التفسير الأثري الجامع - ج ٥

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-06-7
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

اذ قد عرفت أنّه يخالف مذهب أهل البيت والصحيح من روايات السلف عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما وقد عرف عليه‌السلام بالمنع من صيامهنّ ، وكان شاخص الصحابة في المنع! (١) كما أنّه مخالف لما عرفت من تأكيد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنع من صيامهنّ (٢).

[٢ / ٥٤٥٠] قوله تعالى : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ). أي يصومها إن شاء بعد ما رجع إلى بلاده. روي ذلك عن قتادة (٣) ، ومجاهد (٤) ، وعطاء (٥) ، وسعيد بن جبير (٦) ، والحسن (٧) ، وعن ابن عمر. (٨) كما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٩).

[٢ / ٥٤٥١] وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن طاووس ، قال : إن شاء فرّق (١٠).

قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)

أي التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فرض من نآى عن مكّة على بعد اثني عشر ميلا (١١) ، فلم يكن من حاضري المسجد الحرام.

[٢ / ٥٤٥٢] روى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : قول الله ـ عزوجل ـ في كتابه : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)؟ قال : «يعني : أهل مكّة ، ليس عليهم متعة. كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ؛ كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن دخل في هذه الآية. وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» (١٢).

يعني بالثمانية والأربعين ، موزّعة من كلّ جانب اثنا عشر ميلا. وفي لفظ آخر : «ثمانية

__________________

(١) راجع : الحاكم ١ : ٤٣٤ وكتاب الخلاف ٢ : ٢٧٦.

(٢) راجع : المحلّى ٧ : ٢٩.

(٣) الطبري ٢ : ٣٤٧.

(٤) الطبري ٢ : ٣٤٦ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ٢٢٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٢.

(٥) الطبري ٢ : ٣٤٧ ؛ المصنّف ٤ : ٢٢٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٣ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٠٤.

(٦) الطبري ٢ : ٣٤٧ ، وعنه أيضا : إن أقام صامهنّ بمكة إن شاء ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٣.

(٧) أبو الفتوح ٣ : ١٠٤.

(٨) ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٣.

(٩) رواه عنه معاوية بن عمّار ، العيّاشيّ ١ : ١١١ / ٢٤٠ ؛ البرهان ١ : ٤٣٢ / ٢٣.

(١٠) المصنّف ٤ : ٢٣٠ / ٥.

(١١) راجع : شرائع الإسلام ١ : ٢٣٧.

(١٢) التهذيب ٥ : ٣٣ / ٩٨ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٦ ؛ الوسائل ١١ : ٢٥٩ / ٣.

١٤١

وأربعين ميلا من جميع نواحي مكّة» (١).

[٢ / ٥٤٥٣] وهكذا روى العيّاشيّ بالإسناد إلى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في الآية ، قال : «هو لأهل مكّة ، ليست لهم متعة ولا عليهم عمرة ، قلت : وما حدّ ذلك؟ قال : ثمانية وأربعون ميلا من نواحي مكّة. كلّ شيء دون عسفان ودون ذات عرق فهو من حاضري المسجد الحرام» (٢).

[٢ / ٥٤٥٤] لكن روى الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الآية ، قال : «من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها ، وكذا من خلفها وعن يمينها وعن يسارها ..» (٣).

لكنّها رواية شاذّة ، ولعلّ فيها تصحيفا ؛ إذ جاء في التفسير المنسوب إلى القمّي : «وذلك لمن ليس هو مقيما بمكّة ولا من أهل مكّة. أمّا أهل مكّة ومن كان حول مكّة على ثمانية وأربعين ميلا ـ أي موزّعة على الجوانب ـ فليست لهم متعة (٤)» (٥).

قال العلّامة المجلسيّ ـ في الشرح ـ : لم يقل به ـ ظاهرا ـ أحد من الأصحاب (٦).

وهناك تأويلات لا شاهد لها (٧).

***

واختلفت روايات أهل الحديث بشأن غير حاضري المسجد الحرام.

[٢ / ٥٤٥٥] قال مقاتل بن سليمان : من لم يكن منزله في أرض الحرم. قال : فمن كان أهله في أرض الحرم فلا متعة عليه (٨).

[٢ / ٥٤٥٦] وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عبّاس قال : المتعة للناس إلّا لأهل مكّة هي لمن لم يكن أهله في الحرم (٩) ؛ وروى ابن جرير مثله عن طاووس.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٩٢ / ١٧٦٦ ؛ الوسائل ١١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ / ٧.

(٢) العيّاشيّ ١ : ١١٢ / ٢٤٨ ؛ البحار ٩٦ : ٨٦ / ١ ، باب ٩.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٣ ؛ الوسائل ١١ : ٢٦١ / ١٠.

(٤) أي لم تفرض لهم ، فيتوافق مع صحيح زرارة : «ليس عليهم متعة».

(٥) القمّي ١ : ٦٩.

(٦) مرآة العقول ١٧ : ٢٠١.

(٧) راجع : جواهر الكلام ١٨ : ٨.

(٨) تفسير مقاتل ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٩) الدرّ ١ : ٥٢٣ ؛ الطبري ٢ : ٣٤٩ / ٢٨٣٦. المصنّف ٤ : ٥٣٥ / ٤.

١٤٢

[٢ / ٥٤٥٧] وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : من كان أهله من دون المواقيت ، فهو كأهل مكّة لا يتمتّع (١).

[٢ / ٥٤٥٨] وعن مكحول : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : من كان دون المواقيت (٢).

[٢ / ٥٤٥٩] وهكذا روى الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله ، في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : «ما دون الأوقات إلى مكّة» (٣).

[٢ / ٥٤٦٠] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : «دون المواقيت إلى مكّة فهم من حاضري المسجد الحرام وليس لهم متعة» (٤).

[٢ / ٥٤٦١] وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس في قوله : (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : هم أهل الحرم (٥).

[٢ / ٥٤٦٢] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنّه سئل عن المسجد الحرام قال : هو الحرم أجمع (٦).

[٢ / ٥٤٦٣] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عبّاس قال : الحرم كلّه هو المسجد الحرام.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله (٧).

[٢ / ٥٤٦٤] وأخرج ابن جرير عن معمر قال : سمعت الزّهري ، يقول : من كان أهله على يوم أو

__________________

(١) الطبري ٢ : ٣٥٠ / ٢٨٣٩ ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٢ ؛ التبيان ٢ : ١٦١ ، بلفظ : قال مكحول وعطاء : من بين مكّة والمواقيت ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٠٥ ، بنحو ما في التبيان ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٢١ / ٢١٥.

