فالتدبير في السماء ثمّ التنزيل إلى الأرض (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)(١). (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)(٢). ومن ثمّ تعقّب الآية بقوله تعالى : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ).
قال العلّامة الطباطبائي : أي لستم بمنقطعين عنّا ولا بمعزل عن مراقبتنا وتدبيرنا لشؤونكم ، فهذه الطرائق السبع إنّما جعلت ليستطرقها رسل ربّكم في التقدير والتدبير والتنزيل (٣).
٣ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)
ماذا يعني بذات الحبك؟
الحبك : جمع الحبيكة بمعنى الطريقة المتّخذة. قال الراغب : فمنهم من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّات ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة.
والحبك : المنعطفات على وجه الماء الصافي تحصل على أثر هبوب الرياح الخفيفة. وهي تكسّرات على وجه الماء كتجعّدات الشعر. ويقال للشعر المجعّد : حبك والواحد حباك وحبيكة. قاله الشيخ أبو جعفر الطوسي في التبيان.
من ذلك قول زهير يصف روضة :
مكلّل باصول النجم تنسجه |
|
ريح خريق لضاحي مائه حبك |
مراده بالنجم ، النبات الناعم. وشبّه تربية الرياح له بالنسج ، كأنّه إكليل (تاج مزيّن بالجواهر) نسجته الريح. ووصف الريح بالخريق ، وهو العاصف.
ثمّ وصف ضاحي مائه ـ وهو الصافي الزلال ـ بأنّ على وجهه قسمات وتعاريج على أثر مهبّ الرياح عليه ، وهو منظر بهيج.
فعلى احتمال إرادة التعرّجات المتأرجحة من الآية ، فهي إشارة إلى تلكم التعرّجات النوريّة الّتي تجلّل كبد السماء زينة لها وبهجة للناظرين ، فسبحان الصانع العظيم!
٤ ـ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً)(٤)
في هذه الآية توجّه الخطاب إلى عامّة الناس ولا سيّما الامم السالفة الجاهلة حيث لا يعرفون
__________________
(١) مريم ١٩ : ٦٤.
(٢) القدر ٩٧ : ٤.
(٣) راجع : الميزان ١٥ : ٢١.
(٤) نوح ٧١ : ١٥.