التفسير الأثري الجامع - ج ٥

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-06-7
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

حرمتها والأخذ بقداستها. نعم (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ). حيث لا ينبغي المداهنة مع المعتدي الهاتك لحرمات الله. ليستغلّوها فرصة لضرب المؤمنين ، فيما حسبوا منهم عدم المقابلة حينذاك.

ومن ثمّ فقد حلّ التقاصّ والمقابلة بالمثل : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) لحينهم من غير إمهال. (كَذلِكَ) أي مقابلة اللّدّة بالشّدّة (جَزاءُ الْكافِرِينَ) جزاء متناسبا مع صنيعهم اللئيم.

أمّا (فَإِنِ انْتَهَوْا) وارعووا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

والانتهاء الّذي يستأهل غفران الله ورحمته ، هو الانتهاء عن لدد الكفر والشقاق ، لا مجرّد الانتهاء عن قتال المسلمين أو فتنتهم عن الدين على حين فترة. فالانتهاء عن ذلك قصاراه أن يهادنهم المسلمون في فترة محدودة ، ولكنّه لا يؤهّل لمغفرة الله ورضوانه. فالتلويح بالمغفرة والرحمة هنا يقصد به إطماع الكفّار في الدين ، وإعادة النظر في صنيعهم هذا اللدود. وليرعووا عن الجهل إلى الرشاد ، علّهم ينالوا المغفرة والرضوان ، بعد ذاك التمادي في الكفر والعدوان.

***

ثمّ أخذ ـ سبحانه ـ في بيان السرّ لهذه المقابلة والمناجزة ضدّ الكفر والشقاق. وأنّ الجماعة المسلمة مكلّفة أن تظلّ تجاهد وتكافح حتّى تقضي على هذه القوى المعتدية والظالمة ، قضاء على جذورها في الأعماق.

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ). وكرّر إلقاء الضوء على جانب رحمة الإسلام وعطفه الشفيق على بني الإنسان ، مهما أخذوا في العتوّ والنفور.

قوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)

[٢ / ٥٢٩١] أخرج أحمد والثعلبي عن سليم بن عامر ، قال : سمعت المقداد بن الأسود يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله كلمة الإسلام ، بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل ؛ إمّا يعزّهم الله ـ عزوجل ـ فيجعلهم من أهلها فيعزوا به ، وإمّا يذلّهم فيدينون لها» (١).

__________________

(١) مسند أحمد ٦ : ٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٩ / ٦٩ ؛ كنز العمّال ١ : ٩٨ / ٤٣٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ١٤ ، قال الهيثمي : ورجال الطبراني رجال الصحيح.

١٠١

[٢ / ٥٢٩٢] وأخرج مسلم عن جابر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أمرت أن اقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها ، وحسابهم على الله». ثمّ قرأ : (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(١). (٢)

[٢ / ٥٢٩٣] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) قال : حتّى يقال : لا إله إلّا الله ، عليها قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليها دعا. قال : وذكر لنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : «إنّ الله أمرني أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) قال : وإنّ الظالم الّذي أبى أن يقول : لا إله إلّا الله ، يقاتل حتّى يقول : لا إله إلّا الله» (٣).

قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)

فإذا انتهى الظالمون عن ظلمهم ، وكفّوا عن الحيلولة بين الناس وربّهم ، فلا عدوان عليهم ـ أي لا مناجزة لهم ـ لأنّ الجهاد إنّما يوجّه إلى الظلم والظالمين.

ويسمّى دفع الظالمين ومناجزتهم عدوانا من باب المشاكلة اللفظيّة ، وإلّا فهو عدل وقسط ودفع للعدوان عن المظلومين.

إذن فعلى الجماعة المسلمة أن تقوم في وجه العدوان بكلّ قوّة ، وتحطّم طاقات الكفر والشقاق ، لتطلق الناس أحرارا ، مفسوحا لهم مجال الاستماع والاختيار والاهتداء.

***

ثمّ يبيّن حكم القتال في الأشهر الحرم ، كما بيّن حكمه عند المسجد الحرام : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

فالّذي ينتهك حرمة الشهر الحرام ، فجزاؤه أن يحرم الضمانات الّتي يكفلها له الشهر الحرام ، وقد جعل الله البيت الحرام واحة للأمن والسّلام في المكان ، كما جعل الأشهر الحرم ساحة للأمن

__________________

(١) الغاشية ٨٨ : ٢٢.

(٢) مسلم ١ : ٣٩ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ / ٣٩٢٨ ، كتاب الفتن ؛ الترمذي ٥ : ١١٠ / ٣٣٩٩ ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ؛ الحاكم ٢ : ٥٢٢ ؛ البخاري ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ ، عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبخلاف في اللفظ.

(٣) الدرّ ١ : ٤٩٥ ؛ الطبري ٢ : ٢٦٤ / ٢٥٥٠.

١٠٢

والسّلام في الزمان ، تصان فيها الدماء والحرمات والأموال. فمن أبى أن يستظلّ غيره بهذه الواحة أو أن ينعم بفيء تلك الساحة ، وحاول حرمان المسلمين منها ، فجزاؤه أن يحرم هو منها بطريق أولى. والّذي ينتهك الحرمات لا تصان حرماته ، فالحرمات قصاص (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(١).

[٢ / ٥٢٩٤] أخرج أبو داوود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس في قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٢) وقوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(٣) وقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ)(٤) قال : هذا ونحوه نزل بمكّة ، والمسلمون يومئذ قليل ، فليس لهم سلطان يقهر المشركين ، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل ، فلمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة وأعزّ الله سلطانه أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهليّة ، فقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(٥). يقول : ينصره السلطان حتّى ينصفه من ظالمه ، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحميّة الجاهليّة ولم يرض بحكم الله تعالى (٦).