(٢) الطبري ٢ : ٣٤٩ / ٢٨٣٧ ؛ الثعلبي ٢ : ١٠٣ ، عن عكرمة ؛ البغوي ١ : ٢٤٩ ، عن عكرمة.

(٣) البرهان ١ : ٤٢٩ / ١٠ ؛ التهذيب ٥ : ٤٧٦ / ١٦٨٣ ـ ٣٢٩ ، و : ٣٣ / ٩٩ ـ ٢٨ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٨ / ١٥٨ ـ ٤.

(٤) العيّاشيّ ١ : ١١٢ / ٢٤٩ ؛ البرهان ١ : ٤٣٣ / ٣١ ؛ البحار ٩٦ : ٨٧ / ٢ ، باب ٩.

(٥) الدرّ ١ : ٥٢٢ ؛ الطبري ٢ : ٣٤٩ / ٢٨٣٣ ، وزاد : والجماعة عليه ، وكذا عن مجاهد. ابن كثير ١ : ٢٤٢ ، وزاد : وكذا روى ابن المبارك عن الثوري ؛ البغوي ١ : ٢٤٩ ، عن طاووس ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٠٥ ، عن ابن عبّاس ومجاهد ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٢٠ / ٢١٣ ، عن ابن طاووس عن أبيه.

(٦) الدرّ ١ : ٥٢٢.

(٧) المصدر.

١٤٣

نحوه تمتّع (١).

***

قال أبو عبد الله القرطبي : واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام ـ بعد الإجماع على أنّ أهل مكّة وما اتّصل بها من حاضريه ـ فقال بعض العلماء : من كان يجب عليه الجمعة فهو حضريّ ، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدويّ ، فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة. وقال مالك وأصحابه : هم أهل مكّة وما اتّصل بها خاصّة. وعند أبي حنيفة وأصحابه : هم أهل المواقيت ومن وراءها من كلّ ناحية ؛ فمن كان من أهل المواقيت أو من أهل ماوراءها فهم من حاضري المسجد الحرام. وقال الشافعي وأصحابه : هم من لا يلزمه تقصير الصلاة من موضعه إلى مكّة ، وذلك أقرب المواقيت. قال القرطبي : وعلى هذه الأقوال مذاهب السلف في تأويل الآية (٢).

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسيّ : وحدّ حاضري المسجد الحرام ، من كان على اثني عشر ميلا من كلّ جانب إلى مكّة ، ثمانية وأربعين ميلا (أي موزّعة على الجوانب الأربع). فما خرج عنه فليس من الحاضرين ... (٣).

والميل : ثلث الفرسخ (٤). فالاثنا عشر ميلا يعادل أربعة فراسخ ، وهو حدّ السفر في مقابلة الحضر ، للذاهب والآئب ليومه ؛ وهذا هو الموافق لظاهر تعبير القرآن بحاضري المسجد الحرام ، فيترجّح على القول بالابتعاد عن مكّة بثمانية وأربعين ميلا أي ستّة عشر فرسخا!؟ وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه في مبسوط الفقه (٥).

***

وهل يجوز التمتّع لأهل مكّة؟

[٢ / ٥٤٦٥] قال مجاهد : ليس عليهم متعة (٦).

[٢ / ٥٤٦٦] وعن ابن عبّاس : أنّه كان يقول : يا أهل مكّة ، إنّه لا متعة لكم ، أحلّت لأهل الآفاق

__________________

(١) الطبري ٢ : ٣٥٠ ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٢١ / ٢١٤.

(٢) القرطبي ٢ : ٤٠٤.

(٣) التبيان ٢ : ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٤) النهاية : ٣٨٢.

(٥) راجع : جواهر الكلام ١٨ : ٦ ـ ١٠.

(٦) المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ٥٣٤.

١٤٤

وحرّمت عليكم (١).

[٢ / ٥٤٦٧] وعن ابن عمر : سئل عن امرأة صرورة ، أتعتمر في حجّتها؟ قال : نعم ، إنّ الله جعلها رخصة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام (٢).

[٢ / ٥٤٦٨] وعن طاووس : ليس على أهل مكّة متعة. (٣) وكذا روي عن عروة (٤).

[٢ / ٥٤٦٩] وعن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الآية ، فقال : «هو لأهل مكّة ، ليست لهم متعة ولا عليهم عمرة» (٥).

وفي لفظ : قال : يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة (٦).

[٢ / ٥٤٧٠] وعن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : «سألته عن أهل مكّة ، هل يصلح لهم أن يتمتّعوا في العمرة إلى الحجّ؟ قال : لا يصلح لأهل مكّة المتعة ، ثمّ تلا الآية» (٧).

وفي لفظ : «قلت لأخي : لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : لا يصلح لهم أن يتمتّعوا» (٨).

[٢ / ٥٤٧١] وعن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : «دون المواقيت إلى مكّة فهم من حاضري المسجد الحرام ، وليس لهم متعة» (٩).

[٢ / ٥٤٧٢] وعن سعيد الأعرج عنه عليه‌السلام قال : ليس لأهل «سرف» (١٠) ولا لأهل «مرّ» (١١) ولا لأهل «مكّة» متعة (١٢).

__________________

(١) الطبري ٢ : ٣٤٩ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٢٠ ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٢.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٤.

(٣) المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ٥٣٥ / ٤ ؛ الثعلبي ٢ : ١٠٣.

(٤) المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ٥٣٥ / ١.

(٥) العيّاشيّ ١ : ١١٢ / ٢٤٨ ؛ التهذيب ٥ : ٤٩٢ / ١٧٦٦ ؛ الوسائل ١١ : ٢٦٠ / ٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣ / ٩٨ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٦ ؛ الوسائل ١١ : ٢٥٩ / ٣.

(٧) العيّاشيّ ١ : ١١٢ / ٢٥٠.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٣٣ / ٩٧ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٥ ؛ مسائل عليّ بن جعفر ـ المستدركات : ٢٦٥ / ٦٣٧ ؛ قرب الإسناد : ٢٤١.

(٩) العيّاشيّ ١ : ١١٢ / ٢٤٩ ؛ التهذيب ٥ : ٤٧٦ / ١٦٨٣.

(١٠) قرية على ستّة أميال من مكّة.

(١١) على بعد خمسة أميال من مكّة.

