بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الغلام على أصابعه ، فكان مولانا عليه‌السلام يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد (١).

فسلمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس ، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليه‌السلام (٤) إلى الغلام وقال له : يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولاي عليه‌السلام : يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز [ ما ] بين الاحل والاحرم منها.

فأول صرة بدأ أحمد باخراجها فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على اثنين وستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير.

فقال مولانا عليه‌السلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها فقال عليه‌السلام ، فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضة آملية وزنها ربع دينار والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من فأتت على ذلك

____________________

(١) فيه غرابة من حيث قبض الغلام عليه‌السلام على أصابع أبيه أبى محمد عليه‌السلام وهكذا وجود رمانة من ذهب يلعب بها لئلا يصده عن الكتابة ، وقد روي في الكافي ج ١ ص ٣١١ عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن صاحب هذا الامر فقال : ان صاحب هذا الامر لايلهو ولا يلعب ، وأقبل أبوالحسن موسى ، وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها : اسجدى لربك ، فأخذه أبوعبدالله عليه‌السلام وضمه اليه وقال : بأبى وامى من لا يلهو ولا يلعب.

(٢) كذا في الاصل المطبوع وهكذا المصدر والمعنى به أبومحمد ابن على الهادى عليهما‌السلام ، ولعله مصحف عن « مولاى » كما في أغلب السطور.

٨١

مدة قيض [ في ] انتهائها لذلك الغزل سارقا فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه اليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.

فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثم أخرج صرة اخرى فقال الغلام عليه‌السلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لايحل لنا مسها قال : وكيف ذاك؟ قال : لانه من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الاكار بحيل بخس ، فقال مولانا عليه‌السلام : صدقت يا بني.

ثم قال : يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شئ منها وائتنا بثوب العجوز ، قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب إلي مولانا أبومحمد عليه‌السلام فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال : فالمسائل التي اردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي. قال : فسل قرة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ عما بدالك منها.

فقلت له : مولانا وابن مولانا! إنا روينا عنكم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أميرالمؤمنين عليه‌السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنك قد أرهجت على الاسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فان كففت عني غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلقهن وفاته.

قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل قال : وإذا كان وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلا لهن السبيل ، فلم لا يحل لهن الازواج؟ قلت : لان الله تبارك وتعالى حرم الازواج عليهن ، قال : وكيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أميرالمؤمنين.

٨٢

قال : إن الله تبارك وتعالى عظم شأن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخصهن بشرف الامهات ، فقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن مادمن لله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك ، فأطلق لها في الازواج وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها [ من بيته ]؟ قال : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنى فان المرأة إذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لاجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله عزوجل برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لاحد أن يقربه.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى عليه‌السلام « فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى » (١) فان فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ، فقال عليه‌السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لانه ما خلا الامر فيها من خطبين إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة ، فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة [ إذ لم تكن مقدسة ] (٢) وإن كانت مقدسة مطهرة فليس بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما ، فقد أوجب على موسى عليه‌السلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وعلم ماجاز (٣) فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال : إن موسى عليه‌السلام ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يارب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك ، وكان شديد الحب لاهله ، فقال الله تبارك وتعالى : « اخلع

____________________

(١) له : ١٢.

(٢) راجع المصدر ج ٢ ص ١٣٤.

(٣) في الاصل المطبوع هنا تصحيف فراجع. ولا يخفى أن تشرف موسى بالواد المقدس كان في بدء نبوته وهو عليه‌السلام يقول عن نفسه : « فعلتها اذا وأنا من الضالين ».

٨٣

نعليك » أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.

قلت : فأخبرنى يا بن رسول الله عن تأويل « كهيعص » قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، اطلع الله عليها عبده زكريا عليه‌السلام ، ثم قصها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله و ذلك أن زكريا عليه‌السلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر [ اسم ] الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (١) فقال ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي.

فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ، وقال : « كهيعص » فالكاف اسم كربلا والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا عليه‌السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما.

ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر ، واجعله وارثا وصيا ، واجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه الله يحيى عليه‌السلام وفجعه به.

وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه‌السلام كذلك وله قصة طويلة.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لانفسهم قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟! قلت : بلى ، قال : فهي العلة اوردها لك ببرهان يثق به عقلك.

____________________

(١) البهر : تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الاعياء والعد والشديد.

٨٤

أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذهم أعلا [ م ] الامم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما ، وكمال علمهما ، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق ، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت : لا فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ، ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عزوجل « واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ـ إلى قوله ـ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم » (١).

فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الافسد ، دون الاصلح وهو يظن أنه الاصلح دون الافسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور ، وتكن الضمائر ، ويتصرف عليه السرائر ، وأن لاخطر لاختيار المهاجرين والانصار ، بعد وقوع خيرة الانبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

ثم قال مولانا عليه‌السلام : يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد امور التأويل ، والملقى إليه أزمة الامة ، المعول عليه في لم الشعث وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من البشر (٢) مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا على فراشه ، لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به ، ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

فهلا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الاربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في

____________________

(١) الاعراف : ١٥٥.

(٢) في نسخة المصدر « من الشر » كما سبق.

٨٥

مذهبكم ، وكان لا يجد بدا من قوله [ لك ] : بلى ، فكنت تقول له حنيئذ : أليس كما علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الخلافة بعده لابي بكر ، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر عثمان ، ومن بعد عثمان لعلي؟ فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم.

ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبابكر بإخراجه مع نفسه دونهم.

ولما قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له : بل أسلما طوعا ، لانهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم ، من حال إلى حال من قصة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل ولابد له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه.

فأتيا محمدا فساعداه على [ قول ] شهادة أن لا إله إلا الله ، وبايعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبت أحواله ، فلما أيسا من ذلك ، تلثما وصعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين ، على أن يقتلوه فدفع الله كيدهم ، وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ، كما أتى طلحة والزبير عليا عليه‌السلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد فلما أيسا نكثا بيعته ، وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.

قال [ سعد ] : ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه‌السلام إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت : ما أبطأك و أبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، فقلت : لا عليك فأخبره فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وآل محمد. فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه‌السلام يصلي عليه.

٨٦

قال سعد : فحمدنا الله جل ذكره على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا عليه‌السلام أياما ، فلانرى الغلام بين يديه ، فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أرضنا ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة ، واشتدت المحنة ، ونحن نسأل الله أن يصلى على المصطفى جدك ، وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء امك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك ، وعلى الائمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ، ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال : فلما قال هذه الكلمة ، استعبر مولانا عليه‌السلام حتى استهلت دموعه ، و تقاطرت عبراته ، ثم قال : يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فانك ملاق الله في صدرك (١) هذا فخر أحمد مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا عليه‌السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فانك لن تعدم ما سألت وإن الله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.

قال سعد : فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه‌السلام من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وصارت عليه علة صبعة أيس من حياته فيها ، فلما وردنا حلوان ، ونزلنا في بعض الخانات ، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح ، أصابتني فكرة ففتحت عني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد عليه‌السلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه (٢) فقوموا

____________________

(١) في المصدر : في سفرك. راجع ج ٢ ص ١٣٨.

(٢) ما تضمنه الخبر من موت أحمد بن إسحاق خلاف ما صرح به الرجاليون في بقائه بعد أبى محمد عليه‌السلام.

٨٧

لدفنه فانه من أكرمكم محلا عند سيدكم ، ثم غاب عن أعيننا ، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه‌الله.

دلائل الامامة للطبرى : عن عبدالباقي بن يزداد ، عن عبدالله بن محمد الثعالبي عن أحمد بن محمد العطار ، عن سعد بن عبدالله مثله.

