البرهان نظره قاصر على كتبه والشمس يجول (١). وكان ذكره قبل ذلك في القسم الثاني من معجمه فقال : المحدث الفاضل الرحال ، جمع وصنف مع حسن السيرة والتخلق بجميل الأخلاق والعفة والانجماع والإقبال على القراءة بنفسه ودوام الإسماع والاشتغال ، وهو الآن شيخ البلاد الحلبية غير مدافع ، أجاز لأولادي وبيننا مكاتبات ومودة حفظه الله تعالى. قال :
ثم اجتمعت به في قدومي إلى حلب في رمضان سنة ست وثلاثين صحبة الأشرف وسمعت منه المسلسل بالأولية بسماعه من جماعة شيوخنا ومن شيخين له لم ألقهما ، ثم سمعت من لفظه المسلسل بالأولية تخريج ابن الصلاح سوى الكلام. انتهى وبلغني أن شيخنا كتب له المسلسل بخطه عن شيوخه الذين سمعه منهم وأدخل فيهم شيخا رام اختباره فيه هل يفطن له أم لا ، فتنبه البرهان لذلك بل ونبه على أنه من امتحان المحدثين ، هذا مع قوله لبعض خواصه إن هذا الرجل يعني شيخنا لا يلقاني إلا وقد صرت نصف راجل ، إشارة إلى أنه كان عرض له قبل ذلك الفالج وأنسي كل شيء حتى الفاتحة. قال : ثم عوفيت وصار يتراجع إليّ حفظي كالطفل شيئا فشيئا ، وهو ممن حضر مجلس إملاء شيخنا بحلب وعظمه جدا كما أثبته في ترجمته واستفاد منه كثيرا. وأما شيخنا فقد سمعته يقول : لم أستفد من البرهان غير كون أبي عمير بن أبي طلحة اسمه حفص ، فإنه أعلمني بذلك ، واستحضر كتاب «فاضلات النساء» لابن الجوزي لكون التسمية فيه ولم أكن وقفت عليه.
وممن ترجم الشيخ أيضا الفاسي في ذيل التقييد وقال : محدث حلب ، والتقي المقريزي في تاريخه لكن باختصار وقال : إنه صار شيخ البلاد الحلبية بغير مدافع مع تدين وانجماع وسيرة حميدة.
وقال البقاعي : إنه كان على طريقة السلف في التوسط في العيش وفي الانقطاع عن الناس لا سيما أهل الدنيا عالما بغريب الحديث شديد الاطلاع على المتون بارعا في معرفة العلل ، إذا حفظ شيئا لا يكاد يخرج من ذهنه ، ما نازع أحدا بحضرته في شيء وكشف عنه إلا ظهر الصواب ما قاله أو كان ما قاله أحد ما قيل في ذلك. وهو كثير التواضع مع الطلبة والنصح لهم ، وحاله مقتصد في غالب أمره. قلت : وفيها مجازفات كثيرة كقوله
__________________
(١) في «الضوء اللامع» : يحوش.