(١٢) العيّاشيّ ١ : ١١٣ / ٢٥١ ؛ التهذيب ٥ : ٤٩٢ / ١٧٦٥ ؛ الكافي ٤ : ٢٩٩ / ١.

١٤٥

[٢ / ٥٤٧٣] وعن عبيد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير ، كلّهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس لأهل مكّة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف ، متعة» (١).

[٢ / ٥٤٧٤] وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما دون المواقيت إلى مكّة فهو حاضري المسجد الحرام ، وليس لهم متعة» (٢).

[٢ / ٥٤٧٥] وعن عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : «وأهل مكّة لا متعة لهم» (٣).

قلت : هذا في الفرض ، أمّا النفل فالأمر موسّع ، وتمام الكلام في محلّه من الفقه.

كلام عن المتعة في الحجّ

التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، هو : أن يحرم القاصد للحجّ ، بعمرة في أشهر الحجّ (٤) ، من أحد المواقيت الخمس (٥) لأهل الآفاق. ثمّ يأتي مكّة ليطوف ويسعى ويقصّر ، فيحلّ من إحرامه ؛ وعندئذ يحلّ له التمتّع بما كان ممتنعا عنه لأجل الإحرام ، ومنها متعة النساء أي مباشرتهنّ.

[٢ / ٥٤٧٦] أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عطاء ، قال : إنّما سمّيت المتعة ، لأنّهم كانوا يتمتّعون من النساء والثياب. وفي لفظ : يتمتّع بأهله وثيابه (٦).

وهكذا قال ابن القاسم ـ في وجه تسمية المتمتّع متمتّعا ـ : لأنّه تمتّع بكلّ ما لا يجوز للمحرم فعله ، من وقت حلّه في العمرة إلى وقت إنشائه الحجّ (٧).

وقد أجمعت الأمّة على جوازه ومشروعيّته ، سلفا وخلفا ، من عدى بعض الأوائل ، وعلى خلاف ما جاءت به السنّة الشريفة وصريح الكتاب.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢ / ٩٦ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٧ / ٥١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣ / ٩٩ ؛ الاستبصار ٢ : ١٥٨ / ٥١٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٥ ؛ الوسائل ١١ : ٢٦١ / ٩.

(٤) شوّال وذو العقدة وذو الحجّة. (البخاري ٢ : ١٥٠ و ١٥٤).

(٥) ذو الحليفة بالشجرة ، لمن كان على طريق المدينة. وادي العقيق ، لمن كان على طريقه من نجد والعراق. الجحفة ، لأهل الشام ومصر والمغرب ومن كان على طريقهم. يلملم ، لأهل اليمن ومن مرّ على طريقهم. قرن المنازل ، ميقات أهل الطائف.

(٦) المصنّف ٤ : ٥٥١ / ١ ، باب ٥١٦ ؛ الدرّ ١ : ٥١٦.

(٧) القرطبي ٢ : ٣٩٥.

١٤٦

قال أبو عبد الله القرطبي : فهذا إجماع أهل العلم قديما وحديثا في المتعة. (١) وقال ـ في موضع آخر ـ : وقد أجمع المسلمون على جواز هذا ، ثمّ اعتذر لعمر في كراهته لذلك (٢) بما سنذكر.

[٢ / ٥٤٧٧] أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان أهل الجاهليّة إذا حجّوا قالوا : إذا عفا الوبر ، وتولى الدبر ، ودخل صفر ، حلّت العمرة لمن اعتمر. فأنزل الله التمتّع بالعمرة تغييرا لما كان أهل الجاهليّة يصنعون ، وترخيصا للناس (٣).

[٢ / ٥٤٧٨] وأخرج البخاري بإسناده إلى طاووس عن ابن عبّاس ، قال : كان أهل الجاهليّة يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرّم صفرا ويقولون : إذا برأ الدّبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، حلّت العمرة لمن اعتمر.

قال : قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه صبيحة رابعة (٤) مهلّين بالحجّ (٥) ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم (٦) ، فقالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ الحلّ؟ قال : حلّ كلّه! (٧)

[٢ / ٥٤٧٩] وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لم يحلّ ، لأنّه كان قد ساق الهدي حجّ قران ، فلم يكن له إبداله إلى عمرة (٨).

[٢ / ٥٤٨٠] وأخرج عن عمران بن حصين ، قال : تمتّعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل القرآن (٩) ، قال رجل برأيه ما شاء (١٠).

[٢ / ٥٤٨١] وأخرجه في موضع آخر ، قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرّمه ، ولم ينه عنها [النبيّ] ، حتّى توفّاه الله ، قال رجل برأيه ما

__________________

(١) المصدر : ٣٩١.

(٢) المصدر : ٣٩٥.

(٣) الدرّ ١ : ٥١٦ ـ ٥١٧.

(٤) جاء في رواية مسلم (٤ : ٣٧) : صباح رابعة مضت من ذي الحجّة.

(٥) قال ابن حجر : وفي رواية ابن الحجّاج : وهم يلبّون بالحجّ.

(٦) وفي رواية ابن الحجّاج : فكبر ذلك عليهم. قال ابن حجر : لما كانوا يعتقدونه أوّلا.

(٧) البخاري ٢ : ١٥٢.

(٨) المصدر.

(٩) قال ابن حجر : أي نزل بجوازه. يشير إلى قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ). وسيأتي الحديث عنه بلفظ : «أنزلت آية المتعة في كتاب الله ...». (فتح الباري ٣ : ٣٤٤).

(١٠) البخاري ٢ : ١٥٣.

١٤٧

شاء (١).

قال ابن حجر : تقدّم شرح الحديث وأنّ المراد بالرجل في قوله هنا : «قال رجل برأيه ما شاء» هو عمر (٢).

[٢ / ٥٤٨٢] وأخرج عن أبي شهاب ، قال : قدمت متمتّعا مكّة بعمرة ، فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيّام ، فقال لي أناس من أهل مكّة : تصير الآن حجّتك مكّيّة! فدخلت على عطاء استفتيه ، فقال : حدّثني جابر بن عبد الله ـ رضوان الله عليه ـ أنّه حجّ مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم ساق البدن معه ، وقد أهلّوا بالحجّ مفردا (٣) فقال لهم : «أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت والسعي والتقصير ، ثمّ أقيموا حلالا ، حتّى إذا كان يوم التروية ، فأهلّوا بالحجّ واجعلوا الّتي قدمتم بها متعة. فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟ فقال : افعلوا ما أمرتكم ، فلولا أنيّ سقت الهدي لفعلت مثل الّذي أمرتكم ، ولكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محلّه ، ففعلوا» (٤).

