التفسير الأثري الجامع - ج ٥

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-06-7
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

كانت نامت ، فأنزل الله الآيات. (١).

[٢ / ٥١٨٣] وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل ، قال كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء ، فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له ، قال : فلمّا كان عند فطره نام ، فأصبح صائما قد جهد ، فلمّا رآه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما لي أرى بك جهدا؟ فأخبر بما كان من أمره. واختان رجل نفسه في شأن النساء (٢) ، فأنزل الله الآية (٣).

[٢ / ٥١٨٤] وأخرج البخاري عن البراء قال : لمّا نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كلّه ، فكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله الآيات (٤).

***

وأمّا التعبير بحرم ، في بعض الروايات (٥) ، فلعلّه حسب فهم الراوي ، وقد اعتادوا النقل بالمعنى حسبما فهموه. فلا دليل فيه على ثبوت تشريع سابق على الآية.

[٢ / ٥١٨٥] أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس ، أنّ المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثمّ إنّ ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء ، منهم عمر بن الخطّاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) إلى قوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) يعني أنكحوهن (٦).

فقوله : حرم ، أي حسبوا حرمته.

[٢ / ٥١٨٦] وأغرب منه ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) قال : كان هذا قبل صوم رمضان ، أمروا بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر من كلّ عشرة أيّام يوما ، وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشيّة ، فكان هذا بدء الصلاة والصوم ، فكانوا في صومهم

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٧٧ ؛ الطبري ٢ : ٢٢٣ / ٢٤٠٨.

(٢) أي حسب فهمه!

(٣) الطبري ٢ : ٢٢٣ / ٢٤٠٩.

(٤) الدرّ ١ : ٤٧٥ ؛ البخاري ٥ : ١٥٦ ؛ البغوي ١ : ٢٢٩ ابن كثير ١ : ٢٢٦ ؛ القرطبي ٢ : ٣١٥.

(٥) انظر : الطبري ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٧٦ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ مسند أحمد ٣ : ٤٦٠ ؛ القمي ١ : ٦٦ ـ ٦٧.

(٦) الدرّ ١ : ٤٧٦ ؛ الطبري ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٧٦ ؛ البيهقي ٤ : ٢٠١ ؛ أبو داوود ١ : ٥١٩ / ٢٣١٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ مسند أحمد ٣ : ٤٦٠ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٧ ؛ القمّي ١ : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ الكافي ٤ : ٩٨ ـ ٩٩ ؛ البحار ٩٣ : ٢٦٩.

٦١

هذا وبعد ما فرض الله رمضان إذا رقدوا لم يمسّوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء والطعام بعد رقادهم ، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ) الآية (١).

قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ)

تعليل لعدم إيجاب ذلك ، حيث منافاته لطبيعة الفطرة ، ومن ثمّ كان التشريع الحكيم هو التحليل من أوّل الأمر.

وقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ).

أي آب عليكم برحمته وأعفى عنكم المشاقّ في التكليف ، حيث يسّره عليكم من غير تعسير.

قال ابن عاشور : هذا دليل على أنّ القرآن نزل بهذا الحكم لزيادة البيان ؛ إذ علم الله ما ضيّق به بعض المسلمين على أنفسهم ، وأوحى به إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا يشير إلى أنّ المسلمين لم يفشوا ذلك ولا أخبروا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في روايات البخاري والنسائي ، سوى حديث ابن صرمة عند أبي داوود. ولعلّه من زيادات الراوي!

قال : فأمّا أن يكون ذلك قد شرع ثمّ نسخ ، فلا أحسبه ، إذ ليس من شأن الدين الّذي شرع الصوم أوّل مرّة يوما في السنة ، ثمّ درّجه فشرع الصوم شهرا على التخيير بينه وبين الفديه تخفيفا ، أن يفرضه بعد ذلك ليلا ونهارا فلا يبيح الفطر إلّا ساعات قليلة من الليل!؟ (٢)

قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ)

اللباس ما يستر الإنسان عن عواره ، ويقيه عن الحرّ والبرد ، وفوق ذلك فهو زينة له.

قال الراغب : وجعل اللّباس لكلّ ما يغطّي من الإنسان عن قبيح ، فجعل الزوج لزوجه لباسا ، من حيث إنّه يمنع صاحبه ويصدّه عن تعاطي قبيح (٣).

وهذا من أحسن التشبيه ، حيث الزوج لزوجه ، فوق أنّه زينة له ، يقيه ويحفظه من ارتكاب

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ / ٢٤١٩ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣١٠ / ١٨٥.

(٢) التحرير والتنوير ٢ : ١٧٩.

(٣) المفردات : ٤٤٧.

٦٢

القبيح. فضلا عن أنّه سكن له ؛ يريح خاطره ويروّح عنه.

ومن ثمّ جعلت التقوى لباسا (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(١) حيث المتحلّي بزينة التقوى ، وجيه عند الله ، كريم عند الناس ، في وقار واحترام.

[٢ / ٥١٨٧] أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس في قوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) قال : هنّ سكن لكم وأنتم سكن لهنّ (٢).

[٢ / ٥١٨٨] وأخرج الطستي عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) قال : هنّ سكن لكم تسكنون إليهنّ بالليل والنهار ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت نابغة بن ذبيان وهو يقول :

إذا ما الضجيع ثنى عطفها

تثنّت عليه فكانت لباسا (٣)

[٢ / ٥١٨٩] وأخرج عبد الرزّاق عن قتادة في قوله : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قال : وابتغوا الرخصة الّتي كتب الله لكم (٤).

قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)

أي البياض المنبسط على الأفق دليلا على فجر الصباح ، دون الضوء المتصاعد في كبد السماء ويزول بعد لحظات.

[٢ / ٥١٩٠] أخرج أبو بكر ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عبّاس ، أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ، قال :

بياض النهار من سواد الليل وهو الصبح إذا انفلق. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أميّة؟ :

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٢٦.