ج : عن سعد مثله مع اختصار في إيراد المطالب.

بيان : « لهجا » أي حريصا وكذا « كلفا » و « مغرما » بالفتح أي محبا مشتاقا و « تسريب الجيوش » بعثها قطعة قطعة و « الازورار » عن الشئ العدول عنه.

و « القرم » بالتحريك شدة شهوة اللحم والمراد هنا شدة الشوق ، وقال الفيروز آبادي « الفرق » الطريق في شعر الرأس و « المفرق » كمقعد ومجلس وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر.

قوله « قيض انتهاءها » أي هيأ انتهاء تلك المدة سارقا لذلك الغزل والاسناد مجازي وفي الاحتجاج « فأتى زمان كثير فسرقه سارق من عنده » (١) و « الحقيبة » ما يجعل في مؤخر القتب أو السرج من الخرج ، ويقال لها بالفارسية : الهكبة و « الارهاج » إثارة الغبار.

وقال الجوهري : غرب كل شئ حده يقال : في لسانه غرب أي حدة و غرب الفرس حدثه وأول جريه ، تقول : كففت من غربه : واستهلت دموعه أي سالت و « الشطط » التجاوز عن الحد قوله : في صدرك أي في رجوعك.

أقول : قال النجاشي ـ بعد توثيق سعد والحكم بجلالته : « لقي مولانا أبا محمد عليه‌السلام ورأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لابي محمد عليه‌السلام ويقولون : هذه حكاية موضوعة عليه » (٢)

أقول : الصدوق أعرف بصدق الاخبار والوثوق عليها من ذلك البعض الذي

____________________

(١) وهو نقل بالمعنى.

(٢) وهكذا عنونه الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم وقال في موضع آخر انه عاصر العسكرى عليه‌السلام ولم أعلم أنه روى عنه.

٨٨

لا يعرف حاله ، ورد الاخبار التي تشهد متونها بصحتها بمحض الظن والوهم مع إدراك سعد زمانه عليه‌السلام ـ وإمكان ملاقاة سعد له عليه‌السلام إذكان وفاته بعد وفاته عليه‌السلام بأربعين سنة تقريبا ـ ليس للازراء بالاخبار وعدم الوثوق بالاخيار والتقصير في معرفة شأن الائمة الاطهار ، إذ وجدنا أن الاخبار المشتملة على المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم ، فهم إما يقدحون فيها أو في راويها ، بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجل إلا نقل مثل تلك الاخبار.

٨٩

٢٠

* ( باب ) *

* ( علة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به ) *

« في غيبته صلوات الله عليه »

١ ـ ع : ما جيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان وغيره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا بد للغلام من غيبة فقيل له : ولم يا رسول الله؟ قال : يخاف القتل (١).

٢ ـ ع : العطار ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أحمد بن الحسين بن عمر ، عن محمد بن عبدالله ، عن مروان الانباري قال : خرج من أبي جعفر عليه‌السلام أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم.

٣ ـ ك ، ع : المظفر العلوي ، عن جعفر بن مسعود وحيدر بن محمد السمر قندي معا عن العياشي ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن الحسن ابن محمد الصيرفي عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن للقائم عليه‌السلام منا غيبة يطول أمدها ، فقلت له : ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال : إن الله عزوجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الانبياء عليهم‌السلام في غيباتهم وأنه لا بدله يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله عزوجل « لتركبن طبقا عن طبق » (٢) أي سننا على سنن من كان قبلكم.

بيان : قال البيضاوي : « لتركبن طبقا عن طبق » حالا بعد حال مطابقة لاختها في الشدة وهو لما يطابق غيره ، فقيل للحال المطابقة ، أو مراتب من الشدة بعد المراتب

____________________

(١) ترى الاخبار المروية عن علل الشرائع في ج ١ ص ٢٣٤.

(٢) الانشقاق : ١٩.