[٢ / ٥٢٩٥] وأخرج أحمد وابن جرير والنحّاس في ناسخه عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو في الشهر الحرام إلّا أن يغزى. وكان يغزو حتّى إذا حضر ذلك (أي الشهر الحرام) أقام حتّى ينسلخ (٧).

[٢ / ٥٢٩٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ساروا إلى مكّة محرمين بعمرة ، ومن كان معه عام الحديبيّة ، لستّ سنين من هجرته إلى المدينة ، فصدّهم مشركو مكّة ، وأهدى أربعين بدنة ـ ويقال مائة بدنة ـ فردّوه وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت ، وكانت بيعة الرضوان عامئذ. فصالحهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن ينحر الهدي مكانه في

__________________

(١) يونس ١٠ : ٢٧.

(٢) الشورى ٤٢ : ٤٠.

(٣) الشورى ٤٢ : ٤١.

(٤) النحل ١٦ : ١٢٦.

(٥) الإسراء ١٧ : ٣٣.

(٦) الدرّ ١ : ٤٩٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٢ / ٢٥٧٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢٩ / ١٧٤٠ ؛ البيهقي ٨ : ٦١.

(٧) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٤٥ ؛ الطبري ٢ : ٤٧١ / ٣٢٥٠ ، ذيل الآية ٢١٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٥.

١٠٣

أرض الحرم ويرجع فلا يدخل مكّة ، فإذا كان العام المقبل خرجت قريش من مكّة وأخلوا له مكّة ثلاثة أيّام. ليس مع المسلمين سلاح إلّا في غمده فرجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ توجّه من فوره ذلك إلى خيبر ، فافتتحها في المحرّم ثمّ رجع إلى المدينة ، فلمّا كان العام المقبل ، وأحرم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه بعمرة في ذي القعدة وأهدوا ثمّ أقبلوا من المدينة ، فأخلى لهم المشركون مكّة ثلاثة أيّام ، وأدخلهم الله مكّة فقضوا عمرتهم ونحروا البدن ، فأنزل الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ) الّذي دخلتم فيه مكّة هذا العام (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) يعني الّذي صدّوكم فيه العام الأوّل (١).

[٢ / ٥٢٩٧] وأخرج ابن جرير عن السدّي : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال : لمّا اعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرة الحديبيّة في ذي القعدة سنة ستّ من مهاجره صدّه المشركون ، وأبوا أن يتركوه ، ثمّ إنّهم صالحوه على أن يخلوا له مكّة من عام قابل ثلاثة أيّام يخرجون ويتركونه فيها ، فأتاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فتح خيبر من السنة السابعة ، فخلّوا له مكّة ثلاثة أيّام (٢).

[٢ / ٥٢٩٨] وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتمرا في ذي القعدة معه المهاجرون والأنصار حتّى أتى الحديبيّة فخرجت إليه قريش فردّوه عن البيت حتّى كان بينهم كلام وتنازع ، حتّى كاد يكون بينهم قتال ، فبايع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه وعدّتهم ألف وخمسمائة ، تحت الشجرة ، وذلك يوم بيعة الرضوان. فقاضاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت قريش نقاضيك على أن تنحر الهدي مكانه وتحلق وترجع حتّى إذا كان العام المقبل نخلّي لك مكّة ثلاثة أيّام ففعل ، فخرجوا إلى عكاظ فأقاموا فيها ثلاثة أيّام ، واشترطوا عليه أن لا يدخلها بسلاح إلّا بالسيف ، ولا يخرج بأحد من أهل مكّة إن خرج معه ، فنحر الهدي مكانه وحلق ورجع ، حتّى إذا كان في قابل من تلك الأيّام دخل مكّة وجاء بالبدن معه ، وجاء الناس معه فدخل المسجد الحرام ، فأنزل الله عليه : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)(٣) وأنزل عليه : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) الآية (٤).

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) الطبري ٢ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ / ٢٥٦٧.

(٣) الفتح ٤٨ : ٢٧.

(٤) الدرّ ٧ : ٥٣٩ ، ذيل سورة الفتح ٤٨ : ٢٧ ؛ المصنّف ٨ : ٥٠٨ / ٦ ، باب ٣٠ ؛ أسباب النزول للواحدي : ٣٣ ـ ٣٤ ، عن ابن عبّاس ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، عن أبي العالية ؛ الثعلبي ٢ : ٩٠ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٠.

١٠٤

[٢ / ٥٢٩٩] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : أقبل نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتّى إذا كانوا بالحديبيّة فصدّهم المشركون ، فصالحهم نبيّ الله أن يرجع عامه ذلك ويعود من العام المقبل ، فيكون بمكّة ثلاث ليال ولا يدخلوها إلّا بسلاح الراكب ، ولا يخرج بأحد من أهل مكّة ، فنحروا الهدي بالحديبيّة وحلقوا وقصّروا حتّى إذا كان من العام المقبل ، أقبل نبيّ الله وأصحابه معتمرين في ذي القعدة حتّى دخلوا فأقام بها ثلاث ليال ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردّوه يوم الحديبيّة ، فأقصّه الله منهم (١) وأدخله مكّة في ذلك الشهر الّذي كانوا ردّوه فيه في ذي القعدة ، فقال الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ). (٢)

[٢ / ٥٣٠٠] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال : فخرت قريش بردّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبيّة محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام ، فأدخله الله مكّة من العام المقبل ، فقضى عمرته وأقصّه ما حيل بينه وبين يوم الحديبيّة (٣).

قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ). فإنّ إباحة الجزاء بالمثل إنّما توضع في حدودها المعقولة فلا تتعدّى ، حيث لا تباح الحرمات إلّا بقدر الضرورات. فلا يتجاوز ولا يغالى فيها.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). إيحاء بأنّ النصر والغلبة إنّما يضمنان لمن أخذ طريق العدل واتّقى الحيف والسّرف. «ومن كان لله كان الله معه».