(٢) الدرّ ١ : ٤٧٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ / ٢٤٠٦ ، ٢٤٠٢ ، ٢٤٠٣ و ٢٤٠٤ ، نقلا عن ابن عبّاس ومجاهد والسدّي وقتادة ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٦ / ١٦٧٥ ، نقلا عن ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والسدّي ومقاتل بن حيّان ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٥.

(٣) الدرّ ١ : ٤٧٨.

(٤) الدرّ ١ : ٤٧٩ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣١١ / ١٨٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٣١ / ٢٤٤٠.

٦٣

الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق

والخيط الأسود لون الليل مكموم (١)

[٢ / ٥١٩١] وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير والدار قطني والبيهقي عن محمّد بن عبد الرحمان عن ثوبان ، أنّه بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الفجر فجران ؛ فأمّا الّذي كأنّه ذنب السّرحان فإنّه لا يحلّ شيئا ولا يحرّمه ، وأمّا المستطيل الّذي يأخذ الأفق فإنّه يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام» ، وأخرجه الحاكم من طريقه عن جابر موصولا (٢).

[٢ / ٥١٩٢] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن ابن عبّاس قال : هما فجران ، فأمّا الّذي يسطع في السماء فليس يحلّ ولا يحرّم شيئا ، ولكنّ الفجر الّذي يستبين على رؤوس الجبال هو الّذي يحرّم الشراب (٣).

[٢ / ٥١٩٣] وأخرج عبد الرزّاق عن ابن جريج عن عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يقول : هما الفجران ، فأمّا الفجر الّذي يسطع في السماء فليس بشيء ، ولا يحرّم شيئا ، ولكنّ الفجر الّذي ينتشر على رؤوس الجبال ، فهو الّذي يحرّم. فقال : عطاء : فأمّا إذا سطع سطوعا في السماء ـ وسطوعه أن يذهب في السماء طولا ـ فإنّه لا يحرّم له في الشراب لصيام ولا صلاة ولا يفوت له حجّ ، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال ، حرم الشراب على الصوم ، وفات له الحجّ (٤).

[٢ / ٥١٩٤] وأخرج ابن جرير عن أبي مجلز قال : الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح ، ولكن ذاك الصبح الكذاب ، إنّما الصبح إذا انفضح الأفق (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨٠.

(٢) الدرّ ١ : ٤٨٢ ؛ المصنّف ٢ : ٤٤٢ / ٣ ، باب ٢٠ ؛ الطبري ٢ : ٢٣٥ / ٢٤٥٣ ، بلفظ : الفجر فجران فالّذي كأنّه ذنب السرحان لا يحرّم شيئا وأمّا المستطير الّذي يأخذ الأفق فإنّه يحلّ الصلاة ويحرّم الصوم ؛ الدار قطني ٢ : ١٦٥ / ٣ ؛ البيهقي ١ : ٣٧٧ ؛ الحاكم ١ : ١٩١ ، بلفظ : الفجر فجران فأمّا الفجر الّذي يكون كذنب السرحان فلا تحلّ الصلاة فيه ولا يحرّم الطعام ، وأمّا الّذي يذهب مستطيلا في الافق فانّه يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام ؛ كنز العمّال ٧ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ / ١٩٢٦٠.

(٣) الدرّ ١ : ٤٨١ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٣ : ٥٤ / ٤٧٦٥ ؛ الطبري ٢ : ٢٣٥ / ٢٤٥٢ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢٩ ؛ القرطبي ٢ : ٣١٩.

(٤) المصنّف ٣ : ٥٤ ـ ٥٥ / ٤٧٦٥.

(٥) الطبري ٢ : ٢٣٥ / ٢٤٥٠.

٦٤

[٢ / ٥١٩٥] وهكذا روى ابن بابويه الصدوق قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر؟ فقال : بياض النهار من سواد الليل».

[٢ / ٥١٩٦] قال : وفي خبر آخر : «هو الفجر الّذي لا شكّ فيه» (١).

[٢ / ٥١٩٧] وروى العيّاشيّ والكليني بالإسناد إلى الحلبيّ ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فقال : بياض النهار من سواد الليل (٢). قال عليه‌السلام : وكان بلال يؤذّن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أمّ مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذّن بليل ، ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب ، فقد أصبحتم» (٣).

قلت : وهناك في حديث آخر ما ظاهره التنافي مع هذا الخبر ، سنتعرض له.

[٢ / ٥١٩٨] وبالإسناد إلى أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : متى يحرم الطعام والشراب على الصائم ، وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : «إذا اعترض الفجر وكان كالقبطيّة البيضاء ، فثمّ يحرم الطعام ويحلّ الصيام وتحلّ الصلاة صلاة الفجر ...» (٤).

[٢ / ٥١٩٩] وروى الصدوق بالإسناد إلى ابن عطيّة عن الصادق عليه‌السلام قال : «الفجر هو الّذي إذا رأيته كان معترضا كأنّه بياض نهر سوراء» (٥).

قال الصدوق : وروي أنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ، قال : وأمّا الضوء الّذي يشبه ذنب السّرحان ، فذاك الفجر الكاذب. والفجر الصادق هو المعترض كالقباطي (٦).

[٢ / ٥٢٠٠] وروى الكليني بالإسناد إلى عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو الحسن ابن الحصين إلى الإمام أبي جعفر عليه‌السلام يسأله عن الفجر؟ فجاء الجواب بخطّه : «الفجر ـ يرحمك الله ـ هو الخيط

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٢ / ٣ و ٤.

(٢) العيّاشيّ ١ : ١٠٣ / ٢٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٩٨ / ٣.

(٤) المصدر : ٩٩ / ٥. والقبطيّة ـ بضمّ القاف ـ الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء. قال ابن الأثير : وكأنّه منسوب إلى القبط ، وضمّ القاف من تغيير النّسب. وهذا في الثياب ، فأمّا الناس فقبطيّ بالكسر. (النهاية ٤ : ٦).