٩٠

وهي الموت ومواطن القيامة وأهوالها ، أوهي وماقبلها من الدواهي على أنها جمع طبقة.

٤ ـ ك ، ع : ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان (١) عن أحمد ابن عندالله بن جعفر المدائني ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : إن لصاحب هذا الامر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : لامر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لاينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار ، لموسى عليه‌السلام إلا وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل إن هذا الامر أمرمن أمرالله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله ومتى علمنا أنه عزوجل حكيم ، صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا.

٥ ـ ك ، ع : ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل ظهوره ، قلت : ولم؟ قال : يخاف وأومأ بيده إلى بطنه ، قال زرارة : يعني القتل.

ك : العطار ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن نجيح ، عن زرارة مثله.

نى : ابن عقدة ، عن عبدالله بن أحمد ، عن محمد بن عبدالله الحلبي ، عن ابن بكير عن زرارة مثله (١).

____________________

(١) هذا هو الاظهر كما يأتى في السند الاتى خصوصا بملاحظة رواية ابن قتيبة عنه كما عن الكاظمى وفي المطبوعة أحمد بن سليمان وهو تصحيف ، والرجل هو أبوسعيد حمدان بن سليمان المعروف بابن التاجر ثقة من وجوه أصحابنا.

(٢) غيبة النعمانى ص ٩٣.

٩١

أقول : وقد مر بعض الاخبار المشتملة على العلة في أبواب أخبار آبائه عليهم‌السلام بقيامه. ٦ ـ لى : السناني ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن الفضل بن الصقر عن أبي معاوية ، عن الاعمش ، عن الصادق عليه‌السلام قال : لم تخلو الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله ، قال سليمان : فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.

٧ ـ ج : الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان : وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله عزوجل يقول : « يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم » (١) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي ، وأما وجه الانتقاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب ، وإني لامان لاهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عما لايعنيكم ، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فان ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.

ك ـ : ابن عصام ، عن الكليني مثله (٢).

٨ ـ ك : غير واحد ، عن محمد بن همام ، عن الفزاري ، عن الحسن بن محمد بن سماعة (٣) ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضل ، عن ابن ظبيان ، عن جابر الجعفي

____________________

(١) المائدة : ١٠٤.

(٢) راجع كمال الدين ج ٢ ص ١٦٢ ، الاحتجاج ص ٢٦٣.

(٣) في المصدر المطبوع : « عن الحسين بن محمد بن الحارث ، عن سماعة » وهو سهو والصحيح ما ذكره المصنف قدس‌سره ، فان الحسين بن محمدبن الحارث غير معنون ـ

٩٢

عن جابر الانصاري أنه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه‌السلام في غيبته؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب.

أقول : تمامه في باب نص الرسول عليهم عليهم‌السلام. (١)

بيان : التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يؤمي إلى امور :

الاول : أن نورالوجود والعلم والهداية ، يصل إلى الخلق بتوسطه عليه‌السلام إذ ثبت بالاخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لايجاد الخلق ، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسل إليهم يظهر العلوم و المعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لايستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : « وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم » (٢) ولقد جربنا مرارا لانحصيها أن عند انغلاق الامور وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحق تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لما استشفعنا بهم ، وتوسلنا بأنوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك الامور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الايمان ، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الامامة.

الثانى : كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتقاع الناس بها ـ ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيام غيبته عليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره ، في كل وقت و زمان ، ولا ييأسون منه.

الثالث : أن منكر وجوده عليه‌السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس

____________________

ـ في الرجال وقد ذكروا في أحمد بن الحارث الانماطى أنه من أصحاب المفضل بن عمر ، و أنه يروى عنه الحسن بن محمد بن سماعة. فراجع.

(١) راجع المصدر ج ١ ص ٣٦٥ وأخرجه المصنف في تاريخ أميرالمؤمنين باب ٤١ تراه في ج ٣٦ ص ٢٤٩ من طبعته الحديثة.

(٢) الانفال : ٣٣.