ملحوظة

احتار بعض المفسّرين في انتظام هذه الآيات ، من قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى تمام

__________________

(١) يقال : أقصّ الأمير فلانا من فلان : انتقم له منه.

(٢) الدرّ ١ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٦٩ / ٢٥٦٥.

(٣) الدرّ ١ : ٤٩٧ ؛ الطبري ٢ : ٢٦٩ / ٢٥٦٤ ، وفيه : العام المقبل من ذي القعدة ، وفيه أيضا : وأقصّه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبيّة ؛ مجمع البيان ٢ : ٣٣ ، وزاد : وهو معنى قول قتادة والضحّاك والربيع وعبد الرحمان بن زيد وروي عن ابن عبّاس وأبي جعفر الباقر عليه‌السلام مثله ؛ التبيان ٢ : ١٥٠.

١٠٥

الآيات : ١٩٠ ـ ١٩٤ من سورة البقرة. فحسبوا فيها تخالفا في ظاهر تعابيرها ، حتّى لجأ بعضهم إلى دعوى وقوع نسخ فيها بعضها لبعض ، فزعم أنّ آيات متقارنة بعضها نسخ بعضا ، مع أنّ الأصل في آيات متقارنة في سورة واحدة ، ومتناسبة بعضها مع البعض ، أنّها نزلت كذلك جميعا ؛ ومع ما في هاته الآيات من حروف العطف الآبية من دعوى كون بعضها قد نزلت مستقلّة عن قرينتها ، وليس هنا ما يلجىء إلى دعوى النسخ!؟ (١)

قال أبو عبد الله القرطبي : للعلماء في قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) قولان ، أحدهما : أنّها محكمة. والثاني : أنّها منسوخة.

[٢ / ٥٣٠١] ١ ـ قال مجاهد : الآية محكمة ، لا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلّا بعد أن يقاتل. (٢) وبه قال طاووس. وهو الّذي يقتضيه نصّ الآية ، وهو الصحيح من القولين. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

[٢ / ٥٣٠٢] وفي الصحيح عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكّة : «إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة» (٣).

[٢ / ٥٣٠٣] ٢ ـ وقال قتادة : الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٤).

[٢ / ٥٣٠٤] وقال مقاتل : نسخها قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ). ثمّ نسخ هذا قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). فيجوز الابتداء بالقتال في الحرم.

وممّا احتجّوا به أنّ «براءة» نزلت بعد «البقرة» بسنتين ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل مكّة وعليه المغفر (٥). فقيل : إنّ ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة! فقال : «اقتلوه».

وقال ابن خويز منداد : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) منسوخة ؛ لأنّ الإجماع قد تقرّر بأنّ العدوّ لو استولى على مكّة وقال : لأقاتلكم وأمنعكم من الحجّ ، ولا أبرح من مكّة ، لوجب قتاله ، وأن

__________________

(١) راجع : التحرير والتنوير ٢ : ٢٠٠.

(٢) الطبري ٢ : ٢٦٢ / ٢٥٢٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٨.

(٣) القرطبي ٢ : ٣٥١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٤) التوبة ٩ : ٥.

(٥) زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة.

١٠٦

يبدأ بالقتال. فمكّة وسائر البلاد سواء. وإنّما قيل فيها : هي حرام ، تعظيما لها.

[٢ / ٥٣٠٥] ألا ترى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث خالد بن الوليد يوم الفتح ، وقال : «احصدهم بالسيف حتّى تلقاني على الصفا»! حتّى جاء العبّاس فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذهبت قريش ، فلا قريش بعد اليوم ، ويجوز أن تكون منسوخة بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ).

قال القرطبي ، وأمّا ما احتجّوا به من قتل ابن خطل وأصحابه ، فلا حجّة فيه ، فإنّ ذلك كان في الوقت الّذي أحلّت له مكّة ، وهي دار حرب وكفر ، وكان له أن يريق دماء من شاء من أهلها ، في الساعة الّتي أحلّ فيها القتال. فثبت وصحّ أنّ القول الأوّل أصحّ ، والله أعلم (١).

[٢ / ٥٣٠٦] وهكذا أخرج ابن جرير عن الربيع : أنّ آية النهي عن القتال عند المسجد الحرام ، نسخت بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٢).

[٢ / ٥٣٠٧] وأخرج الثعلبي عن مقاتل بن حيّان ، قال ـ في قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ـ : أي حيث أدركتموهم في الحلّ والحرم. وصارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). ثمّ نسختها آية السيف في «براءة» (٣). فهي ناسخة منسوخة! (٤)

[٢ / ٥٣٠٨] وأخرج ابن جرير عن قتادة ، قال : أمر الله نبيّه أن يقاتل المشركين عند المسجد الحرام إلّا أن يبدأوا فيه بقتال. ثمّ نسخ الله ذلك بآية السيف في براءة. فأمر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم في الحلّ والحرم وعند البيت ، حتّى يشهدوا الشهادتين (٥).

[٢ / ٥٣٠٩] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داوود والنحّاس معا عن قتادة ، قال : قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وقوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)(٦) ، فكان كذلك ، حتّى نسختهما آية السيف في براءة ؛ قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٧) وقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)(٨). (٩).

__________________

(١) القرطبي ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٣.

(٢) الطبري ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٢٥٤٤.

(٣) وهي قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). (التوبة ٩ : ٥).

(٤) الثعلبي ٢ : ٨٨ ؛ البغوي ١ : ٢٣٧.

(٥) الطبري ٢ : ٢٦٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣١٥ / ١٩٨.

(٦) البقرة ٢ : ٢١٧.