(٥) الفقيه ١ : ٣١٧ / ١٤٤٠ وفي نسخة : الصبح بدل الفجر. وسوراء ـ يمدّ ويقصر ـ : بلدة بالعراق من أرض بابل. والكافي ٣ : ٢٨٣ / ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٣١٧ / ١٤٤١. والسّرحان : الذئب. والقباطيّ جمع قبطيّ.

٦٥

الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعدا ، فلا تصلّ حتّى تبيّنه» (١).

[٢ / ٥٢٠١] وروى الشيخ بالإسناد إلى زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي صلاة الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا» (٢).

[٢ / ٥٢٠٢] وبالإسناد إلى هشام بن الهذيل عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن وقت صلاة الفجر؟ فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء» (٣).

قوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ)

تبيين لموضع الخيطين المستطيلين على الأفق. خيط فلق الصباح ، المستبان من حلك الظلام.

[٢ / ٥٢٠٣] روى القاضي النعمان المصري بالإسناد إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لمّا نزل قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ، وهم بعض الناس فأخذوا خيطين أبيض وأسود ، لينظروا إليهما عند قرب الصباح. غير أنّه تعالى بيّن مراده بذلك ، وقال : (مِنَ الْفَجْرِ)(٤).

[٢ / ٥٢٠٤] وهكذا رووا عن سهل بن سعد أنّ أناسا كانوا يربطون بأرجلهم خيطين أبيض وأسود ، لينظروا إليهما ويتبيّنوا الصباح عن الظلام .. ولكن قوله : (مِنَ الْفَجْرِ) دلّهم على إرادة فلق الصباح عن حلك الظلام (٥).

[٢ / ٥٢٠٥] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عديّ بن حاتم قال : «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلّمني الإسلام ، ونعت لي الصلوات الخمس ؛ كيف أصلّي كلّ صلاة لوقتها ، ثمّ قال : إذا جاء

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٢ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٥ ؛ الاستبصار ١ : ٢٧٤ / ٩٩٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦ / ١١٥ ؛ الاستبصار ١ : ٢٧٤ / ٩٩٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧ / ١١٧ ؛ الاستبصار ١ : ٢٧٥ / ٩٩٦. وراجع : الوسائل ٤ : ٢٠٩ ـ ٢١٢. والبحار ٢٢ : ٢٦٥. و ٨٠ : ١٣١. و ٩٣ : ٢٧١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ٢٧١ ؛ مستدرك الوسائل ٧ : ٣٤٤ ؛ البحار ٩٣ : ٣١١ ، باب ٣٥ / ٤.

(٥) الطبري ٢ : ٢٣٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٨ ؛ البخاري ٢ : ٢٣١ ؛ مسلم ٣ : ١٢٨ ؛ النسائي ٦ : ٢٩٧ ؛ البيهقي ٤ : ٢١٥ ؛ البغوي ١ : ٢٢٩ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢٧.

٦٦

رمضان فكل واشرب حتّى يتبيّن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثمّ أتمّ الصيام إلى الليل» ولم أدر ما هو! ففتلت خيطين أبيض وأسود ، فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله كلّ شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود! قال : وما منعك يا ابن حاتم! وتبسّم كأنّه قد علم ما فعلت! قلت : فتلت خيطين أبيض وأسود ، فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء! فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى رؤي نواجذه ، ثمّ قال : ألم أقل لك من الفجر؟ إنّما هو ضوء النهار من ظلمة الليل» (١).

[٢ / ٥٢٠٦] وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عديّ بن حاتم قال : لمّا انزلت هذه الآية : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر إليهما فلا يتبيّن لي الأبيض من الأسود ، فلمّا أصبحت غدوت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبرته بالذي صنعت فقال : «إنّ وسادك إذن لعريض ، إنّما ذاك بياض النهار من سواد الليل» (٢).

وفي رواية أخرى : «إنّك لعريض القفا». وفي ذلك كناية عن بلادته ، وهو بعيد ، إذ ليس من شيم الأنبياء عليهم‌السلام أن يستهينوا بشأن أحد. ومن ثمّ فالصحيح من الروايات هي الأولى الّتي اقتصر فيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التبسّم ، المنبىء عن لطيف عنايته.

وهناك روايات فسّرت الفجر بحمرة الأفق ، ولعلّه الأثر الرقيق من الصفرة تحت بياض الأفق.

[٢ / ٥٢٠٧] أخرج ابن أبي شيبة عن جابر الجعفي ، أنّه سئل عن هذه الآية : فقال : قال سعيد بن جبير : هو حمرة الأفق! (٣)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ؛ الطبري ٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / ٢٤٤٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٨ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٥٦ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٣.

(٢) الدرّ ١ : ٤٨٠ ؛ سنن سعيد ٢ : ٦٩٧ ـ ٦٩٨ / ٢٧٧ ، ثمّ قال : سنده صحيح ؛ المصنّف ٢ : ٤٤٣ / ١١ ، باب ٢١ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٧٧ ؛ البخاري ٥ : ١٥٦ ؛ مسلم ٣ : ١٢٨ ؛ أبو داوود ١ : ٥٢٧ / ٢٣٤٩ ، باب ١٦ ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ / ٤٠٥٢ ؛ النسائي ٤ : ٢١٥ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ؛ البغوي ١ : ٢٣٠ / ١٦٠ ؛ الوسيط ١ : ٢٨٧.

(٣) المصنّف ١ : ٣٦٨ / ٤ ، باب ١٠٢. الدرّ ٢ : ٢٨٤ ، (ط : هجر).

٦٧

[٢ / ٥٢٠٨] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داوود والترمذي وحسّنه عن طلق بن عليّ ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلوا واشربوا ولا يهيدنّكم الساطع المصعد ، وكلوا واشربوا حتّى يعترض لكم الأحمر» (١).

ملحوظة

هناك تخالف بين ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام وما رواه غيرهم ، بشأن أذاني ابن أمّ مكتوم وبلال.

