شديد الاطلاع على المتون بارعا في معرفة العلل ، ولكنه معذور فهو عار منها.
ولما دخل التقي الحصني حلب بلغني أنه لم يتوجه لزيارته لكونه كان ينكر مشافهته على لابسي الأثواب النفيسة على الهيئة المبتدعة وعلى المتقشفين ، ولا يعدو حال الناس ذلك ، فتحامى قصده ، فما وسع الشيخ إلا المجيء إليه فوجده نائما بالمدرسة الشرفية ، فجلس حتى انتبه ثم سلم عليه فقال له : لعلك التقي الحصني ، فقال : أنا أبو بكر ، ثم سأله عن شيوخه فسماهم له فقال له : إن شيوخك الذين سميتهم هم عبيد ابن تيميّة أو عبيد من أخذ عنه ، فما بالك أنت تحط عليه؟ فما وسع التقي إلا أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر أن يرد عليه.
ولم يزل على جلالته وعلو مكانته حتى مات مطعونا في يوم الاثنين سادس عشر شوال سنة إحدى وأربعين (أي وثمانماية) بحلب ولم يغب له عقل بل مات وهو يتلو ، وصلي عليه بالجامع الأموي بعد الظهر ودفن بالجبيل عند أقاربه ، وكانت جنازته مشهودة ، ولم يتأخر هناك في الحديث مثله رحمهالله وإيانا ا ه.
أقول : تقدم الكلام على مدرسة بني العجمي في محلة الجبيل وأن في شرقي قبليتها بيتا كبيرا فيه ثمانية قبور مسنمة لا حجارة عليها ولا كتابة ، ولذا لم نعلم صاحب كل قبر ، والمترجم رحمهالله مدفون في أحدها.
وقد كان يدرس الحديث أيضا في جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي في محلة باب قنسرين ، ذكر ذلك ولده أبو ذر في كنوز الذهب في الكلام على هذا الجامع. وبهذه المناسبة نذكر هنا كلامه عليه ويكون ذلك تتمة لكلامنا على هذا الجامع في الجزء الثاني في (صحيفة ٣٥٩) قال :
الكلام على جامع منكلي بغا الشمسي (جامع الرومي):
قال في كنوز الذهب : منكلي بغا الشمسي ولي نيابة حلب عوضا عن قطلوبغا الأحمدي في سنة ثلاث وستين وسبعماية ، ثم وليها ثانيا وفي هذه التولية أنشأ هذا الجامع وباشر منعوتا بأحسن الأوصاف حاملا ألوية العدل والإنصاف إلى أن نقل إلى نيابة دمشق بعد سنة كاملة. وهذا الجامع لطيف حسن العمارة ظاهر النورانية يشرح الصدر ويذهب الغم ويفرج الكرب ، ومحرابه في غاية الجودة من الرخام الملون والفسيفساء ، وهو معتدل على القبلة