(٧) التوبة ٩ : ٥.

(٨) التوبة ٩ : ٣٦.

(٩) المصنّف ٨ : ٤٦٨ / ١ ، باب ٢٤ ؛ الدرّ ١ : ٤٩٥.

١٠٧

[٢ / ٥٣١٠] وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وأبو داوود في ناسخه عن قتادة وعن الربيع بن أنس ، قالا : قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...) نسخ بقوله تعالى بعد ذلك : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١).

***

قال أبو بكر الجصّاص : قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) ، إذا كان نازلا مع أوّل الخطاب ، عند قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، فغير جائز أن يكون ناسخا له ، لأنّ النسخ لا يصحّ إلّا بعد التمكّن من الفعل ، وغير جائز وجود الناسخ والمنسوخ في خطاب واحد ، وإذا كان الجميع مذكورا في خطاب واحد ـ على ما يقتضيه نسق التلاوة ونظام التنزيل ـ فغير جائز لأحد إثبات تاريخ الآيتين ، وتراخي نزول إحداهما عن الأخرى ، إلّا بالنقل الصحيح. ولا يمكن لأحد دعوى نقل صحيح في ذلك. وإنّما روي ذلك عن الربيع بن أنس ، فقال : هو منسوخ بقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ). وقال قتادة : هو منسوخ بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قال : وجائز أن يكون ذلك تأويلا منه ورأيا. ثمّ أخذ في نقضه بتفصيل (٢).

وقال ابن كثير :

[٢ / ٥٣١١] روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، في قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ، قال : إنّها أوّل آية نزلت بالمدينة بشأن القتال ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقاتل من قاتله ، ويكفّ عمّن كفّ عنه ، حتّى نزلت آية السيف في براءة.

قال : وكذا قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم (٣) ، حتّى قال : إنّها منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

قال : وفي هذا نظر ، لأنّ قوله : (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) إنّما هو تهييج وإغراء بالأعداء الّذين همّتهم قتال الإسلام وأهله. أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم ، كما قال : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما

__________________

(١) الطبري ٢ : ٢٦٢ / ٢٥٤٢ ؛ الدرّ ١ : ٤٩٤ ـ ٤٩٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٨٨ ؛ البغوي ١ : ٢٣٧.

(٢) أحكام القرآن ١ : ٢٥٩.

(٣) فيما أخرجه ابن جرير عنه في التفسير ٣ : ٢٥٨ / ٢٥٣٠ ؛ في رواية أبي جعفر عن الربيع ؛ أبو الفتوح ٣ : ٦٨ ـ ٦٩.

١٠٨

يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). ولهذا قال تعالى في هذه الآية : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي لتكون همّتكم منبعثة على قتالهم ، كما همّتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من بلادهم الّتي أخرجوكم منها ، قصاصا (١).

وقال سيّدنا العلّامة الطباطبائي : سياق الآيات الخمس (١٩٠ ـ ١٩٤) يدلّ على أنّها نزلت جميعا ، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد ، وهو : تشريع القتال لأوّل مرّة مع مشركي قريش ، حيث فيها التعرّض لإخراجهم حيث أخرجوا المؤمنين ، وللفتنة ، وللقصاص ، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوا عنده. وكلّ ذلك يرتبط بشأن مشركي قريش.

كما أنّ فيها تعرّضا لأحكام الجهاد : فقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) بيان للهدف الأصل من الجهاد. وقوله : (لا تَعْتَدُوا) تحديد له من حيث الانتظام. وقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ) تحديد من حيث التشديد. وقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) تحديد من حيث المكان. وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) تحديد من حيث الأمد. وقوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) ، بيان أنّه من الأخذ بالمثل. وهكذا.

قال : فيقرب في النظر أن يكون نزول مجموع الآيات الخمس لشأن واحد ، من غير أن يكون بعضها نسخ بعضا ، كما احتمله البعض. ولا أن تكون نازلة في شؤون شتّى ، كما ذكره آخرون (٢).

***

[٢ / ٥٣١٢] وروى الشيخ بالإسناد إلى محمّد بن سنان عن العلاء بن فضيل ، قال : سألته عن المشركين ، أيبتدئهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال : إذا كان المشركون يبتدئونهم باستحلاله ، ثمّ رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه ، وذلك قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).

قال : والروم ـ في ذلك ـ بمنزلة المشركين ، لأنّهم لا يعرفون للشهر الحرام حرمة ولا حقّا ، فهم يبتدئون بالقتال فيه. وكان المشركون يرون له حقّا وحرمة فاستحلّوه فاستحلّ منهم. وأهل البغي يبتدأون بالقتال (٣).

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٢٣٣.

(٢) الميزان ٢ : ٦٠ ـ ٦١.

(٣) التهذيب ٦ : ١٤٢ / ٢٤٣.

١٠٩

ورواه العيّاشيّ أيضا إلى قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ)(١).

[٢ / ٥٣١٣] وروى الكليني بالإسناد إلى معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن قتل رجلا في الحلّ ثمّ دخل الحرم؟ قال : يضيّق عليه حتّى يخرج فيقام عليه الحدّ! قال : قلت : فما تقول فيمن قتل في الحرم أو سرق؟ قال : يقام عليه الحدّ في الحرم ، لأنّه لم ير للحرم حرمة ، وقد قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ). قال : هذا هو في الحرم. قال تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)» (٢).

قال الطبرسي ـ في قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) ـ : روي عن أئمّتنا عليهم‌السلام أنّ هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٣). وكذلك قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ناسخ لقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ)(٤)(٥).