[٢ / ٥٢٠٩] روى الكليني بالإسناد إلى الحلبيّ عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «كان بلال وابن امّ مكتوم يؤذّنان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل ، ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب ، فقد أصبحتم» (٢).

[٢ / ٥٢١٠] وهكذا قال الصدوق رحمه‌الله : وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذّنان ، أحدهما بلال والآخر ابن أمّ مكتوم وكان أعمى وكان يؤذّن قبل الصبح ، وكان بلال يؤذّن بعد الصبح. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ ابن أمّ مكتوم يؤذّن باللّيل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا ، حتّى تسمعوا أذان بلال».

قال الصدوق : فغيّرت العامّة هذا الحديث عن جهته وقالوا : إنّه عليه‌السلام قال : «إنّ بلالا يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان ابن أمّ مكتوم» (٣).

[٢ / ٥٢١١] وهكذا روى مسلم بالإسناد إلى سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ بلالا يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا تأذين ابن أمّ مكتوم».

[٢ / ٥٢١٢] وبالإسناد إلى عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ بلالا يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان ابن أمّ مكتوم».

[٢ / ٥٢١٣] وعنه أيضا قال : كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذّنان بلال وابن أمّ مكتوم الأعمى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ بلالا يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّى يوذّن ابن أمّ مكتوم». قال : ولم يكن

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨٢ ؛ المصنّف ٢ : ٤٤٢ / ١ ، باب ٢ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢٣ ؛ أبو داوود ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ / ٢٣٤٨ ؛ الترمذي ٢ : ١٠٥ / ٧٠١ ، باب ١٥ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٢٧ / ٢٣٩٩٠.

(٢) الكافي ٤ : ٩٨ / ٣ ؛ البحار ٨٠ : ١١١ / ١٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٥ ـ ٤٣ ؛ البحار ٨٠ : ١١٠ ـ ١١١ / ١٢.

٦٨

بينهما إلّا أن ينزل هذا ويرقى هذا!

[٢ / ٥٢١٤] وبالإسناد إلى سمرة بن جندب يقول : سمعت محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يغرّنّ أحدكم نداء بلال من السّحور ، ولا هذا البياض حتّى يستطير».

[٢ / ٥٢١٥] وفي حديث آخر عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يغرّنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل ، حتّى يستطير» (١).

[٢ / ٥٢١٦] وروى البغوي بالإسناد إلى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ بلالا ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتّى ينادى ابن أمّ مكتوم». قال : وكان ابن أمّ مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتّى يقال له : أصبحت أصبحت! (٢)

[٢ / ٥٢١٧] وروى البخاري بالإسناد إلى القاسم بن محمّد عن عائشة ، قالت : إنّ بلالا كان يؤذّن بليل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن أمّ مكتوم ، فإنّه لا يؤذّن حتّى يطلع الفجر!» قال القاسم : ولم يكن بين أذانهما إلّا أن يرقى ذا وينزل ذا (٣).

وهكذا روى ابن أبي شيبة وأبو داوود والترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجة والدارمي والطبري والثعلبي وغيرهم (٤).

قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)

وحدّ الليل هو سقوط القرص عن الأفق ، ويعلم بذهاب الحمرة من جانب المشرق وإقبال السواد منه (٥). وهو يحصل بعد غيبوبة عين الشمس بفترة قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر.

[٢ / ٥٢١٨] روى الكليني بالإسناد إلى ابن أبي عمير رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «وقت سقوط القرص ، أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة الّتي ترتفع من المشرق ، فإذا جازت قمّة الرأس إلى

__________________

(١) مسلم ٣ : ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٢) البغوي ١ : ٢٣٠.

(٣) البخاري ٤ : ٣٧ ، باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يمنعنّكم من سحوركم أذان بلال».

(٤) المصنّف ٢ : ٤٤٢ ؛ أبو داوود ١ : ٥٢٦ ؛ الترمذي ٢ : ١٠٥ ؛ النسائي ٢ : ٨١ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٣ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٤١ الدارمي ١ : ٢٧٠ ؛ الطبري ٢ : ٢٣٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٨١ ؛ البغوي ١ : ٢٣١ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٢٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٥٧ ؛ القرطبي ٢ : ٣١٨ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢٩ ؛ الدرّ ١ : ٤٨١.

(٥) ذكره الشيخ في التبيان ٢ : ١٣٥.

٦٩

ناحية المغرب ، فقد وجب الإفطار وسقط القرص». (١) أي ثبت جواز الإفطار وأنّ القرص قد سقط ، أي غاب تحت الأفق ، يقينا.

[٢ / ٥٢١٩] وبذلك جاءت الرواية عن العبد الصالح (الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام) كتب في جواب عبد الله بن وضّاح : «أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة ، وتأخذ بالحائطة لدينك» (٢).

ومن ثمّ قال المفيد رحمه‌الله : حدّ دخول اللّيل مغيب قرص الشمس ، وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق. فإذا عدمت الحمرة من المشرق سقط الحظر وحلّ الإفطار.

قال : وقد روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حدّ دخول اللّيل ما ذكرناه بصفته (٣).

وبهذا المعنى أيضا ما ورد عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) قال : «سقوط الشّفق» (٤). قال صاحب الوسائل : وحمل على إرادة سقوط الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس (٥).

[٢ / ٥٢٢٠] وأخرج ابن جرير والثعلبي وأحمد بالإسناد إلى عبد الله بن أوفى ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسير وهو صائم ، فلمّا غربت الشمس قال لرجل : انزل فاجدح لي. كرّره ثلاث مرّات ، والرجل يقول : لو أمسيت يا رسول الله! ففي الثالثة نزل فجدح له. ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أقبل اللّيل من هاهنا ـ وضرب بيده نحو المشرق ـ فقد أفطر الصائم» (٦).

