إنّه سبحانه وتعالى متكلّم بكلام وهو وصف قائم بذاته ـ إلى أن قال ـ : والكلام بالحقيقة كلام النفس ، وإنّما الأصوات قطعت حروفاً للدلالات كما يدل عليها تارة بالحركات والإشارات ، وكيف التبس هذا على طائفة من الأغبياء ولم يلتبس على جهلة الشعراء حيث قال قائلهم :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جُعل اللسان على الفؤاد دليلا (١) |
وقد أوضحنا حال الكلام النفسي ، وأنّ نفي التكلم عنه سبحانه لرجوعه إلى العلم.
٧ ـ رأيه في رؤية الله سبحانه
إنّ الغزالي مع أنّه من المصرّين على التنزيه فوق ما يوجد في كلام الأشاعرة ، ولكنّه لم يستطع تأويل ما دلّ على أنّه سبحانه يُرى يوم القيامة فقال : العلم بأنّه تعالى مع كونه منزّهاً عن الصورة والمقدار ، مقدساً عن الجهات والأقطار ، مرئي بالأعين والأبصار في الدار الآخرة.
ثمّ قال : وأمّا وجه إجراء آية الرؤية على الظاهر فهو غير مؤد إلى المحال ، فإنّ الرؤية نوع كشف وعلم ، إلاّ أنّه أتم وأوضح من العلم ، وإذا جاز تعلّق العلم به وليس في جهة ، جاز تعلّق الرؤية به وليس بجهة. (٢)
يلاحظ عليه : إنّه بأيّ دليل يقول : إذا جاز تعلّق العلم به سبحانه ، جاز تعلّق الرؤية به؟ فهل هذا قضية كلية؟ مع أنّ الإرادة والحسد والبخل وسائر الصفات النفسانية يتعلّق بها العلم ، فهل تتعلّق بها الرؤية؟ وهو يعترف بأنّه سبحانه ليس جسماً ولا جسمانياً ولا صورة ، والمغالطة في كلامه واضحة ، فإنّ العلم بالشيء نوع تصور له ، والتصور لا يستلزم الإشارة إلى الشيء ولا كونه في جهة أو كونه متحيزاً ، بخلاف الرؤية بالأبصار فإنّها لا تنفك عن
__________________
(١) قواعد العقائد : ٥٨ و ١٨٢ ، والشعر للأخطل وقبله :
لا يعجبنك من أمير خطبة |
|
حتى يكون مع الكلام أصيلا |
(٢) قواعد العقائد : ١٦٩ ـ ١٧١.