٩٣

إذا غيبها السحاب عن الابصار.

الرابع : أن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد ، من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عليه‌السلام أصلح لهم في تلك الازمان ، فلذا غاب عنهم.

الخامس : أن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب ، وربما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة ، عن الاحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدسة وبما يكون ظهوره أضر لبصائرهم ، ويكون سببا لعماهم عن الحق ، وتحتمل بصائرهم الايمان به في غيبته ، كما ينظر الانسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرر بذلك.

السادس : أن الشمس قد يخرج من السحاب وينظر اليه واحد دون واحد فكذلك يمكن أن يظهر عليه‌السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

السابع : أنهم عليهم‌السلام كالشمس في عموم النفع وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسربه في الاخبار قوله تعالى : « من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا » (١).

الثامن : أن الشمس كما أن شعاعها تدخل البيوت ، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية ، والعلائق الجسمانية ، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الامر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوابنه يغير حجاب.

فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب ، ولقد فتح الله علي.

بفضله ثمانية اخرى تضيق العبارة عن ذكرها ، عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.

٩ ـ ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد والحميري معا ، عن ابن عيسى

____________________

(١) أسرى : ٧٢.

٩٤

عن ابن محبوب ، عن محمد بن النعمان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : أقرب ما يكون العبد إلى الله عزوجل وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجج الله ولا بيناته ، فعندها فليتوقعوا الفرج صباحا ومساء ، وإن أشد ما يكون غضبا على أعدائه إذا أفقدهم حجته ، فلم يظهر لهم ، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين.

نى : الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن عبدالله بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن بعض رجاله ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله (١).

١٠ ـ ك : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن الحسين ، عن عثمان ابن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن زرارة بن أعين قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : إن للغلام غيبته قبل أن يقوم ، قلت : ولم ذلك؟ قال : يخاف و أشار بيده إلى بطنه وعنقه ، ثم قال : وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته فمنهم [ من ] يقول : إذا مات أبوه مات ولا عقب له ، ومنهم من يقول : قد ولد قبل وفات أبيه بسنتين لان الله عزوجل يجب (٢) أن يمتحن خلقه فعند ذلك يرتاب المبطلون.

١١ ـ ك : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن اليقطيني ، عن ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : صاحب هذا الامر تعمى ولادته على [ هذا ] الخلق لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة إذا خرج.

١٢ ـ ك : أبي وابن الوليد معا ، عن سعد ، عن اليقطيني وابن أبي الخطاب معا ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يبعث القائم وليس في عنقه لاحد بيعة.

١٣ ـ ك : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد والحسن بن طريف معا ، عن

____________________

(١) راجع كمال الدين ج ٢ ص ٩ ، غيبة النعمانى ص ٨٣.

(٢) في المصدر ج ٢ ص ١٥ ، يحب.

٩٥

ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقوم القائم وليس لاحد في عنقه بيعة.

١٤ ـ ك : الطالقاني ، عن ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام [ قال : ] كأني بالشيعة فقدانهم الثالث (١) من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولم ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : لان إمامهم يغيب عنهم ، فقلت : ولم؟ قال : لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف.

١٥ ـ ك : عبدالواحد بن محمد العطار ، عن أبي عمر والليثي ، عن محمد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان (٢) عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : صاحب هذا الامر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ويصلح الله عزوجل أمره في ليلة.

١٦ ـ ك : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي وحيدر بن محمد معا ، عن العياشي

____________________

(١) المراد بفقدانهم الثالث : موت الامام أبى محمد العسكرى عليه‌السلام ، فبعد فقدانه بطلبون المرعى ولا يجدونه ، وهذا صحيح لاغبار عليه ، وبذلك ورد الفاظ الحديث مصرحا ، راجع كمال الدين ج ٢ ص ٤١ باب ما روى عن الرضا عليه‌السلام الحديث ٣ و ٤ وهكذا ص ١٥٦ باب علة الغيبة الحديث ٤ وهو هذا الحديث المذكور في الصلب.