[٢ / ٥٤٨٣] وهكذا أخرج عن ابن عبّاس أنّه سئل عن متعة الحجّ ، فقال : أهلّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع وأهللنا ، فلمّا قدمنا مكّة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلّا من قلّد الهدي». قال : فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء (٥) ولبسنا الثياب. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قلّد الهدي فإنّه لا يحلّ له حتّى يبلغ الهدي محلّه». ثمّ أمرنا عشيّة التروية أن نهلّ بالحجّ ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تمّ حجّنا وعلينا الهدي. قال : فجمعوا نسكين (٦) في عام بين الحجّ والعمرة ؛ فإنّ الله تعالى أنزله في كتابه وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأباحه للناس ، غير أهل مكّة (٧).

__________________

(١) البخاري ٥ : ١٥٨. وفي بعض النسخ : «ولم ينه عنها» بالبناء للمفعول.

(٢) فتح الباري ٨ : ١٣٩.

(٣) أي كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلّ بالحجّ قرانا. وأهلّ أصحابه بالحجّ إفرادا.

(٤) البخاري ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٥) لا يعني نفسه ، وإنّما يعني رجال الركب. قال ابن حجر : المراد به غير المتكلّم ، لأنّ ابن عبّاس لم يكن إذ ذاك بالغا. (فتح الباري ٣ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦).

(٦) النّسك ـ بالضمّ فسكون ـ : العبادة. وبضمّتين : الذبيحة. قاله الجوهري.

(٧) البخاري ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

١٤٨

قوله : «فجمعوا نسكين في عام» يريد : ردع ما استنكره بعضهم من الجمع بين عمرة وحجّ في عام واحد وفي أشهر الحجّ بالذات ، حيث كان أهل الجاهليّة يستنكرونه بشدّة ، وقد مرّ الحديث عنه.

[٢ / ٥٤٨٤] وأخرج عن مروان بن الحكم ، قال : شهدت عثمان وعليّا ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما (١) فلمّا رأى عليّ عليه‌السلام أهلّ بهما (٢) : لبيّك بعمرة وحجّة (أي تتبعها). قال : «ما كنت لأدع سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد!» (٣).

[٢ / ٥٤٨٥] وعن سعيد بن المسيّب ، قال : اختلف عليّ وعثمان ، وهما بعسفان ، في المتعة ؛ فقال عليّ عليه‌السلام : «ما تريد إلّا أن تنهى عن أمر فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» فلمّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعا (٤).

[٢ / ٥٤٨٦] وأخرج مالك عن عبد الله بن عمر أنّ عمر بن الخطّاب قال : أفصلوا بين حجّكم وعمرتكم ، فإنّ ذلك أتمّ لحجّ أحدكم وأتمّ لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحجّ (٥).

[٢ / ٥٤٨٧] وأخرج عن ابن شهاب عن محمّد بن عبد الله بن الحرث أنّه حدّثه أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس ، عام حجّ معاوية ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك : لا يفعل ذلك إلّا من جهل أمر الله ـ عزوجل ـ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك! فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنعناها معه (٦).

ورواه الترمذي أيضا بنفس الإسناد.

[٢ / ٥٤٨٨] وعن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر أنّه قال : والله لأن اعتمر قبل الحجّ وأهدي ، أحبّ إليّ من أن أعتمر بعد الحجّ في ذي حجّة (٧).

[٢ / ٥٤٨٩] وعن مالك بن دينار عن عبد الله بن عمر أنّه كان يقول : من اعتمر في أشهر الحجّ (شوّال وذو القعدة وذو الحجّة) قبل الحجّ ، ثمّ أقام بمكّة حتّى يدركه الحجّ ، فهو متمتّع (٨).

__________________

(١) أي بين العمرة والحجّ في سفرة واحدة وفي أشهر الحجّ. قال ابن حجر : إيقاعا لهما في سنة واحدة ، بتقديم العمرة على الحجّ. (فتح الباري ٣ : ٣٣٦).

(٢) أي أهلّ بعمرة تتبعها حجّة.

(٣) البخاري ٢ : ١٥١.

(٤) البخاري ٢ : ١٥٣ ؛ مسلم ٤ : ٤٦.

(٥) تنوير الحوالك ١ : ٣١٩.

(٦) تنوير الحوالك ١ : ٣١٧ ؛ الأمّ ٧ : ٢٢٦.

(٧) تنوير الحوالك ١ : ٣١٧ ؛ الترمذي ٣ : ١٥٢ / ٨٢٣ ، وقال : هذا حديث صحيح.

(٨) تنوير الحوالك ١ : ٣١٧.

١٤٩

[٢ / ٥٤٩٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة ، يعني متعة الحجّ ، في كتاب الله ، وأمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم تنزل آية تنسخ متعة الحجّ ، ولم ينه عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات ، قال رجل بعد برأيه ما شاء (١).

[٢ / ٥٤٩١] وأخرج مسلم عن أبي موسى أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد ، حتّى لقيه بعد فسأله. فقال عمر : قد علمت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فعله وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ في الأراك ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم!! (٢)

قوله : «معرسين بهنّ» ، قال النووي : ومعناه : كرهت التمتّع بهنّ ، لأنّه يقتضي التحلّل ووطء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات!! (٣)

[٢ / ٥٤٩٢] وأخرج عن سليمان التيميّ عن غنيم بن قيس ، قال : سألت سعد بن أبي وقّاص عن المتعة ، فقال : فعلناها ، وهذا ـ يعني معاوية ـ يومئذ كافر بالعرش ، يعنى بيوت مكّة (٤).

قال النووي :

[٢ / ٥٤٩٣] وفي الرواية الأخرى : يعني معاوية ... وفيها : المتعة في الحجّ.

قال : والمراد أنّا تمتّعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهليّة. قال : وهذا اختيار القاضي عياض وغيره ، وهو الصحيح المختار. والمراد بالمتعة : العمرة الّتي كانت سنة سبع من الهجرة ، وهي عمرة القضاء ، وكان معاوية يومئذ كافرا. قال : وفي هذا الحديث جواز المتعة في الحجّ (٥). وسيأتي ذلك في حديث حجّ معاوية (٦).

[٢ / ٥٤٩٤] وعن ابن عبّاس : أوّل من نهى عنها معاوية (٧).