***

قلت : هناك فرق بين النسخ بمعناه المصطلح ، وهو إبطال حكم سابق رأسا وإبداء حكم جديد. والنسخ بمفهومه اللّغوي العام ، وهو مطلق التغيير في الحكم السابق ، بتقييد أو تخصيص ونحو ذلك ، ومنه التدرّج في التشريع ، من أخفّ إلى أثقل تدريجا حتّى يبلغ الكمال.

وذلك كما في تشريع المنع عن الخمر تدريجا حتّى صدر الحكم بالمنع من شربها بتاتا.

وهكذا مسألة التعرّض للمشركين المناوئين للإسلام. فأوّلا جاء النهي عن مكافأتهم ، نظرا لمكان ضعف المسلمين. ثمّ جاء الترخيص في مقابلتهم شيئا فشيئا ، حتّى صدر الأمر بمناجزتهم مناجزة استئصال.

وهذا من نوع التشريع المدرّج ، وكانت مقاطع التدريج ، كلّ مقطع نسخا لما قبله ، وقد اصطلحنا عليه بالنسخ المشروط. حيث لو أعيدت الحالة السابقة ـ لا سمح الله ـ كان التكليف هو ما يخصّه من الحكم المناسب له.

وقد شرحنا هذا الجانب في مسألة النسخ في «التمهيد» (٦).

__________________

(١) العيّاشيّ ١ : ١٠٥ / ٢١٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٢٧ / ٤ ؛ البرهان ١ : ٤١٩ / ٢.

(٣) النساء ٤ : ٧٧.

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٤٨.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٢٩.

(٦) راجع : التمهيد ٢ : ٢٦٣ ـ ٢٩١.

١١٠

قال تعالى :

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥))

وهذا التذييل لآيات القتال ، ينبؤك عن أهمّيّة دور المال في تشييد بناء الجماعة المسلمة ، جنبا إلى جنب الرجال الأكفاء. فإنّ الجهاد كما يحتاج للرجال يحتاج للمال ، ولقد كان المجاهد المسلم آنذاك يجهّز نفسه بعدّة القتال ومركب القتال وزاد القتال ، لم تكن هناك رواتب يتناولها القادة والجند ، إنّما كان هناك تطوّع بالنفس وتطوّع بالمال ، وهذا ما تصنعه العقيدة حين تقوم عليها النّظم ؛ إنّها لا تحتاج حينذاك أن تنفق لتحمي نفسها من أهلها أو من أعدائها ، إنّما يتقدّم الجند ويتقدّم القادة متطوّعين ينفقون هم عليها!

ولكنّ كثيرا من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد ، والذود عن منهج الله وراية العقيدة ، لم يكونوا يجدون ما يزوّدون به أنفسهم ، ولا ما يتجهّزون به من عدّة الحرب ومركب الحرب ، وكانوا يأتون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلبون أن يحملهم إلى ميدان المعركة البعيد الّذي لا يبلغ على الأقدام ، فإذا لم يجد ما يحملهم عليه (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ)(١).

ومن ثمّ كثرت التوجيهات القرآنيّة والنبويّة إلى الإنفاق في سبيل الله ، الإنفاق لتجهيز الغزاة ، وقد صاحبت الدعوة إلى الجهاد ، الدعوة إلى الإنفاق في معظم المواضع.

[٢ / ٥٣١٤] أخرج ابن جرير عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن قوله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : يقول : أنفقوا في سبيل الله ما قلّ وكثر. قال : وقال لي عبد الله بن كثير : نزلت في النفقة في سبيل الله (٢).

[٢ / ٥٣١٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان ، في قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قال : في طاعة الله (٣).

__________________

(١) التوبة ٩ : ٩٢.

(٢) الطبري ٢ : ٢٧٦ / ٢٥٨٧.

(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٠ / ١٧٤٣.

١١١

[٢ / ٥٣١٦] وأخرج البغوي عن عياض بن غطيف قال : أتينا أبا عبيدة نعوده. قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله ، فبسبعمائة ، ومن أنفق على أهله فالحسنة بعشر أمثالها» (١).

[٢ / ٥٣١٧] وأخرجه البخاري في التاريخ ، وفيه : «... ومن أنفق على نفسه وأهله ، أو عاد مريضا أو أماط أذى ، فبعشرة أمثالها» (٢).

قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)

وهنا يعدّ الإمساك عن الإنفاق تهلكة للنفس وللجماعة ، جاء النهي عنها بشدّة وحذر.

(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض ولتشييد معالم الحكم الإسلامي سعيا وراء تثبيتها وتنميتها وظهورها عبر الآفاق.

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). حيث الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله ، تهلكة للنفس بالشحّ المقيت ، وتهلكة للجماعة بالضعف ووهن القوى عن القيام وأداء التكليف الواجب ، ومن ثمّ فتور عن بثّ الدعوة والدفاع عن كيانها.

ولا تزال النظم قائمة على أساس التضحية وبذل الوسع دون رواجها وانتشارها ، وللدفاع عن حيويّتها عبر الوجود. ودونه الوقفة والنكسة والرجوع إلى الوراء. وأخيرا إلى الهلاك والدمار.

وبذلك تعلّل مشروعيّة الضرائب الماليّة في جميع النظم في إقامتها وإدامتها. حيث المال طاقة يمكن تبديلها إلى أيّ طاقة يقوم عليها نظام الحكم. والّتي بدونها تتعاقس وتتلاشى ويذهب رواؤها عن صفحة الوجود.

والإلقاء باليد كناية عن التسبّب عن قصد خسيس ، فكأنّه هو ألقى نفسه في مهاوي الهلاكة ، حيث امتنع عن الحفاظ على كيانه والتثبيت من أسسه ودعائمه.

__________________

(١) البغوي ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ / ١٧٣.

(٢) التاريخ الكبير ٧ : ٢١ / ٩٣ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٨٠.