[٢ / ٥٢٢١] وكذا أخرج مسلم بالإسناد إلى ابن أوفى ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فلمّا غابت الشمس قال لرجل : انزل فاجدح لنا ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أمسيت! قال : انزل فاجدح لنا ، قال : إنّ علينا نهارا! فنزل فجدح له فشرب ، ثمّ قال : «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا ـ وأشار بيده نحو المشرق ـ فقد أفطر الصائم» (٧).

[٢ / ٥٢٢٢] وكذلك روى البخاري بالإسناد إلى ابن أوفي ، قال : سرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٠ / ١ ؛ الوسائل ١٠ : ١٢٤ ، باب ٥٢ / ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١.

(٣) المقنعة : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ الوسائل ١٠ : ١٢٥ ـ ١٢٦ / ٦.

(٤) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٧١.

(٥) الوسائل ١٠ : ١٢٦ / ٨.

(٦) الطبري ١ : ٢٣١ ؛ الثعلبي ٢ : ٨١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٥٧ ـ ٥٨ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٨١.

(٧) مسلم ٣ : ١٣٢. والجدح : خلط السويق ومزجه بالماء ، وكذلك اللبن ونحوه بخليط يصلحه للشرب.

٧٠

صائم ، فلمّا غربت الشمس قال لرجل : انزل فاجدح لنا ـ وساق الحديث نحو مسلم ـ ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «إذا رأيتم اللّيل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم» ، وأشار بإصبعه قبل المشرق (١).

[٢ / ٥٢٢٣] وأخرج عن عاصم بن عمر عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أقبل اللّيل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» (٢).

أوردهما البخاري في باب «متي يحلّ فطر الصائم».

قال ابن حجر : قوله : «إذا أقبل الليل من هاهنا» أي من جهة المشرق ـ كما في الحديث الأوّل ـ والمراد به : وجود الظلمة حسّا (٣).

وقال النووي : قوله : «أقبل اللّيل وأدبر النهار وغربت الشمس» ، قال العلماء : كلّ واحد من هذه الثلاثة يتضمّن الآخرين ويلازمهما ، وإنّما جمع بينها لأنّه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس ، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء (٤).

قلت : وعليه فالمدار ـ للعلم بانقضاء النهار وإقبال الليل ـ وإن كان هو سقوط الشمس وغروبها تحت الأفق ، لكن الطريق إلى معرفة ذلك يقينا ، هي مشاهدة ظلام اللّيل حسّا ، مقبلا من جهة المشرق. الأمر الّذي يتحقّق بذهاب الحمرة المشرقيّة واجتيازها قمّة الرأس ، نحو المغرب ، كما جاء التصريح به في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

***

وهناك في الأحاديث المنع الأكيد من مواصلة الصوم.

[٢ / ٥٢٢٤] فقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إيّاكم والوصال ، إيّاكم والوصال» ، رواه أصحاب المسانيد وكتب الصحاح (٥).

[٢ / ٥٢٢٥] وأخرج البخاري وأبو داوود وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) البخاري ٣ : ٤٧.

(٢) المصدر : ٤٦.

(٣) فتح الباري ٤ : ١٧١.

(٤) النّووي بشرح مسلم ٧ : ٢٠٩.

(٥) البخاري ٢ : ٢٤٢ و ٢٤٣ ؛ مسلم ٣ : ١٣٣ ؛ مسند أحمد ٢ : ٢١ و ٢٦١ ؛ النسائي ٢ : ٢٤٢ ؛ الموطّأ ١ : ٣٠١ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٢ : ٤٩٥ ، ٤٩٦ ، باب ٨٠ ؛ الترمذي ٢ : ١٣٨ / ٧٧٥ ، باب ٦١ ؛ أبو داوود ١ : ٥٢٩.

٧١

يقول : «لا تواصلوا ، فأيّكم أراد أن يواصل فليواصل حتّى السّحر» (١).

[٢ / ٥٢٢٦] وعن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يواصل من السّحر إلى السّحر» (٢) أي كان يفطر بشربة ماء ورطبات أو سويق معه (٣) ، فلا يتطعمّ حتّى يتسحّر.

[٢ / ٥٢٢٧] وروي : «أنّ ذلك ـ أي الوصال من السّحر إلى السّحر ـ من وصال آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السّحر إلى السّحر» (٤). كما روي التأكيد على التسحّر ، في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تسحّروا فإنّ في السّحور بركة» (٥).

كما وقد خالف بعضهم سنّة الفطر والسحور وأصرّ على الوصال ، رغم نكارته.

[٢ / ٥٢٢٨] أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ليلى امرأة بشير ، قالت : أردت أن أصوم يومين مواصلة ، فمنعني بشير وقال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه. وقال : إنّما يفعل ذلك النصارى. ولكن صوموا كما أمركم الله ، وأتمّوا الصيام إلى اللّيل ، فإذا كان الليل فافطروا» (٦).

[٢ / ٥٢٢٩] وأخرج مسلم بالإسناد إلى أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تسحّروا فإنّ في السّحور (٧) بركة». (٨)

[٢ / ٥٢٣٠] وعن ابن العاص : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ، أكلة السّحر» (٩).

[٢ / ٥٢٣١] وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أراد أن يصوم فليتسحّر ولو بشيء» (١٠).

__________________

(١) البخاري ٢ : ٢٤٢ ؛ مسند أحمد ٣ : ٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ؛ الدرّ ١ : ٤٨٣.

(٢) مسند أحمد ١ : ١٤١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٠ ؛ كنز العمّال ٨ : ٦٢٨ / ٢٤٤٥٨.

(٣) روى أبو داوود (١ : ٥٢٨) أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلّي ، فإن لم تكن رطبات ، فعلى تمرات. فإن لم تكن تمرات ، حسا حسوات من ماء».

(٤) الطبري ٢ : ٢٤٥ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٠.

(٥) مسلم ٣ : ١٣٠.

(٦) مسند أحمد ٥ : ٢٢٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٩ / ١٦٨٩ ؛ الكبير ٢ : ٤٤ / ١٢٣١ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٠ ؛ الدرّ ١ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣.

(٧) بضمّ السين : التطعّم في السحر. وبالفتح : طعام السحر.