[٢ / ٥٤٩٥] وأخرج عن مطرّف بن عبد الله ، قال : قال لي عمران بن حصين : إنّي لأحدّثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم ، واعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر ،

__________________

(١) ابن أبي حاتم ١ : ٣٤١ / ١٧٩٣ ؛ النسائي ٦ : ٣٠٠ / ١١٠٣٢ ؛ البيهقي ٥ : ١٩.

(٢) مسلم ٤ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٣) النووي بشرح مسلم ٨ : ٢٠١.

(٤) مسلم ٤ : ٤٧.

(٥) النووي ٨ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٦) تنوير الحوالك ١ : ٣١٧.

(٧) الترمذي ٢ : ١٥٩ ـ ١٦٠ / ٨٢٤.

١٥٠

فلم تنزل آية تنسخ ذلك ، ولم ينه عنه حتّى مضى لوجهه ، ارتأى كلّ امرىء بعد ما شاء أن يرتئي.

[٢ / ٥٤٩٦] وقال ابن حاتم ـ في روايته ـ : ارتأى رجل برأيه ما شاء ، يعني عمر (١).

وذكر مسلم عدّة روايات بنحو ذلك (٢).

[٢ / ٥٤٩٧] وأخرج أيضا عن شعبة قال : سمعت قتادة يحدّث عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يديّ دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله ، وأبتّوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته بالحجارة (٣).

[٢ / ٥٤٩٨] وأخرج عن قتادة بهذا الإسناد ، وقال عمر ـ في الحديث ـ : فأفصلوا بين حجّكم وعمرتكم ، فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم (٤).

***

[٢ / ٥٤٩٩] وأخرج الترمذي بالإسناد إلى ليث عن طاووس عن ابن عبّاس ، قال : تمتّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان. وأوّل من نهى عنها معاوية (٥).

ولعلّه أراد أنّ من قبله لم يكونوا ليشدّدوا النكير عليها ، كما شدّد عليها معاوية. فلا ينافي ما سبق عن عمر وعثمان كانا يمنعان عن المتعة إلى الحجّ في عام واحد. ولعلّه على حدّ الترغيب في الفصل والتزهيد عن الوصل ، كما قيل.

قال أبو عمرو : حديث ليث هذا حديث منكر ، وهو ليث بن أبي سليم ، ضعيف. والمشهور عن عمر وعثمان أنّهما كانا ينهيان عن التمتّع (٦).

[٢ / ٥٥٠٠] وأخرج عن ابن شهاب ؛ أنّ سالم بن عبد الله حدّثه ؛ أنّه سمع رجلا من أهل الشام ، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ. فقال عبد الله بن عمر : هي حلال! فقال الشامي :

__________________

(١) مسلم ٤ : ٤٧.

(٢) المصدر : ٤٨ ـ ٤٩.

(٣) المصدر : ٣٨. باب في المتعة بالحجّ والعمرة. قوله : «إلى أجل» يعني المتمتّع يبتغي التمتّع بالنساء متعة ذات أجل.

(٤) مسلم ٤ : ٣٨ ؛ ابن حبّان ٩ : ٢٤٧ / ٣٩٤٠.

(٥) الترمذي ٢ : ١٥٩ ـ ١٦٠ / ٨٢٤.

(٦) القرطبي ٢ : ٣٨٨.

١٥١

إنّ أباك قد نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها ، وصنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أأمر أبي نتّبع أم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : لقد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

[٢ / ٥٥٠١] وروى ابن إسحاق عن الزّهري عن سالم قال : إنّي لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؛ فقال ابن عمر : حسن جميل! قال :

فإنّ أباك كان ينهى عنها! فقال : ويلك ، فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمر به ، أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! قم عنّي.

قال القرطبي : أخرجه الدار قطني وأخرجه أبو عيسى الترمذي (٢).

[٢ / ٥٥٠٢] وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وأحمد عن الحسن ، أنّ عمر بن الخطّاب همّ أن ينهى عن متعة الحجّ فقام إليه أبيّ بن كعب فقال : ليس ذلك لك ، قد نزل بها كتاب الله واعتمرناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فترك عمر! (٣)

خلاصة القول في متعة الحجّ

قلت : لا يزال المسلمون ـ على مختلف مذاهبهم ـ يعملون وفق ما أرشدهم إليه النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جريا مع الكتاب والسنّة وعمل الأصحاب ، غير أنّ عمر حاول المنع منه ، لما استهجنه من توجّه الناس إلى عرفة ورؤوسهم تقطر ماء ، مجرّد اجتهاد في مقابلة النصّ!!

وقد عرفت من حديث أبي موسى قولة عمر : كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ في الأراك (موضع قرب نمرة) ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم! وكان يصرّ على فصل العمرة عن الحجّ ، وأن لا عمرة في أشهر الحجّ ، كما كان عليه أهل الجاهليّة ، ولعلّها بقيّة منها.

__________________

(١) الترمذي ٢ : ١٥٩ / ٨٢٣.

(٢) القرطبي ٢ : ٣٨٨ ؛ الترمذي ٢ : ١٥٩ / ٨٢٣ ، وقال : حسن صحيح.

(٣) الدرّ ١ : ٥٢١ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، بلفظ : عن الحسن أنّ عمر أراد أن ينهى عن متعة الحجّ فقال له أبيّ : ليس ذلك لك ، قد تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهنا عن ذلك ، فأضرب عن ذلك عمر ؛ مجمع الزوائد ١ : ٢٨٥ ، كتاب الطهارة ، باب فيما صبغ بالنجاسة ؛ كنز العمّال ٥ : ١٦٧ ـ ١٦٨ / ١٢٤٨٧.

١٥٢

[٢ / ٥٥٠٣] أخرج مسلم عن عطاء : أنّ جماعة من صحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم جابر بن عبد الله أهلّوا بالحجّ مفردا ، فقدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صباح رابعة مضت من ذي الحجّة ، فأمرهم أن يحلّوا ويصيبوا النساء.

قال عطاء : لم يعزم عليهم ، ولكن أحلّهنّ لهم. فقال بعضهم لبعض : ليس بيننا وبين عرفة إلّا خمس ، فكيف يأمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة ، تقطر مذاكيرنا ....!

قال : فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام فيهم وقال ـ مستغربا هذا الفضول من الكلام ـ : «قد علمتم أنّي أتقاكم لله ، وأصدقكم وأبرّكم. ولو لا هديي لحللت كما تحلّون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، فحلّوا»! قال جابر : فحللنا ، وسمعنا وأطعنا.