١١٢

قوله تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

إنّها مرتبة أرقى من مراتب الإيثار في سبيل الله. هي مرتبة الفضل ـ فوق الواجب ـ والإحسان هو القصد في البذل ، دون السرف والإقتار.

[٢ / ٥٣١٨] قال الإمام الصادق عليه‌السلام : («وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني المقتصدين» (١).

[٢ / ٥٣١٩] وروى الكليني بالإسناد إلى عبد الملك بن عمرو الأحول ، قال : «تلا أبو عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٢). قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار. ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى كفّه كلّها ، فقال : هذا الإسراف. ثمّ قبض أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها ، وقال : هذا القوام» (٣).

[٢ / ٥٣٢٠] وروى بالإسناد إلى ابن محبوب عن يونس بن يعقوب عن حمّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو أنّ رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن ولا أوفق (٤) أليس يقول الله عزوجل : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني المقتصدين!» (٥)

[٢ / ٥٣٢١] وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : لمّا أمر الله بالنفقة فكانوا أو بعضهم يقولون : ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شيء ، قال : فقال : أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، قال : أنفقوا وأنا أرزقكم (٦).

[٢ / ٥٣٢٢] وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله ، وأخبرهم أنّ ترك النفقة في سبيل الله التهلكة (٧).

[٢ / ٥٣٢٣] وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن الحسن في قوله : (بِأَيْدِيكُمْ إِلَى

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣ / ٧.

(٢) الفرقان ٢٥ : ٦٧.

(٣) الكافي ٤ : ٥٤ ـ ٥٥ / ١.

(٤) أي ما أحسنه وأوفقه! فعل تعجّب.

(٥) نور الثقلين ١ : ١٧٩ ؛ الكافي ٤ : ٥٣ / ٧ ؛ العيّاشيّ ١ : ١٠٦ / ٢١٨ ؛ البحار ٩٣ : ١٦٨ / ١٢.

(٦) الطبري ٢ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ / ٢٥٨٤.

(٧) الطبري ٢ : ٢٧٦ / ٢٥٨٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٩١ ؛ البغوي ١ : ٢٣٩ ؛ التبيان ٢ : ١٥٢.

١١٣

التَّهْلُكَةِ) قال : هو البخل (١).

[٢ / ٥٣٢٤] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس ، قال : التهلكة عذاب الله (٢).

[٢ / ٥٣٢٥] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : إذا لم يكن عندك ما تنفق فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوّة فتلقي بيديك إلى التهلكة (٣).

[٢ / ٥٣٢٦] وأخرج عبد بن حميد وأبو داوود والترمذي وصحّحه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبّان والحاكم وصحّحه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم أبي عمران قال : كنّا بالقسطنطينيّة وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد ، فخرج صفّ عظيم من الروم ، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صفّ الروم حتّى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيّوب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أيّها الناس إنّكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل؟! وإنّما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار ، إنّا لمّا أعزّ الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أموالنا قد ضاعت ، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها ، فأنزل الله على نبيّه يردّ علينا ما قلنا : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو (٤).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٤٤١ / ١٠٩٠٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٣ / ١٧٥١.

(٢) الدرّ ١ : ٥٠١ ؛ الطبري ٢ : ٢٨١ / ٢٥٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٢ / ١٧٤٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٩٣ ، بلفظ : عن ابن عبّاس قال : التهلكة عذاب الله عزوجل يقول : لا تتركوا الجهاد فتعذّبوا. دليله قوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، (التوبة ٩ : ٣٩) ؛ أبو الفتوح ٣ : ٨٢.

(٣) الطبري ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ٢٥٨٩.

(٤) الدرّ ١ : ٥٠٠ ؛ أبو داوود ١ : ٥٦٤ / ٢٥١٢ ؛ الترمذي ٤ : ٢٨٠ / ٤٠٥٣ ؛ النسائي ٦ : ٢٩٩ / ١١٠٢٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ / ٢٥٩٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ١٧٤٣ ؛ ابن حبّان ١١ : ٩ ـ ١٠ / ٤٧١١ ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٥ ؛ الكبير ٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٤٠٦٠ ؛ البيهقي ٩ : ٤٥ ؛ البغوي ١ : ٢٤٠ / ١٧٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٩٢ ـ ٩٣.

١١٤

[٢ / ٥٣٢٧] وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن مجاهد : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : لا يمنعنّكم النفقة في حقّ خيفة العيلة (١).

[٢ / ٥٣٢٨] وأخرج ابن جرير عن الضحّاك ، قال : التهلكة : أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله (٢).

[٢ / ٥٣٢٩] وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم ، فأمرهم الله أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله (٣).

[٢ / ٥٣٣٠] وأخرج عن السدّي : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يقول : أنفق في سبيل الله ولو عقالا ، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) تقول : ليس عندي شيء (٤).

[٢ / ٥٣٣١] وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس في الآية قال : ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله (٥).

[٢ / ٥٣٣٢] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس ، قال : لا يقولنّ الرجل : لا أجد شيئا قد هلكت ، فليتجهّز ولو بمشقص (٦).

[٢ / ٥٣٣٣] أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٠٠ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٥ / ٢٥٨٠ ، بلفظ : قال : تمنعكم نفقة ؛ القرطبي ٢ : ٣٦٢ ، بلفظ : قال حذيفة بن اليمان وابن عبّاس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس : المعنى : لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة ، فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه ؛ البغوي ١ : ٢٣٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٩١ ، وفيه : لا تمنعكم ؛ أبو الفتوح ٣ : ٧٩.

(٢) الطبري ٢ : ٢٧٦ / ٢٥٨٨.

(٣) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٥ / ٢٥٨١ ؛ الثعلبي ٢ : ٩١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٧٩.

(٤) الطبري ٢ : ٢٧٥ / ٢٥٨٣ ؛ البغوي ١ : ٢٣٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٩١.

