خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمَئِذ آمِنُونَ) (١) ، فعالج ذلك التعارض الابتدائي بوجه خاص.
والسير في الكتابين والمقارنة بين فصولهما والأُصول المطروحة فيهما ، وكيفية البرهنة عليها ، يعرب للباحث أنّ هناك هوة سحيقة بين مذهب الأشعري في « الإبانة » ، ومذهبه في « اللمع » ، وأنّ تلامذة مدرسته استثمروا ماجاء به الشيخ في « اللمع » ، دون ما في « الإبانة » ، وجعلوه هو الأصل ، وأشادوا بنيانه ، وأكبّوا على دراسته ، ولأجل ذلك أصرُّوا على التنزيه ، وركّزوا على الكسب ، وأسّسوا منهجاً كلامياً ، بين مذهب الحشوية من أهل الحديث والمعتزلة من المتكلّمين.
ما هو الداعي إلى التصويرين المختلفين؟
إنّ هنا سؤالاً يطرح نفسه : إذا كان ما يعتقده الأشعري من الأُصول هو ما جاء به في « الإبانة » ، فما هو الداعي للتصويرين المختلفين في مذهب الحقّ؟
والإجابة عن هذا السؤال مشكلة جداً ، وعلى ضوء ما ذكرناه حول الدوافع التي دعت الشيخ الأشعري إلى الانخراط في سلك أهل الحديث ، يمكن أن يقال : إنّ الهدف الأسمى للشيخ كان هو تعديل عقائد الحشوية ، من أهل الحديث الذين كانوا يتعبّدون بكلّ حديث من دون معالجة أسناده ، أو مضمونه ، وتقييمه في سوق الاعتبار ، وكان تحقّق ذلك الهدف رهن الانخراط في سلكهم ، والرجوع عن أعدائهم ومخالفيهم ، ولذلك أعلن الشيخ التوبة عن الاعتزال ونصرة مذهب إمام الحديث ومقدامه.
ولكن لمّا لم يكن ذلك كافياً في الأخذ بمجامع قلوبهم ، وصرف نفوسهم وأهوائهم إلى نفسه ، عمل كتاب « الإبانة » حتى يرضي قلوبهم ويملأ عيونهم مع إقحام بعض الكلمات التي تناسب التنزيه وتخالف التجسيم فيها.
ولمّا تربّع على سدَّة الحكم وآمنت أصناف من الحشوية به ، أخذ بالتعديل
ــــــــــــــــــ
١ ـ النمل : ٨٩.