(٨) مسلم ٣ : ١٣٠.

(٩) المصدر : ١٣٠ ـ ١٣١.

(١٠) المصنّف ٢ : ٤٢٦ / ٤ ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٦٧ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٢٤ / ٢٣٩٦٥ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٥٠.

٧٢

هذا ، ولكنّ ابن الزبير نراه قد خالف هذه السنّة الإسلاميّة غير عابه بها :

[٢ / ٥٢٣٢] روى ابن جرير بالإسناد إلى هشام بن عروة ، قال : كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيّام ، فلمّا كبر جعلها خمسا ، فلمّا طعق في السنّ جعلها ثلاثا!؟ (١)

[٢ / ٥٢٣٣] ورواه الحاكم بالإسناد إلى أبي مليكة ، قال : كان ابن الزبير يواصل سبعة أيّام ، فيصبح يوم الثالث وهو أليثنا! أي كأنّه ليث أليث (٢).

وهكذا رواه ابن كثير ، وقال : كان يواصل سبعة أيّام ويصبح في اليوم السابع ، أقواهم وأجلدهم! (٣)

[٢ / ٥٢٣٤] وأخرج ابن جرير عن أبي إسحاق : أنّ ابن أبي نعيم كان يواصل من الأيّام ، حتّى لا يستطيع أن يقوم! فقال عمرو بن ميمون : لو أدرك هذا أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجموه (٤).

[٢ / ٥٢٣٥] وعن حفص عن عبد الملك ، قال : كان ابن أبي يعمر يفطر في كلّ شهر مرّة!! (٥)

[٢ / ٥٢٣٦] وأخرج عن الفروي ، قال : سمعت مالكا يقول : كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلة ستّ عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما ، فلقيته فقلت له : يا أبا الحرث ماذا تجده يقوّيك في وصالك؟ قال : السمن أشربه أجده يبلّ عروقي ، فأمّا الماء فإنّه يخرج من جسدي! (٦)

قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) والمناسبة قريبة بين الأمور الثلاثة : الصيام والدعاء والاعتكاف ، ولا سيّما بملاحظة شهر رمضان ، شهر الله وربيع العبادة والابتهال إلى الله. والاعتكاف وهو الخلوة إلى الله في فجوات الليل والنهار ثلاثة أيّام. ضمن المساجد وهي بيوت الله ، وأفضل أوقاتها العشر الأخير من شهر رمضان. ومخّها وأساسها الدعاء والابتهال إليه سبحانه. نعم من اعتكف في بيت من بيوته تعالى ، فقد عكف على العبادة له ، خالصة من كلّ لذائذ الحياة فيما سوى الانقطاع لديه ، وهو من أفضل اللذّات ، حيث

__________________

(١) الطبري ٢ : ٢٤٢ / ٢٤٨٢ ؛ كنز العمّال ١٣ : ٤٧١ / ٣٧٢٣١. قوله «طعق» بمعنى كبر جدّا.

(٢) الحاكم ٣ : ٥٤٩.

(٣) ابن كثير ١ : ٢٣٠.

(٤) الطبري ٢ : ٢٤٤ / ٢٤٨٥.

(٥) المصدر : ٢٤٢ / ٢٤٨٣.

(٦) المصدر / ٢٤٨٤.

٧٣

تغذية الروح أهنأ من سائر التغذيات. فالمعتكف تحبّس نفسه عن لذائذ الجسد ، ولكنّه انطلق منها هادفا لذائذ أرقى وأنعم على النفس ، من كلّ لذّة سواه. إنّه العكوف لدى المحبوب والمثول لديه ، بعيدا عن أعين الرقباء ، فيا له من لذّة هنيئة سائغة طيّبة!؟

والإنسان حيث خلق من روحه تعالى ، فالشوق للوصول إليه والعكوف لديه ، من آكد الأمنيّات ، والّتي يسعى الإنسان بكلّ وجوده كادحا إليه ليلاقيه. والآن وفي فترة الاعتكاف يحسّ إحساسا باقترابه من ذلك اللقاء.

وممّا يمتنع منه المعتكف زيادة على حرمة صيامه ، الامتناع من ملامسة النساء ، سواء في ذلك فترة الإمساك وفترة الإفطار ، ولا يخرج من معتكفه إلّا لضرورة قضاء الحاجة.

***

وفي النهاية يربط الأمر كلّه بالله ، في توجيه كلّ نشاط وكلّ حركة وامتناع.

قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها). والنهي عن القرب ، لتكون هناك منطقة أمان وحريم ، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

[٢ / ٥٢٣٧] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله حلاله وحرامه ، والمشتبهات بين ذلك ، كما لو أنّ راعيا رعى إلى جنب الحمى لم تلبث غنمه أن تقع في وسطه ، فدعوا المشتبهات» (١).

[٢ / ٥٢٣٨] وفي رواية أخرى : «إنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله محارمه ، فمن رتّع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (٢).

[٢ / ٥٢٣٩] وعن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة ، وحرامي حرام إلى يوم القيامة. ألا وقد بيّنهما الله ـ عزوجل ـ في الكتاب ، وبيّنتهما في سيرتي وسنّتي ، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي ، من تركها صلح له أمر دينه ، وصلحت له مروّته وعرضه. ومن تلبّس بها ووقع فيها واتّبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ، ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى ، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، ألا وإنّ حمى

__________________

(١) البحار ٢ : ٢٥٩ / ٦ ؛ أمالي الطوسي : ٣٨١.

(٢) كنز الفوائد للكراجكي : ١٦٤ ؛ عوالي اللئالي ٢ : ٨٣ / ٢٢٣ ؛ البحار ٢ : ٢٦١.

٧٤

الله ـ عزوجل ـ محارمه ، فتوقّوا حمى الله ومحارمه» (١).