(٥) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٤ / ٢٥٧٦.

(٦) الطبري ٢ : ٢٧٦ / ٢٥٨٧ ، والمشقص : نصل عريض أو سهم فيه نصل عريض.

(٧) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٣ / ٢٥٧٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣١ / ١٧٤٤ ؛ البغوي ١ : ٢٣٩ ، بلفظ : ... فقال بعضهم : هذا في البخل في ترك الإنفاق يقول : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بترك الإنفاق في سبيل الله ، وهو قول حذيفة والحسن وقتادة وعكرمة وعطاء ؛ الثعلبي ٢ : ٩١ ، بنحو ما رواه البغوي ونقلا عن الضحّاك وابن كيسان أيضا ؛ التبيان ٢ : ١٥٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٧٩ ؛ سنن سعيد ٢ : ٧١٠ / ٢٨٥.

١١٥

[٢ / ٥٣٣٤] وأخرج ابن أبي الدنيا بالإسناد إلى يعقوب بن كعب قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : أحسنوا بالله الظنّ (١).

[٢ / ٥٣٣٥] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : أحسنوا الظنّ بالله يبرّكم (٢).

وبعضهم فسّر التهلكة باليأس والقنوط كما :

[٢ / ٥٣٣٦] روى ابن جرير عن البراء بن عازب قال : هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة ، يقول : لا توبة لي! (٣)

[٢ / ٥٣٣٧] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير قال : كان الرجل يذنب فيقول : لا يغفر الله لي! فأنزل الله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي لا تيأسوا (٤).

[٢ / ٥٣٣٨] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبيدة السلماني في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال : القنوط (٥).

__________________

(١) حسن الظنّ بالله لابن أبي الدنيا : ١١٧ / ١٣٩.

(٢) الدرّ ١ : ٥٠١ ؛ الطبري ٢ : ٢٨١ / ٢٥٩٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٣ / ١٧٥٢ ؛ مجمع البيان ٢ : ٣٥ ، التبيان ٢ : ١٥٣ ، وزاد : يراكم ؛ أبو الفتوح ٣ : ٨٤ ، قال عكرمة يعني : أحسنوا الظنّ بالله في الخلف والعوض ؛ معانى القرآن للنحاس ١ : ١١٢.

(٣) الطبري ٢ : ٢٧٧ / ٢٥٩٠.

(٤) الدرّ ١ : ٥٠١ ؛ الأوسط ٦ : ٢٠ ـ ٢١ / ٥٦٧٢ ؛ شعب الإيمان ٥ : ٤٠٧ / ٧٠٩٣ ، بلفظ : عن البراء وقال له رجل : يا أبا عمارة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أهو الرجل يلقي العدوّ فيقاتل حتّى يقتل؟ قال : لا ولكن هو الرجل يذنب الذنب فيقول : لا يغفره الله لي! ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٧ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح.

(٥) الدرّ ١ : ٥٠١ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٨ / ٢٥٩٣ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣١٦ / ٢٠٢ ؛ البغوي ١ : ٢٤٠ ، عن ابن سيرين وعبيدة السلماني ؛ الثعلبي ٢ : ٩٣ ؛ التبيان ٢ : ١٥٢ ، أبو الفتوح ٣ : ٨٢.

١١٦

قال أبو جعفر الطبري : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ أمر بالإنفاق في سبيله بقوله : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وسبيله : طريقه الّذي شرعه لعباده وأوضحه لهم.

ومعنى ذلك : وأنفقوا في إعزاز ديني الّذي شرعته لكم ، بجهاد عدوّكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي ، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، فقال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). وذلك مثل ، والعرب تقول للمستسلم للأمر : أعطى فلان بيديه ، وكذلك يقال للممكّن من نفسه ممّا أريد به : أعطى بيديه. فمعنى قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) : ولا تستسلموا للهلكة فتعطوها أزمّتكم فتهلكوا. والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه ، مستسلم للهلكة ، بتركه أداء فرض الله عليه في ماله. وذلك أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية في سبيله ، فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) إلى قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه ، كان للهلكة مستسلما وبيديه للتهلكة ملقيا. وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه ، ملق بيديه إلى التهلكة ، لأنّ الله قد نهى عن ذلك فقال : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ). وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم في حال وجوب ذلك عليه ، في حال حاجة المسلمين إليه ، مضيّع فرضا ، ملق بيده إلى التهلكة. فإذا كانت هذه المعاني كلّها يحتملها قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، ولم يكن الله ـ عزوجل ـ خصّ منها شيئا دون شيء ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إنّ الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا ، والاستسلام للهلكة ، وهي العذاب بترك ما لزمنا من فرائضه ، فغير جائز لأحد منّا الدخول في شيء يكره الله منّا ممّا نستوجب بدخولنا فيه عذابه. غير أنّ الأمر وإن كان كذلك ، فإنّ الأغلب من تأويل الآية : وأنفقوا أيّها المؤمنون في سبيل الله ، ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي (١).

__________________

(١) الطبري ٢ : ٢٨٠.

١١٧

قال تعالى :

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩))

هنا يجيء الحديث عن الحجّ والعمرة وشعائرهما ، والتسلسل في السياق واضح بين الحديث عن الأهلّة وأنّها مواقيت للناس والحجّ ، والحديث عن القتال في الأشهر الحرم وعن المسجد الحرام ، والحديث عن الحجّ والعمرة وشعائرهما في نهاية الدرس نفسه :

كانت العرب منذ أن عهدت سنن إبراهيم عليه‌السلام عرفت سنّة الحجّ والعمرة وشعائرهما ، وكانت تقوم بها طول الأمد ، غير أنّها أخذت في شيء من التحريف والتحوير عبر الزمن ، فجاء الإسلام ليعيد رواءها ويعدّل ما عرضها من انحراف. وعليه فلم تكن شريعة الحجّ والاعتمار في الإسلام تأسيسا ، وإنّما هي تعديل وتقرير لسنّة إبراهيميّة عتيدة.