وراجع عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٧٣ باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الاخبار المتفرقة الحديث ٦ ، علل الشرائع ج ١ ص ٢٣٣ باب علة الغيبة وقد أخرجها المصنف بهذا اللفظ فيما سبق ج ٥١ ص ١٥٢.

فعلى هذا ما في الاصل المطبوع ص ١٣٠ : « الرابع من ولدى » تصحيف قبيح حيث تخيل ان المراد بالفقدان : الغيبة عن أعين الناس ، فقدر أن القائم يكون هو الرابع من ولد الرضا عليهما‌السلام ، فكتبه مصحفا.

(٢) هذا هو الصحيح كما مرتحت الرقم ١١ وفي الاصل المطبوع « سعد بن عوان » وهو تصحيف.

٩٦

عن عبدالله بن محمد خالد ، عن أحمد بن هلال ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد ابن نجيح ، عن زرارة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : يا زرارة لابد للقائم عليه‌السلام من غيبة ، قلت : ولم؟ قال : يخاف على نفسه وأومأ بيده إلى بطنه.

١٧ ـ ك : بهذا الاسناد ، عن العياشي ، عن محمد بن إبراهيم الوراق ، عن حمدان بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن بكير (١) ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله.

١٨ ـ ك : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : للغلام غيبة قبل قيامه ، قلت : ولم؟ قال يخاف على نفسه الذبح.

١٩ ـ ع ، ك : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن ابن أبي عمير عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : ما بال أميرالمؤمنين عليه‌السلام لم يقاتل مخالفيه في الاول؟ قال لآية في كتاب الله عزوجل « لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما » (٢) قال : قلت : وما يعني بتزايلهم؟ قال : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ، فكذلك القائم عليه‌السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله عزوجل فاذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداءالله عزوجل جلاله فقتلهم.

ع ، ك : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله. (٣)

٢٠ ـ غط : الغضائري ، عن البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن ابن قتيبة

____________________

(١) كذا في المصدر ج ٢ ص ١٧٥ وسيأتى عن غيبة النعمانى تحت الرقم ٢١ وتجده في ص ٩٢ من المصدر مصرحا بقوله « عن عبدالله بن بكير ». وهو الظاهر ، وفي النسخة المطبوعة « أبى بكر » في هذا السند والذى بعده وهو سهو.

(٢) الفتح : ٢٥.

(٣) راجع علل الشرائع ج ١ ص ١٤١.

٩٧

عن الفضل ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال : إن للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلت : لم؟ قال : يخاف القتل.

٢١ ـ غط : ابن عيسى (١) عن محمد بن سنان ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي خالد الكابلي في حديث له اختصرناه قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام أن يسمي القائم حتى أعرفه باسمه فقال : يابا خالد! سألتني عن أمر لوأن بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة.

٢٢ ـ نى : علي بن أحمد ، عن عبيدالله بن موسى ، عن محمدبن أحمد القلانسي عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن للقائم غيبة قبل أن يقوم وهو المطلوب تراثه قلت : ولم ذلك؟ قال يخاف وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل.

أقول : قال الشيخ : لاعلة تمنع من ظهوره عليه‌السلام إلا خوفه على نفسه من القتل لانه لو كان غير ذلك لم ساغ له الاستتار وكان يتحمل المشاق والاذى فان منازل الائمة وكذلك الانبياء عليهم‌السلام إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى.

فان قيل : هلا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟ قلنا : المنع الذي لاينافي التكليف هو النهي عن خلافه والامر بوجوب اتباعه ونصرته ، و إلزام الانقياد له ، وكل ذلك فعله تعالى ، وأما الحيلولة بينهم وبينه فانه ينافي التكليف ، وينقض الغرض لان بالتكليف استحقاق الثواب ، والحيلولة تنافي ذلك ، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق ، فلا يحسن من الله فعلها.