وفي رواية : فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أيّها الناس أحلّوا ، فلولا الهدي الّذي معي ، فعلت كما فعلتم». قال : فأحللنا حتّى وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال.

وفي أخرى : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ! قال : «افعلوا ما آمركم به» ، ففعلوا.

فقال سراقة بن مالك بن جعشم : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال : «لأبد» (١).

[٢ / ٥٥٠٤] وفي حديث طويل أخرجه مسلم بالإسناد إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن جابر يشرح حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ينتهي إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة». قال : فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : «دخلت العمرة في الحجّ ، مرّتين ؛ لا ، بل لأبد أبد» (٢).

يا ترى ، هل بعد هذا التأكيد البليغ ، مساغ لاستنكار ، استنكارا يرجع إلى الوراء ، حيث عهد الجاهليّة!؟

__________________

(١) مسلم ٤ : ٣٦ ـ ٣٧.

(٢) المصدر : ٣٩ ـ ٤٠.

١٥٣

قال العلّامة الأمينيّ : ولم يكن نهي عمر عن المتعتين إلّا رأيا محضا واجتهادا مجرّدا تجاه النصّ! أمّا متعة الحجّ فقد نهى عنها لما استهجنه من توجّه الناس إلى الحجّ ورؤوسهم تقطر ماء! لكنّ الله ـ سبحانه ـ أبصر بالحال ، ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم ذلك حين شرّع إباحة متعة الحجّ حكما باتّا أبديّا (١).

وقال ابن قيّم : ومنهم من يعدّ النهي رأيا رآه عمر من عنده ، لكراهته أن يظلّ الحاجّ معرّسين بنسائهم في ظلّ الأراك.

[٢ / ٥٥٠٥] قال أبو حنيفة عن حمّاد عن إبراهيم النخعيّ عن الأسود بن يزيد ، قال : بينما أنا واقف مع عمر بن الخطّاب بعرفة ، عشيّة عرفة ، فإذا هو برجل مرجّل شعره يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : أمحرم أنت؟ قال : نعم ، فقال عمر : ما هيأتك بهيأة محرم ، إنّما المحرم ، الأشعث الأغبر الأذفر (٢). قال : إنّي قدمت متمتّعا وكان معي أهلي ، إنّما أحرمت اليوم. فقال عمر ـ عند ذلك ـ :

لا تتمتّعوا في هذه الأيّام ، فإنّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهنّ حجّاجا. قال ابن قيّم : وهذا يبيّن أنّ هذا من عمر رأي رآه (٣).

وهناك من حاول تبرير موقف عمر ؛ وأنّ نهيه كان نهي تنزيه لا نهي عزيمة ، الأمر الّذي يخالف ظاهر تعابيره الصارمة في المنع.

قال النووي في شرح مسلم : المختار أنّ المتعة الّتي نهي فيها عثمان ، هي التمتّع المعروف في الحجّ ، وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم. وإنّما نهيا عنها لأنّ الإفراد أفضل ، فكان عمر وعثمان يأمران بالإفراد لأنّه أفضل ، وينهيان عن التمتّع نهي تنزيه ، لأنّه مأمور بصلاح رعيّته ، وكان يرى الأمر بالإفراد من جملة صلاحهم!! (٤)

__________________

(١) الغدير ٦ : ٢١٣.

(٢) الذفر : يقع على الطيّب والكريه ، ويفرّق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. والمراد هنا : الريح الكريهة.

(٣) زاد المعاد لابن قيّم ١ : ٢١٤. وهكذا ذهب ابن حزم أنّ هذا رأي رآه عمر (المحلّى ٧ : ١٠٢).

(٤) النووي بشرح مسلم ٨ : ٢٠٢.

١٥٤

مذاهب الفقهاء في حجّ التمتّع

لم يذهب أحد من فقهاء المسلمين إلى المنع من متعة الحجّ ، ولا إلى كراهتها ، بل أطبقوا على الجواز وأصل الرجحان الشرعيّ ـ كما ذكره أبو عبد الله القرطبي (١) ـ :

فقد ذهب الفقهاء من الإماميّة إلى أفضليّة حجّ التمتّع على الإفراد والقران ، وأنّه فرض من نأى عن مكّة (٢).

وقالت الشافعيّة بأفضليّة الإفراد ثمّ التمتّع ثمّ القران ، إن كان اعتمر في عامه ، لأنّ تأخير العمرة عن عام الحجّ عندهم مكروه (٣).

وقالت المالكيّة بأفضليّة الإفراد ثمّ القران ثمّ التمتّع (٤).

والحنابلة : أفضلها التمتّع ثمّ الإفراد ثمّ القران (٥).

والحنفيّة : أفضلها القران ثمّ التمتّع ثمّ الإفراد (٦).

والمذاهب الأربعة جميعا قائلون بالتخيير.

وراجع : كتابنا «التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب» ، عند الكلام عن نماذج من تفسير أهل البيت عليهم‌السلام (٧).

***

ومن ظريف ما يذكر في المقام ، تلك محاورة ابن عبّاس مع ابن الزبير ، بشأن متعة النساء في الحجّ. كان ابن الزبير يشدّد النكير عليها ، وموبّخا لابن عبّاس في تجويزه ذلك. الأمر الّذي أثار من عزيمة ابن عبّاس ، معيّرا لابن الزبير (٨) بأنّه وليد المتعة في الحجّ ، وأحال فصل القضاء في ذلك إلى أمّه أسماء بنت أبي بكر ؛ فقال : سل أمّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك!! فسألها ، فقالت : صدق ، ما ولدتك إلّا في المتعة!! (٩)

__________________

(١) القرطبي ٢ : ٣٨٧ و ٣٩٠. وهكذا قال ابن عاشور : وجمهور الصحابة والفقهاء يخالفون رأي عمر. (التحرير والتنوير ٢ : ٢٢٣).

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢٣٦ ـ ٢٤٠.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٦٨٨.

(٤) المصدر : ٦٩٠.

(٥) المصدر : ٦٩٢.

(٦) المصدر : ٦٩٣.

(٧) راجع : التمهيد في علوم القرآن ٩ : ٤٩٧ ـ ٥٠٠.

(٨) تعييرا حسب انطباعات المخاطب!

(٩) محاضرات الراغب ، المجلّد الثانية ٣ : ٢١٤ ؛ العقد الفريد ٣ : ٢٠٥ ؛ الغدير ٦ : ٢٩٤ (ط : ١٤١٦).

١٥٥

قال ابن عبّاس : أوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (١).