وفي هذا التحذير المبالغ فيه إيحاء إلى تربية نفسيّة تصدّها عن الجموح والشطط في الحياة. ويجمعها كلمة التقوى :

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). والتقوى : التحفّظ على كرامة الإنسان في صميم ذاته ، وكذلك تلوح التقوى غاية قصوى يبيّن الله آياته (دلائله) للناس ليبلغوها ، وهي غاية كبيرة يدرك قيمتها الّذين آمنوا ، المخاطبون بهذا القرآن في كلّ حين.

***

[٢ / ٥٢٤٠] روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان ، حتّى توفّاه الله. رواه الدار قطنى والبيهقي (٢).

[٢ / ٥٢٤١] وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المعتكف : «إنّه معتكف [من] الذنوب ويجري له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلّها» (٣).

قوله : «معتكف من الذنوب» أي متحبّس نفسه من الذنوب ، ولكنّه يجزى مثل عامل الحسنات. والمراد بالذنوب ـ هنا ـ ما حرم عليه بسبب الاعتكاف.

[٢ / ٥٢٤٢] وأخرج الدار قطنى عن حذيفة ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «كلّ مسجد له مؤذّن وإمام ، فالاعتكاف فيه يصلح» (٤).

[٢ / ٥٢٤٣] وروى عن سعيد بن جبير وأبي قلّابة وغيرهم : «الاعتكاف في كلّ مسجد جائز» (٥).

[٢ / ٥٢٤٤] وروى عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وعروة والحكم وحمّاد والزهري : «لا اعتكاف إلّا في مسجد تجمع فيه الجمعة» (٦).

__________________

(١) البحار ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ١٧.

(٢) الدار قطني ٢ : ٢٠١ / ١١ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٣٩٦٢.

(٣) الدرّ ١ : ٤٨٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٥٩ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٦٧ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٤٢٤ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٣١.

(٤) الدار قطني ٢ : ٢٠٠ / ٥ ؛ القرطبي ٢ : ٣٣٣ ؛ الدرّ ١ : ٤٧٨.

(٥) القرطبي ٢ : ٣٣٣.

(٦) المصدر.

٧٥

[٢ / ٥٢٤٥] وعن سعيد بن المسيّب : «لا اعتكاف إلّا في مسجد نبيّ» (١).

قلت : ويحمل اختلاف الروايات على مراتب الفضيلة ، فالأفضل هو مسجد الحرام ثمّ مسجد النبيّ ثمّ المسجد الجامع ، ثمّ مطلق المساجد إذا كان لها روّاد.

[٢ / ٥٢٤٦] وروى الكليني بالإسناد إلى داوود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا اعتكاف إلّا في العشر الأواخر من شهر رمضان». وقال : إنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : «لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع. والمرأة مثل ذلك» (٢).

[٢ / ٥٢٤٧] وعن الحلبيّ عنه عليه‌السلام قال : «لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة». قال : «وتصوم ما دمت معتكفا» (٣).

[٢ / ٥٢٤٨] وأخرج الدار قطني والحاكم عن عائشة ، قالت : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا اعتكاف إلّا بصيام» (٤).

[٢ / ٥٢٤٩] وكذا أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عبّاس وعن عليّ عليه‌السلام قال : «المعتكف عليه الصوم» (٥).

***

[٢ / ٥٢٥٠] وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود وابن ماجة عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان (٦).

[٢ / ٥٢٥١] وأخرج البخاري وأبو داوود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) المصنّف لابن أبي شيبة ٢ : ٥٠٣ / ٤ باب ٩٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٦ / ٢. وصحّحنا الحديث على نسخة التهذيب ٤ : ٢٩١.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٣.

(٤) الدار قطني ٢ : ١٩٩ / ٤ ؛ الحاكم ١ : ٤٤ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٣١ ، عن عليّ عليه‌السلام.

(٥) المصنّف ٢ : ٤٩٩ / ١ ـ ٣ ، باب ٨٤.

(٦) الدرّ ١ : ٤٨٧ ؛ البخاري ٢ : ٢٥٥ ؛ مسلم ٣ : ١٧٤ ؛ أبو داوود ١ : ٥٥١ / ٢٤٦٥ ، باب ٧٧ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٦٤ / ١٧٧٣.

٧٦

يعتكف في كلّ رمضان عشرة أيّام ، فلمّا كان العام الّذي قبض فيه اعتكف عشرين (١).

[٢ / ٥٢٥٢] وروى الكليني بالإسناد إلى حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر» (٢).

وفي رواية : «وشدّ المئزر» قال ابن الأثير : كناية عن اعتزال النساء وقيل : أراد تشميره للعبادة ؛ يقال : شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمّرت له (٣).

[٢ / ٥٢٥٣] وأيضا عنه عليه‌السلام قال : «كانت بدر في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا كان من قابل اعتكف عشرين ؛ عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته» (٤).

[٢ / ٥٢٥٤] وبالإسناد إلى أبي العباس عنه عليه‌السلام قال : «اعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الأوّل ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر. ثمّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر» (٥).

[٢ / ٥٢٥٥] وأخرج الدار قطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيّب وعن عروة عن عائشة ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه الله عزوجل ، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده ، والسنّة في المعتكف أن لا يخرج إلّا لحاجة الإنسان ، ولا يتبع جنازة ، ولا يعود مريضا ، ولا يمسّ امرأة ، ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة ، والسنّة في المعتكف أن يصوم ، قال البيهقيّ : أخرجاه في الصحيح ، دون قوله : والسنّة إلى آخره. فقد قيل : إنّه من قول عروة. وقال الدار قطني : هو من كلام الزهريّ ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨٨ ؛ البخاري ٢ : ٢٦٠ ؛ أبو داوود ١ : ٥٥١ / ٢٤٦٦ ، باب ٧٧ ؛ النسائي ٢ : ٢٥٩ / ٣٣٤٤ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٦٢ / ١٧٦٩ ، باب ٥٨ ؛ مسند أحمد ٢ : ٣٥٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٥ / ١.

(٣) النهاية ١ : ٤٤ (مادة أزر).

(٤) الكافي ٤ : ١٧٥ / ٢.