والآيات هنا وفي سورة الحجّ المدنيّة أيضا ، إنّما نبّهت على مواضع من أحكام الحجّ ، غفل عنها الأسلاف أو غيّرها على غير وجهها ، فجاء تعديلها وفق سنّة الله في شريعة الإسلام.

والملاحظ في الآيات هي تلك الدقّة التعبيريّة في معرض التشريع وتقسيم الفقرات فيها

١١٨

لتستقلّ كلّ فقرة ببيان الحكم الّذي تستهدفه.

والفقرة الأولى في الآية تتضمّن الأمر بإتمام الحجّ والعمرة وتجريد التوجّه بهما لله وحده لا شريك له ، لا مفاخر الأنساب ولا مواضع الأحساب.

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وفي ذلك إيحاء بوجوب الإكمال متى بدأ بهما وأهلّ لهما أي أحرم ولبّى ، فلا يجوز تركهما في الأثناء ، حتّى ولو كان بدأ بهما عن استحباب.

[٢ / ٥٣٣٩] أخرج ابن جرير عن ابن وهب قال : قال ابن زيد : ليست العمرة واجبة على أحد من الناس! فقلت له : قول الله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)؟ قال : ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلّا أن يتمّه ، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهلّ يوما أو يومين ثمّ يرجع ، كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار! (١)

وهكذا قال العلّامة ابن المطهّر الحلّي رحمه‌الله : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ... (٢)

غير أنّ الوارد عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام : أنّ العمرة واجبة كالحجّ ، استنادا إلى هذه الآية ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام أنّ المراد من الإتمام : أداؤه كملا وبفرائضه تماما : (٣)

[٢ / ٥٣٤٠] كتب عمر بن أذينة إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام يسأله عن مسائل ، ومنها السؤال عن قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٤). قال : «يعني الحجّ والعمرة جميعا ، لأنّهما مفروضان». وسأله عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال : «يعني بتمامهما : أداءهما ، واتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما» (٥).

[٢ / ٥٣٤١] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى زرارة عنه عليه‌السلام قال : «إتمامهما إذا أدّاهما ، يتّقي ما يتّقى

__________________

(١) الطبري ٢ : ٢٨٤ / ٢٦١٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٩٧.

(٢) تذكرة الفقهاء ٨ : ٣٨٥ ، م : ٦٩٩.

(٣) قال ابن الأثير : التامّ هو الّذي يستحقّ صفة الكمال والتمام. وفي الحديث : «أعوذ بكلمات الله التامّات». إنّما وصف كلامه تعالى بالتمام ، لأنّه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب. (النهاية ١ : ١٩٧). لكن لا منافاة بين التفسيرين ، بعد أن كان التفسير الأوّل يعني عدم تركه ناقصا وبلا إكمال.

(٤) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٥) الكافي ٤ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ / ١ ؛ الوسائل ١١ : ٧ ـ ٨.

١١٩

المحرم فيهما» (١).

[٢ / ٥٣٤٢] وهكذا روى الفضل أبو العباس عنه عليه‌السلام في قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ..) قال : «هما مفروضان» (٢).

[٢ / ٥٣٤٣] وروى معاوية بن عمّار عنه عليه‌السلام قال : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ ، على من استطاع ، لأنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ). قال ابن عمّار : قلت له : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) ، أيجزي ذلك عنه؟ قال عليه‌السلام : نعم» (٣).

[٢ / ٥٣٤٤] وروى الكليني بالإسناد إلى معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيرا ، وقلّة الكلام إلّا بخير ، فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير ، كما قال الله تعالى ، فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ»)(٤)(٥).

[٢ / ٥٣٤٥] وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : تمامهما ما أمر الله فيهما (٦).

[٢ / ٥٣٤٦] وأخرج ابن جرير عن أسباط ، عن السدّي قوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) يقول : أقيموا الحجّ والعمرة (٧).

[٢ / ٥٣٤٧] وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ من تمام الحجّ أن تحرم من دويرة أهلك» (٨) وكذا روي عن عليّ عليه‌السلام (٩). وعن سعيد بن جبير (١٠).

__________________

(١) العيّاشيّ ١ : ١٠٦ / ٢٢١ ؛ البحار ٩٦ : ٣٣٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٢ ؛ الوسائل ١١ : ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٤ ؛ الوسائل ١١ : ٩.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٣ ؛ التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣ ـ ١ ، باب ٢٤.

(٦) الدرّ ١ : ٥٠٢ ؛ الطبري ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ٢٦٠٣ ، بلفظ : قال : ما أمروا فيهما ؛ الثعلبي ٢ : ٩٥.

(٧) الطبري ٢ : ٢٨٦ / ٢٦٢٠ ؛ التبيان ٢ : ١٥٤ و ١٥٥ ، بلفظ : قال سعيد بن جبير وعطاء والسّدّي : إنّ معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما ، لأنّهما واجبان ، وكذا عن عليّ عليه‌السلام وعليّ بن الحسين عليه‌السلام ومسروق ؛ أبو الفتوح ٣ : ٨٩ ؛ البيهقي ٤ : ٣٤١ ، نقلا عن السّدّي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عبّاس وعن مرّة عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٤ / ١٧٥٧.

(٨) البيهقي ٥ : ٣٠.

(٩) الطبري ٢ : ٢٨٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٣ ؛ الثعلبي ٢ : ٩٥ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ١٩٥.

(١٠) الطبري ٢ : ٢٨٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣٣.

١٢٠