____________________

(١) في المصدر ص ٢١٧ : روى أحمد بن محمد بن عيسى الاشعرى ، وكان على المصنف ـ رضوان الله عليه ـ أن يصرح بذلك فان قولهم فلان عن فلان يستلزم الرواية بلا واسطة ، وأما قولهم « روى فلان عن فلان » فهو اعم. وقد صرح الكشى والنجاشى بأن الشيخ لم يرو عن أحمد بن عيسى قط. راجع قاموس الرجال ج ١ ص ١٨.

٩٨

وليس هذا كما قال بعض أصحابنا : إنه لايمتنع أن يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة ، لان الذي قاله يفسد طريق وجوب الرسالة في كل حال ويطرق القول بأنها تجري مجرى الالطاف التي تتغير بالازمان والاوقات ، و القهر والحيلولة ليس كذلك ، ولايمتنع أن يقال في ذلك مفسدة ولا يؤدي إلى فساد وجوب الرئاسة.

فان قيل : أليس آباؤه عليهم‌السلام كانوا ظاهرين ، ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لايصل إليهم أحد؟ قلنا : آباؤه عليهم‌السلام حالهم بخلاف حاله لانه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنهم لايرون الخروج عليهم ولا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف ، ويزيلون الدول ، بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهديا لهم وليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم.

وليس كذلك صاحب الزمان ، لان المعلوم منه أنه يقوم بالسيف ، ويزيل الممالك ، ويقهر كل سلطان ، ويبسط العدل ، ويميت الجور ، فمن هذه صفته يخاف جانبه ويتقى ثورته فيتتبع ويرصد ، ويوضع العيون عليه ، ويعنى به خوفا من وثبته ، ورهبته من تمكنه ، فيخاف حينئذ ، ويحوج (١) إلى التحرز والاستظهار بأن يخفي شخصه عن كل من لايأمنه من ولي وعدو إلى وقت خروجه.

وأيضا فآباؤه عليهم‌السلام إنما ظهروا لانه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسد مسده من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان لان المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف ، فلذلك وجب استتاره وغيبته ، وفارق حاله حال آبائه ، وهذا واضح بحمدالله.

فان قيل : بأي شئ يعلم زوال الخوف وقت ظهوره أبا لوحي من الله؟ فالامام لايوحى إليه ، أو بعلم ضروري؟ فذلك بنافي التكليف ، أو بأمارة توجب غلبة الظن؟ ففي ذلك تقرير بالنفس.

____________________

(١) في الاصل المطبوع : يخرج. وهو تصحيف راجع الشيخ ص ٢١٥.

٩٩

قلنا : عن ذلك جوابان :

أحدهما أن الله أعلمه على لسان نبيه ، وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة ، وزمان زوال الخوف عنه فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه ، وإنما اخفي ذلك عنا لما فيه من المصلحة ، فأما هو فعالم به ، لايرجع إلى الظن.

والثاني أنه لا يمتنع أن يغلب على ظنه بقوة الامارت بحسب العادة قوة سلطانه ، فيظهر عند ذلك ويكون قد أعلم أنه متى غلب في ظنه كذلك وجب عليه ويكون الظن شرطا ، والعمل عنده معلوما ، كما نقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود ، والعمل على جهات القبلة ، بحسب الامارات والظنون ، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجه إلى القبلة معلومين ، وهذا واضح بحمد الله.

وأما ما روي من الاخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة ، وصعوبة الامر عليهم ، واختبارهم للصبر عليه ، فالوجه فيها الاخبار عما يتفق من ذلك من الصعوبة والمشاق لان الله تعالى غيب الامام ليكون ذلك ، وكيف يريد الله ذلك ، وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم ومعصية ، والله لايريد ذلك بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه ، وأخبروا بما يتفق في هذه الحال ، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك ، والتمسك بدينه إلى أن يفرج الله [ تعالى ] عنهم.

١٠٠