وإذا كان في التزوّج بالكتابيّة غضاضة وربّما فتنة ، ففي تزوّج الكتابيّ بمسلمة أشدّ غضاضة وأقرب إلى الافتنان ، ولا سيّما بعد التصريح بعدم الرخصة :

[٢ / ٦٥١٨] كما في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نتزوّج نساء أهل الكتاب ، ولا يتزوّجون نساءنا» (٤).

[٢ / ٦٥١٩] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ، قال : نساؤنا عليهم حرام ، ونساؤهم علينا حلال (٥).

[٢ / ٦٥٢٠] وأخرج عبد الرزّاق عن زيد بن وهب ، قال : كتب عمر : أنّ المسلم ينكح النصرانيّة ، والنصرانيّ لا ينكح المسلمة (٦).

[٢ / ٦٥٢١] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نزلت في أبي مرثد الغنوي واسمه أيمن ، وفي عناق القرشيّة ؛ وذلك أنّ أبا مرثد كان رجلا صالحا وكان المشركون أسروا أناسا بمكّة. وكان أبو مرثد ينطلق إلى مكّة مستخفيا ، فإذا كان اللّيل أخذ الطريق ، وإذا كان النهار تعسّف الجبال (٧) لئلّا يراه أحد ، حتّى يقدم مكّة فيرصد المسلمين ليلا ، فإذا أخرجهم

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٣ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ / ١ ، باب ٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٦ / ١١٠٤ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٣٩ / ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٦٠ / ٤٥٨٩ ؛ الوسائل ٢٠ : ٥٤٠ / ٣.

(٤) الطبري ٢ : ٥١٤ / ٣٣٧٨ ؛ البغوي ١ : ٢٨٤ ؛ ابن كثير ١ : ٢٦٥ ؛ الدرّ ٣ : ٢٥.

(٥) الدرّ ٣ : ٢٥.

(٦) الدرّ ٣ : ٢٥ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٧٨ ـ ٧٩ / ١٠٠٥٨ ؛ البيهقي ٧ : ١٧٢.

(٧) تعسّف الجبال أي أخذ طريقه بين التلال من غير طريقها المألوف.

٥٠٠