المجمر والمجمرة : الّتي يوضع فيها الجمر مع الدّخنة بالعود الهنديّ تفوح منه رائحة طيّبة ، يتطيّبون بها مجالس العرس والفرح.

وذلك كناية عن أنّ الزبير تعرّس بأسماء عند ما تحلّل من إحرام عمرة التمتّع.

قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)

وهنا يمضي السياق في بيان أحكام الحجّ خاصّة ، فيبيّن مواعيده ، وآدابه ، وينتهي إلى الحقيقة القصوى والّتي تشكّل ركيزة جميع العبادات والطاعات والقربات ، ألا وهي التقوى من الله ، ورعاية جانبه تعالى حقّ رعايته ، والّتي هي غاية العبوديّة وكنهها الأصيل.

وفي الآية تصريح بأنّ للحجّ وقتا محدّدا ، كسائر العبادات المفروضة من صلاة وصيام عبر الأيّام والشهور.

فلا يصحّ الإحرام بحجّ إلّا في هذه الأشهر المعلومات ، هي : شوّال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجّ. (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) بأن أهلّ بالحجّ ، وكان بذلك قد أوجب على نفسه الإكمال. (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) أي لا ينبغي ذلك للمحرم بإحرام الحجّ.

والرّفث : اللّغو من الكلام بما يقرب أن يكون فحشا. قاله أبو عبيدة واحتجّ بقول العجّاج :

وربّ أسراب حجيج كظّم

عن اللّغا ورفث التكلّم (٢)

غير أنّ المراد به هنا ـ حسب الرواية عن السّلف (٣) ـ هي العرابة ، أي التغزّل بالنساء واللهو بهنّ (٤) ، تعريضا بإرادة التمتّع بهنّ أيّ أنحاء التمتّع.

جاء في اللّسان : الرفث كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرجل من المرأة.

__________________

(١) العقد الفريد ٣ : ٢٠٥.

(٢) ابن عاشور ٢ : ٢٢٩.

(٣) وسنذكرها.

(٤) قال النابغة :

حيّاك ربّي فإنّا لا يحلّ لنا

لهو النساء وإنّ الدّين قد عزما

يريد من الدين الحجّ. وقد فسّروا قوله : لهو النساء بالغزل بهنّ (ابن عاشور ٢ : ٢٣٠).

١٥٦

[٢ / ٥٥٠٦] كما روي عن ابن عبّاس أنّه كان محرما ، فأخذ بذنب ناقة من الرّكاب وهو يقول :

وهنّ يمشين بنا هميسا

إن تصدق الطّير ننك لميسا

فقيل له ـ والقائل أبو العالية (١) ـ : يا أبا العبّاس ، أتقول الرّفث وأنت محرم؟! وفي رواية : أترفث وأنت محرم؟! فقال : إنّما الرفث ما ووجه به النساء (٢). فرأى ابن عبّاس الرّفث الّذي نهى الله عنه ما خوطبت به المرأة ، فأمّا أن يرفث في كلامه ولا تسمع امرأة رفثه ، فغير داخل في قوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٣).

والجدال : المناقشة والمشادّة في الجدل حتّى يغضب الرجل صاحبه.

والفسوق : إتيان المعاصي كبرت أم صغرت (٤). والنهي عنها كناية عن ترك ما ينافي حالة التحرّج والتجرّد لله ، في هذه الفترة الجليلة. والارتفاع عن دواعي الأرض ، إلى حيث مناهل رضوان الله. وهذا تأدّب جميل حيث العبد في فناء رحمة ربّه المتعال.

وبعد الانتهاء عن فعل القبيح ، ينبغي السباق إلى كلّ فعل جميل : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) ، سواء أسرّ به العبد أم جهر به ، وقد أراد به وجه الله.

ثمّ يدعوهم إلى التزوّد في رحلة الحجّ ، زاد الجسد وزاد الروح. (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ). والتقوى زاد القلوب والأرواح ، وبها تزداد هيمنة وصلاحا لبلوغ الرضوان ، فهو خير زاد يتزوّد به العباد. وأولو الألباب هم أوّل من يدرك هذه الحقيقة ويدرك ضرورة التوجيه إلى التقوى ، وأنّهم خير من ينتفع بهذا الزاد الفخيم. وسيأتي مزيد توضيح لهذه الآية وفي المقصود من التقوى هنا.

__________________

(١) في رواية الطبري ٢ : ٣٦٠.

(٢) حسبما جاء في صحاح الجوهري ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٣) لسان العرب ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٤) وسيأتي عن عكرمة : أن لا صغيرة في معصية الله. (الطبري ٢ : ٣٦٧). وهو الصحيح من اختيارنا : أنّ المعاصى كلّها كبائر ، غير أنّها تتفاوت ، والصغر والكبر نسبيّان. أمّا كون معصية صغيرة بذاتها ، فلا. راجع ما سجّلناه بهذا الصدد في ملحق كتاب القضاء للأستاذ الكبير ضياء الدين العراقيّ. (شرح التبصرة : ٣٢٤).

١٥٧

[٢ / ٥٥٠٧] روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى زرارة عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : («الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهنّ» (١). وفي رواية : «أن يحرم بالحجّ في سواهنّ» (٢).

وكذا رواه أبو جعفر الصدوق (٣). والشيخ أبو جعفر الطوسيّ (٤). والعيّاشيّ (٥) وغيرهم (٦).

[٢ / ٥٥٠٨] وعن زرارة عنه عليه‌السلام قال : «الفرض : التلبية ، والإشعار ، والتقليد. فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ. ولا يفرض الحجّ إلّا في هذه الشهور : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة» (٧).

[٢ / ٥٥٠٩] وأيضا عنه قال : «أشهر الحجّ ، شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة. وأشهر السياحة عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر!» (٨).

قال المحقّق أبو القاسم الحلّي في كتاب الشرائع : إذا لبّى القارن استحبّ له إشعار ما يسوقه من البدن ، وهو أن يشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطّخ صفحته بدمه. والتقليد : أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا قد صلّى فيه.

قال : والإشعار والتقليد للبدن. ويختصّ البقر والغنم بالتقليد (٩).

[٢ / ٥٥١٠] وروى الكليني بالإسناد إلى ابن أذينة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له» (١٠).

[٢ / ٥٥١١] وهكذا أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : «شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة» (١١).

[٢ / ٥٥١٢] وأخرج الخطيب عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٩ / ١.

