معرض الجواب فبيّن أنهم لم يكن لهم جواب أصلا ، وذلك أن من لا يجيب غيره ويسكت لا يعلم (أنه لا يقدر (١) أم لا) لجواز (٢) أن يكون سكوته لعدم الالتفات ، وأما إذا أجاب بجواب فاسد علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه.
فصل (٣)
«أو» تذكر لأمرين الثاني منهما لا ينفك عن الأول ، كما يقال : «زوج أو فرد» ، ويقال : هذا إنسان أو حيوان ، يعني إن لم يكن إنسانا فهو حيوان ، ولا يصح أن يقال : «هذا حيوان أو إنسان» إذ يفهم منه أن يقول : هذا حيوان ، فإن لم يكن حيوانا فهو إنسان ، وهذا فاسد ، وإذا كان كذلك فالتحريق مشتمل (٤) على القتل ، فقوله : (اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) كقولك : هذا إنسان أو حيوان.
فالجواب عن (٥) هذا من وجهين :
أحدهما : أن الاستعمال على خلاف ما ذكر شائع كقولك : أعطه دينارا أو دينارين.
قال تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [المزمل : ٢ ـ ٤] فكذا (٦) هاهنا قال : اقتلوه أو زيدوا على القتل لأن التحريق قتل وزيادة.
الثاني : سلمنا ما ذكرتم ، والأمر هنا كذلك لأن التحريق فعل مفض (٧) إلى القتل ، وقد يتخلف عنه القتل فإن من ألقي في النار حتى احترق جلده بأسره وأخرج منها حيا يصح (٨) أن يقال : احترق فلان ، وأحرق وما مات. فكذلك هاهنا قال : اقتلوه ولا تعجلوا قتله وعذّبوه بالنار ، فإن ترك مقالته فخلوا سبيله وإن أصرّ فاتركوه في النار.
قوله تعالى : (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) ، قيل : بردت النار وقيل : خلق في إبراهيم صلوات الله (وسلامه) (٩) عليه كيفية استبردت النار. وقيل : ترك إبراهيم (على) (١٠) ما كان عليه (والنار على(١١) ما كانت عليه) ومنع أذى النار عنه ، والكلّ ممكن والله قادر عليه.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك (آيَةً لِلْعالَمِينَ) في إنجاء نوح صلوات الله (وسلامه) (١٢) عليه وأصحاب السفينة جعلناها آية وقال هاهنا آيات بالجمع ، فما الحكمة؟
__________________
(١) في ب : أنه قد يقدر على الجواب أم لا وفي تفسير الفخر : «لا يعلم أنه لا يقدر على الجواب».
(٢) في ب : ويجوز أن يكون.
(٣) سقط لفظ «فصل» من ب.
(٤) في ب : يشتمل بالفعلية.
(٥) في ب : على هذا.
(٦) في ب : وهكذا.
(٧) في ب : يفضي.
(٨) في ب : فصح.
(٩) ما بين القوسين زيادة من ب.
(١٠) زيادة يقتضيها السياق من الفخر الرازي.
(١١) ساقط من ب.
(١٢) زيادة من ب.