(٥) المصدر / ٣.

(٦) الدرّ ١ : ٤٨٦ ؛ الدار قطني ٢ : ٢٠١ / ١١ ؛ الشعب ٣ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٣٩٦٩.

٧٧

قال تعالى :

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨))

وفي ظلّ الصوم والاعتكاف ، والامتناع عن ملاذّ ومشتهيات ، وعن المآكل والمشارب والمناكح. ورد التحذير من نوع آخر من الأكل : أكل أموال الناس بالباطل ؛ من غير سبب مبرّر!؟

وعن طريق التقاضي بشأنها أمام الحكّام ، اعتمادا على المغالطة في الحجج والأسانيد. واللحن بالقول الزور. فيغلب خصمه عن طريق المحاججة الباطلة ، مضيفا إليها الرّشا والمصانعة السيّئة!؟ الأمر الّذي يضادّ خصيلة التقوى والورع عن محارم الله!

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي بلا سبب مبرّر معقول ، والأكل هنا : كناية عن تداول بذيء يعلوه غبار النّهم والحرص المقيت ، ويذهب برواء الإنسانيّة النبيلة والّتي جبل الإنسان عليها في فطرته الأولى النزيهة.

نعم وهكذا أناس سفلة ، قد عاكسوا الفطرة وأخذوا في تيه الضلال.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْناهُ) بفعل نفسه (أَسْفَلَ سافِلِينَ)(١).

[٢ / ٥٢٥٦] أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) قال : هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة ، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكّام وهو يعرف أنّ الحقّ عليه ، وقد علم أنّه آثم آكل حرام (٢).

[٢ / ٥٢٥٧] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال : لا تخاصم وأنت تعلم أنّك

__________________

(١) التين ٩٥ : ٤.

(٢) الدرّ ١ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٥١ / ٢٥٠٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢١ / ١٧٠٤ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣١ ؛ البغوي ١ : ٢٣٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٤ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٦٤.

٧٨

ظالم (١).

[٢ / ٥٢٥٨] وقال الحسن : هو أن يكون على الرجل لصاحبه حقّ فإذا طالبه به دعاه إلى الحكّام فيحلف له ويذهب بحقّه (٢).

[٢ / ٥٢٥٩] وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أمّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّما أنا بشر ، وإنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذنّه ، فإنّما أقطع له قطعة من النار» (٣).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨٩ ؛ سنن سعيد ٢ : ٧٠٦ / ٢٨٢ ؛ الطبري ٢ : ٢٥١ / ٢٥٠٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٤ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٦٤.

(٢) الثعلبي ٢ : ٨٥.

(٣) الدرّ ١ : ٤٨٩ ؛ الموطّأ ٢ : ٧١٩ / ١ ؛ الأمّ ٦ : ٢١٥ ؛ المصنّف ٥ : ٣٥٦ / ١ ، باب ٤٤٥ ؛ البخاري ٨ : ١١٢ ؛ مسلم ٥ : ١٢٩ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٧٧ / ٢٣١٧ ، باب ٥ ؛ أبو داوود ٢ : ١٦٠ / ٣٥٨٣ ؛ الترمذي ٢ : ٣٩٨ / ١٣٥٤ ، باب ١١ ؛ البيهقي ٣ : ٤٦٨ / ٥٩٤٣.

٧٩

قال تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))

وهنا ظاهرة في هذه الآية تطالعنا في صورة مواقف يسأل فيها المسلمون نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شؤون شتّى ، هي الشؤون الّتي تصادفهم في حياتهم ، ويريدون أن يعرفوا كيف يسلكون فيها وفق تصوّرهم الجديد ، ووفق نظامهم الجديد. وعن الظواهر الّتي تلفت حسّهم الّذي استيقظ تجاه الكون الّذي يعيشون فيه. وأسئلة أخرى في موضوعات متنوّعة جاءت في مواضع من القرآن.

قال سيّد قطب : وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على تفتّح وحيويّة ونموّ في صور الحياة وعلاقاتها ، وبروز أوضاع جديدة في المجتمع الّذي جعل يأخذ شخصيّته الخاصّة ، ويتعلّق به الأفراد تعلّقا وثيقا ، فلم يعودوا أولئك الأفراد المبعثرين ، ولا تلك القبائل المتناثرة. إنّما عادوا أمّة لها كيان ، ولها نظام ، ولها وضع يشدّ الجميع إليه ، ويهمّ كلّ فرد فيه أن يعرف خطوطه وارتباطاته. وهي حالة جديدة أنشأها الإسلام بتصوّره ونظامه وقيادته على السّواء ، حالة نموّ اجتماعيّ وفكريّ وشعوريّ وإنسانيّ بوجه عام.

ومن جهة أخرى هي دليل على يقظة الحسّ الدينيّ ، وتغلغل العقيدة الجديدة وسيطرتها على النفوس ، ممّا يجعل كلّ واحد يتحرّج أن يأتي أمرا في حياته اليوميّة قبل أن يستوثق من رأي العقيدة الجديدة فيه ، فلم تعد لهم مقرّرات سابقة في الحياة يرجعون إليها ، وقد انخلعت قلوبهم من كلّ مألوفاتهم في الجاهليّة ، وفقدوا ثقتهم بها ، ووقفوا ينتظرون التعليمات الجديدة في كلّ أمر من أمور الحياة.

وهذه الحالة الشعوريّة هي الحالة الّتي ينشئها الإيمان الحقّ. عندئذ تتجرّد النفس من كلّ مقرّراتها السابقة وكلّ مألوفاتها ، وتقف موقف الحذر من كلّ ما كانت تأتيه في جاهليّتها ، وتقوم على قدم الاستعداد لتلقّي كلّ توجيه من العقيدة الجديدة ، لتصوغ حياتها الجديدة على أساسها ، مبرأة من كلّ شائبة. فإذا تلقّت من العقيدة الجديدة توجيها يقرّ بعض جزئيّات من مألوفها القديم ،

٨٠