(٢) المصدر : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ / ٢٩٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٥١ / ١٥٥ ـ ١.

(٥) العيّاشيّ ١ : ١١٣ / ٢٥٣.

(٦) البحار ٩٦ : ١٣٣ / ٦ ، باب ٢٣.

(٧) الكافي ٤ : ٢٨٩ / ٢.

(٨) المصدر : ٢٩٠ / ٣.

(٩) شرائع الإسلام ١ : ٢٣٩.

(١٠) نور الثقلين ١ : ١٩٤ ؛ الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٤ ؛ التهذيب ٥ : ٥٢ / ١٥٧ ـ ٣.

(١١) الدرّ ١ : ٥٢٤ ؛ الأوسط ٢ : ١٦٣ / ١٥٨٤ ؛ الصغير ١ : ٦٦ / ١٨٠ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٢١٨.

١٥٨

مَعْلُوماتٌ) : «شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة» (١).

[٢ / ٥٥١٣] وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) قال : شوّال ، وذو القعدة ، وعشر ليال من ذي الحجّة (٢).

[٢ / ٥٥١٤] وقال مقاتل بن سليمان : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) يقول : من أحرم بالحجّ فليحرم في شوّال أو في ذي القعدة أو في عشر ذي الحجّة. فمن أحرم في سوى هذه الأشهر فقد أخطأ السنّة ، وليجعلها عمرة! (٣)

قوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)

[٢ / ٥٥١٥] أخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس قال : الفرض الإهلال (٤). وهكذا أخرج ابن جرير عن مجاهد.

[٢ / ٥٥١٦] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال : الفرض الإحرام (٥).

[٢ / ٥٥١٧] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عبّاس ـ وكبار تلامذته ـ : أنّ الرفث ـ هنا ـ غير الرفث في أيّام الصيام. حيث أريد به هناك : الجماع. أمّا هنا فهي العرابة ، أي التعريض بشأن النساء بكلّ كلام يدلّ على الرغبة في الالتذاذ بهنّ بأيّ أنحاء الالتذاذ. ومن ثمّ يقبح العلن به عند الآخرين (٦).

[٢ / ٥٥١٨] وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزّاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن طاووس قال : سألت ابن عبّاس عن قوله : (فَلا رَفَثَ) قال : الرفث

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٢٤ ؛ تاريخ بغداد ٥ : ٢٦٨ ، باب ٢٧٤٩.

(٢) الدرّ ١ : ٥٢٥ ؛ سنن سعيد ٣ : ٧٨٣ / ٣٢٨ ؛ المصنّف ٤ : ٣٠٣ / ٨ ؛ الطبري ٢ : ٣٥٢ / ٢٨٤٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٥ / ١٨١٧ ؛ البيهقي ٤ : ٣٤٢ ؛ القرطبي ٢ : ٤٠٥.

(٣) تفسير مقاتل ١ : ١٧٣.

(٤) الدرّ ١ : ٥٢٥ ؛ الطبري ٢ : ٣٥٧ ، عن مجاهد.

(٥) الدرّ ١ : ٥٢٥ ؛ البيهقي ٤ : ٣٤٢ ؛ الطبري ٢ : ٣٥٨.

(٦) الطبري ٢ : ٣٦١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٦.

١٥٩

الّذي ذكر هنا ليس الرفث الّذي ذكر في : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ)(١) ذاك الجماع ، وهذا العرابة بكلام العرب ، والتعريض بذكر النكاح (٢).

[٢ / ٥٥١٩] وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : كانوا يكرهون الإعرابة ؛ يعني التعريض بذكر الجماع وهو محرم (٣).

[٢ / ٥٥٢٠] وعن ابن الزبير يقول : لا يحلّ للمحرم الإعرابة ، فذكرته لابن عبّاس ، فقال : صدق. قلت لابن عبّاس : وما الإعرابة؟ قال : التعريض (٤).

[٢ / ٥٥٢١] وأخرج ابن أبي شيبة عن طاووس ، أنّه كره الإعراب للمحرم. قيل : وما الإعراب؟ قال : أن يقول : لو أحللت قد أصبتك (٥).

[٢ / ٥٥٢٢] وعن الحسن : هو التعريض له بمداعبة أو مواعدة (٦).

[٢ / ٥٥٢٣] وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصحّحه والبيهقي عن أبي العالية قال : كنت أمشي مع ابن عبّاس وهو محرم وهو يرتجز بالإبل ويقول :

وهنّ يمشين بنا هميسا

إن تصدق الطير ننك لميسا

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) الدرّ ١ : ٥٢٨ ؛ سنن سعيد ٣ : ٧٩٤ / ٣٣٨ ؛ الطبري ٢ : ٣٦١ / ٢٨٩٤ ، بخلاف في اللفظ ، و ٢٨٨٤ عن ابن عبّاس بلفظ : قال : هو التعريض بذكر الجماع ، وهي العرابة من كلام العرب ، وهو أدنى الرفث ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٤٦ / ١٨٢٣ ، بلفظ : فقال : التعريض بذكر الجماع ، وهو في كلام العرب ، وهو أدنى الرفث. وروي عن ابن الزبير عن عطاء وطاووس نحو ذلك ؛ القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، بلفظ : قال عبد الله بن عمر وطاووس وعطاء وغيرهم : الرفث الإفحاش للمرأة بالكلام ، كقوله : إذا أحللنا فعلنا بك كذا ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٤.

(٣) الطبري ٢ : ٣٦١ / ٢٨٩٣ ، و ٢٨٩٥ بلفظ : أنّه كره التعريب للمحرم ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٤ ، بلفظ : قيل : هو مواعدة الجماع ، والتعريض للنساء به ، عن ابن عبّاس وابن عمر وعطاء.

(٤) الطبري ٢ : ٣٦٠ / ٢٨٩٠.

(٥) الدرّ ١ : ٥٢٩ ؛ المصنّف ٤ : ٣٩٧ / ٢ ، باب ٢٧٥ ؛ ابن كثير ١ : ٢٤٤ ، بلفظ : قال طاووس : وهو أن يقول للمرأة : إذا أحللت أصبتك ، وكذا قال أبو العاليّة ؛ الطبري ٢ : ٣٦١ / ٢٨٩١ ، بلفظ : عن طاووس ، أنّه كان يقول : لا يحلّ للمحرم الإعرابة ، قال طاووس : والإعرابة : أن يقول وهو محرم : إذا أحللت أصبتك.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٤٤ ؛ التبيان ٢ : ١٦٤.

١٦٠